لجريدة عمان:
2025-12-09@12:53:59 GMT

الحرب والدولار

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

رويدا رويدا، نقترب من أول صراع عالمي في عصر ما بعد الحرب الباردة. إبان الحرب الباردة، ساعَـد اثنان من العوامل اليقينية الثابتة على الحفاظ على استقرار الأمور (على الرغم من خطورتهما)؛ الآن لم يعد لهذين العاملين وجود: توازن الرعب النووي («الدمار المتبادل المؤكد») وهيمنة الدولار الأمريكي، الذي يُــنـظَـر إليه على نطاق واسع على أنه سلاح نووي مالي.

كانت الـسِّـمة الفريدة المشتركة بين هاتين الأداتين اللتين تتمتعان بقوة مادية ومالية متفجرة أن استخدام أي منهما لم يكن واردا حقا. ذلك أن استخدام أي من الخيارين كان يعني فعليا تدمير الذات، نظرا لكل التأثيرات الارتدادية، والأضرار الجانبية، والعواقب غير المقصودة التي قد تترتب على ذلك. وعلى هذا فإن القوة الكامنة فيهما كانت تجريدية أكثر من كونها ملموسة.

الآن، تغير الموقف. فلا يخلو الأمر من صراعات مستمرة حيث قد يشعر أحد الأطراف بالإحباط إلى الحد الذي يجعله يستخدم سلاحا نوويا، كما دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التهديد بأن يفعل منذ بدأ حرب أوكرانيا. وكان الدولار يُـسـتَـخدَم بالفعل كسلاح بشكل كامل كوسيلة لنشر العقوبات المالية والحفاظ على الردع. صحيح أن المشكلات الناجمة عن هيمنة الدولار كانت قائمة لفترة طويلة -طويلة إلى الحد الذي يجعل أولئك الذين يتنبأون بزواله يلقون معاملة «الصبي الذي صرخ... الذئب».

في أواخر ستينيات القرن العشرين، تصدى رجل الاقتصاد روبرت مونديل الحائز على جائزة نوبل لمن أعلنوا انحدار الدولار في عصره (وأغلبهم في فرنسا)، بإطلاق تكهن غير عادي من ثلاثة أجزاء بدا بعيد الاحتمال في ذلك الوقت. فقد توقع على وجه التحديد تفكك الاتحاد السوفييتي؛ وسعي أوروبا إلى إنشاء اتحاد نقدي؛ وبقاء الدولار باعتباره العملة الدولية الرائدة طوال حياته. وتبين أنه كان مُـحِـقا في كل ما تكهن به (توفي قبل عامين). لكن الدولار أصبح اليوم عُـرضة على نحو متزايد للاضطرابات المالية، وهو ما يتجلى بوضوح في أسواق السندات التي تدقق في الدين العام الأمريكي الطويل الأجل. هذه المشكلات ذات طبيعة فنية جزئيا، بطبيعة الحال؛ لكنها أيضا سياسية. ففي غياب أسباب انعدام اليقين بشأن موقف أمريكا المالي في الأمد البعيد، ستظل الأسواق هادئة. لكن إدارة الرئيس جو بايدن نشرت استثمارات عامة ضخمة في وقت حيث أصبح الكونجرس الأمريكي مختلا بشكل كامل، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على قدرة الإدارة حتى على الإبقاء على الحكومة عاملة وسداد الديون. ومن المرجح أن تكون هذه الالتزامات المالية -التي أفضت إلى نمو اقتصادي قوي- والجمود السياسي الحالي من سمات الحكم الطويلة الأمد في الولايات المتحدة. الدولار معرض للخطر أيضا لأن العالَـم يحاول من خلال وصل النقاط فهم استراتيجية الولايات المتحدة في الدفاع عن أوكرانيا ضد الروس؛ والدبلوماسية في الشرق الأوسط، والجهود الرامية إلى الحفاظ على السلام في مضيق تايوان. والنقاط بالطبع هي الدولارات. كما لاحظ نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق خوان زاراتي قبل عشر سنوات، فإن العقوبات تحقق نجاحا بالغا ضد الدول الصغيرة والمعزولة نسبيا؛ ولكن كلما كان الهدف أكبر، ازداد الضرر الذي تلحقه العقوبات بأولئك الذين يفرضونها.

يتمثل سبب آخر وراء ضعف الدولار حاليا في الشكوك العميقة التي تساور عددا كبيرا من الأمريكيين الآن إزاء ما يسمى العولمة المفرطة والاعتماد المفرط على التمويل. من الواضح أن أنجوس ديتون، رجل الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، كانت يتحدث بلسان كثيرين عندما نشر كتابا جديدا انتقد فيه بقسوة غيره من خبراء الاقتصاد الذين ساعدوا في تحويل العالَـم إلى مكان غير متكافئ إلى الحد الذي يستفز أعمال العنف والثورات. كما أشار ديتون إلى أن الوضع في أمريكا اليوم يذكرنا بالتفكك الاجتماعي في أواخر العهد السوفييتي في روسيا.

الواقع أن الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الولايات المتحدة في عام 2024 ستجمع بين كل عناصر فوضى الدولار هذه، وخاصة إذا كان الاقتصاد راكدا في الوقت ذاته. في خضم مثل هذه الاضطرابات المالية، ربما يضيف هذا السيناريو إلى جاذبية أولئك الذين يقترحون تخلي أمريكا عن دورها القيادي والمواقف السياسية التي تبنتها بعد عام 1945.

لقد أبقت إدارة بايدن في نهاية المطاف على أغلب التعريفات الجمركية التي فُـرِضَت في عهد ترامب، وفشلت المحادثات الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي بشأن خفض التعريفات والتصدي لصادرات الصين من الصلب بطرق متوافقة مع منظمة التجارة العالمية. الأمر ينطوي على خطر حقيقي للغاية يتمثل في خوض الديمقراطيين والجمهوريين حملاتهم الانتخابية على وعد بالتحول بعيدا عن العولمة.

من الواضح أن المجتمع الدولي في احتياج إلى مبادئ توجيهية أفضل لإدارة الدبلوماسية المالية أشبه بتلك التي جرى تطويرها في وقت لاحق أثناء سباق التسلح النووي إبان الحرب الباردة. في عام 1969، بدأت القوى العظمى العالمية تتخذ خطوات لجعل العالم أكثر أمانا عبر محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية (SALT)، وهي عملية طويلة تمخضت عن معاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية. ورغم أن احتواء وتقييد استخدام الأسلحة النووية لا يزال يشكل أولوية قصوى في نظر المجتمع الدولي، فلا بد وأن يُـضـاف منع التدمير الذاتي المالي إلى الأجندة. إن وقف تحويل القنوات المالية العالمية إلى «سلاح نووي» يعني إعادة الاتصال بموضوعات تسوية ما بعد عام 1945.

في مؤتمر بريتون وودز ومؤتمر الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، كان الاقتصاد والأمن وجهين لعملة واحدة. لكن العلاقة الوثيقة بين الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) كانت معيبة. كان أكبر خمسة مساهمين في المؤسسات المالية الدولية هم أيضا الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن قوة سلطة النقض التي يمتلكها الأعضاء الدائمون دمرت فعالية تلك الهيئة، والآن تسربت روح سلطة النقض إلى مؤسسات بريتنون وودز عبر قواعد التصويت بالأغلبية المطلقة.

بالاستعانة بإجراءات أبسط لاتخاذ القرار على أساس الأغلبية، يصبح من الممكن تأسيس عملية قضائية للتعامل مع العقوبات المالية وفرضها -بما في ذلك مصادرة الأصول- على الدول المارقة مثل روسيا. ومن الممكن أن تسير محادثات الحد من الأسلحة النقدية على خُـطى محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، ليتوج الأمر في النهاية بمعاهدة الحد من الأسلحة النقدية. يجب أن يكون هذا أولوية قصوى. ذلك أن النظام النقدي الدولي الأكثر قوة من شأنه أن يعمل على توليد قدر أعظم من الأمان من خلال خلق قدرة عالمية أقوى للوقاية من انتهاكات السلام ووقف الزيادة المثيرة للقلق التي طرأت على تواتر هذه الانتهاكات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحد من الأسلحة

إقرأ أيضاً:

إعلام عبري: لن يدخل المناطق الخضراء برفح إلا العائلات الفلسطينية التي لا ترتبط بحماس

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية،  منذ قليل، بإن  الجيش حدد مناطق خضراء للأمريكيين ضمن الخط الأصفر برفح لبناء بنية تحتية للسكان،  موضحة انه لن يدخل المناطق الخضراء برفح إلا العائلات الفلسطينية التي لا ترتبط بحماس،  وفقا للقاهرة الإخبارية. 

اليونيسف: 165 طفلا في غزة استشهدوا بسبب سوء التغذية إعلام عبري: الجيش يعترف بأن خروقات حماس في غزة قليلة

وفي وقت سابق،اعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ، أن بنيامين نتنياهو سيلتقي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الولايات المتحدة، في 29 من ديسمبر الجاري لمناقشة خطط مستقبل غزة.

وقالت المتحدثة باسم الحكومة شوش بدروسيان، في إحاطة عبر الإنترنت للصحفيين: "سيلتقي رئيس الوزراء بالرئيس ترامب الإثنين 29 ديسمبر، وسيناقشان خطوات والمراحل المستقبلية وقوة الاستقرار الدولية ضمن "خطة وقف إطلاق النار".

وستكون هذه الزيارة الخامسة لنتنياهو منذ يناير، وقد تمتد لأسبوع، ولم يؤكد نتنياهو مدة لقائه ولا مكان عقد اللقاء.

ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو سيزور الولايات المتحدة بين 28 ديسمبر و4 من يناير 2026، ومن المرتقب عقد اللقاء في منتجع مارالاغو في فلوريدا بالقرب من مكان إقامة ابن نتنياهو.

مقالات مشابهة

  • تعرف على أبرز الشخصيات التي واجهت التحريض الإسرائيلي خلال 2025؟
  • إعلام عبري: لن يدخل المناطق الخضراء برفح إلا العائلات الفلسطينية التي لا ترتبط بحماس
  • هندوراس تطلب من «الإنتربول» توقيف رئيسها السابق الذي عفا عنه ترامب
  • روبيو: ندعم سوريا السلمية المزدهرة التي تنعم بسلام
  • ترامب يحذر الدول التي تغرق الولايات المتحدة بالأرز الرخيص
  • أونروا: إسرائيل طرف في اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة التي تنص على حرمة المقار الأممية
  • الأمم المتحدة تخفض مناشدتها للمساعدات المالية
  • "لوفتهانزا" الألمانية تحظر "نقل الأسلحة" إلى إسرائيل
  • زيلينسكي: أوكرانيا وأمريكا ناقشتا القضايا الرئيسية التي قد تضمن إنهاء الحرب
  • بعائد 20.50%.. تفاصيل شهادات الادخار في بنك مصر بالجنيه والدولار الأمريكي