هل نجحت الذخائر العنقودية في تحويل دفّة الحرب الأوكرانية؟
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
يستعيد الهجوم الأوكراني المضاد توهجه، بفضل الذخائر العنقودية الأمريكية، بعد أسابيع طويلة من التراجع تحت سطوة المدافع الروسية، ونيران الطائرات الحربية، وحقول الألغام الشاسعة.
وبفضل الذخائر العنقودية، أصبح بإمكان الجنود الأوكرانيين أن يتقدموا قليلاً بساحة المعركة، فقد مكّنتهم من استهداف تجمعات أكبر للجيش الروسي، وتدمير مساحات أوسع من الخنادق، والآليات العسكرية، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وفي حين أن القنابل العنقودية وحدها لن تغير ميزان القوى في ساحة المعركة بشكل حاسم لصالح أوكرانيا، يقول جنود أوكرانيون، إنها سهلت رحلتهم الشاقة في استعادة مواقع احتلتها روسيا من قبل.
وأبرز مكسب تحقق بفعل الذخائر العنقودية، بحسب الصحيفة، هو تغيير بعض التكتيكات، ما سمح للجيش الأوكراني بالتقدم إلى مسافة أقرب من خطوط الدفاع الروسية، وبالتالي إيقاع خسائر أكبر في صفوف الجيش الروسي.
النقيب في الجيش الأوكراني أناتولي خارتشينكو، يصف الذخائر المحظورة دولياً، بالجيدة، والفعالة، فهي تجبر الجيش الروسي على التراجع.
مصاعبوأكد خارتشينكو، أن الأمر لا يخلو من الصعاب، فالروس يتعلمون بسرعة، ويطورون تكتيكاتهم دائماً، والآن يعملون على تعميق خنادقهم إلى أكثر من 7 أمتار في باطن الأرض، وكذلك فهم يقومون بتخفيف انتشار المشاة، لتقليل الخسائر في الأرواح.
في زابوريجيا، حققت الذخائر العنقودية، أنجع ضرباتاها، ويروي جنود أوكرانيون، أنه في أواخر يوليو (تموز) الماضي، دارت معركة شرسة في جنوب شرق المدينة التي تسيطر روسيا على جزء كبير منها، وجرى قصف موقع للجيش الروسي بوابل من الذخائر العنقودية، أُجبرت كتيبة روسية على الاتصال بقائدها لاستئذانه في الانسحاب، في مكالمة لا سلكية مخترقة، قال فيها أحد الجنود الروس، الذخائر تنهال علينا كالمطر، لدينا الكثير من الجرحى. نحن بحاجة إلى الإخلاء.
ولا يزال أمام الجيش الأوكراني طريق طويل لاختراق حصون الدفاعات الروسية، فرحلته لاستعادة المدن المحتلة مليئة بحقول الألغام، وتتطلب أسلحة فتاكة، كدبابة ليوبارد 2 الألمانية، التي دُمّر كثير منها بفعل الألغام الروسية، وأجبر ذلك القوات الأوكرانية على تغيير بعض التكتيكات بالاعتماد على المشاة والذخائر العنقودية، حتى بات أمامهم فرصة ممكنة لتحقيق انفراجة في الهجوم المضاد، بحسب قول عدد من القادة الأوكرانيين للصحيفة.
“While the cluster bombs alone won’t tilt the battlefield balance of power decisively in Ukraine’s favor, soldiers say they have helped them retake Russian positions that they had struggled to reach.” https://t.co/84tuakd3U2
— Max Boot ???????????????? (@MaxBoot) August 8, 2023يقول جندي أوكراني، بالقنابل العنقودية تنهار الدفاعات الروسية بالكامل، تحترق الأشجار فوق ملاجئهم، ويخرجون فراراً، لنتقدم نحن، ونستعيد أرضاً سُلبت منا في وقت سابق.
غير دقيقة.. لكن فعالةوبرغم عدم دقتها، تبقى الذخائر العنقودية فعالة، فهي تحدث ضرراً كبيراً في مساحة واسعة.
القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا اللفتنانت جنرال بن هودغز، يقول في تصحريات للصحيفة، إن الولايات المتحدة أرسلت إلى أوكرانيا ذخائر عنقودية بدلاً من المزيد من ذخائر الهاوتزر، بسبب نفادها في مخازن الغرب، متوقعاً أن تكون القنابل العنقودية أكثر فعالية.
وتُظهر مقاطع فيديو نُشرت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي جنوداً روس يعانون من جراح شديدة، بعد تعرضهم لهجمات بالذخائر العنقودية الأوكرانية. وقال هودغز إن القنابل تتوافق أيضاً مع ما اعتبره تحولًا في الإستراتيجية الأوكرانية لاستهداف قطع المدفعية الروسية.
Ukraine.
Cluster bombs on Russian soldiers.
Follow for more info.#UkraineWar #UkraineRussianWar #ukraine #RussiaIsLosing pic.twitter.com/82aAIDoVet
ويؤكد جندي أوكراني في وحدة إطلاق الذخائر العنقودية، إنها كانت أكثر فاعلية في الحقول الواسعة، مشيراً إلى أنها "مهمة، لكنها لا تشكل نقطة تحول".
ويضيف، "تطلق وحدات المدفعية في الجيش الأوكراني عادة مجموعة من القنابل العنقودية على الموقع الروسية تمهيداً لاقتحامها، ومع ذلك، فإن الخسائر البشرية في صفوفنا كانت باهظة في أغلب الهجمات".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية الجيش الأوكراني الذخائر العنقودية القنابل العنقودیة الذخائر العنقودیة
إقرأ أيضاً:
هل الحرب الأوكرانية خلف جنون الذهب المستجدّ؟
بعد استراحة لم تكن طويلة، عاد العالم بأسره إلى الذهب؛ إقبال غير مسبوقٍ على المعدن الأصفر يكشف تحوّلا عميقا في مزاج الأسواق وثقة الدول بالبُنى المالية الغربية. لم يعد المعدن الأصفر مجرد أصلٍ تحوّطي في دورات التضخم، مثلما كان قبل عقود، بل تحوّل إلى "أصل سياديّ" مفضّل لدى أغلب صانعي السياسات حول العالم، خصوصا حين تبدأ قواعد اللعبة بالاهتزاز.
أسعار الذهب قفزت إلى قمم تاريخية في الشهرين الفائتين، وصلت إلى نحو 4300 دولار للأوقية ثمّ تراجعت قليلا بفعل بعض "الصدمات" الإيجابية الطفيفة، كزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى آسيا وبداية التلاقي مجددا مع الصين حول الرسوم الجمركية، المعادن النادرة، وغيرها من الملفات.. لكنّ الأسعار عادت اليوم إلى "الجنون"، وهذا يعني أنّ المحرّك الرئيسي للمعدن الأصفر محوره: سلوك الولايات المتحدة وحلفائها، تجاه الصين وحلفائها أيضا.
أداء أقتصادي ضعيف مُثقل بالتضخم، وهشاشة قانونية في حماية الأصول السيادية، وتشدّد جيوسياسي آخذ في الاتساع، وتبدّل في مواقف العواصم الكبرى من كلفة الحروب وتمويلها
إذا، الذهب ليس لغزا بقدر ما هو نتيجة طبيعية لتراكم محفّزات نادرة الاجتماع: أداء أقتصادي ضعيف مُثقل بالتضخم، وهشاشة قانونية في حماية الأصول السيادية، وتشدّد جيوسياسي آخذ في الاتساع، وتبدّل في مواقف العواصم الكبرى من كلفة الحروب وتمويلها.. وخصوصا الحرب الروسية- الأوكرانية، التي كانت الشرارة التي أطلقت "حرب الذهب" قبل 3 سنوات.
نقطة التحول تلك، كانت بقرار تجميد أصول المصرف المركزي الروسي بُعيد اندلاع الحرب في أوكرانيا؛ الإجراء كسَر يقينا كان مستقرا منذ عقود، ومفاده أنّ احتياطيات المصارف المركزية في العالم (خصوصا في الغرب) محمية، وبمنأى عن الصراعات. لكنّ استخدام عوائد تلك الأصول المجمدة كضمان لقروض تُمنح لأوكرانيا، ثم تصاعد الحديث نحو مصادرة هذه الأصول رسميا ونقل ملكيتها إلى كييف، فجّر الموقف.
انتقلت القاعدة من بدعة "تجميد العوائد"، إلى بدعة أخرى أشدّ خطورة، وهي "مصادرة الأصول"، وبذلك تغيّرت تعريفات الأمان القانوني للأصول الاحتياطية، واندفعت المزيد من المصارف المركزية حول العالم، إلى تقليص تعرّضها للدولار واليورو، لصالح تخزين ذاك المعدن الأصفر.
مع تغيّر المزاج في واشنطن تجاه تقديم "الشيكات المفتوحة" لأوكرانيا، وجد الأوروبيون أنفسهم أمام سؤال التمويل في ظل رأيٍ عام مثقل بكلفة المعيشة. أحد حلول بروكسل كان تسييل الأصول الروسية المجمدة من أجل تمويل الحرب، لكن هذا المسار اصطدم بتحفظات مؤسسية وقانونية: المصرف المركزي الأوروبي حذّر من تآكل سمعة عملته (اليورو) كعملة احتياطي في حال بدت أوروبا مستعدة لاستخدام أصولٍ سيادية أجنبية خارج تقاليد الحماية السائدة، ناهيك عن عقد "يوروكلير" حيث تُحتجز الكتلة الأكبر من الأصول الروسية. بروكسل حاولت ألا تكون الطرف الذي يواجه وحده تبعات قضائية ومالية في حال ارتدّت الخطوة أمام المحاكم أو اتخذت مسارات قضائية.
كل ذلك، يفسر اليوم سباق المصارف المركزية إلى الذهب، خصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بلغ صافي المشتريات أكثر من ألف طن سنويا، على نحوٍ غير مألوف في الأسواق الحديثة، فاتسعت قاعدة المشترين لتشمل الاقتصادات الناشئة وتلك المتقدمة على السواء، ناهيك عن "الترند" لدى الأفراد الذين تأثروا بهذه الموجة وتهافتوا على شراء الذهب بجنون.
في أحدث البيانات المتاحة عن شهر آب/ أغسطس الفائت، رفعت 7 مصارف مركزية احتياطياتها بأطنان من الذهب، ومنها كازاخستان التي اشترت نحو 8 أطنان، كما سجّلت بلغاريا أكبر مشتريات شهرية منذ العام 1997، وانضمت تركيا وأوزبكستان والتشيك وغانا وإندونيسيا إلى تلك القائمة، فيما واصلت الصين الشراء للشهر العاشر على التوالي متجاوزة سقف 2300 طن ذهب من المشتريات المعلنة (الترجيحاتٍ تفيد بأنّ المشتريات غير المعلنة هي أعلى من الأرقام الرسمية).
برغم التصحيحات الذي نشهدها على الطريق، فإنّ ما يميّز هذه الموجة أنّها قائمة على "أسس تنظيمية" وليس على مضاربات عابرة
اللافت في كل هذا، ليس حجم المشتريات فحسب، بل "مكان الحفظ"، حيث تفضل المصارف المركزية الاحتفاظ بذهبها داخل حدودها الوطنية، بدلا من الاعتماد على خزائن لندن أو نيويورك.. أمّا الهدف خلف ذلك فهو: تقليل مخاطر "الطرف الثالث" الذي قد يُحول سياسيا دون الوصول تلك الدول إلى أصولها، تماما كما حصل مع روسيا.
أما السؤال الذي يُطرح اليوم، فيتعلق بمسار الذهب المستقبلي، وإن كان سيواصل صعوده المستقيم والصاروخي، والجواب ليس أكيدا، باعتبار أنّ المعدن الأصفر شديد الحساسية أمام دورات السيولة والتغييرات بأسعار الفائدة.
برغم التصحيحات الذي نشهدها على الطريق، فإنّ ما يميّز هذه الموجة أنّها قائمة على "أسس تنظيمية" وليس على مضاربات عابرة، بخلاف ما يظنّ البعض. النظام المالي الدولي يُعاد تعريفه على وقع الضغوط الجيوسياسية؛ أوروبا في مأزق تمويلي طويل الأمد، وعالقة في توازن نقدي يتبدّل ببطء لصالح الأصول المحايدة سياديا. في هذا السياق، يصبح السعر المرتفع امتدادا منطقيا لتحوّلٍ أعمق، لا مفاجأة صاخبة خالية من أي تفسير.
إذا، العالم أمام "عقيدة ذهبية" جديدة، تتجاوز وظيفة التحوّط إلى وظيفة الضمان السيادي في عالمٍ تتقاطع فيه المبادىء "القانونية" بتلك "السياسية"، وكلما تقدمت النقاشات الأوروبية نحو تحويل "تجميد" الأصول الروسية إلى "مصادرة"، ازداد هذا التحوّل رسوخا.
التحدي اليوم ليس توقّع الذروة السعرية للذهب، بل فهم عملية التحوّل المؤسسي الذي يعيد ترتيب هرم الأصول الموثوقة لدى سائر الدول حول العالم.