تحوّل العقيدة القتالية للجيش: نحو عقيدة ردعية هجومية تحمي السيادة وتحفظ السلام
أعلن رئيس مجلس السيادة اليوم أن الجيش بصدد القيام بمراجعة جذرية لعقيدته القتالية الدفاعية الموروثة من الاستعمار البريطاني، والتي بناءً عليها قامت القوات المسلحة بوضع خططها التدريبية والتسليحية والعملياتية وبناء علاقاتها الخارجية خلال قرن من الزمان، وتبعاً لها تخوض القوات المسلحة حرب البقاء والوجود في مواجهة الغزو الأجنبي.

ملامح العقيدة الجديدة بحسب البرهان هي: انتقالٌ من عقيدة دفاعية تقليدية إلى عقيدة هجومية ردعية تجمع بين العمل التقليدي واللا تماثلي (Asymmetric). العقيدة الجديدة للجيش،ـ تفترض قيام الجيش ببناء قوة قادرة على ضرب مصادر الخطر استباقاً، وزيادة قدراته التقنية والاستخبارية، مع الاحتفاظ بقدرات لا تماثلية لمواجهة الحروب الهجينة الحديثة.
إن تصريحات الفريق أول ركن البرهان، قائد الجيش، في هذا الصدد تُعتبر الأهم في تاريخ التحولات داخل القوات المسلحة، وأتت في سياق الدروس المُستفادة، والحكمة واجبة التعلُّم لكل السودانيين، سواء على مستوى الدولة أو المواطنين، ومن نافلة القول أن مراجعة العقيدة القتالية للجيش لا يجب أن ينفصل عن مصيرية وضع فلسفة أمن قومي لا يمكن التهاون فيها مستقبلاً.

أضاف البرهان على ذلك أن الهدف من تغيير عقيدة الجيش ليس فقط مجابهة التحديات الخارجية التي تواجه الأمن القومي السوداني حالياً، والتي تتطور كنتيجة لرفض أبوظبي ومن ورائها القبول بأن تٌهزم، بل لتحقيق الردع مع المحيط العدائي تجاهنا، والذين ظنوا بسبب غفلتنا عن أمننا القومي، أن السودان، الدولة والاُمّة، سهل الابتلاع والهضم.

إن نجاح القوات المسلحة في إنجاز هذا التحول التاريخي والكبير والمُعقّد، له مطلوبات كثيرة -داخلياً وخارجياً- وبذات الدرجة من التعقيد، ولن يكون الطريق أمامها مُعبّداً بالورود، فالسودان يُدافع عن بقائه كدولة في مواجهة الغزو الخارجي من أبوظبي، ومن تمثلهم، وحلفائها من منظومة شبكات عسكرية ولوجستية ودبلوماسية وإعلامية، ومختلف أدوات حروب الجيل الرابع، كلها حُشدت لتقسيم السودان، وتسييل دولته، وتفكيك مؤسساته، وتفتيت مجتمعاته.
كل ما واجهه السودان ويتعرض له اليوم، على امتداد مساحته وحدوده الطويلة مع سبع دول مضطربة – باستثناء مصر وإريتريا – يثبت أن الاعتماد على الدفاع السلبي جريمة بحق بقاء الدولة. ففي عالم تنهشه الفوضى وتسوده النزاعات، الدفاع لا يؤجل سوى السقوط، بينما الهجوم الاستباقي وحده يصنع البقاء ويحمي السلام.

في جوار متفجر بالمطامع، وفي إقليم يموج بالتناحر والتصارع، يصبح الانتظار ضرباً من الانتحار المؤجل. ومع انهيار النظام الدولي القديم، وصعود سباق البقاء بالقوة، لم يعد الهجوم خياراً؛ بل صار قدراً لا مفر منه لحماية الأمن القومي وردع الأطماع قبل أن تكتمل.

هذا التوجه ليس جديداً في تاريخ الجيوش والدول. روسيا، على سبيل المثال، كسرت جمود منظومة الردع التقليدي الموروث من زمن الحرب الباردة، ففي عام 2024، قامت بمراجعة عقيدتها النووية، مخفضةً عتبة استخدام السلاح النووي، ومعززةً قدرتها على استخدام القوة التقليدية، سواء عبر منظومات الطيران المُسيّر الانتحاري المعدل، أو منظومات الصواريخ الفرط صوتية التي أصبحت رائدة عالمياً فيها، مما ضمن لها الردع الفعّال ضد أي تهديد يطال سيادتها أو وحدة أراضيها.

كذلك الصين، بعد أن عاشت “قرن الإذلال الوطني” (1839–1949)، أدركت أن الدفاع السلبي لا يحمي الأمن القومي. فتبنت أولاً عقيدة “حرب الشعب”، ثم طورتها لاحقاً إلى “حرب الشعب في الظروف الحديثة”، وصولاً إلى “الحروب الذكية” القائمة على التكنولوجيا المتقدمة والقدرات السيبرانية. هذا التطور العقائدي منح الصين قاعدة صلبة للنهضة الاقتصادية والعسكرية، ورسّخ مكانتها كقوة عالمية.

كما أن الولايات المتحدة، القوة الغربية الأبرز، عرفت مبكراً أن الدفاع التقليدي وحده لا يكفي لحماية المصالح القومية في عصر التحولات العنيفة. فعقب هزيمتها في حرب فيتنام عام 1975، أدركت أن الاعتماد على الردع النووي والدفاع التقليدي ضد الجيوش النظامية لم يعد كافياً، وأن طبيعة الصراعات باتت هجينة وغير متماثلة. فأعادت بناء عقيدتها العسكرية لتتبنى مبدأ “الضربات الاستباقية” والحروب الشبكية، ودمجت بين القدرات التقليدية والعمليات الخاصة والقدرات السيبرانية والإعلامية، لتؤسس ما عرف لاحقاً بالحرب الهجينة والردع النشط. هذا التحول العقائدي منحها القدرة على التعامل مع التهديدات قبل أن تكتمل قوتها، ومكنها من الحفاظ على تفوقها العالمي لعقود.

في السياق السوداني، بناء عقيدة هجومية ردعية مدروسة بالضرورة لا يعني التوسع العبثي أو العدوانية المطلقة، بل يعني حماية السيادة الوطنية بأدوات القوة الذكية: القدرة على المبادرة الاستراتيجية، الرد الانتقامي الرادع، وكسر أطماع الخصوم قبل أن تتحول إلى واقع.
إن القوة العسكرية الفعّالة ليست مجرد أداة قتال، بل هي الإطار الضامن للاستقرار السياسي والشرط الأولي لأي مشروع تنموي وتحول صناعي. فالتنمية الاقتصادية والتحول الصناعي يتطلبان بيئة آمنة ومستقرة، قادرة على حماية التوافقات السياسية الوطنية دون تدخل أو ابتزاز خارجي، توافقات يمكن أن تتطور وتتوسع باستمرار.

ما فشلت في فهمه النخب المدينية السودانية، ومجموعات ديسمبر، هو أنه لا حقوق ولا حريات، ولا تحول ديمقراطي، ولا نهضة صناعية، يمكن أن تتحقق في ظل تهديد بقاء الدولة وسيادتها عبر كيانات مسلحة تعبّر عن مشاريع استتباع أجنبي. بل إن بعض القوى الموجودة اليوم ضمن معسكر بقاء الدولة، لا تدرك بعد متطلبات حماية السيادة والوحدة الوطنية.

تصريحات رئيس مجلس السيادة اليوم تُعبّر بوضوح عن أننا بصدد مرحلة جديدة لبناء جيش يمتلك قوة هجومية ردعية، في عالم لا مكان فيه للضعفاء الذين ينتظرون أن يرحمهم الطامعون. القوة الحاسمة وحدها تصنع السلام الحقيقي، وتحفظ وحدة الدول واستقلالها، وتضمن ازدهار مجتمعاتها.

Ahmad Shomokh

#ربيع_الدولة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

مصر.. وزير الدولة للإنتاج الحربي يكشف عن أسلحة جديدة

كشف وزير الدولة للإنتاج الحربي في مصر، المهندس محمد صلاح الدين مصطفى، عن منظومات تسليحية جديدة صنعت في مصر في إطار تحديث المنتجات العسكرية واستحداث منظومات دفاعية متقدمة تلبي متطلبات القوات المسلحة.

وشدد الوزير على أن "هذه الجهود تأتي في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى امتلاك القوة الرادعة القادرة على حفظ الأمن القومي، وتحقيق التوازن الاستراتيجي، وإرسال رسالة قوية لكل من يحاول تهديد أمن مصر واستقرارها، إلى جانب توجيه رسالة طمأنة واضحة للشعب المصري بأن البلاد تمتلك القدرة الصناعية والتكنولوجية الكفيلة بحماية أراضيها ومصالحها".

وفي هذا السياق، أعلن الوزير عن مشاركة وزارة الإنتاج الحربي بعدد من المنتجات العسكرية الجديدة التي تعرض لأول مرة داخل جناح الوزارة في النسخة الرابعة من المعرض الدولي للصناعات الدفاعية "إيديكس 2025"، المقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة.

"ردع 300".. راجمة صواريخ مجنزرة بمدى 300 كيلومتر

كشف صلاح أن أبرز هذه المنتجات يتمثل في راجمة الصواريخ الموجهة المجنزرة متعددة الأعيرة "ردع 300"، والتي تعد من أحدث ما توصلت إليه الصناعات الدفاعية المصرية في مجال المدفعية الصاروخية.

وأوضح أن "ردع 300" تتميز بالخصائص التالية:
• قادرة على إطلاق أعيرة مختلفة ومهاجمة أهداف على مسافات تصل إلى 300 كيلومتر
• مصممة للعمل بكفاءة عالية في الطرق الممهدة وغير الممهدة على حد سواء
• تبلغ سرعتها 40 كيلومترا في الساعة، ما منحها قدرة عالية على المناورة والانتشار السريع في مسارح العمليات المختلفة.

وأضاف أن هذه المنظومة تمثل نقلة نوعية في قدرات النيران بعيدة المدى لدى الجيش المصري، وتعزز من منظومات الردع والدفاع الاستراتيجي.

"سينا 806".. مركبة إصلاح ونجدة مدرعة بتصنيع مصري 

وأشار الوزير إلى أن مركبة الإصلاح والنجدة "سينا 806" تعد من أحدث منتجات شركات الإنتاج الحربي، وقد جرى تصميمها وتصنيعها بالكامل بأيد مصرية بنسبة 100 بالمئة.

وأوضح أن المركبة تعمل جنبا إلى جنب مع تشكيلات المركبات المدرعة "سينا 200"، حيث تؤدي مهام الإصلاح والنجدة والتأمين الفني للمركبات ذات الجنزير في مناطق العمليات.

وتتميز «سينا 806» بما يلي:

• ونش رفع بحمولة تصل إلى 2 طن.

• ونش سحب لنجدة المركبات العاطلة بقوة تصل إلى 15 طن ويمكن مضاعفتها حتى 30 طن.

• تزويدها بكافة المعدات والعدد اللازمة لأعمال الإصلاح الميداني.

• وجود أماكن مخصصة لحمل قطع الغيار الأساسية.

• تمتعها بمستوى حماية مماثل للمركبة المدرعة.

وأكد الوزير أن هذه المركبة تمثل إضافة نوعية لمنظومات الدعم الفني واللوجستي في القوات المسلحة.

مركبة خفيفة مزودة بمدفع ثنائي 23 مم 

وفي تطور غير مسبوق، أعلن وزير الدولة للإنتاج الحربي عن تجهيز مركبة خفيفة (4×4) بالمدفع الثنائي عيار 23 مم المضاد للطائرات، بعد إجراء تطوير شامل لتقليل درجة الارتداد، بما يسمح بتحميله على مركبة خفيفة دون التأثير على ثباتها وأدائها.

وأوضح أن المدفع يتمتع بالمواصفات الآتية:

• معدل نيران يصل إلى 1600 طلقة في الدقيقة.

• مدى يتجاوز 2 كيلومتر على الأهداف الأرضية.

• أكثر من 2.5 كيلومتر على الأهداف الجوية.

• إمكانية الإطلاق الفردي أو الزوجي.

• قدرته على التعامل مع أهداف جوية ومنخفضة الارتفاع، إضافة إلى أهداف أرضية.

• ويعد هذا التطوير تقدما مهما في مجال الدفاع الجوي قصير المدى والدعم النيراني المتحرك.

• تطوير الصلب المدرع حتى 30 مم.. ومصر ضمن 6 دول فقط عالميا.

وكشف الوزير محمد صلاح عن إنجاز صناعي جديد يتمثل في نجاح وزارة الإنتاج الحربي في تطوير إنتاج الصلب المدرع، حيث تم الوصول إلى:

• سمك يصل إلى 30 مم بعدما كان الحد الأقصى 15 مم.

• عرض يصل إلى 240 سم بعدما كان 150 سم.

وأكد أن العمل لا يزال جاريا لمزيد من التطوير والوصول إلى أبعاد أكبر مستقبلا، موضحا أن توطين تكنولوجيا تصنيع الصلب المدرع يعد عنصرا استراتيجيا يدخل في إنتاج الدبابات والمدرعات القتالية، ويحقق الاكتفاء الذاتي للقوات المسلحة من هذه المادة الحيوية.

وبذلك أصبحت مصر واحدة من 6 دول فقط على مستوى العالم قادرة على إنتاج هذا النوع من الصلب المدرع محليا.

منظومة الهاوتزر "K9 A1 EGY"

وأشار الوزير إلى أن جناح الوزارة في المعرض يضم أيضا نموذجا مصغرا لمنظومة الهاوتزر 155 مم – 52 عيار (K9 A1 EGY)، والتي تعد من أحدث منظومات المدفعية على مستوى العالم.

وأوضح أن هذه المنظومة تأتي في إطار شراكة استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية بهدف توطين التكنولوجيا داخل المصانع المصرية، لافتا إلى أن خط إنتاج هذه المنظومة يجري تجهيزه حاليا بأحدث ماكينات التشغيل داخل أحد مصانع الإنتاج الحربي.

وأضاف أنه من المقرر تسليم أول كتيبة من هذه المنظومة إلى القوات المسلحة خلال النصف الأول من عام 2026، كما أوضح أن الذخيرة عيار 155 مم الخاصة بهذا المدفع تم تصنيعها بالفعل داخل مصانع الإنتاج الحربي.

امتلاك القوة القادرة

وقال الوزير محمد صلاح: "يجب على كل مصري أن يكون فخورا بهذه المنتجات التي تصنع بأيدي أبناء الإنتاج الحربي، من أجل امتلاك القوة القادرة على حفظ السلام".

وأضاف أن الطفرة التي شهدها قطاع الإنتاج الحربي في الفترة الأخيرة ترجع بالأساس إلى الدعم غير المحدود من القيادة السياسية، مؤكدا أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي تمثل خارطة طريق لتطوير الصناعة الوطنية وتعظيم الاستفادة من القدرات البشرية والتكنولوجية المتوفرة داخل كيانات الإنتاج الحربي.

وشدد على وجود خطط مستقبلية تستهدف إطلاق المزيد من المنتجات الدفاعية الجديدة بما يعزز دور الوزارة كركيزة أساسية للصناعة العسكرية المصرية.

مقالات مشابهة

  • متخصص بالشأن العسكري: الدولة المصرية تعمل على امتلاك القوة للحفاظ على السلام
  • الإليزيه: ماكرون وترامب تبادلا وجهات النظر حول شروط السلام الدائم في أوكرانيا
  • مصر.. وزير الدولة للإنتاج الحربي يكشف عن أسلحة جديدة
  • وزير الدفاع: القوات المسلحة كانت وستبقى قوة حكيمة رشيدة تحمي ولا تهدد
  • وزير الدفاع: القوات المسلحة كانت وما زالت قوة حكيمة ورشيدة تحمي ولا تهدد
  • خالد عمر يوسف: عورة معسكر الحرب بائنة لن تسترها البذاءات
  • عبد السلام فاروق يكتب: ثقافة القوة وقوة الثقافة
  • أحمد موسى: تحرك النيابة العسكرية بواقعة "أطفال سيدز" يعكس التزام الدولة بمبدأ الردع
  • مفتي الجمهورية: العقيدة تعمل كمصباح للإنسان وتضبط سلوكه في السر والعلن
  • رئيس مجلس السيادة القائد العام يستقبل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي