همدان العليي

إضافة لقيام الحوثيين باحتواء الانتهازيين والمجرمين واللصوص وقُطَّاع الطُرُق والمُهرِّبين لزيادة سوادهم وتسريع عملية إخضاع الناس، فقد ساندهم كثير مِمَّن ينتمون إلى السلالة التي قَدِمَت إلى اليمن قديمًا وادَّعت بأنَّها الأحقُّ بحُكم اليمنيين، سواء كانت هذه الأسَر تسكن في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، زيدية أو شافعية أو صوفية أو لادينية.


الحكم الإمامي قائم على سلالة ترى بأنها مُميَّزة بناء على نظرية دينية خاصة بها (الولاية)، وبناء على ذلك فان على اليمنيين أن يُقدِّسوها، ولن ينالوا رضا الله عَزَّ وجَلَّ إلَّا إذا أحبُّوا أفراد هذه السلالة وأطاعوها وفضَّلوها على كُلِّ شيء حولهم. فالسلطة لها بشكل مُطلق، ولها خمس ثروات اليمنيين ومداخيلهم، كما على اليمنيين أن يتبرَّكوا بها ويُميِّزوها في المجالس واللقاءات، ولا يُسْمَح لمَن لا ينتمي إليها بالزواج منها.
يختلف الحكم الإمامي عن النظام الملكي. ذلك لأنَّ الأوَّل حكم ثيوقراطي كهنوتي يستعبد اليمنيين باسم الدين وأكذوبة الحق الإلهي أوَّلًا. ثانيًا لأنَّ الإمامة قائمة على حُكم السلالة العرقية وليس الأسرة. في دول مختلفة، تحكم أسَر ملكية مُعَيَّنة وأعداد مَن ينتمون إليها قليل جدًّا ضِمْن نظام ملكي يُعطي مناصب محدودة للغاية لمَن ينتسب للأسرة المالكة، فيما عدا ذلك يشترك كافة أفراد المجتمع ومُكوِّناته في إدارة وتسيير مؤسسات البلاد. لكن الإمامة في اليمن يعني حُكم الأقلية السلالية بالمُطلق.
بناءً على نظرية البطنين الإمامية في اليمن، فإنَّ كُلَّ فرد من أفراد هذه السلالة هو ملك وحاكم ورئيس وقائد ومدير وصاحب المال والجاه والسلطة في المكان الذي يتواجد فيه وفق معتقدها الديني العنصري. وإذا كان عدد هذه السلالة 200 ألف شخص مثلًا، فكُلُّ فرد منهم يعتبر ملكًا على المنطقة التي يعيش فيها أو المؤسسة التي يعمل بها على أساس إقصاء بقية اليمنيين ليبقوا مجرد تابعين بلا حيلة أو أي تأثير.
ولتبسيط المسألة أكثر.. قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كانت هذه السلالة مثلها مثل بقية اليمنيين متواجدة في كُلِّ مؤسسات الدولة. وزراء ووكلاء ومدراء إدارات وقيادات عسكرية وصحفيين وتجار ورجال أعمال وأطباء وقيادات حزبية. لم تتعرض للإقصاء، بل رُبَّما كانت أوفر حظًّا في الحصول على المناصب بسبب التعليم العالي الذي حصلت عليه في المراحل السابقة. لكن وبمجرد ما سيطرت على صنعاء عسكريا، قامت بتسريح مَن لا ينتمي لسلالتها من المناصب المدنية والعسكرية العُليا والمتوسطة، وعملت على استهداف مُمنهَج لرجال الأعمال وإنشاء قطاع خاص بها كما أشرنا في الأبواب السابقة، بل استهدفت المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني المحلية التي لا ينتمي أصحابها إلى نفس السلالة في واحدة من أبشع صور الفصل العنصري في الوقت الحاضر.
فمنصب الرئيس والوزير والوكيل والمدير العام ورئيس القسم وقادة الجيش والألوية والكتائب والسرايا وكل المناصب القيادية العسكرية والمدنية والتجارية والثقافية يجب أن تكون أوَّلًا للسلالة، ومَن جاء من خارجها تربطه علاقة مصاهرة أو ولاء مُطلق ليستخدم كغطاء لتمكينها لا أكثر.
تجد مَن ينتمون للسلالة ويسكنون في عواصم المدن أو في جبال المحويت الشاهقة، أو وديان تهامة أو هضاب إب أو تعز أو أقصى الجوف النائية هُم أصحاب المكانة والجاه والسُلطة والأموال والأراضي والمناصب والتجارة، ويتحكمون بكُلِّ صغيرة وكبيرة، مقابل أغلبية اليمنيين الذين ليس لهُم حول ولا قوة، ويعيشون على فتات ما يُرْمَى لهُم، وهذا الأمر لا يمكن أن تراه في أيَّة دولة ملكية. فعدد الأسرة الحاكمة في الدول الملكية قليل جدًّا، وتُعطَى لهُم مهام ووظائف محدودة جدًّا، وتترك باقي مناصب الدولة لبقية مكونات الشعب.
ولأنَّ السُلطة الممنوحة لهذه السلالة تُعتبَر إلهية ومستمدة من الدين بحسب اعتقاد الحوثيين، فإنَّ أتباع هذه الجماعة لا يخضعون لأيَّة عملية رقابية، ولا يقبلون مبدأ الشفافية، ولا يُسْمَح بمحاسبتهم، بالرغم من حديثها المُتكرِّر عن مكافحة الفساد والرقابة والمُحاسَبة. ومَن ينتقدها يُعتبَر عميلًا ومُرتزِقًا وخائنًا وطابورًا خامسًا. وبسبب إضفاء هالة من القداسة على بعض الأشخاص ممن بيدهم مقاليد الأمور، تصبح عملية مكافحة فسادهم كفرا وضلالا بل ومواجهة مع الله تعالى و«ارتهان للشيطان» في نظر أتباعهم.
هذا الواقع الذي يتكرَّر منذ أن جاء يحيى الرَسِّي مع جيش الطبريين إلى اليمن حتى اليوم، وكان من أهم الأسباب التي أدَّت إلى عدم استقرار الفترات التي حكم فيها الأئمة بطبيعة الحال. رُبَّما يتحمّل المواطن فساد النخبة السياسية والحكومات إلى حين، لكنَّهُ لا يستطيع التعايش مع فساد ولصوصية عِرْقية بأكملها تستمر إلى ما لا نهاية تحت تهديد السلاح واستغلال الدين. فالموظف الحكومي يشاهد بأنَّ الوزراء والوكلاء ومدراء العموم ورؤساء الأقسام والوحدات ينتمون لسلالة واحدة.. والجندي يشاهد الوزير والرتب العسكرية والاستخباراتية والأمنية والمواقع القيادية الكبيرة والصغيرة كُلّها تذهب لصالح أفراد من ذات السلالة.. والمواطن في الحي والقرية يشاهد عاقل الحي وشيخ الحارة والأمين الشرعي ومدير قسم الشرطة والمباحث والمسؤول عن توزيع سلعة غاز الطهي وفواتير الكهرباء ينتمون لنفس السلالة أو المقربين منها. والتاجر ورجل الأعمال الذي يشاهد الاستهداف المُمنهَج لهُم من قبل هذه الجماعة لدفعهم للإفلاس أو مغادرة اليمن أو الدخول معهم في شراكة غير عادلة، وفي المقابل مُنِحَ التجار ورجال الأعمال الذين ينتمون للسلالة كُلَّ الامتيازات والتسهيلات والدعم والقروض من أجل تنمية أنشطتهم التجارية المتناسلة. كذلك الحقوقي والإعلامي يشاهد هذه السُلطة السلالية وهي تغلق منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي يرأسها يمنيون لا ينتمون لها، ويُنشئون منظمات ووسائل إعلام خاصة بهم.
تاريخيًّا، كانت هذه الممارسات العنصرية وعمليات السطو على مُقدَّرات اليمنيين أحد أسباب الغضب الشعبي المُتكرِّر والذي كان يتحوَّل إلى ثورات مُستمِرَّة ضد الحكم الإمامي، ولهذا لم تستقر اليمن منذ فترة طويلة. وقد أشارت المؤرخة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا لهذه المسألة باقتضاب شديد في سياق حديثها عن دوافع الشعب اليمني لإنجاز ثورة 26 سبتمبر 1962م، ضد نظام الحكم الإمامي العنصري بقولها: «وكان أحد الأسباب التي أدَّت إلى الثورة في البلاد، تطلُّع طبقات المجتمع اليمني المختلفة إلى اجتثاث سُلطة الأئمة الأوتوقراطية الإقطاعية، وطغمة السادة التي أعاقت تطوُّر الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والتي أبقت البلاد في مستوى البلدان الأكثر تخلُّفًا، والدول العتيقة في العالم».
ما سبق بعض الأسباب التي تجعل استقرار سيطرة الحكم السلالي مسألة صعبة للغاية.. لأن الاستقرار مرتبط بالحفاظ على كرامة اليمني وليس توفير الرغيف وحسب.

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: ن ینتمون

إقرأ أيضاً:

تقرير أممي: الأزمة اليمنية تزداد سوءا وملايين اليمنيين بحاجة للمساعدات الحيوية

أفاد تقرير أممي أن ملايين السكان في اليمن يفتقرون للمساعدات الحيوية، جراء نقص التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية التي لا تزال ممولة هذا العام بأقل من 9 بالمئة.

 

ودعا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية -في تقرير له- إلى ضرورة التحرك بشكل عاجل لإنقاذ الأرواح في وقت تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية والإنسانية.

 

وحسب التقرير الأممي فإن وكالات الإغاثة تبذل جهودا حثيثة لتقديم المساعدات.

 

وذكر أن المبلغ الذي تم استلامه لخطة الاستجابة 213 مليونا و600 ألف دولار فيما المطلوب ملياران وأربعمائة وثمانون مليون دولار.


مقالات مشابهة

  • في ظل غياب دور السفارة.. القاهرة توجه بالإفراج عن اليمنيين من السجون المصرية على ذمة "تجارة العملة"
  • المسند يحذر من الاقتراب من الحفر والصخور لانتشار ونشاط الزواحف
  • "بيئة أضم" تنفذ جولة تفتيشية على المسالخ استعدادًا لموسم عيد الأضحى
  • بكري يوجه التحية لوزير الداخلية بعد تدخله لحل مشكلات بعض اليمنيين في مصر
  • اليمن في عمق المواجهة.. خطوات عملية وسريعة لإعادة البنى التحتية التي دمرها العدو الصهيوني والأمريكي
  • تقرير أممي: الأزمة اليمنية تزداد سوءا وملايين اليمنيين بحاجة للمساعدات الحيوية
  • بن حبريش: حضرموت ماضية نحو الحكم الذاتي ولن نتراجع مهما كلف الثمن
  • أحمد ياسر يكتب: لماذا أبرم ترامب اتفاقًا مع اليمن دون علم إسرائيل؟
  • جبران: التصديق على قانون العمل خطوة جديدة نحو بيئة عمل عادلة ومحفزة ومستدامة
  • ألسن عين شمس تستضيف ندوة نحو بيئة جامعية دامجة لمركز ذوي الإعاقة