الجزيرة:
2025-08-06@20:08:59 GMT

غزة.. صوت الجوع يصرخ من عظام الطفلة مريم

تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT

غزة.. صوت الجوع يصرخ من عظام الطفلة مريم

غزة- ترقد مريم عبد العزيز دواس، الطفلة الفلسطينية ذات التسعة أعوام، على سرير حديدي صدئ في زاوية غرفة ضيقة برفقة والدتها داخل مركز إيواء في مدينة غزة.

الضوء الخافت المنبعث من نافذة صغيرة بالكاد يخترق الغبار العالق في الهواء، ليكشف ملامح جسدها الهزيل الذي لم يتبقَّ منه سوى عظام بارزة وبشرة شاحبة مرهقة.

يدها الصغيرة ترتجف، وأصابعها نحيلة كأغصان يابسة، وعيناها الواسعتان غارقتان في حزن يفوق سنها بكثير.

بجانبها، لعبة قماشية قديمة فقدت لونها وملمسها، شاهدة على طفولة مسروقة بفعل الجوع والحصار.

مريم واحدة من آلاف الأطفال الذين يختطفهم الجوع وكل يوم يتناقص وزنها وتبهت ملامحها (الجزيرة)ظلال الغرفة الرطبة

الغرفة صامتة إلا من أنفاس مريم المتقطعة وهمسات أمها التي تحاول عبثا طمأنتها، لا أحد يشاركهما هذه الزاوية الضيقة، فهما معا في غرفة منفردة داخل مركز الإيواء، تحيط بهما جدران مهترئة وأغطية مبعثرة فوق الأرضية الباردة.

رائحة الغبار والرطوبة تملأ المكان، وملامح الحرب بادية في كل زاوية، في هذه الوحدة القاسية، تغيب أصوات اللعب والضحكات، ولا يبقى لطفلة مثل مريم سوى أحلام بعيدة عن الخبز والحليب ودفء البيت.

مريم التي كانت تزن 25 كيلوغراما قبل العدوان الإسرائيلي، تقلّص وزنها الآن إلى 10 كيلوغرامات فقط، حتى أنها فقدت القدرة على المشي والنطق، ولم يعد بإمكانها الركض في ممرات مركز الإيواء أو اللعب مع أقرانها أو حتى الحديث مع أمها.

تؤكد الفحوصات الطبية أنها لا تعاني من مرض عضوي، فالجوع وحده الذي التهم جسدها حتى تركه هيكلا ضعيفا على حافة الحياة.

وكلما حاولت والدتها أن تمد لها يدا حانية لتساعدها على الوقوف، يرفض جسدها المنهك الاستجابة، ولا يصدر عنها سوى أنفاس متقطعة ونظرات تستغيث دون كلام، وكأنها تحاول أن تقول كل شيء بعينيها الصغيرتين.

دموع أُم قلقة

تربت أم مريم برفق على جسد ابنتها، وتحاول تدفئتها ببطانية مهترئة، وعيناها غارقتان في الدموع، تقول بصوت متهدج يخنقه القلق "أخاف أن تفارق ابنتي الحياة في أي لحظة، كل يوم أشعر أن هذه الليلة قد تكون الأخيرة لها، ولا أملك ما أنقذها به، أريد حلا لمريم، أريد أن أراها تعود كما كانت".

إعلان

الأم تحمل بين ذراعيها طفلة أصبحت ظلا لجسدها السابق، تتابع بنبرة حزينة في حديثها للجزيرة نت "كل يوم أعد العظام البارزة من جسمها، كنت أراها تلعب وتضحك، واليوم كل ما أتمناه أن أرى ابتسامة تعود لوجهها الباهت".

وتضيف "قلة الأكل كسرتنا، مريم لا تستطيع حتى طلب الطعام من شدة ضعفها، وأنا عاجزة عن توفيره، فالحرب أغلقت المعابر وأوقفت تدفق الغذاء، وحليب الأطفال أصبح حلما بعيد المنال".

تروي الأم بصوت منخفض وكأنها تعترف بعجزها "في بعض الليالي لا أستطيع النوم، أخشى أن أستيقظ لأجدها فارقت الحياة، إذ لا دواء، ولا غذاء، حتى المستشفيات باتت بلا حول ولا قوة".

وتختم بكلمات ترتجف على لسانها "لا وجع أشد من وجع أُم ترى ابنتها تموت ببطء، ولا تملك لها سوى الدعاء".

على حافة الموت

مريم ليست سوى واحدة من آلاف الأطفال الذين اختطفهم الجوع، كل يوم يتناقص وزنها وتبهت ملامحها أكثر، لم تعد تستطيع السير أو الكلام، باتت ملازمة للفراش، تنهكها أنفاسها القصيرة، تقول أمها "قلبي يتمزق وأنا أراها تتألم بصمت، لا كلمة تخرج منها، فقط أنين مكتوم ونظرات تطلب النجدة".

في مركز الإيواء، تجلس عشرات الأمهات في مشهد مشابه، يواجهن الجوع والعجز بعيون دامعة، الأطفال يبكون طلبا للغذاء، لكن الصمت سيد المكان، والانتظار ثقيل وموجع.

الجوع لم يعد مجرّد نقص في الطعام، بل هو مرض قاتل يسلب الطفولة، فيما مريم تحارب من أجل البقاء، لكن المعركة غير عادلة، لا غذاء، لا علاج، ولا اهتمام من العالم، كل دقيقة تمرّ تقرّبها من حافة الموت، والأم تصلي وتبكي دون توقف.

انتظار ثقيل

ترقد مريم في ركن الغرفة، عيناها مواربتان، وأنفاسها متقطعة، بينما يقرقر الجوع في بطنها، في حين تمسك بيد أمها، والأم تمرر كفها برفق على جبينها علّها تخفف شيئا من الألم.

جسد مريم الهزيل يئن في غرفة رطبة تخنقها رائحة الانتظار الثقيل، حيث الأمل يتلاشى بين معابر مغلقة ودماء تُسفك عمدًا قرب مراكز الإغاثة، لا تطلب الطفلة سوى لقمة خبز وجرعة حليب علاجي تعيد إليها شيئا من طاقتها، لكن غزة تحوّلت إلى مقبرة لأحلام الصغار.

قصة مريم ليست حكاية فردية، إنها مرآة لأزمة إنسانية خانقة، حيث يحاصر الجوع طفولة كاملة، ويترك الأمهات يرقبن أبناءهن يتساقطون واحدا تلو الآخر، إن لم يتحرك العالم، قد تصبح مريم اسما جديدا في قوائم وفيات الجوع، بينما يستمر الحصار في اغتيال الحياة.

مساعدات شحيحة

وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف، هناك أكثر من 70 ألف طفل في قطاع غزة يعانون من سوء التغذية الحاد. بينما يواجه 2.1 مليون فلسطيني خطر انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 785 ألف طفل حرموا من الغذاء الصحي، وقد تضاعفت معدلات سوء التغذية بين الأطفال 3 مرات خلال الأشهر الأخيرة.

وفي الوقت الذي يدّعي الاحتلال إدخال المساعدات، تبقى المعابر مغلقة، والمساعدات الملقاة من الجو تسقط غالبا في مناطق مصنفة "حمراء" يمنع جيش الاحتلال الوصول إليها.

والأدهى أن هذا الجيش قتل، وفق تقارير الأمم المتحدة، ما لا يقل عن 859 فلسطينيا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات في مواقع مؤسسة غزة الإنسانية (مراكز توزيع المساعدات الأميركية) بين 27 مايو/أيار، و31 يوليو/تموز 2025، بينما كانوا يحاولون الحصول على كيس طحين أو عبوة حليب لإنقاذ أطفالهم.

إعلان

وتؤكد تقارير المنظمة الأممية، أن أكثر من 18% من الأطفال تحت سن الخامسة في مدينة غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، وأن المجاعة لم تعد حكرا على هذه الفئة العمرية، بل امتدت لتصيب الأطفال فوق سن الخامسة وكذلك أعدادا كبيرة من الكبار، حيث بات الجوع ينهش أجساد الجميع بلا تمييز.

وتشير التقارير إلى أن حالات الوفيات جراء الجوع في ازدياد مستمر، حيث سُجل استشهاد عشرات الأطفال خلال الأشهر الماضية، إضافة إلى وفيات بين البالغين بسبب انعدام الغذاء والمكملات الغذائية الأساسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات کل یوم

إقرأ أيضاً:

نقيب يصرخ وطلاب يتجاهلون.. الصيدلة في العراق بين الانفجار الأكاديمي والموت المهني

4 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: ارتفعت أعداد خريجي كليات الصيدلة في العراق إلى مستويات تنذر بانفجار مهني، بعدما تخطى عدد كليات الصيدلة في عموم البلاد حاجز الـ40 كلية، بين حكومية وأهلية، في وقت لا تستوعب فيه المؤسسات الصحية الحكومية سوى أقل من 10% من الخريجين سنوياً، بحسب نقابة الصيادلة.

وأكد نقيب صيادلة العراق، حيدر فؤاد الصائغ، في تدوينة له على منصة “فيسبوك”، أن مستقبل خريجي الصيدلة يزداد قتامة، محذراً خريجي السادس الإعدادي من التقديم على هذا التخصص. وقال حرفياً: “بعد 5 سنوات، لن يكون هنالك أي تعيين حكومي للصيادلة”.

وانفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات ساخطة من الصيادلة الشباب، إذ غرّدت الصيدلانية سارة عبد القادر قائلة: “افتتحوا كلية صيدلة حتى في مناطق لا تملك مستشفى”، فيما كتب الصيدلي ليث الموسوي: “لا توجد دولة في العالم فيها هذا العدد من الصيدليات نسبةً لعدد السكان… الوضع خرج عن السيطرة”.

وتمخضت هذه الفوضى عن تضخم غير مسبوق في عدد الصيدليات، حتى بات من المعتاد رؤية ثلاث صيدليات في نفس الزقاق. وبحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة، بلغ عدد الصيدليات المسجلة رسمياً أكثر من 16 ألف صيدلية، وهو رقم يزيد بثلاثة أضعاف عن الحاجة الفعلية للسكان، وفق المعايير الدولية المعتمدة.

وازدهرت تجارة الأدوية خارج الأطر الرسمية، إذ تُباع الأدوية في البسطات والأسواق الشعبية، وحتى على منصات التواصل، دون وصفة طبية أو رقابة. وغرّد الناشط أحمد الزيدي قائلاً: “رأيت حبوبا مخدرة تُباع مع عبوات العصير… من يحاسب؟”.

وتفاقمت المشكلة مع فتح جامعات أهلية جديدة تفتقر إلى المعايير الأكاديمية، وسط اتهامات بتجارة “الدرجات الوهمية” وقبولات تُباع بالدولار، وهو ما أضعف مستوى الخريجين وأدى إلى فقدان الثقة بالمهنة.

وتراجعت جودة الخدمات الصيدلانية، وازدادت نسبة الأخطاء الدوائية، وفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر العام الماضي، حذر فيه من أن “نظام صرف الأدوية في العراق يتعرض لتشوهات هيكلية تهدد الصحة العامة”.

وتزايدت هجرة الصيادلة العراقيين إلى الخارج، حيث تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من 4 آلاف صيدلي هاجروا خلال السنوات الخمس الأخيرة، بحثاً عن فرص أفضل وهرباً من الفوضى.

وتجاهلت السلطات المعنية حتى الآن نداءات نقابة الصيادلة، ولم تُصدر أي تعليمات بإيقاف القبول أو مراجعة واقع الكليات، وسط حديث عن ضغوط سياسية وتجارية تحول دون إصلاح القطاع.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • صحيفة إسبانية: الكارثة الإنسانية في السودان تتفاقم في ظل انتشار الجوع والكوليرا
  • ترامب يصرخ من سطح البيت الأبيض: صواريخ نووية (شاهد)
  • المجاعة تسبق القصف في غزة وأطفال قضوا جوعًا وآلاف مهددون
  • الأمم المتحدة: الجوع يهدد حياة آلاف الأطفال بغزة.. والمساعدات الحالية «قطرة في بحر»
  • هزت السوشيال ميديا.. اعرف تفاصيل قصة الطفلة المعجزة ليليا
  • يوميات الجوع في غزة: 8 وفيات جديدة و43% من النساء الحوامل والمرضعات في خطر
  • نقيب يصرخ وطلاب يتجاهلون.. الصيدلة في العراق بين الانفجار الأكاديمي والموت المهني
  • الطفلة مسك… جريمة تجويع جديدة تفتك بأجساد أطفال غزة وسط صمت العالم (شاهد)
  • خيارات أحلاها مر.. صحيفة أميركية تسرد كفاح عائلة بغزة للبقاء على قيد الحياة