عربي21:
2025-12-02@02:15:43 GMT

فلسطين.. خسارة مخاطبة العالم وفقدان الأرض والدولة

تاريخ النشر: 2nd, September 2025 GMT

لو قدر لحكمة البشر جميعا أن تستقر في عقل فلسطيني عادي، فإنها تبقى عاجزة عن إقناعه بتنحية التفكير في فصل سياسة واشنطن عن تل أبيب، والبحث فيما يمكن أن تحققه سياستها المتعاقبة من تصورات عن السلام والأمن في فلسطين والمنطقة العربية. جاءت جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وما تبعها من مواقف غربية وأمريكية، لتكرس هذه الحقيقة، وتكشف طبيعة المستعمر الصهيوني الوحشية، والذي تتنامى لديه الرغبة بالانتقام من الجنس البشري الفلسطيني في غزة، بدعم أمريكي يدفع لتغذية الحقد المتأصل في نفوس وعقول المستعمرين ويغذي أفكارهم الإبادية.



لذلك، لم يكن مفاجئا لجوء الإدارة الأمريكية لمنع قيادات السلطة الفلسطينية من الحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة، فبعد عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، ثم تجريم إسرائيل وقيادتها أمام محكمتي العدل والجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم الحرب وضد الإنسانية، وصدور مذكرات اعتقال بحقهم، أعلنت إدارة ترامب عزمها على خوض المعركة ضد العالم والفلسطينيين نيابة عن إسرائيل، والدفاع عنها بمهاجمة كل المؤسسات الدولية، ومعاقبة الدول التي قررت اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل؛ من قطع العلاقات أو الانضمام للدعوى المقدمة أمام الجنائية الدولية ضد إسرائيل.. الخ.

ذريعة الخارجية الأمريكية، لتبرير منع صدار تأشيرات للسلطة الفلسطينية، أنها "رد على خطوات الفلسطينيين باللجوء إلى المسارات القانونية والدولية التي تتجاوز المفاوضات"، إضافة للمساعي الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ودعت الخارجية الأمريكية السلطة الفلسطينية للكف عن السعي للحصول على دولة فلسطينية، بالإضافة لدعوة السلطة للتبرؤ مما وصفته الإرهاب.

المفاجئ هنا، أن كل مواقف السلطة الفلسطينية، وطيلة ثلاثة عقود من تجربة الاتكاء على الموقف الأمريكي كوسيط في ملف المفاوضات، وتمسك السلطة للالتزام غير المحدود بتلابيب وشروط التنسيق الأمني والتعهد بمتطلبات السلام، لم تغير من صورتها في العقل الأمريكي الإسرائيلي، وطوال الوقت، وفي كل مراحل العمل السياسي للسلطة الفلسطينية مع الإدارة الأمريكية، اقترنت مواقف الأخيرة بتبنٍ أعمى لكل ما تقوم به إسرائيل، من جرائم وانتهاكات قوضت ما بني عليه من أوهام تتعلق بنزاهة التعويل على أمريكا. فكل الضغط يمارس على الفلسطينيين للتخلي عن حقوقهم، والتبدل الجذري في هذا الموقف مع وصول إدارة ترامب في ولايتيه الأولى والثانية، كان في صراحة الموقف من القدس والمستوطنات، ومن ضم الأراضي إلى دعم جرائم التطهير العرقي في غزة، ودعم عدوان عصابات المستوطنين في الضفة، إلى سعي واشنطن لتقديم دعم كامل لإسرائيل ولإرهاب المستوطنين لضم الأراضي المحتلة.

ومن هنا ينبع موقف الخارجية الأمريكية بمنع إصدار تأشيرات للسلطة الفلسطينية، لمنعها من مخاطبة المجتمع الدولي، ولمحاولة القضاء على السياسة الفلسطينية أولا، ولمعاقبة الدول التي تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وجعل هذا الاعتراف بلا معنى؛ من خلال دعم التوجه الإسرائيلي بفرض الأمر الواقع على الأرض، الذي لا يعثر فيه على مكونات دولة بحسب تصريحات ائتلاف نتنياهو الفاشي؛ من بن غفير وسموتريتش إلى عميحاي ونير بركات، وغيرهم من الذين أقروا وبصراحة، في مسعى ملموس بالنسبة للفلسطينيين بشكل عام وللسلطة الفلسطينية على وجه الخصوص، بأن تدمير حل الدولتين والسلطة نفسها هو الذي يتحقق، وأن السيادة الفلسطينية المزعومة على مناطق وأراض في الضفة لم تعد موجودة.

فرغم وضوح موقف السلطة الفلسطينية بنبذ العنف (المقاومة)، وتكرار رئيس السلطة في مناسبات لا حصر لها التنديد به، والعمل على ملاحقة واعتقال كل من يشتبه بضلوعه بالمقاومة، واستخدام هراوة غليظة وبندقية قاتلة أحيانا، إلا أن كل ذلك لم يشفع لها. وهذا يعيدنا لوقائع إسرائيلية وأمريكية بالتعاطي مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني برمته، فالفلسطينيون والعرب ليسوا بحاجة لقرائن تكشف جوهر الانحياز الأمريكي لإسرائيل، ولمشروعها الاستعماري الاستعلائي في المنطقة، فحتى الدبلوماسية الفلسطينية وخطابها المعتدل، أصبح معيقا للتطلعات الصهيونية من وجهة نظر الولايات المتحدة، ويتضح يوما بعد آخر كم هو بائس وعقيم التفكير بأن الرهان الفلسطيني والعربي على الدور الأمريكي في "السلام" بالمنطقة، وتحقيق التعايش مع مشروع صهيوني إجرامي، سيضع حدا لعداء تاريخي مع هذا المشروع ويوقف مسلسل جرائمه البشرية.

واستطرادا، يمكن القول إن عملية تصفية الحساب مع الوجود الفلسطيني كله، في السلطة والضفة والقدس وغزة والداخل المحتل عام 48، يتم في سلة واحدة ولن يتوقف، سواء خاطبت السلطة العالم من مقر الأمم المتحدة، أو من مقرها في رام الله؛ للأسباب المذكورة أعلاه، ولسبب غياب مخاطبة الشعب الفلسطيني، وتفعيل الشارع الفلسطيني لمواجهة المخاطر المحيطة به، خصوصا بعد فشل كل شيء راهنت عليه عقلية الخضوع للشروط الإسرائيلية الأمريكية، وأفضت تلك العقلية إلى الانخراط في عملية تسوية فقدت أسسها وحققت هدفا وحلما استراتيجيا صهيونيا بانتزاع اعتراف عربي بدولة "يهودية" والاستعداد للتطبيع معها والاقرار باندماجها بالمنطقة؛ سيدة عليها بغطرسة القوة والعدوان.

دروس وعبر كثيرة يمكن أن تستخلصها السلطة الفلسطينية، في معالجة الواقع الفلسطيني نفسه، ومسؤوليتها في هذا الوقت بعدم تكرار خطاب التذلل الأممي الذي دأبت على تكراره من على منبر الأمم المتحدة، ولا بمفردة شعار "احمونا"، ولا بإحصاء أعداد ضحايا الإبادة، فالحماية الحقيقية تتأتى من وحدة الصف الفلسطيني أولا، والشوارع الغربية حول العالم تخاطب الفلسطينيين وتقف بجانب عدالة قضيتهم، وذلك يناقض حتمية الإيمان بالخضوع المطلق للإرادة الصهيونية الأمريكية، والتسليم بقدر الانهيار العربي الشامل. فالاستعاضة عن كل ذلك، يكون بوقف التهافت الفلسطيني خلف أوهام مطلوب من ورائها أن يقدم الشعب الفلسطيني ثمن تحمله للمحن والمذابح والمآسي التي نزلت به بتقديم استسلام صريح، فهل يمكن لمراجعة صريحة أن تعيد تصفية حساب الربح والخسارة، وبحكمة الواقع الفلسطيني الشعبي والرسمي؟

بظننا، أن الدوافع العربية التي يعتقد أنها داعمة للتوجه الفلسطيني الرسمي، والتي تشكل الجزء الهام للدفع نحو الخضوع بكل ما تمليه تل أبيب وواشنطن على المنطقة، لن تدعم أي مراجعة لخيارات بديلة، على العكس، الموقف الجلي للولايات المتحدة بدعم إسرائيل ومعاقبة الفلسطينيين ومن يدعمهم في المؤسسات الدولية، وتغول الاحتلال؛ يستند لمعرفة مطمئنة، شاهدها القاسي: الاستمرار بجريمة الإبادة الجماعية في غزة، والصمت عن جرائم المستعمرين في الضفة، مع استمرار العلاقة العربية مع إسرائيل؛ بينما الاستعداد لاحتلال غزة وتطبيق التطهير العرقي يكتملان، فخسارة حصة مخاطبة العالم فلسطينيا لن تكون أقسى من خسارة الأرض والبشر والتفرج عليهما.

x.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء فلسطيني الإسرائيلية إسرائيل امريكا فلسطين قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة الفلسطینیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

كأس العرب: فلسطين تباغت قطر بفوز قاتل بهدف عكسي

باغت المنتخب الفلسطيني نظيره القطري المضيف أمام أكثر من 61 ألفا أغلبهم من انصاره وحقق فوزا قاتلا بهدف عكسي 1-0 الإثنين، في افتتاح منافسات المجموعة الأولى للنسخة الحادية عشرة من كأس العرب لكرة القدم.

وسجل هدف المباراة الوحيد مدافع "العنابي" سلطان البريك بالخطأ في مرماه (90+5).

وارتقت فلسطين إلى صدارة المجموعة الأولى مشاركة مع سوريا الفائزة على تونس بالنتيجة ذاتها في أولى مباريات المسابقة التي تستضيفها الدوحة حتى 18 الشهر الجاري.

وقدّم أصحاب الأرض أداء باهتا أغلب فترات المباراة التي شهدت تألق أشبال المدرب الوطني إيهاب أبو جزر حتى الدقائق الأخيرة التي شهدت هدف الفوز القاتل.

وقال أبو جزر "مبروك هذا الانتصار الرائع... مبروك لفلسطين وشعبها بداية، ومبروك للاعبين الأبطال الذي كانوا رجالا بحق وسجلوا انتصارا رائعا".
وأضاف "جاء الفوز على منتخب مونديالي وعلى أرضه، لقد قدّم اللاعبون أداء راقيا خصوصا في الشوط الثاني الذي شهد إهدار عديد الفرص، قبل خطف هدف الانتصار الثمين".

وختم "فخور بأداء اللاعبين وبالروح القتالية والعزيمة والإصرار الذي اظهروه، ونأمل في أن نواصل النسج على المنوال ذاته في البطولة".
ولم يجد "العنابي" حلولا في الشوط الأول بعدما واجه دفاعات صلبة للمنتخب الفلسطيني الذي حاول المباغتة عبر التحولات السريعة في أكثر من مناسبة من دون طائل.

وتحسن مردود أصحاب الأرض في الشوط الثاني، خصوصا عقب مشاركة ادميلسون جونيور الذي قدّم هدية على طبق لأحمد فتحي امام المرمى، لكنه لم يحسن التصرف (55).

وطالب أكرم عفيف بركلة جزاء بعدما تعرض لخطأ من المدافع مايكل تيرمانيني، لكن الحكم طالب مواصلة اللعب (66).

وانتفض "الفدائي" في الدقائق الأخيرة وبات الطرف الأفضل والأكثر استحواذا وتهديدا، ليهدر عدي الدباع فرصة بمواجهة الحارس محمود أبو ندى بعدما سدد بطريقة غريبة بجوار القائم (69).

وعاد المنتخب الفلسطيني ليهدر مجددا عندما هيأ زيد قنبر كرة أمام المرمى لأحمد القاق الذي سددها فوق العارضة (80).
وفرض المنتخب الفلسطيني على أصحاب الأرض التراجع للحفاظ على التعادل، لكن الثواني الأخيرة شهدت هدف التفوق عندما أرسل احمد القاق كرة عرضية حولها البريك بالخطأ في مرماه (90+5).


مقالات مشابهة

  • أول تعليق من أمير قطر بعد خسارة بلاده من المنتخب الفلسطيني في كأس العرب
  • كأس العرب: فلسطين تباغت قطر بفوز قاتل بهدف عكسي
  • ماذا تعرف عن الإصلاحات المطلوبة من السلطة الفلسطينية؟
  • فتح الانتفاضة: التضامن العالمي مع فلسطين يأتي نتيجة الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته
  • بحبح يوجه انتقادا نادرا للإدارة الأمريكية على خلفية انتهاكات إسرائيل
  • أبوالغيط: المشروع الوطني الفلسطيني راسخ.. والاحتلال إلى زوال والدولة قادمة بدعم عربي ودولي
  • أبو الغيط: الاحتلال إلى زوال والدولة الفلسطينية حتمية تاريخية
  • مصر تؤكد مركزية دور السلطة الفلسطينية في أي تسوية
  • دبلوماسي: رفض إسرائيل للسلطة الفلسطينية يجمد المرحلة الثانية من خطة إدارة غزة
  • رسائل التضامن مع فلسطين تتجسد في مختلف أنحاء العالم في اليوم العالمي للتضامن