جورجيو أرماني.. ملك إيطالي تسيّد عالم الموضة
تاريخ النشر: 4th, September 2025 GMT
جيورجيو أرماني مصمم إيطالي ولد شمال البلاد عام 1934 وتوفي عام 2025، كان يأمل أن يصبح طبيبا وبدأ أولى خطواته في الجامعة من أجل هذا الهدف، غير أن الخوف من الدماء أوقف مساره، وانتهى به المطاف عاملا في متاجر للملابس، ثم طور شغفه بالمجال إلى أن تربع على عرش ملوك الموضة في العالم.
اشتهر لدى الإيطاليين بـ"ري جورجيو"، أي "الملك جورجيو"، خصوصا بعد أن حققت تصاميمه شهرة عالمية بدأها عام 1975 بالانتشار في أوروبا، ووسعها عام 1980 بعد أن فتحت له أبواب التعاون مع استوديوهات هوليود وارتدى المشاهير تصاميمه.
وُلد جورجيو أرماني يوم 11 يوليو/تموز 1934 بمدينة بياتشينزا شمالي إيطاليا قرب العاصمة ميلانو، لعائلة متواضعة من أصل أرمني.
كان والده يعمل محاسبا ووالدته ربة بيت، وله أخ أكبر منه يُسمى سيرجيو وأخت اسمها روزانا ولها ابنتان هما سيلفانا وروبرتا، وابن اسمه أندري.
وعلى خلاف أخته روزانا، لم يخلف جورجيو أرماني أبناء.
درس أرماني المرحلة الثانوية في مدرسة ليثيو ساينتيفيكو ريسبيغي، ثم التحق بجامعة ميلانو ودرس فيها الطب 3 سنوات.
لكن الخوف من دماء الجرحى والمصابين أرغمه على ترك مقاعد كلية الطب، وتوجه إلى المجال الفني وميدان التصميم.
بدأ جورجيو مصورا فوتوغرافيا، ثم وجد في نفسه شغفا بالخياطة وتصميم الملابس، فاقتحم عالم الأزياء.
بدأ أرماني حياته المهنية بالعمل مساعدا في متجر للملابس، وفي منتصف الستينيات من القرن العشرين عمل مع المصمم الإيطالي نينو تشيروتي.
ويقول أرماني في حوار مع مجلة متخصصة في الموضة عام 2015 "بدأت في هذا المجال تقريبا بالصدفة، وشيئا فشيئا جذبني إليه، ثم استولى علي استيلاء كاملا".
انقلبت حياة الشاب جورجيو -الذي كان شغوفا بالتصوير الفوتوغرافي والرسم- رأسا على عقب بعد لقائه نينو تشيروتي، مبتكر أسلوب الـ"كاجوال شيك" (casual chic)، وأوكل إليه تشيروتي تصميم مجموعات الأزياء الرجالية الجديدة "هيتمان"، وسمح له بتصميم تشكيلاته الخاصة مدة سبع سنوات، قبل أن يؤسس عام 1975 علامته التجارية الخاصة "جورجيو أرماني".
إعلانوسرعان ما اشتهر في أوروبا، وفضّل دائما إبقاء شركته مستقلة ورفض إدراج أسهمها في البورصة، وانتهت في أواخر حياته مجموعة ضخمة تدر نحو 2.3 مليار يورو (2.7 مليار دولار) سنويا.
سنة 1980 فتحت له أبواب التعاون مع هوليوود بعد أن صنع الملابس التي ارتداها الممثل ريتشارد جير في فيلم "أميركان جيغولو".
توفي جورجيو أرماني يوم 4 سبتمبر/أيلول 2025 بعد معاناة مع المرض شهورا عدة. فقد اضطر إلى التغيّب لأول مرة عن اثنين من عروض داره للأزياء الرجالية في أسبوع الموضة بميلانو في يونيو/حزيران من السنة نفسها.
ووفقا لرغبة جورجيو أرماني، قررت أسرته أن تكون جنازته خاصة، وأن تدفنه في مبنى "أرماني تياترو" بميلانو.
وفي مقابلة مع صحيفة "فايننشل تايمز" البريطانية نُشرت قبل أيام قليلة من وفاته، صرّح أرماني بأنه وضع لخلافته خطة تتضمن "انتقالا تدريجيا للمسؤوليات" إلى أقرب معاونيه، مثل أفراد عائلته ورئيس قسم تصميم الأزياء الرجالية ليو ديل أوركو، و"فريق العمل كله".
ونعته رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني قائلة إنه "استطاع بأناقته وبساطته وإبداعه أن يجلب الشهرة للموضة الإيطالية، وأن يلهم العالم أجمع". وأضافت أنه "أيقونة وكان يعمل بدون كلل"، وأنه "رمز لأفضل ما في إيطاليا".
أما الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا فوصفه بأنه شخصية مبدعة أعادت تعريف معايير الأناقة والفخامة عبر العالم". وقال عنه وزير الثقافة الإيطالي أليساندرو جولي إنه "أحد رموز الثقافة الإيطالية".
وأضاف أنه "كان سفيرا للهوية الإيطالية في العالم، وعرف كيف يُحوّل الأناقة لغة عالمية، وأعاد أسلوبه البسيط والمبتكر صوغ تعريف العلاقة بين الموضة والسينما والمجتمع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات جورجیو أرمانی
إقرأ أيضاً:
د.هبة عيد تكتب: كيف تصنعنا الأرواح حين نتلاقى
الأرواح جنودٌ مجندة؛ ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
حكمة قديمة، لكنها تُشبه بوابة ندخل منها إلى عالم خفيّ لا بملامحه الغيبية، بل بأبعاده الإنسانية العميقة… عالمٍ يصوغ ملامحنا من جديد كلما التقت أرواحنا بأرواح أخرى تعكس فينا ما لا نراه.
في لحظات نادرة، نلتقي أشخاصًا يلامسون في داخلنا شيئًا كانت السنوات قد مرّت عليه دون أن توقظه. لا نعرف كيف يحدث هذا القرب المفاجئ، ولا لماذا نشعر بأننا "نعرفهم" منذ زمنٍ لا نملكه. إنه توافق خفي، تفسّره الروح بلغة لا يجيدها العقل، ويترجمه القلب على شكل طمأنينة شفافة تُشبه العودة إلى بيت لم نعشه، لكننا نتذكّره.
هذه الألفة ليست مصادفة؛ إنها نتيجة تشابهٍ عميق في البنية النفسية… نسق داخلي يتكوّن من جروح قديمة، ورغبات مكتومة، وطباع ترتّبت عبر السنين.
فعلم النفس يخبرنا أن الإنسان ينجذب لمن يشبه إيقاعه الداخلي، لمن تكمل ملامحه ما ينقصه أو تهدّئ ما يضطرب بداخله. لذا، نجد أنفسنا نرتاح لشخص ما قبل أن نعرفه، ونبتعد عن آخر رغم لطفه. فالروح ترى ما هو أبعد من السلوك… ترى ما وراءه.
وفي المقابل، هناك أرواح تمرّ من أمامنا دون أن تترك أثرًا، أو ربما تترك ثقلًا لا ينسجم مع خطواتنا. هؤلاء ليسوا أعداء، بل صفحات تُعلّمنا معنى الحدود، وتذكّرنا بأن الاختلاف جزء من حكمة الوجود. فكما تُشرق الشمس على كل شيء، لا تملك كل الأشياء القدرة على استقبال الضوء بنفس الطريقة.
وبين الألفة والاختلاف، نصنع نحن.
تكبر التجربة داخلنا، وتتكوّن طبقة جديدة من الفهم.
نتعلم من القريبين كيف يكون الدفء، وكيف تستطيع كلمة واحدة أن تعيد ترتيب عمرٍ كامل.
ونتعلم من البعيدين معنى الثبات، وكيف نحمي مساحتنا، وكيف نرى أنفسنا بصدق أكبر.
كل لقاء روحاني عميق يصنع فينا شيئًا:
من يُشبهنا يزرع الطمأنينة.
ومن يختلف عنا يزرع الحكمة.
ومن يمرّ سريعًا يترك في الهواء درسًا صغيرًا بالكاد نلتقطه في لحظته… لكنه يعود إلينا حين نحتاجه.
وهكذا نمضي في الحياة، لا نصادف أحدًا عبثًا. كل اقتراب رسالة، وكل ابتعاد حماية، وكل انسجام باب مفتوح على ذاتٍ كانت تبحث عن نفسها.
فالأرواح لا تدخل حياتنا عبثًا، ولا تغادرنا بلا أثر؛ بل تُهذّب ما في داخلنا، وتعيد تشكيل الطرق التي نسير بها، وتعلّمنا كيف يصبح الإنسان أكثر اتزانًا، أعمق فهمًا، وأرقّ حسًا.
وفي النهاية…
تظل الأرواح جنودًا مجندة،
تتآلف حين تتعارف،
وتختلف حين تتناكر،
وتنسج من خيوط اللقاء شكلًا جديدًا منّا…
كأنها تُعيد تشكيل الإنسان في كل مرة نصادف فيها قلبًا يُشبهنا أو يختلف عنا.