نص خطبة الجمعة غدًا 12 سبتمبر كاملة
تاريخ النشر: 11th, September 2025 GMT
خطبة الجمعة.. كشفت وزارة الأوقاف المصرية موضوع خطبة الجمعة غدًا 12 سبتمبر، والتي تأتي تحت عنوان: " وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر، "، ويكون الهدف منها هو أن رسالة المسلم لا تقتصر على نفسه فحسب، بل تمتد لتشمل أسرته ومجتمعه ووطنه، كما أن الأثر الطيب للإنسان المسلم هو الذي يبقى بعد رحيله.
خطبة الجمعة:
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: الرجالُ والإيجابيةُ والمسئوليةُ.
لقد ربَّى الإسلامُ أبناءَهُ على المسئوليةِ والإيجابيةِ، وإيجابيةُ ومسئوليةُ المسلمِ تعنِي أنْ يكونَ فيضًا مِن العطاءِ، ثابتًا حينَ تدلهُم الخطوبُ، لا ييأسُ حينَ يقنطُ الناسُ، ولا يتراخَى عن العملِ حينَ يفترُ العاملونَ، يصنعُ مِن الشمعةِ نورًا، ومِن الحزنِ سرورًا، متفائلًا في حياتِهِ، شاكرًا في نعمائِهِ، صابرًا في ضرائِهِ، قانعًا بعطاءِ ربِّهِ لهُ، وأنْ يستشعرَ المسئوليةَ تجاهَ نفسِهِ وأسرتِهِ ووطنِهِ ومجتمعِهِ.
نص خطبة الجمعة
ونحنُ نعلمُ رجولةَ الرسولِ ﷺ حينمَا قالتْ لهُ أمُّهُ آمنةُ عندَ وفاتِهَا عبارةً: “يا مُحمدٌ كُنْ رجلًا”، حينَ كانَ النبيُّ ﷺ لا يزالُ طفلًا في السادسةِ مِن عمرِهِ، في تلكَ اللحظةِ المؤثرةِ، يُقالُ إنَّهَا أوصتْهُ بهذهِ الكلماتِ التي تحملُ معانِي عظيمةً مِن القوةِ والثباتِ. و “كُنْ رجلًا” هنَا لا تعنٍي مجردَ الرجولةِ الجسديةِ، بل تحملُ دعوةً إلى التحلِّي بالشجاعةِ والصبرِ والمسؤوليةِ، وكأنَّهَا كانتْ تُعدُّهُ لِمَا سيواجهُهُ مِن تحدياتٍ عظيمةٍ في حياتِهِ، وهو الذي سيُبعثُ نبيًّا ويُكلفُ برسالةٍ عظيمةٍ.
ومِن هذا المنطلقِ ربَّى الرسولُ ﷺ أصحابَهُ على الإيجابيةِ والمسئوليةِ والرجولةِ والمشاركةِ المجتمعيةِ كمَا ذكرَ القرآنُ الكريمُ،
فهُم رجالٌ في العبادةِ والذكرِ والطاعةِ، قالَ تعالَى: { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}. [النور:37]. يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” لَا تَشْغَلُهُمُ الدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا وَزِينَتُهَا وملاذ بيعها وربحها عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمُ الَّذِي هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَنْفَعُ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ، لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ”. أ.ه
موضوع خطبة الجمعة
رجالٌ في حبِّ الطهارةِ والعفافِ:،قالَ تعالَى: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}. [التوبة:108]، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” فيه دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الْقَدِيمَةِ الْمُؤَسَّسَةِ مِنْ أَوَّلِ بِنَائِهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ مَعَ الجماعة الصَّالِحِينَ وَالْعِبَادِ الْعَامِلِينَ الْمُحَافِظِينَ عَلَى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ مُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ”. أ.ه. رجالٌ في التضحيةِ والصدقِ مع اللهِ، قالَ تعالَي: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. [الأحزاب:23].
وهكذا ينبغِي أنْ يستشعرَ المسلمُ المسئوليةَ تجاهَ نفسِهِ وأسرتِهِ ومجتمعِهِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
هذهِ الرجولةُ والإيجابيةُ والمشاركةُ المجتمعيةُ تجعلُهُ يتركُ أثرًا طيبًا وبصمةً نافعةً في مجتمعِهِ، كمَا سيأتِي في عنصرِنَا التالِي.
ثانيًا: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ.
إنَّ حركاتِ الإنسانِ وأقوالَهُ وأفعالَهُ مكتوبةٌ ومُحصاةٌ عليهِ في كتابٍ مبينٍ، قالَ تعالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}. [يس: 12]. هذ،ا في حياتِهِ، أمَّا بعدَ وفاتِهِ فإنَّ الأثرَ الطيبَ الذي تركَهُ في مجتمعِهِ سيُكتبُ ويُسجلُ عندَ اللهِ تعالَى. ولذلكَ لمَّا أرادَ بنو سلمةَ أنْ ينتقلُوا قربَ المسجدِ نظرًا لبعدِ المسافةِ بينهُم وبينَهُ، أمرَهُم الرسولُ ﷺ بلزومِ ديارِهِم حتى تشهدَ لهم الأرضُ بالأثر الطيب وكثرةِ الخُطَى إلى المساجدِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلمَةَ: دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ».(مسلم). أي: الزمُوا ديارَكُم فإنَّكُم إذَا لزمتمُوهَا كُتبتْ آثارَ خطاكُم الكثيرةِ إلى المسجدِ، قالَ تعالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}.(يــس: 12). يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” نَكْتُبُ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي بَاشَرُوهَا بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فيجزيهم عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ”. أ.هرفوف كتب
الجمعة
فكلُّ ما تقدمُهُ مِن علمٍ وعملٍ ومعروفٍ لمجتمعِكَ يمتدُّ أجرُهُ بعدَ موتِكَ إلى قيامِ الساعةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ المُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» [ابْنُ مَاجَة بسند حسن]. قلتُ: الإمامُ البخارِيُّ – مثلًا – ماتَ مِن قرونٍ، ومع ذلكَ عدَّادُ الحسناتِ يَعُدُّ لهُ إلى قيامِ الساعةِ، فمَن نحنُ بجانبِ البخارِي؟!!
والناظرُ إلى جميعٍ الأنبياءِ عليهِمُ الصلاةُ والسلامُ يجدُ أنَّ كلَّ ما قدمُوهُ في دعوتِهِم إلى اللهِ تعالى، لهُ أثرٌ عندَ اللهِ إلى قيامِ الساعةِ، قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشُّعَرَاءُ: ٨٤]. ” وَالمَعْنَى: اجْعَلْ لِي ذِكْرًا جَمِيلًا بَعْدِي أُذْكَرُ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِي فِي الخَيْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. [الصَّافَّاتُ: ١٠٨-١١٠]”. [تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِير].
ثالثًا: سترحلُ ويبقَى الأثرُ.
إنَّ الإنسانَ إذَا فارقَ هذه الدنيا، فإنَّهُ يفارقُهَا بجسدِهِ ويبقَى أثرُهُ وذكرُهُ خيرًا أو شرًّا، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ” مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ . قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ!!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ” ( متفق عليه واللفظ لمسلم )
فالذكرُ الحسنُ تركةٌ مباركةٌ، وحياةُ خيرٍ تَبقَى للمرءِ وإنْ ماتَ، يُذْكَرُ بجميلِ مآثرِهِ، ويستدعِي الدعاءَ لصاحبِهِ، بل يَمتدُّ خيرُهُ لوارثِهِ، إذ هو مِن خيرِ ما وَرَّثَ لهُ، قال حكيمٌ: “أفضلُ ما يورِّثُ الآباءُ الأبناءَ: الثناءُ الحسنُ، والأدبُ النافعُ، والإخوانُ الصالحون”.
قالَ كعبُ الأحبارِ: «واللهِ، ما استقرَّ لعبدٍ ثناءٌ في الأرضِ حتى يستقرَّ له في أهلِ السماءِ».
خطبة الجمعة كاملة
فما أجملَ أن يكونَ أثرُكَ في أهلِ بيتِكَ وأُسرتِكَ تربيةً على الطاعةِ والخُلقِ الكريمِ، وفي مجتمعِكَ نفعاً وخيراً، وفي أُمّتِكَ نصرةً للحقِّ ودفاعاً عن القيمِ والمبادِئِ.
فاحرصْ – أخِي المسلم – على أنْ تكونَ عضوًا نافعًا لمجتمعِكَ، فالطبيبُ ينبغِي أنْ يخلصَ في عملِهِ ويبدعَ، وكذلكَ المهندسُ، والمعلمُ، وكلُّ فردٍ في مهنتِهِ أو صنعتِهِ أو وظيفتِهِ؛ لأنَّ كلَّ ما سنَّهُ وابتكرَهُ في عملِهِ فإنَّهُ يدرُّ لهُ حسناتٍ بعدَ موتِهِ إلى قيامِ الساعةِ، وفي ذلكَ يقولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». (مسلم). يقولُ الإمامُ النوويُّ:” فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالْخَيْرَاتِ وَسَنِّ السُّنَنَ الْحَسَنَاتِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ اخْتِرَاعِ الْأَبَاطِيلِ وَالْمُسْتَقْبَحَاتِ”. (شرح النووي).رفوف كتب
فالزمْ فعلَ الخيرِ ليقتديَ بكَ مَن بعدَكَ ويكونَ في موازينِ الحسناتِ، وإيَّاكَ وفعلَ الشرِّ فيقتدِيَ بكَ الآخرونَ ويكونَ في موازينِ سيئاتِكَ. فهذا قابيلُ قتلَ أخاهُ هابيلَ، فحملَ وزرَ جميعِ القاتلينَ إلى قيامِ الساعةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». (متفق عليه). يقولُ الإمامُ النوويُّ:” هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَدَعَ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ كُلِّ مَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ مِثْلَ عَمَلِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمِثْلُهُ من ابتدع شيأ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”. (شرح النووي).
فاحرصْ على أنْ يكونَ لكَ أثرٌ طيبٌ بكلِّ مكانٍ، أنْ تكونَ لكَ ذكرَى طيبةٌ وبقايَا ماثلةٌ مِن صدقِ حروفِكَ وأخلاقِكَ، اجعلْ خطواتِكَ مستقيمةً، وثقْ بالمولَى ليبقَى لكَ أثرٌ جميلٌ طيبٌ في القلوبِ، واجعلْ سلوكَكَ قدوةً حسنةً لِمَن يراكَ، وازرعْ فيمَن حولَكَ حبَّ الخيرِ، والإيثارَ والصفاءَ والعطاءَ والتآزرَ والتكافلَ وجميلَ الصفاتِ والأعمالِ والأقوالِ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خطبة الجمعة خطبة الجمعة الأولى أداء خطبة الجمعة خطبة الجمعة كاملة خطبة الجمعة إلى قیام م س ئ ول تعال ى
إقرأ أيضاً:
مظاهر كون الشتاء غنيمة المؤمن.. الإفتاء توضح
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما هي الأوجه التي تجعل من فصل الشتاء غنيمة للمؤمن حتى أُحْسِنَ استغلال هذا الفصل؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن فصل الشتاء غنيمة للمؤمن، وعليه أن يغتنمه في التقرب إلى الله تعالى بإسباغ الوضوء، وقيام الليل، وصوم النهار، وسائر القربات، وفي ذلك كلِّه حط للخطايا والذنوب والسيئات، ورفع للدرجات في الجنات.
فصل الشتاء ربيع المؤمن
جعل الحق تبارك وتعالى فصل الشتاء للمؤمن روضة للطاعات والقربات، يقتبس فيها من أنوار العبادات، يقصر نهاره فيصومه، ويطول ليله فيقومه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ» أخرجه الأئمة: أحمد وأبو يعلى والقضاعي في "مسانيدهم"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وزاد فيه: «قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَ، وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَ». وحسَّنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 200، ط. مكتبة القدسي، القاهرة).
قال الإمام المُناوي في "فيض القدير" (4/ 172، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ»؛ لأنَّه يرتع فيه في روضات الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه القلب في رياض الأعمال، فالمؤمن فيه في سعة عيش من أنواع طاعة ربه، فلا الصوم يجهده ولا الليل يضيق عن نومه وقيامه كالماشية تربع في زهر رياض الربيع] اهـ.
اغتنام فصل الشتاء يكون بعدة أمور، من أهمها: أولًا: إسباغ الوضوء على المكاره فيه، وهو في شدَّة البَرْدِ من أفضَل الأعمال؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» رواه الإمام مسلم.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح الإمام مسلم" (3/ 141، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإسباغ الوضوء: تمامه، والمكاره تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك] اهـ.
ثانيًا: قيام ليله؛ وهو من أعظم القربات التي يأتي بها المكلف؛ فقد مدح الله تعالى عباده الذين هم أهل الجنة بأنَّهم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: 16]، وقال تعالى مادحًا لهم أيضًا: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: 17]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» أخرجه الإمام مسلم.
وإذا كان قيام الليل مستحبًّا في كل فصول العام إلَّا أنه في فصل الشتاء آكد استحبابًا وأعظم ثوابًا؛ فعن قتادة أنَّ عامر بن عبد الله لمَّا حُضِر -أي حضرته الوفاة- جعل يبكي، فقيل له: ما يُبْكيك؟ فقال: ما أبكي جَزَعًا من الموت ولا حِرْصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظَمَإ الهواجر وعلى قيام ليل الشتاء. أخرجه ابن سعد في "الطبقات". وبكى معاذ رضي الله عنه عند موته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالرّكب عند حلق الذّكر. ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف" (ص: 524، ط. المكتب الإسلامي). وذكر قبله أنَّ قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف.
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه كان يقول: "مرحبًا بالشتاء؛ تنزل فيه الرحمة، أمَّا ليله فطويل للقائم، وأمَّا نهاره فقصير للصائم" أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس".
ثالثًا: صوم نهاره، فعن عامر بن مسعود الْجُمَحِيِّ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ» أخرجه الإمامان الترمذي وأحمد.
قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 106، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [«الصَّوْم فِي الشتَاء الْغَنِيمَة الْبَارِدَة»، أي: التي تحصل عفوًا بغير مشقة؛ لقصر النهار، وبرده، وعدم الحاجة مع ذلك إلى أكل وشرب] اهـ.
رابعًا: الدعاء خاصة إن كان اليوم شديد البرد بأن يقول: "اللهم أجرني من زمهرير جهنم"؛ لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ! اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْ حَرِّكِ فَاشْهَدِي أَنِّي أَجَرْتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ! اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَنِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ»، قَالُوا: مَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: «بَيْتٌ يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ، فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ» أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"، والبيهقي في "الأسماء والصفات".
الخلاصة
بناءً على ما سبق وفي السؤال: ففصل الشتاء غنيمة للمؤمن، وعليه أن يغتنمه في التقرب إلى الله تعالى بإسباغ الوضوء، وقيام الليل، وصوم النهار، وسائر القربات، وفي ذلك كلِّه حط للخطايا والذنوب والسيئات، ورفع للدرجات في الجنات.