لجريدة عمان:
2025-12-02@17:29:41 GMT

لا أمل للإنسانية إلا في الجمال

تاريخ النشر: 9th, October 2025 GMT

ترجمة - أحمد شافعي

كراسناهوكاري فيلسوف نهاية العالم :

آخر مرة التقيت فيها بلاسلو كراسناهوركاي، أعلن فيها حبه لي. صحيح أنه كان يثبت وجهة نظره بلاغيا في نقاش يتعلق بأسلوبه النثري، وأننا كنا نتحدث أمام جمع من الحاضرين في معرض فني، لكن الإحساس بقي جميلا. لكراسناهوركاي عدد من الأعمال الروائية الاستثنائية التي جعلته أحد أهم الكتاب في المجر ومرشحا دائما لجائزة نوبل.

أدى تعاونه مع السينمائي بيلا تار إلى تحويل أجواء الكآبة الوجودية في أعماله الأولى إلى جماهير السينما حول العالم.

 

تتألف سردياته من جمل طويلة ممتدة يبدو أنها ذات مرونة لانهائية، فهي تنحني من متاهة تأملات فلسفية إلى طرافة بسيطة. وفي رأيه أن تجارب من قبيل الحب -وبخاصة الحب الذي يستغرق التعبير عنه زمنا وشجاعة- لا يمكن احتواؤها في عبارات قصيرة. ولقد قال في الماضي إن وضع نقطة النهاية أمر لا يملكه إلا الرب، وقال إن ما في كتابته من تدفق ينطوي على إنسانية عميقة. وليس هذا التدفق بالباطنية المتشظية المعهودة في «تيار الوعي» لدى الحداثيين، لكنه نوع من الفضول الشامل تجاه العالم يمضي بالقارئ معه في تياره.

ولد كراسناهوركاي في المجر سنة 1954. وفي بداية حياته العملية عجز عن السفر (بسبب مصادرة الشرطة السرية لجواز سفره)، وفي روايات له من قبيل «تانحو الخراب» و«كآبة المقاومة» شعور بالاختناق يوشك أن يكون مستعصيا على الاحتمال. بعد أن سقط الستار الحديدي، عثر على الخفة التي عبرت عن نفسها في عمل من قبيل «سايبو في الأسفل» وفيه اشتباك عميق مع الفن والفلسفة الآسيويين وخاصة البوذية. وفي روايته الحديثه «هيرشت 07769» تضافرٌ بين باخ والنازية الجديدة في ألمانيا. والقصة التي نشرها للتو في مجلة ذي يال رفيو بعنوان «عبر الملاك فوقنا» تقابل بين وحل خنادق الحرب في أوكرانيا والوعود الخيالية التي تعد بها العولمة التكنولوجية.

وقد أجريت هذا الحوار مع كراسناهوركاي عبر البريد الإلكتروني في الأسبوع الذي شهد تنصيب ترامب، وتم تحريره لضبط المساحة وللإيضاح.

تجري أحداث قصتك «عبر الملاك فوقنا» في أوكرانيا. ما الذي تعنيه لك حرب أوكرانيا؟ عندي فضول لأن أعرف رأيك في هذا الصراع بوصفك أوروبيا ومجريا وشخصا عاش لوقت طويل في ألمانيا.

أن تكرر الحرب العالمية الأولى نفسها؟! ما رأيي؟!

أمتلئ رعبا. المجر بلد مجاور لأوكرانيا، ونظام أوربان يتخذ موقفا غير مسبوق، ويوشك ألا يكون له نظير في التاريخ المجري. ويرجع هذا جزئيا إلى أننا، حتى الآن، كنا دائما من يتعرض للهجوم والخسارة، ويرجع جزئيا إلى أنني ما كان لي أن أتخيل القيادة السياسية المجرية إذ تتحدث عما يعرف بالحياد في هذه المسألة!

كيف لبلد أن يلزم الحياد بينما يقوم الروس بغزو بلد مجاور؟ ألا يقتلون الأوكرانيين منذ قرابة ثلاث سنوات؟ ما المقصود بـ«هذا شأن سلافي داخلي» على حد تعبير رئيس الوزراء؟ كيف يكون قتل الناس شأنا داخليا؟

ومن يقول هذا قائد بلد، بلد تاريخه كله هو تاريخ تعرُّضٍ للغزو، ولغزو الروس الذين كانوا من جملة الغزاة. وهؤلاء الروس هم الروس أنفسهم.

هذا النظام المجري حالة جنونية. تكمن وراءه حسابات غير إنسانية: لعلهم قتلوا ابنتي بالفعل، لكن خير لي أن أقبل هذا لكي لا يلحقوا الضرر بأمي. لكنهم سوف يلحقون الضرر بها. سيقتلون الاثنتين. أهذا شديد الصعوبة على الأفهام؟

تحكي قصة «عبر الملاك فوقنا» عن رجلين يحتضران في خندق، يحكي أحدهما للآخر ما يشبه حدوتة عن عجائب العولمة. فالتناقض صارخ بين الحدوتة وبن واقع الرجلين المحتضرين. ويبدو أنه ينال من نبرة التفاؤل التقني في حدوتة العالم المتسارع هذه. هل يمكن أن تخبرنا بالمزيد عما جعلك تختار الجميع بين هذين العنصرين جنبا إلى جنب؟

تجري حرب قذرة عفنة أمام أعيننا. وبدأ العالم يعتادها. أما أنا فلا يمكنني أن أعتادها. فلا أستطيع أن أقبل قتل البشر للبشر. لعلي شخص مجنون. وكل هذا يجري بينما تجد في الفضاء الرقمي نسخة من المستقبل تعد بأن التطور السريع، المذهل في سرعته، سوف يأتي بعالم جديد جميل. هذا جنون محض. ففي حين تستعر حرب هي في جوهرها من حروب القرن العشرين، تجد من يتكلم عن أننا عما قريب سوف نذهب إلى المريخ. فعسى أن يكون بوتين والمتعاطفون معه أول الراحلين إلى هناك.

يصر الراوي لديك على أنه «لم يكن محللا للمستقبل وإنما للاتجاهات والبيانات والمعلومات». وهو لا يستريح للمستوى «الكوني» و«المستوى النفسي» الفردي. ويفضل عليهما المستوى الاجتماعي. هل المعرفة «بالمستقبل» شيء أكثر روحانية أو ميتافيزيقية من مثل هذه المعرفة التجريبية القائمة على البيانات؟

هذا سؤال مزعج طبعا. في نهاية المطاف، لا تجري الأحداث، في هذه القصة، في سياق عام، ولكن ثمة رجل مصاب يحاول مع رجل آخر، جريح معنويا، كي يستبقيه حيا في خندق، من خلال الحديث معه عن الأمل، عن عالم جديد جميل كل شيء فيه سوف يكون رائعا. تدفعه غريزة إنسانية أساسية إلى التسرية عن شخص آخر. ليس لهما من أمل آخر، وحتى الذي يحكي قصة المستقبل الرقمي يعرف أنه يماطل الزمن، راجيا أن يرجع رفاقهما لإنقاذهما، برغم أنه يعلم، والآخر يعلم، أن هذا مستحيل في ظل وضعها الراهن. وإذن، لا، ليس لهذا الحديث بُعدٌ روحاني أو ميتافيزيقي، إنما هو في واقع الأمر حديث عملي: للحفاظ على الرجل المصاب إصابة بالغة حيا من خلال أمل واه.

هذا الموقع، أي الجبهة في حرب قاسية، موقع مألوف إلى حد ما في أعمالك. وأعرف أن سوزان سونتاج وصفتك بـ«أستاذ نهاية العالم» وأن هذا الوصف بات يلاحقك. لكن لو أن كتابتك تتناول تجربة نهاية العالم، لا يبدو أن نهاية العالم حدث مفاجئ، ولكنها أقرب إلى البطء. ما علاقتك بالمستقبل؟ هل نحن في نهاية الزمن؟ أما أننا نعيش في أعقاب حدث قيامي ما؟

نهاية العالم ليست حدثا مفردا، بحسب نبوءة العهد الجديد بيوم القيامة. نهاية العالم عملية جارية منذ أمد بعيد للغاية وسوف تستمر لأمد طويل للغاية. نهاية العالم جارية الآن. نهاية العالم قيامة دائمة.

وبوسعنا أن نضلل أنفسنا بالمستقبل، والأمل دائما ملك للمستقبل. والمستقبل لا يأتي أبدا. ولكنه دائما على وشك المجيء. «الآن» فقط هو الموجود.

نحن لا نعلم شيئا عن الماضي لأن ما نحسبه الماضي هو محض قصة عن الماضي. والحاضر أيضا، هو في الواقع، محض قصة. وهي تحتوي كلا من قصة الماضي والمستقبل الذي لن يأتي أبدا. ولكن ما نعيشه بوصفه الحاضر، هذا على الأقل موجود. ولا شيء غيره موجود. الجنة والجحيم كلاهما على الأرض، وكلاهما موجود الآن. فليس علينا أن ننتظرهما. غير أننا نسرِّي عن أنفسنا بالأمل.

كتبتَ كثيرا عن الفن، وبخاصة في «سايبو في الأسفل». ما دور الفن في المستقبل، في تخيله، والإتيان به إلى الوجود؟ هل لنا في الفن من خلاص أو نجاة؟

الفن هو رد الإنسانية الاستثنائي على إحساس الخسارة المكتوب علينا. الجمال موجود. وهو كامن في ما وراء الحدود التي يجب علينا دائما أن نتوقف عندها، ولا يمكن أن نتجاوز الجمال، أو ندركه، أو نلمسه، بوسعنا فقط أن نشخص إليه من هذا الحد ونعترف بأنْ نعم، ثمة شيء ما حقا هناك على البعد. الجمال بنيان، خلْقٌ معقد من الأمل والنظام الرفيع.

تكلمنا من قبل عن كيفية خلق الشخصيات الأدبية وإدخالها العالم من خلال المؤلفين. في حوار مع مجلة ذي باريس رفيو، قلتَ إن «كل شخصية في ما يعرف بالأدب الخالد إنما جاءت عبر بشر عاديين. هذه عملية سرية، لكنني على يقين من أنها حقيقية». هل يمكن أن توضح هذا؟

لا وجود إلا للعاديين. والعاديون مقدسون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: نهایة العالم

إقرأ أيضاً:

«WGC»: احتياطي الذهب في البنك المركزي المصري يزن 128.8 طن بنهاية أكتوبر الماضي

أفادت بيانات لمجلس الذهب العالمي (WGC)، أن احتياطي الذهب لدى البنك المركزي المصري بنهاية أكتوبر 2025 سجل نحو 128.8 طن.

وذكر مجلس الذهب العالمي، أن نسبة مساهمة الذهب من جملة احتياطي النقد الأجنبي في مصر شكلت 34.9%، ولم يتطرق مجلس الذهب العالمي إلى تأثير الزيادة الجديدة في حجم الذهب بعد تسلم البنك المركزي المصري الشهر الماضي لنحو 265 كيلو ذهب في صورة سبائك نقية من النيابة العامة.

وتشير بيانات احتياطيات النقد الأجنبي الصادرة عن البنك المركزي إلى أن أرصدة الذهب ارتفعت خلال أول 10 أشهر من العام الحالي بنحو 5.9 مليار دولار لتصل إلى 16.5 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضي.

وزاد إجمالي رصيد احتياطي النقد الأجنبي -المكون من عملات أجنبية وذهب وحقوق وحدات السحب الخاصة من صندوق النقد- بنحو 2.96 مليار دولار خلال فترة الـ 10 أشهر الأولى، ليبلغ 50.07 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2025.

ومن المقرر أن يعلن البنك المركزي عن أرصدة احتياطي النقد الأجنبي لشهر نوفمبر الماضي خلال الأيام القليلة المقبلة.

الذهب

وتشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن إجمالي الذهب المحتفظ به في احتياطيات النقد الأجنبي لدول العالم سجل نحو 36.457 ألف طن بنهاية سبتمبر 2025، وتمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أعلى احتياطي عالمي من الذهب تبلغ أرصدته 8133.5 طن، تليها دولة ألمانيا بنحو 3.35 ألف طن ذهب، بعدها صندوق النقد الدولي لـ 2.814 ألف طن، ثم أيطاليا والتي تستحوذ على 2.452 ألف طن ذهب، ودولة فرنسا لاحتياطي ذهب 2.437 ألف طن، وروسيا باحتياطي ذهب يبلغ وزنه 2.326 ألف طن.

وبالنسبة للدول العربية، تمتلك المملكة العربية السعودية احتياطي ذهب يزن 323.1 طن، تليها دولة لبنان باحتياطي ذهب يزن 286.8 طن، في حين تمتلك الجزائر 173.6 طن احتياطي ذهب، ثم دولة العراق لـ 170.9 طن، بعدها ليبيا باحتياطي يبلغ 146.7 طن ذهب، وتحل مصر في المرتبة السادسة.

اقرأ أيضاً428.7 مليون دولار.. مشتريات الأجانب من أذون الخزانة عبر السوق الثانوي في البورصة

شركة مصر للألومنيوم تعقد أول اجتماع تمهيدي لمشروع رفع الطاقة الإنتاجية إلى 600 ألف طن سنويًا

تباين أداء البورصة المصرية في ختام اليوم الثلاثاء جلسة منتصف الأسبوع

مقالات مشابهة

  • «WGC»: احتياطي الذهب في البنك المركزي المصري يزن 128.8 طن بنهاية أكتوبر الماضي
  • استشهاد 4 فلسطينيين برصاص الاحتلال في محافظة القدس خلال نوفمبر الماضي
  • أرسنال يخشى «خيبات الماضي» في «البريميرليج»!
  • عقل: “ترامب هذا الذي يزعم أنه زعيم العالم يهدد الجميع.. ويجب أن يتوقف عند الأردن “
  • الأزهر عن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد: صاحب الحنجرة الذهبية الذي جاب بلاد العالم
  • جاغ كباب التركي بين أفضل أطباق العالم.. ما الذي يميّز سفير أرضروم الغذائي؟
  • بشارة واكيم.. المحامي الذي ترك روب العدالة ليصنع مجد الكوميديا المصرية
  • ذكرى رحيل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. سفير القرآن الذي صدح صوته آفاق العالم
  • ذكرى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. سفير القرآن الذي صدح صوته أفاق العالم
  • مثقفون عرب: «الاتحاد» صنع المستقبل بأصالة الماضي