لندن "د.ب.أ": يشكل تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من عشرين نقطة، خطوة أولى مهمة لإنهاء حرب غزة. وقد كان لتركيز جهوده السياسية على هذه الأزمة دور حاسم، لا سيما في تأمين اتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وفي دفع الطرفين إلى اتخاذ الخطوات الأولى نحو وقف إطلاق النار.

لكن الدكتورة سانام فاكيل مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) قالت في تحليل نشره موقع المعهد إن هذه الخطوة ليست سوى البداية، حيث لا تزال هناك قضايا حرجة عالقة، مثل إدارة قطاع غزة، ومسألة نزع سلاح حماس، ثم الطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية. وهذه القضايا ستحدد مدى إمكانية استدامة التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى الطويل.

وترى فاكيل أنه لتحقيق نجاح أكثر استدامة في قطاع غزة، يتعين على إدارة ترامب توسيع نطاق تحركها الدبلوماسي، ولا تقصر جهودها على المسار الإسرائيلي الفلسطيني فقط. فالمواجهة مع إيران، التي تراجعت قليلا منذ الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استمرت 12 يوما في يونيو الماضي، تلقي بظلالها الكثيفة الآن على أي جهد لتحقيق سلام إقليمي أوسع.

وقد أدى قرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في نهاية سبتمبر إلى تعميق عزلة طهران. وإذا استمرت واشنطن في تجاهل هذه القضية، ستتضاءل فرص ترسيخ سلام دائم.

وقد أقر الرئيس ترامب بهذا الواقع، حيث قال في الأسبوع الماضي: "كانت (إيران) ستمتلك سلاحا نوويا في غضون شهر. والآن يمكنها بدء العملية من جديد، لكنني آمل ألا تفعل لأننا سنضطر إلى التعامل مع ذلك أيضا إذا فعلت ذلك". إذن فالرسالة واضحة: إن طموحات إيران النووية غير المؤكدة ومواجهتها مع الولايات المتحدة تظل تخيم على الاستقرار الإقليمي الأوسع نطاقا.

من ناحيتها تجد إيران نفسها محاصرة استراتيجيا، مع هامش محدود للغاية للمناورة. وقد ألحقت الولايات المتحدة وإسرائيل أضرارا جسيمة ببرنامجها النووي خلال حرب يونيو. وأعادت أوروبا فرض العقوبات عليها، مما أدى إلى تجميد أصولها، وحظر تصدير الأسلحة إليها، وحظر شراء منتجاتها من الطاقة.

والاقتصاد الإيراني يعاني بالفعل من ضغوط شديدة جراء العقوبات الأمريكية التي أعيد فرضها في عام 2019 بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني. ولا تزال العملة الإيرانية ضعيفة، والتضخم في ارتفاع حاد، وصادرات النفط مقيدة، والاستثمار الأجنبي غائب.

وترى سانام فاكيل المتخصصة في شؤون إيران ومنطقة الخليج أن النظام الإيراني لا يملك سوى خيارات قليلة قابلة للتطبيق لوقف تدهور الوضع على المدى القصير.

وخلال حلقة نقاشية في معهد تشاتام هاوس يوم 14 أكتوبر استعرض البروفيسور فالي نصر كيفية تقييم إيران لنهجها الإقليمي في أعقاب حرب يونيو، حيث تعرضت حماس لضربات قوية في حرب غزة، وتكبد حزب الله في لبنان خسائر فادحة في قيادته، ويواجه ضغوطا محلية ودولية متزايدة لنزع سلاحه.

كما تمت الإطاحة بنظام حكم الرئيس السوري السابق الموالي لإيران بشار الأسد لتحل محله حكومة أحمد الشرع الجديدة.

ومن المفترض أن تتيح هذه التحولات الإقليمية للولايات المتحدة فرصة سانحة للتعامل الإيجابي مع الملف الإيراني، لكن إدارة ترامب تركز حتى الآن على العمل العسكري الذي شنته مع إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني في يونيو، والخيار الافتراضي المتمثل في استمرار فرض عقوبات الضغط الأقصى.

ولم تحدد إدارة ترامب حتى الآن مسارا دبلوماسيا واضحا للتعامل مع وضع إيران في النظام الإقليمي. في المقابل تؤكد دروس التاريخ أنه دون مبادرة دبلوماسية واضحة للتعامل مع هذه القضية، ستعود طهران في أغلب الأحيان إلى إعادة التموضع. وقد تسعى إلى إعادة بناء برنامجها النووي، وتكوين جماعات حليفة جديدة، وإعادة تعزيز تحالفاتها طويلة الأمد. كما تسعى طهران بالفعل إلى إعادة بناء قدرتها على الردع وتعزيز دفاعاتها الجوية استعدادا لأي مواجهة جديدة مع إسرائيل.

في الوقت نفسه زاد النهج الأوروبي من إرباك المشهد الدبلوماسي. ففي حين كان قرار الدول الأوروبية الثلاث إعادة فرض العقوبات على إيران يستهدف الضغط عليها، جاءت النتائج عكسية، إذ عمق انعدام الثقة بين طهران والعواصم الأوروبية، وترك الدول الأوروبية الثلاث دون استراتيجية واضحة بشأن إيران.

ومع تطبيق آلية "إعادة فرض العقوبات" ظهر أنها تفتقر إلى أي خطة متماسكة لإعادة إشراك إيران في الحوار النووي أو التوسط بين واشنطن وطهران. كما أن الانقسامات الداخلية تضعف مواقف أوروبا أكثر فأكثر. وبدون قيادة الولايات المتحدة، تخاطر سياسة العقوبات الأوروبية بالانجراف إلى عدم الجدوى.

لكن النقاش الأمريكي حول إيران مازال رهينة للانقسام والتسييس. ولا تزال إدارة ترامب منقسمة بشأن النتيجة التي تسعى إليها بالفعل وهل هي تغيير نظام الحكم الإيراني أو احتواء طموحه النووي، أو إعادة دمج إيران في النظام الإقليمي. وكل نتيجة من هذه النتائج تتطلب أدوات مختلفة تماما، وبدون توافق في الآراء، تخاطر واشنطن بإرسال إشارات متضاربة تؤدي إلى استمرار الأزمة.

وستحتاج واشنطن إلى ربط ردعها العسكري بإطار دبلوماسي موثوق يضع قيودا على البرنامج النووي الإيراني، ويتيح المجال لتخفيف الضغط الاقتصادي بشكل كبير في حال امتثال طهران. كما ستحتاج إلى التنسيق الوثيق مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، حيث تمتلك هذه الأطراف القدرة على الجمع بين ضغط العقوبات وحوافز التعاون.

أخيرا ترى فاكيل ضرورة أن يكون منع نشوب حرب مباشرة جديدة بين إيران وإسرائيل هدفا محوريا أيضا. فمن شأن تجدد الصراع أن يشعل فتيل عدم الاستقرار الإقليمي ويعرقل التقدم في غزة. لذلك، ينبغي لأي عملية دبلوماسية أوسع نطاقا أن تستكشف تفاهما على عدم الاعتداء وعدم التدخل، حيث تتجنب الجهات الفاعلة الإقليمية الأعمال العدائية المباشرة وتمتنع عن استخدام وكلاء يزعزعون للاستقرار. ويمكن أن تشكل هذه الآليات تدابير لبناء الثقة وأساسا لنظام أمني إقليمي طويل الأمد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النووی الإیرانی فرض العقوبات إدارة ترامب إیران فی

إقرأ أيضاً:

كيف ولماذا؟ المنصات تتساءل عن منح فيفا ترامب جائزة للسلام

تفاعل مغردون مع منح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جائزته الجديدة للسلام إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أول إصدار لهذه الجائزة على الإطلاق، وسط تساؤلات واسعة عن توقيت استحداثها ومعايير منحها.

وأقيم حفل التكريم في مركز جون كينيدي للفنون بواشنطن قبل إجراء القرعة النهائية لكأس العالم 2026، حيث قدّم رئيس فيفا جياني إنفانتينو الجائزة لترامب "تقديراً لإجراءاته الاستثنائية في تعزيز السلام والوحدة في العالم".

وتتكون الجائزة من منحوتة لفنانَين أذربيجانيَين سبق وأن عرضا أعمالهما في مقر الأمم المتحدة، إضافة إلى ميدالية تذكارية وشهادة.

ووصف ترامب التكريم بأنه "أحد أعظم التكريمات في حياتي"، مؤكداً أن "العالم أصبح أكثر أماناً الآن".

وربطت وسائل إعلام أميركية الجائزة بالعلاقة الوثيقة بين إنفانتينو وترامب، إذ كان رئيس فيفا من أبرز المؤيدين لمنح الرئيس الأميركي جائزة نوبل للسلام التي لم يحصل عليها حتى الآن.

آلية الاختيار

وفي سياق متصل، حذّرت منظمات حقوقية من الإضرار بسمعة ونزاهة كرة القدم، وأشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أنها تواصلت مع فيفا لفهم آلية اختيار الجائزة، لكنها لم تتلق إجابة، ما يعني بحسب المنظمة "أنه لا توجد آلية، ولا مرشحون آخرون، ولا عملية تحكيم".

وتباينت ردود فعل المغردين -وفقا لحلقة (2025/12/7) من برنامج "شبكات"- بين مؤيدين يرون أن ترامب يستحق التكريم لجهوده في إنهاء الصراعات، ومنتقدين يعتبرون الجائزة "مفصّلة" خصيصاً للرئيس الأميركي، في حين تساءل آخرون عن معنى السلام في ظل استمرار الحروب والقتل.

وكتب المغرد محمد مشيداً بسياسات ترامب:

السياسة أضحت أخطبوط، الرئيس ترامب يحصد أول جائزة من فيفا للسلام، هو بحق يقوم بالأمور، لكن على طريقته الصاخبة

ومن جهة أخرى، سخر المغرد خالد من توقيت استحداث الجائزة:

بعد فشله في الحصول على جائزة نوبل للسلام، فيفا تستحدث جائزة سلام لأول مرة وتمنح أولى نسخها للرئيس الأميركي دونالد ترامب تعويضا له

 

ومن ناحيته عبّر المغرد فادي عن غضبه وغرد:

عن أي سلام تتحدثون ونحن ما زلنا نُقتل ولم نحصل على حياتنا بعد

أما المغرد حسني فحذّر من تداعيات إقحام السياسة في الرياضة وكتب:

من أهم قوانين فيفا فصل السياسة عن كرة القدم، وإقحام السياسة وتدخل رؤساء الدول ورؤساء الوزراء يفتح الباب لدخول السياسة في قرارات فيفا والتحكم بها

مقالات مشابهة

  • قانون قيصر.. سوريا تسعى لإزالة آخر العقبات أمام إعادة البناء
  • العراق محور ضغوط أمريكية لإعادة ضبط التوازن مع إيران
  • عراقجي: إيران عازمة على مواصلة برنامجها النووي السلمي
  • ترامب مستاء لأن زيلينسكي لم يقرأ خطته للسلام
  • كيف ولماذا؟ المنصات تتساءل عن منح فيفا ترامب جائزة للسلام
  • عبد العاطي يبحث مع نظيره الإيراني تعزيز العلاقات بين البلدين وتطورات الملف النووي
  • إيران صعبة .. أحمد موسى: مجموعة مصر في كأس العالم ليست سهلة
  • عزة مصطفى: مصر كانت حاضرة وبقوة في الفيلم التسجيلي لإنجازات ترامب
  • بارك:أمريكا بعد 2003 سلمت العراق إلى إيران ورئيس الوزراء السوداني بلا سلطة والإطار الإيراني من يحكم البلاد
  • بارك:أمريكا بعد 2003 سلمت العراق إلى إيران ورئيس الوزراء السوداني بلا سلطة والإطار الإيراني من يحكم البلد