لجريدة عمان:
2025-11-02@02:50:22 GMT

إسكندر حبش .. حكاية حوار

تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT

في أحد أيام أبريل الماضي علمتُ أن إسكندر حبش -الشاعر والناقد والمترجم اللبناني المعروف- سيكون ضمن ضيوف معرض مسقط الدولي للكتاب؛ ليشارك في الندوة التأبينية للشاعر زاهر الغافري المدرجة ضمن البرنامج الثقافي للمعرض. وكان حبش قد أصدر قبل ذلك بثلاثة أشهر كتابه «أزهار من بئر زاهر الغافري» عن مجلة نزوى. هذه إذن فرصة سانحة لمحاورته في برنامجي «ضفاف» في قناة عُمان الثقافية، خصوصًا أنه تربطني به معرفة سابقة، وسبق أن شارك في برنامجي الإذاعي «نوافذ ثقافية».

كما أنه على معرفة سابقة ببرنامج «ضفاف» وطبيعته الحوارية؛ لأنه سبق أن طلب مني رابط الحلقة التي أجريتُها فيه مع الشاعر سيف الرحبي.

في ذلك اليوم (11 أبريل 2025) فاتحتُه بالموضوع في رسالة صوتية فردّ عليَّ بلطف معلِنًا موافقته المبدئية على أن يؤكدها خلال يومين بموافقة نهائية إذا ما سمح له الطبيب بالسفر من بيروت، وقد كان خاضعًا لجلسة علاج في ذلك اليوم، وبدا من صوته الواهن أنه متعب بالفعل. تركتُه عدة أيام ثم بعثتُ له رسالة أخرى أسأله فيها عن صحته فرد عليّ أنه بخير، وأن الطبيب سمح له بالسفر، وسيصل إلى مسقط مساء الثالث والعشرين من أبريل (أي قبل بدء المعرض بيوم)، ويغادر في السادس والعشرين منه. هنا حددتُ له يوم الرابع والعشرين موعدًا للتصوير، وطلبتُ منه ترشيح شخصيتين ثقافيتين يرى أنهما مطلعتان على تجربته الأدبية والثقافية لتدليا بشهادتين عنه في الحلقة، فرشح لي ثلاثة شعراء: الليبي عاشور الطويبي، والجزائري الخضر شودار، واللبنانية المقيمة في كندا دارين حوماني. وهذه الأخيرة نبهني إلى أنها أعدت كتاب حوارات معه عنوانه «هجرتان وأوطان كثيرة» وعرض عليّ إرساله إلكترونيًّا، فرجوتُه أن يفعل، وقد كان.

وأنا أقرأ مقدمة حوماني في هذا الكتاب بدا لي أنها تعبّر عني حين استعادت لقاءها الأول به في مكتبه بجريدة «السفير» اللبنانية التي كان مسؤولًا عن القسم الثقافي بها آنئذ. فقد تحدثت عن تواضعه الجم: «التواضع نفسه الذي يخص الكتابة من خارج الأضواء، تواضع شاعر وكاتب وصحفي ومترجم. وقد علمتُ بالصدفة فيما بعد أنه حاصل على دكتوراه في الفلسفة من اليونان؛ ففي عالمنا هذا من يكون واحدًا من هؤلاء سيكون من الصعب التواصل معه بحب، بل تكاد تكون فكرة الاعتداد بالنفس لصيقة بمعظم كُتاب الصحف، وخصوصًا في ذلك الوقت يوم كان للصحيفة الورقية وقع كبير على القراء». وما أن توغلتُ في الحوارات وأسئلة حوماني العميقة والسابرة لمسيرته الأدبية حتى قررتُ أن تكون صاحبةَ الشهادة الأولى في الحلقة. وقد كانت شهادة جميلة بحق ذكرتْ فيها أن دراسة إسكندر حبش للفلسفة وتدريسه لها أضافا إلى قلبه أفقًا إنسانيًّا تجاه العالم كله، فكانت اختياراته للترجمة مختلفة عن اختيارات أي مترجم آخر؛ لأنه لم يكن يَعُدُّ الترجمة مهنة. ونحن نشعر ونحن نقرأ ترجماته أنه يختارها بحب، وأنها كتابة من مكان آخر، وكل ما يترجمه يراودنا شعور أنه يخصنا ويشبهنا، وربما نحتاجه في يومياتنا العادية.

ولأن دارين حوماني هي صاحبة الشهادة الأولى لـ«ضفاف»؛ فقد كان عليًّ أن أختار الشهادة الثانية من بين الشاعرين المتبقيين، فكان أن اخترتُ الطويبي لأن ترتيبه في الترشيح كان قبل شودار. وقد كانت شهادته جميلة أيضًا كشف فيها الشاعر الليبي عن وجه آخر من أوجه التعدد الكتابي لحبش، ألا وهو كتابة الرسائل الأدبية؛ فقد تبادلا الرسائل من أكتوبر 2020 حتى مارس 2025، وأوضح أنهما قررا نشر هذه الرسائل في كتاب اختارا له عنوان «على جسر قريب من السماء».

في ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء 23 أبريل -وكنتُ قد استنتجتُ أن إسكندر وصل مسقط منذ عدة ساعات- بعثتُ له رسالة أهنئه فيها بسلامة الوصول، وأذكّره بموعد الحلقة غدًا، وأن سائقًا سيمر عليه الفندق في ساعة بعينها. ثم طفقتُ أراجع الأسئلة التي أعددتُها له، وأزعم أنها كانت أسئلة متنوعة تحاول الإحاطة بمسيرة حياته وبتنوعه الثقافي بين الشعر والصحافة والترجمة والفلسفة. على سبيل المثال أعددتُ له سؤالًا عن اختياره طريق الأدب برغم رغبة والده في أن يكون طبيبًا أو مهندسًا، وعن اللحظة التي جعلته يحسم هذا القرار. وتناول سؤال آخر علاقته بالشعر بوصفه علاجًا نفسيًّا وملاذًا أول من الخوف. وفي محور الترجمة توقفتُ معه عند أثرها في وعيه الشعري، وكيف جعلته يرى اللغة كمرآة تكشف ذاته بقدر ما تنقل الآخرين. أما في محور الصحافة، فكان لا بد أن أسأله عن تجربته الطويلة في جريدة «السفير»، وما إذا كان إغلاقها نهاية عام 2016 قد غيّر إيمانه بالصحافة الثقافية ودورها اليوم في وقتٍ هيمنت فيه المنصات السريعة. بالإضافة إلى أسئلة أخرى عن نظرته للكتابة والعزلة، وعن إيمانه بأن البقاء بعيدًا عن الصخب الأدبي هو الطريق الأصدق لحماية النص من الضجيج.

في صباح اليوم التالي -يوم تصوير الحلقة- اكتشفتُ أنه لم يفتح هاتفه، ولم يقرأ رسالة البارحة بعد. شعرتُ بالقلق. وبعد عدة اتصالات -كان آخرها بالصديق الكاتب محمد الشحري الذي كان مكلفًا بمرافقة ضيوف المعرض من المثقفين- عرفتُ أن حبش لم يصل إلى مسقط، وألغى رحلته بسبب «وعكة صحية». وبعد ساعة فقط من إبلاغي مخرج البرنامج حسين العلوي بإلغاء التصوير وصلتني رسالة اعتذار رقيقة من إسكندر مرفقة بصورةٍ له وهو في سرير في أحد مستشفيات بيروت فرددتُ عليه: «ألف سلامة لك دكتور إسكندر. ربنا يمتعك بالصحة والعافية».

خرج حبش من المستشفى بعد ذلك، ومارس حياته الطبيعية، أو هكذا استنتجتُ من مداومته كتابة مقاله الأسبوعي في جريدة عُمان كل أربعاء. وكلما رأيتُ صورته أعلى المقال مَنّيتُ نفسي بزيارة قريبة له إلى مسقط تتيح لنا إكمال ما بدأنا، وتصوير الحلقة الجاهزة التي لا ينقصها سوى وجوده. لكن النبأ الذي وصلني صباح الجمعة بدد كل خيوط الأمل. رحم الله إسكندر حبش.

سليمان المعمري كاتب وروائي عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وقد کان

إقرأ أيضاً:

المهندس جورج هاملتون لـ"الوفد": واجهنا تحديات هندسية غير مسبوقة وكل زاوية في المبنى لها حكاية

كشف المهندس المدني جورج هاملتون، أحد المهندسين المشاركين في تنفيذ مشروع المتحف المصري الكبير، في تصريح خاص لجريدة الوفد، عن كواليس وتفاصيل هندسية دقيقة واجهها فريق العمل أثناء تنفيذ هذا الصرح العالمي الذي يُعد الأكبر من نوعه في تاريخ المتاحف الحديثة.

المهندس المدني جورج هاملتون أعاد عبادة الإله الشمس.. معلومات صادمة عن توت عنخ آمون قبل عرض مقتنياته بالمتحف الكبير قبل افتتاحه.. جولة داخل المتحف المصري الكبير (25 صورة) خبير أثري لـ "الوفد": هناك تمثال يظنه الزوار لملك لكنه في الحقيقة لملكة عظيمة خبير أثري لـ"الوفد": تمثال رمسيس الثاني أهم قطعة في المتحف الكبير لهذا السبب خبير أثري لـ "الوفد": افتتاح المتحف المصري الكبير سيكون عرضًا حضاريًا يبهر العالم هل واجه المتحف المصري الكبير عقبات قبل افتتاحه.. خبير أثري يكشف مفاجآت لـ"الوفد" شخصيات مصرية مؤثرة تزين طريق المتحف المصري الكبير.. (22 صورة) تمثال رمسيس الثاني.. أسطورة فرعونية انتقلت من قلب ممفيس إلى القاهرة (صور) وجوه خالدة في حضرة الملوك.. النجوم الراحلين يضيئون المتحف المصري الكبير (صور) على رأسهم عادل إمام.. الذكاء الاصطناعي يرسم النجوم في المتحف المصري الكبير (صور) تصميم فريد لا مثيل له

في البداية، أوضح هاملتون أن تصميم المتحف المصري الكبير هو من أعقد التصاميم في العالم، نظرًا لأن الهيكل المعماري للمبنى غير منتظم، ولا يوجد به أي ضلع موازٍ لآخر، قائلًا :" الشكل كان معقدا جدًا، مفيش ارتفاع زي التاني ومفيش ضلع موازي للتاني، حتى سقف المتحف نفسه كل نقطة فيه بمنسوب معين وزاوية مختلفة، وده خلى التنفيذ صعب جدًا خصوصًا في أعمال النجارة والحدادة والخرسانات". 

 

وأضاف المهندس جورج أن التعامل مع هذا المستوى من التعقيد احتاج إلى دقة هندسية استثنائية، مؤكدًا أن كل التفاصيل تم تنفيذها وفق دراسات دقيقة ولوحات فنية من المكتب الفني الرئيسي، لضمان تحقيق التصميم كما وُضع تمامًا دون أي خطأ أو انحراف.

تصميم المتحف المصري الكبيرتصميم المتحف المصري الكبيرالهياكل الفولاذية وتحديات التنفيذ

وأشار هاملتون إلى أن أعمال الهياكل الفولاذية (Steel Structure) كانت من أكثر المراحل صعوبة في المشروع، نظرًا للوزن الهائل للحديد المستخدم، قائلًا :" كنا بنتعامل مع حديد وزنه ما بين 40 و50 طن، فكان لازم نستخدم رافعات حديد ضخمة جدًا عشان نرفع الأجزاء دي وكمان تثبيت ألواح التثبيت (Anchor Plates) داخل الخرسانة كان محتاج دقة متناهية في التنفيذ، لأن أي خطأ بسيط ممكن يأثر على أمان الهيكل بالكامل".

 

وأوضح أن عملية تثبيت الألواح كانت تتم وفق خطوات هندسية صارمة تبدأ بتحديد المواقع بدقة، ثم حفر الثقوب بالحجم والعمق المطلوبين، وبعدها التثبيت والاختبار النهائي لضمان أعلى معايير الأمان.

تصميم المتحف المصري الكبيرتصميم المتحف المصري الكبيربين الصعوبة والإبداع

وأكد المهندس المدني أن كل تلك التحديات لم تكن مجرد صعوبات، بل كانت تجربة مهنية ملهمة على المستوى الشخصي والمهني، قائلاً :" كل العقبات دي كانت تحدي ممتع بالنسبة لي، وكنت في بداية مشواري المهني وقتها، والتجربة دي علمتني كتير جدًا، النهارده بعد أكثر من 11 سنة من شغلي هناك، فخور جدًا إن ليّ بصمة في واحد من أهم المشاريع في تاريخ مصر الحديث". 

تصميم المتحف المصري الكبيرتصميم المتحف المصري الكبيرالمتحف.. رسالة مصر الجديدة للعالم

واختتم هاملتون حديثه مؤكدًا أن المتحف المصري الكبير لا يمثل مجرد مبنى أثري ضخم، بل رمزًا لروح مصر الحديثة التي تجمع بين التاريخ العريق والتطور المعماري الراهن.

تصميم المتحف المصري الكبير

مقالات مشابهة

  • صدفة غيرت وجه التاريخ | حكاية الطفل المصري قائد العالم لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.. من هو حسين عبدالرسول؟
  • سافر إلى باريس.. حكاية إصدار جواز سفر لرمسيس الثاني في 1976
  • روسيا: خارطة الطريق التي رعتها مسقط والرياض تمثل إطارا أساسياً لإنهاء الصراع في اليمن
  • المهندس جورج هاملتون لـ"الوفد": واجهنا تحديات هندسية غير مسبوقة وكل زاوية في المبنى لها حكاية
  • تجارب محاكاة قبل النقل.. أحمد موسى يروي حكاية نقل مركب خوفو للمتحف المصري الكبير
  • مرقص باشا حافظ كنوز المتحف الكبير | حكاية مصري منع الإنجليز من سرقة مقبرة توت عنخ أمون.. من هو؟
  • إسكندر حبش.. موتك براءة من وعدك!
  • وفاة الكاتب والشاعر إسكندر حبش
  • أم مكة تواجه مصيرها.. حكاية بائعة فسيخ وصل دخلها اليومي إلى 120 ألف جنيه