مراجعة لمسار الاقتصاد الرقمي العماني
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
نواصل في مقالنا هذا مراجعة مسارنا الرقمي، وخصوصًا في قطاعه الاقتصادي، ويعكس هذا المسار هدفنا الرئيس المرتبط بالتطوّر الرقمي وفقَ «رؤية عُمان 2040»؛ إذ يكمن أحد أهداف «رؤية عُمان 2040» في تحقيق مساهمة للاقتصاد الرقمي إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 10٪ بحلول عام 2040؛ فنتجاوز النسبة السابقة حتى عام 2021 التي كانت 2٪، وهذا ما يؤكده «البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية 2024-2026».
نحاول أن نتتبع حركة الاقتصاد الرقمي في سلطنة عُمان عبر ثلاثة مسارات رئيسة: الحوسبة السحابية ومراكز البيانات، الأمن السيبراني، والتجارة الرقمية.
نبدأ بالحوسبة السحابية ومراكز البيانات التي يمكن أن نعتبرها الوقود الأهم للأنظمة الرقمية على رأسها الذكاء الاصطناعي، وقبل أن نستعرض مستجدات التقدّم العُماني في هذا المسار، نعرج إلى ما تؤكده الدراسات العلمية من أهمية هذا المسار والاستثمار فيه، ومنه ما أشارت إليه دراسة بعنوان ـ بعد ترجمته للعربية ـ « تحليل تجريبي للعوامل المُحفِّزة للعاطلين عن العمل للانخراط في ريادة الأعمال الرقمية في عُمان: تركيز على البنية التحتية التقنية» نشرتها مجلة «Sustainability» عام 2023 لمجموعة من المؤلفين على رأسهم « Elshaiekh»، بأهمية البنية التحتية التقنية المتطورة، بما في ذلك مراكز البيانات، في دعم ريادة الأعمال الرقمية والتحول الرقمي في سلطنة عُمان، وتسهم في صناعة فرص عمل جديدة وتحفيز الابتكار، وأن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية يُعتبر عنصرا مهما لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحسين جودة الخدمات المالية والمصرفية، وتسهيل تطبيق تقنيات البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء في القطاعات الحيوية مثل البنوك.
يمكن أن نعود بالزمن إلى الوراء حيثُ اضطر العالمُ بما فيه سلطنة عُمان إلى تجاوز الاعتماد على الوسائل التقليدية في العمل والتشغيل فترة جائحة كورونا؛ فبات للأنظمة الرقمية دور رئيس إبان هذه الجائحة في مختلف القطاعات التي لم تكن في دائرة الحسبان الرقمية من قبل، ولهذا كشفت هذه الأزمة وما تطلب من أنظمة رقمية مساعدة ضرورة وجود بنية سحابية ومراكز بيانات قوية. أما عن الخطوات العملية التي انطلقت بها عُمان في دعم هذا المسار، منها ما نشره موقع «Bussiness Wire» في 29 يوليو 2024 بأن سوق مراكز البيانات في سلطنة عُمان قُيِّم بنحو 181 مليون دولار في عام 2023، ومن المتوقَّع أن يصل إلى 326 مليون دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مُركَّب قدره 10.3٪.
فيما يخص مسار الأمن السيبراني، صُنّفت سلطنة عُمان ضمن « Tier 1» عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني لعام 2024 للاتحاد الدولي للاتصالات بدرجة 97.2/100. كذلك أطلقت الحكومةُ إستراتيجيات مثل «الإستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي» وقانون حماية البيانات الشخصية، وبالإضافة إلى رفد الشراكات بين القطاعين العام والخاص لمواجهة التهديدات المتطورة على رأسها الهجمات السيبرانية كما تشير دراسة نشرها مجموعة من الباحثين على رأسهم «Aggarwal» في «International Journal of Advances in Engineering and Management» هذا العام. نملك رصيدا كافيا لنكمل تطوير هذا المسار الذي أثبتنا تفوقنا الإقليمي والعالمي فيه، وكذلك أثبتنا ضرورته التي تجاوزت الأسباب الاقتصادية؛ فنستدل على دراسة بعنوان -بعد ترجمته للعربية- «نهج مبتكر قائم على الأمن السيبراني لتعزيز مرونة البنية التحتية الوطنية في سلطنة عُمان» نشره مجموعة من الباحثين عام 2019 في « International Journal of Academic Research in Business and Social Sciences» أظهرت تعرّض بعض المؤسسات المالية في عُمان لهجمات سيبرانية، مثل اختراق بطاقاتِ بنوك؛ فولّد ذلك الحاجة لوجود مراكز استجابة وطنية متخصصة، وكذلك أظهرت الدراسةُ نفسها تمكّن سلطنة عُمان من إحباط أكثر من 880 مليون هجمة إلكترونية في عام 2017؛ ليعكس حجم التهديدات المستمرة وأيضا الجاهزية الأمنية السيبرانية العُمانية في ذلك الوقت.
نعود إلى محور مقالنا حيثُ نرى لمسار الأمن السيبراني أهميةً في دعم الاقتصاد الرقمي عن طريق عدد من المنطلقات منها ما ترفده الدراسات ـ منها دراسة نشرها الباحثٌ «محمد جاهنجير» من جامعة البريمي هذا العام بعنوان «دور التقنيات المالية (Fintech) والأنظمة المصرفية الرقمية في البنوك التجارية في عُمان» في «International Journal of Research and Innovation in Social Sciences»، أكد في دراسته أن وجود بيئة سيبرانية آمنة يمكن أن تشجّع الأفراد والشركات على استعمال الخدمات الرقمية مثل: المدفوعات الإلكترونية والخدمات المصرفية الرقمية، وهذا ما يسهم في تسريع عملية تبنّي الاقتصاد الرقمي.
يتعلق مسارنا الثالث بالتجارة الرقمية التي نعرفها سابقا بالتجارة الإلكترونية؛ فتشير البيانات التي نجدها في تقرير بعنوان «Oman E-commerce - Market Share Analysis, Industry Trends & Statistics, Growth Forecasts (2025 - 2030)» نشره موقع « Mordor Intelligence» في مايو 2025 بأن حجم السوق الرقمي في سلطنة عُمان يُقدَّر عند 0.75 مليار دولار في 2025 مع توقّع أن يصل إلى 1.41 مليار دولار في 2030 بمعدل نمو سنوي مركّب 13.54٪. كذلك أشار التقرير إلى أبرز الشركات العالمية الكبرى العاملة في سوق التجارة الرقمية في سلطنة عُمان؛ إذ تهيمن ـ حاليا ـ بعض الشركات على حصة كبيرة من السوق مثل: أمازون، إيباي، علي إكسبريس، نمشي، وطلبات. لكن مع تطوّر التقنيات مثل: أنظمة تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي وتصميم صفحات الإنترنت والبرمجة والتسويق الرقمي وتطوير التطبيقات، والأهم وجود الكفاءات الوطنية العُمانية في هذه القطاعات الرقمية، أتصور أننا مقبلون على صعود لشركات وطنية ناشئة تعمل في السوق الرقمي قادرة على المنافسة مع كبرى الشركات العالمية -على المستوى المحلي-، ويأتي هذا التفاؤل من ما يعكسه الواقع العُماني ذات البنية التحتية الرقمية عالية الكفاءة التي رصدناها عبر مساراتها الثلاثة وأهمها مسار الحوسبة السحابية ومراكز البيانات وكذلك التفوق الكبير في مسار الأمن السيبراني؛ فكلها تدعم تحقق المسار الاقتصادي الرقمي الوطني الذي يمكن أن نرى بعضَ عناصره الرئيسة في المسار الثالث «السوق الرقمي». ليس من باب المبالغة -رغم ما أوردناه من عرض مختصر غير شامل لمشروع تنمية الاقتصاد الرقمي العُماني- أن نقول إننا نعمل بخطوات واثقة متزنة
متوازية مع الخطط الوطنية المرسومة، والأهم أن المخرجات هي من تتكلم عن نفسها.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد الرقمی الأمن السیبرانی البنیة التحتیة هذا المسار الع مانی یمکن أن ع مانی
إقرأ أيضاً:
بروتون تطلق مرصد خرق البيانات.. أداة جديدة تكشف تسريبات الإنترنت المظلم في الوقت الفعلي
في خطوة جريئة لتعزيز الشفافية في عالم الأمن السيبراني، أعلنت شركة بروتون، المطورة لتطبيقات الحماية المشفرة مثل Proton VPN وProton Mail وProton Drive، عن إطلاق أداة جديدة تحمل اسم "مرصد خرق البيانات" Data Breach Observatory، وهي منصة تهدف إلى تتبع ورصد تسريبات البيانات فور ظهورها على الإنترنت المظلم، وتقديم تقارير دقيقة ومحدثة بشكل مستمر حول الجرائم الإلكترونية حول العالم.
وتوضح الشركة أن الهدف من هذه الخطوة هو سد الفجوة الكبيرة في بيانات الأمن الرقمي، إذ تعتمد معظم الدراسات والتقارير السابقة على إبلاغ المؤسسات عن تعرضها للاختراق، وهو ما يجعل الصورة غير مكتملة. فالكثير من الشركات تتجنب الإعلان عن أي خرق لبياناتها خوفًا من فقدان ثقة العملاء أو التعرض لغرامات تنظيمية أو انتقادات من المستثمرين، ما يؤدي إلى إخفاء عدد كبير من الحوادث الحقيقية.
وتشير بروتون إلى أن تقدير حجم الهجمات السيبرانية الفعلية يظل أمرًا صعبًا للغاية، نظرًا لأن البيانات المسروقة غالبًا ما يتم تداولها داخل أسواق مغلقة في الإنترنت المظلم، بعيدًا عن أعين المتخصصين والجمهور. وتشبه الشركة هذا الوضع بحالة سرقة الماس، حيث لا تُعرض المسروقات في متاجر المجوهرات الرسمية، بل تُباع في أسواق خفية يصعب تتبعها.
وتقول بروتون إن هذه الفجوة في الشفافية تجعل المستخدمين العاديين وحتى الجهات التنظيمية غير قادرين على معرفة حجم الضرر الحقيقي، إذ بينما يعلم الجميع أن تسريبات البيانات تحدث باستمرار، لا أحد يمتلك معلومات دقيقة حول مدى انتشارها أو من يقف وراءها.
من هنا جاء حل الشركة: مراقبة الإنترنت المظلم ذاته. يعتمد "مرصد خرق البيانات" على تتبع المواقع والمنتديات التي يستخدمها مجرمو الإنترنت للإعلان عن البيانات المسروقة أو بيعها. ومن خلال هذه المتابعة الدقيقة، تأمل بروتون أن تتمكن من تنبيه الضحايا بسرعة، وربما قبل أن تدرك الشركات أو الأفراد المتضررون أنهم تعرضوا لعملية اختراق فعلية.
وتسعى بروتون من خلال هذا المشروع إلى بناء قاعدة بيانات مفتوحة توثق كل عمليات تسريب البيانات تقريبًا في مكان واحد، لتكون مرجعًا عامًا يسهل الوصول إليه. وتؤكد الشركة أن الهدف لا يقتصر على تنبيه الأفراد فحسب، بل يمتد إلى رفع الوعي العام بحجم التهديدات الرقمية، وتشجيع المؤسسات على التعامل مع الاختراقات بقدر أكبر من الشفافية والمسؤولية.
وسيتم تحديث المرصد بشكل شبه لحظي بالتعاون مع شركة الأمن السيبراني "كونستيلا إنتليجنس" المتخصصة في كشف المخاطر وتتبع الأنشطة الإجرامية الرقمية. وتوضح بروتون أن هذه الشراكة تهدف إلى ضمان دقة البيانات وسرعة تحديثها، خاصة مع الزيادة الهائلة في وتيرة الهجمات الإلكترونية عالميًا.
وبحسب أحدث أبحاث بروتون، تم تسجيل نحو 1571 خرقًا للبيانات منذ بداية عام 2025 فقط، مما تسبب في تسريب أكثر من 100 مليار سجل لمعلومات شخصية وتجارية حساسة. وتشير الشركة إلى أن هذا الرقم وحده يعكس حجم الكارثة الرقمية المتصاعدة، حيث يشهد العالم في المتوسط خمس حالات اختراق يوميًا على الأقل.
ويرى خبراء الأمن أن "مرصد خرق البيانات" يمثل نقلة نوعية في فهم وتحليل الجرائم الإلكترونية، إذ يحول الإنترنت المظلم من بيئة غامضة إلى مصدر معلومات يمكن الاستفادة منه في الكشف المبكر عن المخاطر. كما يُتوقع أن يُحدث المشروع ضغطًا متزايدًا على الشركات التي تخفي تسريباتها، نظرًا لأن أي اختراق سيُرصد بشكل علني ومبكر.
وفي ظل تزايد الاعتماد العالمي على البيانات والخدمات الرقمية، يبدو أن مبادرة بروتون تأتي في وقت بالغ الأهمية، لتعيد تعريف مفهوم الشفافية في الأمن السيبراني وتمنح المستخدمين فرصة حقيقية لمعرفة ما إذا كانت بياناتهم قد سُرّبت — قبل أن يدركوا ذلك متأخرين.
بهذا الإطلاق، تضع بروتون نفسها في موقع ريادي جديد ضمن صناعة الأمن الرقمي، ليس فقط كمزود لخدمات تشفير، بل كمصدر موثوق للمعلومات في مواجهة أكثر التهديدات انتشارًا في العصر الرقمي.