لا يوجد وقف لإطلاق النار في غزة
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
تلاشى أي شيء شبيه بوقف لإطلاق النار في غزة هذا الأسبوع باستئناف إسرائيل العابر للحرب الشاملة على حماس في الثامن والعشرين من أكتوبر. ورغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي من جانب واحد لاستئناف وقف إطلاق النار في اليوم التالي يبقى الواقع واضحًا: وهو أن أي اتفاقية تتيح لأحد أطرافها أن ينتهك شروطها بشكل منهجي متى شاء ما هي إلا كلمات فارغة من المعنى، ومحض حبر على ورق.
كانت انتهاكات إسرائيلية سابقة لضربات هذا الأسبوع قد أثارت مخاوف حقيقية فيما يتصل بقابلية وقف إطلاق النار للاستمرار. فمنذ بدايته في العاشر من أكتوبر ظلت إسرائيل مستمرة في تقييد تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهذا عنصر أصيل في الاتفاقية المبرمة مع حماس لإنهاء القتال. ودأبت على ضرب القطاع بانتظام مستندة إلى تقارير عن هجمات لحماس على قواتها، فقتلت أكثر من مائة شخص وأصابت مئات آخرين. وهي ترفض فتح معابر إضافية من شأنها أن تعزز تدفقات المساعدات للمدنيين الفلسطينيين الجائعين والفقراء.
وللتوضيح؛ لا بد من حساب أي طرف ينتهك وقف إطلاق النار على أفعاله. ويشمل هذا حركة حماس التي تعمل بلا شك على استرداد قوتها لتتحدى إسرائيل متى استطاعت. وفي حين أن تقارير كثيرة عن هجمات على قوات إسرائيلية هي تقارير مبالغ فيها أو خاطئة؛ فإن ذلك يرجع جزئيا إلى احتمال بقاء بعض مقاتلي حماس منفكين عن القنوات القيادية، لكن حماس وقعت هي الأخرى الاتفاقية، ولا بد أن تحترمها.
غير أن لتفاوت القوة ونفوذ الولايات المتحدة على إسرائيل شأنا في هذا السياق، وبخاصة في ضوء أن إسرائيل انتهكت اتفاقيات سابقة لوقف إطلاق النار من طرف واحد. وقيام إسرائيل بضربات جديدة في الثامن والعشرين من أكتوبر بما أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص ـ منهم ستة وأربعون طفلا ـ يقضي على أي فكرة بأن في غزة وقفا لإطلاق النار اليوم. ومع ذلك فإن القواعد التي وفرت تساهلًا استثنائيًا لإسرائيل على مدى عقود لا تزال مسيطرة. وبهذا فإن الاتفاق المبرم مع حماس يشبه «وقف إطلاق النار» بين إسرائيل وحماس في لبنان بقصفه المستمر والاحتلال غير الشرعي لأراض لبنانية ذات سيادة.
في ذلك السياق تفرض إسرائيل إرادتها على الحكومة اللبنانية الإصلاحية الجديدة بدعم كامل من واشنطن. والنتائج واضحة وضوح الشمس؛ إذ تواجه الجهود النبيلة لنزع سلاح حزب الله عقبات جسيمة بسبب حضور إسرائيل المستمر الذي لا يؤدي إلا إلى تعزيز مبرر وجود حزب الله، وهذا المبرر هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وكشأن حماس؛ سوف يستغل حزب الله هذه الدينامية للاحتفاظ بسلاحه وسلطته. في الوقت نفسه يقع اللاجئون اللبنانيون والسوريون البائسون في شرك في المنتصف، ويعتبر هؤلاء ورقة ضغط أخرى على بيروت في يد القادة الإسرائيليين والأمريكيين بدلا من اعتبارهم مدنيين يستحقون الكرامة والأمن، وهذا أسوأ ما تفرضه السياسة الواقعية على ما يفترض أنه «الشرق الأوسط الجديد».
ويبدو أن هذا المصير ينتظر غزة أيضا، ولكن في ظل ظروف أسوأ وأبشع بالنسبة للفلسطينيين في القطاع؛ فكلهم تقريبا نازحون، وأغلب البنية الأساسية العامة مدمرة، وأوضاع المجاعة مستمرة وسط انتشار انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية لدى الأطفال. والاقتتال الداخلي الفلسطيني بين حماس والميلشيات المدعومة من إسرائيل يهدد المدنيين بصفة يومية.
في ظل ما يعرف بوقف إطلاق النار واتفاقية السلام التي أعلنها ترامب من عشرين نقطة؛ لا تزال إسرائيل تسيطر على قرابة 53% من غزة بلغة مبهمة تفرض انسحابا مستقبليا إلى ما يقترب من 8% ـ تعرف بـ«المنطقة العازلة» المحيطة بحدود غزة المتنازع عليها مع إسرائيل ـ عند نزع سلاح حماس. ويتحدث مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون علنا عن إعادة بناء المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في إعادة صياغة واضحة للخطة بهدف نقل الفلسطينيين إلى ما كان يسمى سابقا بـ«المناطق الإنسانية» التي شبهها الكثيرون بمعسكرات الاعتقال.
كل هذه التطورات المقلقة تشير إلى أن بقية خطة ترامب المؤلفة من عشرين نقطة ما هي إلا حبر على ورق. فالأمر ببساطة هو أنه لا إسرائيل ولا حماس تثق إحداها في الأخرى، ولا تبدو أي منهما مهتمة بالتنفيذ الكامل لهذه الخطة ذات النقاط المبهمة أصلا. بل إنهما تبدوان مهتمتين بتحقيق أكبر قدر ممكن من النفوذ في ظل رجوع واشنطن إلى عادتها الذميمة، وأعني تحديدا الدعم غير المشروط لإسرائيل.
لقد زعم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو -إلى جانب ترامب- هذا الأسبوع أن لإسرائيل الحق في قصف أهداف في غزة معتبرا أن هذه إجراءات مشروعة بموجب تفاصيل وقف إطلاق النار. وتتناقض هذه المزاعم مع التعريف الأساسي لمصطلح وقف إطلاق النار وهذه الاتفاقيات؛ فوقف إطلاق النار من جانب واحد ليس وقفا لإطلاق النار على الإطلاق.
صدور مثل هذه التصريحات عن مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى أمر ينافي المنطق بالنظر خاصة إلى رأس المال السياسي الكبير الذي استثمرته إدارة ترامب لتحقيق وقف إطلاق النار المزعوم. ولو أن هناك سمة أساسية واحدة يجب فهمها في الرئيس الأمريكي فهي أنه يكره الخسارة فضلا عن أي مظهر من مظاهرها. والسماح لنتنياهو بتقويض إطار سلام يفترض أن يكون تاريخيًا يتعارض مع هذه السمة المعروفة على نطاق واسع، حتى إذا أخذنا في الاعتبار دعم إسرائيل القوي الذي يميز إدارة ترامب بشكل عام.
ولكننا لم نر بعد إن كان ترامب سيمارس المزيد من الضغط على إسرائيل. من المؤكد أن واشنطن أجبرت الحكومة الإسرائيلية على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وخطة السلام الأوسع، ومارست ضغطًا متكررًا على نتنياهو بطرق فعالة. ومع ذلك لا تزال إدارة ترامب تخدم المصالح الإسرائيلية بشكل عام، ولا ينبغي التغاضي عن دورها النشط والمباشر في تدمير غزة. وفي نهاية المطاف؛ لكي ينجح وقف إطلاق نار حقيقي سيكون على إدارة ترامب أن تمارس ضغطا مستمرا على نتنياهو؛ لضمان تنفيذه. ومن هذه الجهود محاسبة جميع الأطراف على انتهاك وقف إطلاق النار، خاصة وأنها ضامنة للاتفاق. ولسوف يفشل وقف إطلاق النار وأي فرصة لتحقيق سلام أوسع نطاقا إذا عادت واشنطن إلى أسوأ ميولها، فتسمح لإسرائيل بالتصرف على هواها.
أما عن الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون إبادة جماعية فسوف تكون هذه النتيجة حكما بالإعدام. ولن ينهي هذه المعاناة إلا وقف حقيقي لإطلاق النار، فهو الذي سيفتح الطريق -فيما نأمل- لإعادة الإعمار والتأهيل. وكل ما دون ذلك ليس سوى فشل من إدارة أمريكية لديها القدرة على ممارسة الضغط ولعب دور بناء حقيقي.
ألكسندر لانجلويس زميل مشارك في مركز (أولويات الدفاع)، ومحلل وكاتب في شؤون السياسة الخارجية
الترجمة عن ذي ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وقف إطلاق النار لإطلاق النار إدارة ترامب فی غزة
إقرأ أيضاً:
الدوحة وواشنطن تبحثان تطورات الأوضاع في غزة
بحث رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اليوم الخميس، مع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، تطورات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وضرورة ضمان التطبيق الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة " حماس ".
وأفادت وكالة الأنباء القطرية، بأن محمد بن عبد الرحمن، تلقّى اليوم اتصالا هاتفيا من روبيو، استعرضا فيه "العلاقات الإستراتيجية الوثيقة بين البلدين، وسبل دعمها وتطويرها".
وجرى خلال الاتصال، مناقشة تطورات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، على ضوء اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، بالإضافة إلى عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بحسب المصدر نفسه.
وأكد وزير خارجية قطر، خلال الاتصال، ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية، لضمان التطبيق الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، بما يمهد للوصول إلى السلام المستدام والاستقرار المنشود في المنطقة.
وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، توصّلت حركة "حماس" وإسرائيل إلى اتفاق تبادل أسرى ووقف لإطلاق النار بوساطة مصرية وقطرية وتركية وبرعاية أميركية، أنهى حربًا استمرت عامين، وأسفرت عن دمار هائل قُدّرت تكلفة إعادة إعمار غزة بعده بنحو 70 مليار دولار.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار العربية والدولية واشنطن تسعى إلى الانتهاء من خطة تشكيل قوة أمنية دولية في غزة لبنان - استشهاد موظف بلدية برصاص الجيش الإسرائيلي فرنسا ترسل فريقا عسكريا ومدنيا لمركز التنسيق الأمريكي الأكثر قراءة وفدا حماس وفتح يجتمعان بالقاهرة لبحث ترتيبات ما بعد الحرب على غزة الصحة العالمية: غزة تشهد كارثة صحية ستستمر لأجيال محدث: تفاصيل لقاء رئيس المخابرات المصرية بوفود فصائل فلسطينية بالقاهرة الرئاسة الفلسطينية تُرحّب بتصريحات ترامب الرافضة للضم عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025