لا للحرب بتاعتنا وبتاعتكم – الليِلتنا والليِليتكم
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
لا للحرب بتاعتنا وبتاعتكم – الليِلتنا والليِليتكم:
الاستراتيجية الأمثل للتستر على جرائم الغزاة الأجانب وميليشيات الجنجويد المتحالفة معهم – مع تجنب مسؤولية دعمهم الضمني أو الصريح – تتمثل في تبني دغمسة لغوية مُتعمدة يجيدها المثقفون والمتعلمون. تتضمن هذه الخدعة الخطابية إدانة شاملة لـ”الحرب” باعتبارها مأساة بلا وجه، مع تجنب أي تحديد للمعتدي الظالم والمعتدي عليه في عقر وطنه.
برفض التمييز بين وحشية القوات الغازية والنضال الباذخ لشعب يدافع عن وطنه يمكنك بناء تكافؤ أخلاقي زائف بين “طرفي النزاع” – وكمان لو لعنت خاش أبو الكيزان والعسكر وجيش سناء تكون دعمت الدغمسة.
امح التمييز الجوهري بين من يدافعون عن أنفسهم وأرضهم ومنزلهم وعائلتهم، وبين القوات البربرية التي انحدرت لتدميرهم وإذلالهم من جبال الأنديز وصحارى أفريقيا وغرف المخابرات الإقليمية.
هذا دليل الرجال الجوف للتخلٍّ الاستراتيجي عن الوضوح الأخلاقي والهروب المُدروس من المسؤولية الوطنية. إنه هروب من المساءلة مُصمم لتجنب عواقب اتخاذ موقف واضح لا يجبن. لن تُعاقب على هذا الغموض من قبل أي جهة قوية، محلية كانت أم خارجية، تملك ذهب المعز وسيفه. وهكذا يمكنك التظاهر بأنك صوت العقل والنضج، في حين كونك في الوقت نفسه ترتكب أقصى درجات الفحش: مساواة الجاني بالضحية ومساواة فعل الغزو بحق الدفاع عن النفس.
بالهروب من إلقاء المسؤولية علي الغزاة من الداخل أو الخارج تحت شعار حرب جميع أطرافها علي نفس درجة الإجرام، يمكنك تفادي التكاليف السياسية والاجتماعية لاتخاذ موقف مبدئي. لن تُعاقبك أي دولة قوية أو فصيل داخلي على هذا الغموض. لن يكوزنوك، لن يقولوا عنك لاعق بوت عسكر. والأجمل أن الحروب تحت لافتة “لا للحرب” تتيح لك إدعاء تفوق أخلاقي مُتغطرسٍ ولزج، يرتدي عباءةَ النزاهة والدبلوماسية الناضجة منزوعة الكبسة.
هذا قولك، أما قولنا فهو أن شعارك زائف وهو لا للمقاومة وليس لا للحرب. عمليًا، أنت لا تدعو إلى السلام، بل إلى استسلام الضحية. أنت لا تُوازن بين الطرفين؛ أنت تُساوي بين المجرم والضحية، وبذلك تُصبح شريكًا في حرب تدّعي إدانتها. هذا هو مخرجك المخإتل. بإدانة “الحرب” دون تسمية أسماء المعتدين ، لن تدفع ثمنًا. لن تواجه أي رد فعل عنيف من أصحاب النفوذ. ستُخفي وجهك الأخلاقي وراء لغة الحياد الزائف، مُصوِّرًا نفسك نموذجًا للعقلانية.
في قاموسك، المقاومة ليست مشروعة، وليست مبررة في أي زمان ومكان. لأنه إذا لم تكن مقاومة الشعب السوداني مشروعة، فلن تكون أي مقاومة مشروعة أبدًا.
لم يكن من حق أي امرأة سوداء أن تقاوم غارات العبيد – كان عليها فقط أن تصيح لا للعبودية، لا للاغتصاب. ما كان ينبغي لأي بطل وطني أن يقاوم الغزو الاستعماري – كان علينا الانبطاح أم الغزاة الأتراك والإنجليز وان نعتزل الفتنة تحت شعار لا للإستعمار ليغني لنا الشيوعي وردي لاحقا عن أن كرري تحدث عن بلاغة رجال صاغو صاغو الشعار كأجمل غزل لا عن بلابسة كالأسود الضارية خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية. كان علينا الإنحناء أمام الغزاة الاستعماريين. في قاموسك لا فرق بين علي عبد اللطيف وعثمان دقنة والضباط الإنجليز ولا بين ألمك نمر وإسماعيل باشا. لا فرق بين محمد صديق وأبولولو.
ما كان ينبغي للجنوب أفريقيين أن يقاوموا نظام الفصل العنصري. ما كان ينبغي لأي شيوعي أو نقابي أوروبي أن يقاوم هتلر أو موسوليني . كان عليهم التصرف مثل الداعين للاستسلام تحت شعار رفض الحرب.
الخيار “الناضج” الوحيد هو سلبية عدم فعل أي شيء – مجرد الاستسلام والهمس بـ”لا” للحرب.
إطارك يجعل المقاومة غير شرعية بطبيعتها. وإذا طبقنا هذا المعيار باتساق، فيجب علينا أيضًا إدانة كل نضال عادل في تاريخ البشرية. سنُضطر إلى استنتاج أن المستعبدين كانوا مخطئين في مقاومة آسريهم، وأن الدول لم يكن لها مبرر في صدّ الاحتلال الاستعماري، وأن النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا كان مُضلّلاً.. كان يجب تمرير نظام الفصل العنصري دون أي اعتراض. في قاموسك لا فرق بين كريس هاني ومانديلا من جهة، وحكام الفصل العنصري، فكلهم دعاة حرب علي ضلال. وفيه أن الوقوف في وجه طغيان هتلر وموسوليني كان خطأً. إن توصيتك بالرضوخ السلبي “العقلاني” – مجرد الاستسلام وإدانة جميع أطراف الصراع – ليس موقفًا أخلاقيًا؛ بل إنكارٌ لحق الدفاع عن النفس والحرية.
هذه لا للحرب التي لكم. وهي تترجم إلي لا للمقاومة. نعم للمساواة بين الغزاة وضحاياهم. أما لا للحرب التي لنا: فهي نعم للسلام. لا للحرب. لا للغزاة الأجانب. لا لاستباحة الميلشيا الهمجية لديارنا واهلنا.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الفصل العنصری لا للحرب
إقرأ أيضاً:
هل آن أوان التدخل الدولي تحت الفصل السابع؟!
هل آن أوان التدخل الدولي تحت الفصل السابع؟!
فتحي الضَّو
بُعيد اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي ودخولها الشهر الثاني، شاركتُ في ندوة إسفيرية حول أسبابها وتداعياتها. وقد سُئلت – في ذات السياق – عن رؤيتي للحل؟ فقلت اختصاراً ودونما تلجلج أو مُواربة: لا مناص بعدئذٍ من التدخل الدولي تحت الفصل السابع، وكنت أعلم أن بعض الكلاسيكيين الأوفياء لأيديولوجياتهم سيستنكفون قولي، لا سيَّما الذين يعلمون منهم أن القائل أفنى عمراً وهو يدعوا للابتعاد عن مثل هاتيك الخيارات، حفاظاً على ما نسميه (السيادة الوطنية) غير أنه فيما نحن بصدده حول ذات الموضوع، لدي من الأسباب ما جعلني متصالحاً مع دعوتي في بضع نقاط:
أولاً: بعد تأمل كشف لي المنزلق الذي نحن فيه سائرون، بت أكثر قناعة أن رابطة الدم ينبغي أن تكون أثقل من السيادة الوطنية، بل ويشمل ذلك حتى العقيدة الدينية، خاصة أن النصوص القرآنية والنبوية نفسها، بلغتا درجة من التشدد في إزهاق الروح، تكاد تهتز لها السموات والأرضين. ونحن نهدي ذلك إلى الذين ولغوا في الدم الحرام من جماعة الهوس الديني من الإسلامويين.
ثانياً: على الرغم من فظاعة الحرب وكارثيتها، بدا أن التفاعل الدولي معها يسير ببطء إن لم يكن معدوماً. فليس هناك ثمة مبادرات تُذكر للحل سوى الجهود الضئيلة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والتي أُطلق عليها خطلاً مُصطلح (مُبادرة) وما هي بذلك، إذ إن غاية جهودهما انحصرت في اقناع الطرفين بالتوقيع على هدنٍ هشة من حين لآخر (بلغت أكثر من عشر) ولم يجرؤ أي من الطرفين على تقديم وسيلة من وسائل الضغط التي تُليِّن مواقف المُتعنتين، في حين أننا نعلم إمكانية ذلك منفردين أو مجتمعين. وإزاء هذا العجز يصبح اللجوء للتدخل الدولي أمراً حتمياً من أجل الوطن ومواطنيه.
ثالثاً: على الرُغم من أننا في السودان خبرنا الحروب وبؤسها، إلا أن الحرب الراهنة تعتبر حرباً (نوعية) وذلك بالنظر لاندلاعها في (الخرطوم). وليس لأنها العاصمة فحسب، بل لأنها تجتمع فيها كل متناقضات السودان، إذ يتعايش الغنى والفقر، ويتساكن العلم والجهل، وتتمازج الحداثة والتراث، وقد لاذ بها نصف سكان القطر وأصبحت القلب النابض والجسد الذي تمددت في أرجائه فسيفساء القوميات السودانية، وتُعد كل هذه العوامل وقوداً لحرب أهلية طاحنة، ستكون فيها الدولة المتبقية التي نعرف حدود إمكاناتها أضعف من جناح بعوضة لن تصمد إذا ما زاد أوارها وتطاير شرارها.
رابعاً: يمكن القول – بلا جدال – إن البند أعلاه يعزز فرضية تدخل المجتمع الدولي عنوةً بموجب الفصل السابع، طبقاً لمواثيق الأمم المتحدة في حماية المدنيين وتهديد الأمن والسلم الدوليين ووقوع العدوان. وكل هذه فرضيات يتضاعف بروزها في حالة السودان الذي يشكو وتشكو الدول المحيطة به هشاشةً في الأوضاع الأمنية، ويُعقِّد من الوضع نفسه التداخل القبلي والعرقي والإثني مع تلك الدول.
خامساً: يعتبر السودان بلداً فقيراً رغم موارده الضخمة، ولعل المتاح منها أنهكته الأنظمة الديكتاتورية. والمعروف أن موقعه الجيوستراتيجي هذا جعله محَط أطماع دول قريبة وبعيدة، وقد جاءت الحرب الراهنة لتقضي على ما تبقى من موارده ودمار بنيته التحتية، الأمر الذي جعله لقمة سائغة لكل من أضمر حياله غرضاً. يفاقم من ذلك غياب الدولة الوطنية وقد أصبحت حكومة الانقلاب جزء من الأزمة، إن لم تكن كل الأزمة. وغني عن القول إن هذه العوامل تُرجح ضرورة طلب الحماية الدولية تحت الفصل السابع.
سادساً: إن مفهوم السيادة الوطنية بمعناه المعروف ينحصر في الحفاظ على الدولة الوطنية بحدودها الإدارية المعترف بها دولياً. وطبقاً لهذ المعنى فالقوات الأممية ليست دولة بعينها حتى تنطبق عليها محاذير انتهاك السيادة الوطنية. إذن فالفارق الجوهري يشير إلى أن القوة الدولية التي تدخل بلداً ما من أجل حفظ السلام هي قوة متعددة الجنسيات، وليست بلداً بعينه حتى يقال إنها من انتهكت سيادة الدولة المعنية.
سابعاً: علاوة على ما تقدم أعلاه، فالمعروف أن العالم ليس غابة تسرح فها الضباع بلا رقيب أوعتيد. صحيح أن هناك عابثين ومُغامرين، ولكنهم دفعوا ثمناً باهظاً جراء خطاياهم. ونضرب في ذلك مثلاً بغزو صدام حسين للكويت في العام 1990م وهي المغامرة التي ما يزال العراق يتجرع مراراتها. وعلى عكس ذلك لن نجد حكومة بكامل رُشدها في هذا العالم الرحيب، تدعو دولة أخرى لانتهاك سيادتها. فهل يمكن ترك الحبل على الغارب لكيان مثل الهيئة الأممية التي تنهي عن خلق لكي تأتي بمثله؟
ثامناً: لعل أكثر ما يزيد أوجاع القلب غياب المُكوِّن السياسي المدني عن المشهد العام منذ اندلاع الحرب. فقد لوحظ تزامناً مع تداعيات الأحداث تشتت المُكوِّن السياسي شذراً مذراً وترك الساحة خاوية على عروشها، بالطبع لم يكن مطلوباً من أحد أن يحمل (كلاشنكوف) ويدخل ميدان المعركة، فذلك ليس منظوراً ولا مرتجىً ولا يسنده منطق، لكن كان المطلوب على الأقل تواصل الحد الأدنى والمشاركة الوجدانية. أما وقد حدث ما حدث ففي غياب أهل الدار يجوز (للضيوف) أن يتقمصوا دور رب المنزل!
تاسعاً: لا يظنن أحدٌ من الناس أن خيار التدخل الدولي سيكون خياراً سهلاً يمر بسهولة شرب جرعة ما، بل سيواجه بالرفض المعتاد من قِبل روسيا والصين، وذلك ما دأبا عليه منذ أباطيل النظام البائد. والحقيقة هذه الملاحظة أثارها السفير الدكتور نور الدين ستاي في التعقيب على مقترحنا أعلاه في الندوة المشار إليها. وقلنا تعقيباً إن البلدين المذكورين لم ينبسا ببنت شفة حينما تم تمرير قرار البعثة الأممية الأولى (اليوناميد) حيث هبطت جحافل القوات بنحو أربعين ألف جندي من أصحاب الخوذات الزرقاء، رغم القسم الكذوب للمشير المخلوع. بناءً عليه ليس هناك ما يدعو للتحسب من مواقف الدولتين الناشزتين، حيث إن المتوقع أن تسود لغة المصالح الدولية.
عاشراً: اتساقاً مع أعلاه نقول من المنظور – في ظل بعض المعطيات – إن خيار التدخل الدولي سيكون جبراً في حال حدوث تدهور سريع للأوضاع الأمنية وبروز تعنتات. وقد بات واضحاً أن الحرب التي تبارينا في وصفها بشتى النعوت، واكتفينا بمتابعة تراجيديتها كأننا نشاهد مباراة في كرة القدم، قد اتسعت رقعتها وعادت مجدداً إلى دارفور، بل بصورة أشد شراسة في القتل والترويع والدمار.
صفوة القول إن كاتب هذا المقال يعلم تماماً أبعاد تجربتنا مع الفصل السابع والتي قد لا تشجع على التكرار، ولكننا نتأسى بالمثل السوداني الدارج (لا يجبرك على المُر إلا الأمرْ منه) كما نعلم حجم الفساد الذي يعشعش في أركان الهيئة الأممية، بل (ولا يُنبِّئك مِثل خبِيرِ) فقد أغنتنا عن معرفة كواليسها الخبيرة الأممية الدكتورة عائشة البصري في استقالتها الشهيرة التي أنهت بها عملها من البعثة، والتي ضربت بها مثلاً أخلاقياً في الانحياز للقيم الإنسانية النبيلة وفقراء أهل السودان. وعليه لسنا مهمومين بالتنقيب عن مزيد من المثالب بقدر ما معنيين بكيفية وقف الدمار الذي حاق بالوطن، فربما يكون الفصل السابع بمثابة أبغض الحلال الذي لا مفر منه!
آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!
تعقيب:نُشر هذا المقال منذ نحو عامين ونصف تقريباً وتحديداً يوم 20/6/2023م وكانت الحرب في بداياتها. لم يكن الدمار والقتل قد بلغ المدى الذي نعيشه الآن في كتاب مفتوح. ومنذاك الوقت وحتى يومنا هذا تمنيت أن يكذبني الواقع ويتبرأ مني حدسي. لكن يا للأسف العميق ازداد الوضع سوءاً، حيث فقدنا أرواحاً عزيزة لا يدري أحد عددها، وحاق بمواردنا دمار رهيب، ووصل النزوح واللجوء إلى أعلى معدلاته العالمية، بتقديرات الأمم المتحدة، ليصبح الأعلى في العالم. (وآل بوربون لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً)! وسلام على الوطن المُسجى بالدموع !!
[email protected]
الوسومالتدخل الدولي الديمقراطية السودان الفصل السابع فتحي الضو