ترجمة: أحمد شافعي -

الآن وقد انهارت ركائز النظام العالمي التي كانت في يوم من الأيام مألوفة لنا، ومع انسحاب الولايات المتحدة من العمل على أزمة المناخ؛ بات يقع على عاتق آخرين أن يتصدوا للقيادة البيئية العالمية. فعلى القادة الذين يدركون مدى إلحاح الوضع أن ينتهزوا الفرصة السانحة في مؤتمر كوب30 الذي تستضيفه البرازيل هذا الشهر لإقامة تحالف من البلاد الملتزمة العازمة على التصدي لمنكري تغير المناخ.

يرى كثيرون الآن أن الصين ـ وهي أنجح مصنّعي تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات والمركبات الكهربائية ـ هي القوة العالمية الرائدة في مجال خفض الانبعاثات الكربونية. ولكن أهداف الانبعاثات الوطنية الصينية التي تسلمتها الأمم المتحدة أخيرا مخيبة للآمال، وليس واضحا بعد ما لو أن الصين عازمة على تولي القيادة المناخية.

فالاتحاد الأوروبي والنرويج والمملكة المتحدة هم الذين يقودون الغرب في السياسات الصناعية الخضراء المستدامة مهما تباينت الظروف، وهم الذين يمثلون مع اليابان مانحي التمويلات المناخية لجنوب العالم. غير أن الاتحاد الأوروبي يبدو اليوم غير واثق من نفسه، وواقعًا تحت ضغط من القطاعات الكبيرة التي تضغط من إجل إضعاف الأهداف المناخية وكذلك من أحزاب اليمين المتطرف الرامية إلى إبعاد القارة عن إجماعها الحزبي الراسخ السابق القائم على هدف صفر الانبعاثات.

سوف تضيف حدة العواصف التي ضربت جامايكا هذا الأسبوع إحباطًا إلى الإحباط المتزايد المحسوس لدى الدول الضعيفة أمام التقلبات المناخية، وتقودها ميا موتلي رئيسة وزراء باربادوس. ومن هنا فإن قرار كير ستارمر بحضور كوب30 وتبني دور قيادي جديد ـ برفقة إد ميليباند ـ يكتسب أهمية بالغة. فقد آن الأوان للمضي في طريق جديد لا يقتصر على زيادة الاستثمار العام والخاص لمنع تزايد الفيضانات والحرائق وموجات الجفاف، وإنما يركز سياسات التخفيف والتكيف على إنقاذ حياة البشر وتحسينها. ويشمل ذلك زيادة القدرة على زراعة الأغذية في آلاف الأفدنة من الأراضي القاحلة، ومنع خمسمائة ألف حالة وفاة سنوية ناجمة عن الارتفاع المفرط في درجات الحرارة من خلال معالجة المشكلات الصحية الناجمة عن الفقر التي تزداد حدة بسبب الفيضانات والأمراض المنقولة عن طريق المياه على سبيل المثال، وتسهم في ثمانية ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام.

لقد ألزمت اتفاقية باريس المناخية قبل عقد من الزمن المجتمع الدولي بتثبيت ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى درجتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وبمحاولة قصرها على درجة ونصف الدرجة. ومن ذلك الحين قبلت مؤتمرات مناخية أممية متتابعة الالتزام بالعلم، وأكدت الموافقة على هدف الدرجة ونصف الدرجة. وتحقق بعض التقدم، وبخاصة في الطاقات المتجددة التي انخفضت أسعارها. غير أننا لا نزال شديدي البعد، وحرارة العالم ازدادت بنحو درجة ونصف الدرجة، ولا تزال الانبعاثات العالمية تتزايد.

وعلى مدار الأسابيع القليلة القادمة؛ سوف تعلن آخر القوى المسببة للانبعاثات العالية أهدافها المناخية الوطنية لعام 2035، ومنها الاتحاد الأوروبي والهند والمملكة العربية السعودية. لكن من الواضح بالفعل أن «فجوة الانبعاثات» الضخمة القائمة بين البلاد الثرية والفقيرة سوف تبقى. وبرغم أن اتفاقية باريس تضمنت آلية للمراجعة الدورية ـ إذ اتفقت البلاد على تقوية التزاماتها كل خمس سنوات ـ؛ فإن التقييم وإعادة التحديد التاليين لن يتمّا إلا في عام 2028؛ ولذلك فإننا مقبلون على زيادة في درجات الحرارة تتراوح بين 2.3 و2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

وبحسب ما أفادت به المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أخيرا؛ فإن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الآن ترتفع بأسرع معدل لها على الإطلاق بما لذلك من آثار كارثية اقتصاديًا وبيئيًا. وتظهر أقمار ناسا الصناعية أن أحداثًا مناخية جسامًا تجري الآن بضعف شدة المتوسط ​​المسجل في الفترة من 2003 إلى 2020. وتبلغ تكلفة الأضرار المرتبطة بالمناخ على الأعمال والبنية الأساسية قرابة نصف ترليون دولار (451 مليار دولار) في عامي 2022 و2023 مجتمعين. وقد حذر جونتر ثالينجر في شركة أليانز مؤخرًا من أن «مناطق بأكملها أصبحت غير قابلة للتأمين» مع تدهور فئات الأصول الرئيسية «في الوقت الفعلي». وتسببت حالات الجفاف القياسية في أفريقيا في مجاعة حادة لثلاثة وعشرين مليون شخص في عام 2023 ـ وينبغي أن تضاف إلى ذلك حالات الوفاة الناجمة عن الملاريا والإسهال وغيرها من الأمراض المرتبطة بالارتفاع العالمي في درجات الحرارة.

ومع ذلك فإن بعض بلاد العالم ليست أصلًا على مسار احتواء الضرر. وليست في اتفاقية باريس بنود لمناقشة ومراجعة الخطط المناخية الوطنية (التي يطلق عليها «الإسهامات المقررة وطنيا» لسبب لا يخفى على أحد). وقبل أربع سنوات في كوب26 بجلاسكو؛ عندما تبين أن مجموعة الخطط الأخيرة غير كافية اتفقت البلاد على الرجوع في العام التالي بخطط أقوى، ولم يفعل ذلك إلا بلد واحد. وبعد أربع سنوات لم يرسل الخطط غير سبعة وستين بلدا من أصل مائة وسبعة وتسعين وهي لا تحقق غير خفض بنسبة 10% في الانبعاثات بينما نحتاج إلى خفض بنسبة 60% للبقاء ضمن حدود الدرجة ونصف الدرجة.

ولهذا ستكون القمة التي سيعقدها الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا للرؤساء في السادس والسابع من نوفمبر استباقا لكوب30 في بيليم قمة شديدة الأهمية. ويجب أن يحذو قادة آخرون حذو ستارمر ويضعوا الأساس لأن يكون إعلان بيليم أشد طموحًا مما هو مطروح الآن على الطاولة.

أولا: يجب أن تلتزم الأغلبية الكاسحة من البلاد لا بالدفاع فقط عن اتفاق باريس، وإنما بالمسارعة في تنفيذ خططها المناخية القائمة. وفي ظل أن الابتكارات تغير خياراتنا الخاصة بالانبعاث الصفري وتناقص تكاليف التكنولوجيا الخضراء؛ أصبح خفض الانبعاثات الكربونية الذي يقترحه ميليباند للمملكة المتحدة ممكنًا بسرعة في قطاعات النقل والمنازل والصناعة والزراعة. وبالتوازي مع ذلك دعت البرازيل إلى توسيع نطاق تسعير الكربون وأسواق الكربون.

ثانيا: يجب أن تعلن البلاد عزمها على أن تحقق بحلول عام 2035 هدف التمويل العام والخاص البالغ 1.3 تريليون دولار لجنوب العالم الذي سيأتي منه أغلب الانبعاثات العالمية في المستقبل. ويجب أن يقر القادة «خارطة طريق باكو إلى بيليم» المشتركة بين البرازيل وأذربيجان، والتي تم التكليف بها في كوب29 لإظهار كيفية تحقيق ذلك؛ فهي تحتوي أفكارا جديدة مبتكرة من قبيل ضمانات بنوك التنمية متعددة الأطراف وصناديق المناخ، ومقايضة الديون، وتعبئة رأس المال الخاص من خلال «إعادة الاستثمار»، وكل ذلك سيسمح للدول بتعزيز تعهداتها بشأن الانبعاثات.

ثالثا: يمكن أن تتعهد البلاد بدعم مبادرة «مرفق الغابات الاستوائية الدائمة» البرازيلية. وهذا المرفق سوف يوقف إزالة الغابات الاستوائية مع توفير فرص عمل للسكان الأصليين؛ فهو نموذج يحتذى به للطرق المبتكرة التي ينبغي أن يحشد بها القطاع العام الاستثمار الخاص لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

رابعا: من خلال التزام الصين والهند بتعهد الميثان العالمي يمكن لكوب30 تعزيز النظام العالمي بشأن غازات الاحتباس الحراري التي لا تزال تنطلق بكميات هائلة من محطات النفط والغاز ومدافن النفايات والزراعة.

وخامسا: ينبغي تركيز الاهتمام على الحد من تكاليف التقاعس عن العمل المناخي على البشر، وليس فقط في فقدان سبل العيش والمخاطر الصحية، بل أيضا من حيث معاناة ما يقدر بنحو أربعين مليون طفل محرومين من التعليم؛ بسبب إغلاق مدارسهم جراء الجفاف أو الفيضانات أو العواصف.

يواجه قادة العالم اختبارًا حقيقيًا في ظل حالة من عدم اليقين الجيوسياسي والخطر المناخي، ولكن مثلما يتبين من استطلاعات الرأي الأخيرة؛ فإن الشعب وأعضاء البرلمان يدركون أن الجهود المبذولة لمواجهة الأزمة البيئية غير كافية.

من شأن إعلان بيليم المقترح أعلاه أن يمكّن القادة من إظهار أن الخطط الوطنية الحالية الطموحة لمواجهة تغير المناخ ليست الكلمة الأخيرة بشأن الانبعاثات. ومن شأن هذا الإعلان أن يظهر أن التزامهم لا يقتصر على إعادة العالم إلى المسار الصحيح، بل يشمل أيضا التأكيد، ونحن نحتفل بالذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة على أن التعاون متعدد الأطراف القائم على القواعد لا يزال ممكنًا، وأن الازدهارلكي يكون مستدامًا فلا بد أن يكون مشتركا. وفي هذا الشهر مع انعقاد مؤتمر كوب30 وقمة مجموعة العشرين؛ فإن هذا هو الوقت المناسب لتذكير القادة بأن الأجيال القادمة سوف تحكم عليهم.

وسوف تتساءل عما إذا كان هؤلاء القادة في اللحظة الحرجة التي واجه فيها العالم خيارا بين التقدم والتراجع قد ارتقوا إلى مستوى تحديات عصرنا ومنحوا الأمل للناس.

جوردون براون هو رئيس وزراء المملكة المتحدة من عام 2007 إلى 2010

الترجمة عن ذي جارديان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يصل المتحف المصري الكبير لافتتاحه رسميًا

وصل منذ قليل الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، إلى المتحف المصري الكبير؛ لبدء فعاليات افتتاحه رسميًا، وسط حضور لفيف من قادة العالم ورموزه الكبار.

وفي منشور له، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال الرئيس السيسي، إنه يرحب بضيوف مصر من قادة العالم ورموزه الكبار من أرض مصر الطيبة مهد الحضارة الإنسانية؛ لنشهد معًا افتتاح المتحف المصري الكبير الذي يضم بين جنباته كنوز الحضارة المصرية العريقة، ويجمع بين عبقرية المصري القديم وإبداع المصري المعاصر.

وأضاف الرئيس السيسي، أن المتحف المصري الكبير يضيف إلى عالم الثقافة والفنون معلمًا جديدًا، يلتف حوله كل مهتم بالحضارة والمعرفة، ويفخر به كل مؤمن بوحدة الإنسانية وقيم السلام والمحبة والتعاون بين الشعوب، متمنيًا لكل الضيوف الاستمتاع بوقتهم في مصر بين رحاب الماضي والحاضر.

مقالات مشابهة

  • وزير قطاع الأعمال العام: خطة متكاملة لتحويل الشركات التابعة إلى كيانات منخفضة الانبعاثات بحلول 2030
  • السيسي يهدي قادة العالم نماذج من «المتحف الكبير»
  • الصحة تستعرض إنجازات التوصية الثامنة لمؤتمر “التغيرات المناخية والصحة”
  • تمكين قادة المستقبل: برنامج «NXplorers Pro» من شل قطر يُلهِم روح الابتكار والإبداع لدى طلاب جامعة حمد بن خليفة
  • صوت كريم عبد العزيز يصدح في المتحف المصري الكبير.. تفاصيل
  • الرئيس السيسي يصل المتحف المصري الكبير لافتتاحه رسميًا
  • د. نيفين عبد الخالق: المتحف المصري الكبير بوابة الماضي والحاضر الي المستقبل
  • إصلاح طبقة الأوزون يزيد حرارة الأرض رغم جهود الحماية المناخية
  • من المتحف إلى العالم.. مصر تُعيد تقديم حضارتها برؤية المستقبل