لجريدة عمان:
2025-11-02@23:00:41 GMT

مُستصغَر الشرر واللعبة الرقمية

تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT

المشهد الأول: في صالة البولينغ بأحد المجمعات التجارية، في يوم مخصص للنساء، أقف خلف 4 فتيات مراهقات بانتظار دوري. سمعتهن يتداولن أسماء لإرهابيين في حديث مع الموظفة المكلفة بتسجيل أسمائهن على الشاشة الخاصة بلعبتهن في صالة البولينغ. ظننت لوهلة أن الموظفة وجهت لهن سؤالًا عامًا إجابته ستمنحهن فرصًا أفضل في اللعبة، وكنت أنوي تنبيه الموظفة أن هذه النوعية من الأسئلة قد تلفت أنظارهن إلى ظواهر انحراف فكري قد يغذيه الفضول في هذا العمر الحرج؛ لكنني اكتشفت أن أشهر أسماء الإرهابيين عالميًا كان خيارًا طوعيًا مقصودًا من الفتيات في استبدال أسمائهن الحقيقية بأسماء مستعارة يشعرن معها بالراحة.

وما كان بعد حين أن الشاشة حملت أسماء الإرهابيين ليبدأ اللعب حماسًا مع تداول الأسماء المنتقاة بعناية شديدة.

مما يثير القلق حول مصدر ذلك الإعجاب وتلك الأسماء، من قبل فتيات وهن الأبعد عن سياق القتال والحروب، بله الإرهاب شكلًا ومحتوى!.

المشهد الثاني : أعلنت وزارة الداخلية العراقية القبض على مراهق، يبلغ من العمر 14 عاماً، بعد تمكنه من إقناع 30 شخصًا بإنهاء حياتهم، وقال مدير إدارة الإتجار بالبشر في الداخلية العراقية إن المراهق أدار 16 شبكة عبر لعبة روبلوكس، واستدرج من خلالها ضحاياه، وأوضح أن الضحايا هم 29 شخصاً من دول عربية وغربية، إلى جانب شخص من العراق، وأضاف أن المتهم يتقن اللغة الإنجليزية وهو ما سهل مهمته في استدراج ضحاياه. بعد الخبر نعيش تراكمات التعجب والحسرة والحزن: كيف لمراهق اجتراح كل ذلك بعيدًا عن أعين الجميع عبر لعبة رقمية؟!

مشهدان ضمن مشاهد يومية متكررة، كلها تقودنا إلى عالم الألعاب الرقمية وما قد يصنع بعقول الناشئة، دون إنكار بعض إيجابياتها متمثلة في تفريغ الطاقات السلبية، وتعزيز القدرة على التفكير والتخطيط والتنفيذ بأسرع وأيسر الطرق الممكنة.

وبعد سنوات من التفكر في واقع الألعاب الرقمية وتأثيراتها على الجميع، وعلى المراهقين تحديدًا لا بد من قرع أجراس للتنبه لهذا العالم وفهم محتواه والتوغل في كواليسه وقاية من مخاطره ومجابهة له بأدواته ذاتها.

وضمن عدة مؤلفات حول أخطار الألعاب واتصالها بتغذية العنف، وتوفير بيئة آمنة لتفريخ الإرهاب وتسويقه تأتي دراسة «استغلال التنظيمات الإرهابية للألعاب الإلكترونية ومنصاتها» باللغة التركية، التي أعدها الباحث التركي «فاروق بيبرس»، ونشرها «مركز بحوث مكافحة الإرهاب والتطرف» الكائن بمدينة «أنقرة»، في فبراير ٢٠٢٤، مؤكدة أن المتطرفين لا يستغلون تلك الألعاب في التجنيد والدعاية والتواصل فحسب، بل يستخدمونها أيضًا باعتبارها وسيلة لمعرفة أنواع الأسلحة والمتفجرات، والتخطيط للهجمات الإرهابية ورسم السيناريوهات المحتملة لها، مستشهدةً في ذلك بما فعله اليميني المتطرف «أندريس بريفنيك» الذي ارتكب مجزرة جزيرة «أوتويا» في النرويج، وهجوم «أوسلو» عام ٢٠١١ الذي أودى بحياة ٧ ٧ شخصًا؛ إذ تدرب هذا الإرهابي على محاكاة هجومٍ شاهده في إحدى منصات تلك الألعاب. وفي السياق ذاته أشارت الدراسة إلى أن منفذي هجمات باريس التي وقعت عام ٢٠١٥، وراح ضحيتها ٤٣٢ مدنيًّا ما بين قتيل وجريح، قد خططوا ونسقوا لتلك الهجمات عن طريق تواصلهم عبر منصات للألعاب الإلكترونية. كما حذرت الدراسة من أن عناصر التنظيمات المتطرفة تدشن «مجموعات تواصل» خاصة ببعض الألعاب الإلكترونية، يلتقون من خلالها بالشباب والأطفال بحجة ظاهرها احتراف اللعبة وباطنها استقطاب الشباب وتشجيعهم على العنف واستخدام الأسلحة.

مع كل هذا التوصيف لحالة تعلق الناشئة بعالم الألعاب، وتأثرهم نفسيًا وجسديًا واجتماعيًا، صنفت منظمة الصحة العالمية «اضطراب الألعاب الإلكترونية «ضمن التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11).عام 2018م، وقد عرفته بـ «نمط من سلوك اللعب المستمر؛ حيث يواجه الشخص صعوبة في التحكم بالوقت المستغرق في اللعب، وهذا يجعله يفضل الألعاب على المهام الأخرى في حياته» فما بالكم بالألعاب ذات المحتوى العنيف التي صممت لجذب انتباه الأطفال لدرجة التحول من الحالة الطبيعية لحالة الاندماج والتماهي بين الطفل واللعبة، حتى يصبح جزءًا منها، فيشعر بالإثارة والتوتر؛ وكلما أدمن اللعب، تسربت جرعة من العنف إلى داخله، ليعيش عالم العزلة والانفصال عن الواقع، فيزول إحساسه بالزمان والمكان، وتقلّ رغبته في تناول الطعام أو القيام بأشياء مفيدة»، مما قد يسهل معه إقناعه بالتحول من البطولات والقتال الرقمي إلى العالم الواقعي، بعد انسلاخه عن عالمه إنسانًا ومكانًا.

ختامًا: بعد إسهام قطاع الألعاب الرقمية في دعم اقتصاد الكثير من الأفراد والشركات ( بل وحتى الدول)، لم يعد في الإمكان تقليص الاهتمام بها واستمرار تحديثاتها الدورية المتسارعة؛ لكن التسليم بذلك لا يعني بالضرورة تسليمًا بالمحتوى على علاته، ولا يعني كذلك إمكانية رفض دخول هذا العالم المتشعب. ربما من الحكمة فهم هذا العالم، تمامًا كفهم إمكانات الخصم لدراسة إمكانية هزيمته، ولن يتأتى ذلك دون الوعي الكامل بأدواته وتقنياته، ثم مجابهته بمحتوى موازٍ يؤكد على قيم أخرى هي السلم والتواصل التفاعلي، بدلًا عن الصدام المسلح والحروب المصنّعة، محتوى سلمي قادر على إعلاء قيمة الإنسانية والسعي لخدمتها عوضًا عن إنكار الذات وتأجيج الرغبة في تدمير الآخر.

حمى الله شبابنا من أدوات العنف الجسدي، ومنافذ الإنحراف الفكري، وروافد الإرهاب.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

منظومة التجارة الرقمية تعزّز الاستثمار

 

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

من أجل تحقيق منظومة تجارية رقمية شاملة في البلاد، فإنَّ ذلك يتطلب الإسراع بتحديث الأعمال التجارية المتعددة من خلال مواكبة التحولات الرقمية التي تحدث في العالم ورفع كفاءة الأداء المؤسسي لمختلف الأجهزة والوحدات الحكومية، بالإضافة إلى تقليص فترات إصدار الموافقات من عدة أشهر إلى أقل من شهر واحد، الأمر الذي يتطلب القضاء على البيروقراطية الزائدة، وهذه الأعمال سوف تحقق لاحقاً مزيداً من الكفاءة، والابتكار، والقدرة على المنافسة العالمية وبما يتماشى مع أهداف رؤية عُمان 2040 في بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة والتقنية.

هذه التحولات الرقمية يمكن أن تتم عبر عدة محاور متكاملة تشمل الجانب التشريعي، والتقني، والبشري. ففي مجال تطوير البنية التحتية الرقمية، فإن ذلك يتطلب الإسراع في توسيع شبكات الإنترنت عالية السرعة للألياف البصرية والجيل الخامس لتغطية كافة المحافظات، وتوفير مراكز بيانات محلية وسحابية آمنة وموثوقة لدعم التجارة الإلكترونية والخدمات الحكومية، بالإضافة إلى تحسين أمن المعلومات السيبراني عبر تحديث أنظمة الحماية وتطبيق المعايير الدولية. أما على جانب الإطار التشريعي والتنظيمي، فإن ذلك يتطلب سنّ قوانين وتشريعات رقمية حديثة تشمل التجارة الإلكترونية، وحماية البيانات، والتوقيع الإلكتروني، والأمن السيبراني، بالإضافة إلى تسهيل المزيد من الإجراءات التجارية إلكترونياً عبر توحيد منصات التسجيل والترخيص والدفع الإلكتروني، وتحفيز الابتكار الرقمي من خلال سياسات تشجع الاستثمار في التكنولوجيا الناشئة بالذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، وإنترنت الأشياء.

وجميع هذه الخطوات تتطلب بناء القدرات والمهارات البشرية، وتدريب الكوادر الوطنية على المهارات الرقمية الحديثة، مثل التحليل الرقمي، والتسويق الإلكتروني، وأتمتة الأعمال، وضرورة إدماج التحول الرقمي في المناهج التعليمية بالمدارس والجامعات، وتشجيع المشاريع التقنية الناشئة، وتعزيز برامج تدريب ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على التحول الرقمي في الأعمال التجارية. وهذا لا يتحقق إلا من خلال تحفيز بيئة الابتكار وريادة الأعمال من خلال تعزيز أعمال الحاضنات القائمة وإنشاء المزيد منها، بجانب تقديم حوافز مالية وضريبية للشركات التي تطبق التحول الرقمي والحلول التقنية، والاستمرار في تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول رقمية وطنية.

والمجتمع العُماني بحاجة إلى تعزيز الثقة من خلال نشر الوعي الرقمي بين المواطنين ورواد الأعمال حول مختلف مزايا وأمان المعاملات الإلكترونية، وتبسيط واجهات الخدمات الإلكترونية لتكون سهلة الاستخدام وموثوقة، بالإضافة إلى ضمان الشفافية والمصداقية في التعاملات الرقمية لبناء الثقة في النظام التجاري الإلكتروني. وهذا ما سيؤدي إلى ترسيخ مكانة البلاد كوجهة استثمارية واعدة في المنطقة، بجانب العمل على استغلال موقع عُمان الجغرافي الاستراتيجي بشكل فعال لتعزيز تجارتها الخارجية في أسواق آسيا وأوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، الأمر الذي سيعزز مزيدا من ثقة المستثمرين والانفتاح على البلاد.

قانون استثمار رأس المال الأجنبي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (50/2019) يتيح التملك الأجنبي الكامل بنسبة 100% في معظم القطاعات؛ حيث ألغى شرط الحد الأدنى لرأس المال، إلى جانب إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون التخصيص، الأمر الذي يدعّم إشراك القطاع الخاص في المشاريع الوطنية الكبرى. وهذا ما أدى إلى تقدّم سلطنة عُمان بعشر مراتب في العمل التجاري العالمي لتصبح في المرتبة 68 عالميًا.

لقد استثمرت سلطنة عُمان خلال العقود الثلاثة الأخيرة الكثير من الأموال في تحسين بنيتها الأساسية من خلال إنشاء وتطوير المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة كمنطقة الدقم الاقتصادية التي تقدّم اليوم حوافز استثنائية تشمل إعفاءات ضريبية تصل إلى 10 سنوات، وإعفاءً من الرسوم الجمركية، وسهولة تملك الأراضي الصناعية والتجارية، الأمر الذي يدعم من موقع السلطنة كمركز لوجستي إقليمي وعالمي. كما تعمل على تطوير مزيد من الخدمات والبنية الرقمية، وتعمل جاهزيتها التقنية عبر نشر شبكات الجيل الخامس وتوسيع استخدام الأنظمة الذكية في المرافق والخدمات، بجانب استقرارها السياسي والأمني، وسياستها الخارجية المتزنة؛ حيث إنَّ جميع تلك العوامل تعمل على توفير البيئة الاستثمارية الآمنة والمستقرة التي تحظى بتقدير المستثمرين الدوليين. كما تعمل على تطوير المنظومة العقارية والتخطيطية وتسهيل إجراءات تسجيل الملكيات العقارية للمواطنين والأجانب للإسهام في تنشيط السوق العقاري وجذب الاستثمارات الخليجية والدولية. فيما تعمل منظومة البلديات وأجهزة البيئة على تسهيل الخدمات على مستوى المحافظات، واختصار مدة إنجاز المعاملات لدعم استمرارية الأعمال خلال المرحلة المقبلة وبما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية وحماية البيئة.

إنَّ هذه الخطوات المُتَّخذة ستعمل جميعها على تنفيذ برامج التنويع الاقتصادي في قطاعات الطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، والسياحة، والاقتصاد المعرفي وغيرها بجانب توفير نوافذ إلكترونية من أجل تسهيل المتابعة مع المستثمرين المواطنين والأجانب لوضع البلاد على خارطة استثمارية جذابة يُمكن من خلالها توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين مستقبلًا.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ‏الجرائم الإلكترونية تحذر من الدخول إلى روابط مجهولة
  • منظومة التجارة الرقمية تعزّز الاستثمار
  • تأجيل محاكمة 21 متهماً في مواجهة تهم الإرهاب وتمويل العنف
  • العملات الرقمية تواصل الارتفاع.. وبيتكوين تتجاوز 111 ألف دولار
  • نهاية مبكرة لشراكة الرياضات الإلكترونية بين السعودية واللجنة الأولمبية الدولية
  • انطلاق الجلسات التحضيرية للقمة الأردنية للألعاب الإلكترونية في جرش
  • الألعاب النارية تزين سماء المتحف المصري الكبير في ليلة تاريخية تبهر العالم (صور)
  • نمو التجارة الإلكترونية يعزز قطاع البريد في الأردن
  • طريقة دفع الاشتراك بمنظومة الضمان الرقمية.. خطوة بخطوة