آلية يرفضها ترامب.. كيف ترسخت المماطلة التشريعية بأميركا؟
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
واشنطن- كلما وصل النقاش داخل مجلس الشيوخ الأميركي إلى الباب المسدود بشأن تشريع حساس، كما هو الأمر بالنسبة لمشروع قانون الإنفاق والإغلاق الحكومي الذي قد يترتب على ذلك، اتجهت الأنظار إلى الآليات والإجراءات المعمول بها في تلك الهيئة التشريعية منذ إنشائها أواخر القرن 18.
ومن التقاليد التي أصبحت راسخة بحكم الممارسة في عمل مجلس الشيوخ تكتيك المماطلة الذي يعرف في الأدبيات السياسية الأميركية بـ"فيليبوستر" (filibuster)، وتعود إرهاصاته إلى أولى جلسات المجلس عام 1789 عندما قرر أحد الأعضاء عرقلة مشروع قانون، وذلك بالحديث عن أطول وقت ممكن لتفويت فرصة التصويت عليه.
وشكلت المماطلة التشريعية منذ البداية آلية تضمن لحزب الأقلية داخل المجلس لعب دور المعارضة فعليا، والتعبير عن أصوات الناخبين وآرائهم، والحيلولة دون هيمنة حزب الأغلبية خاصة عندما يكون متقدما بعدد بسيط من المقاعد، وهذا ما يضمن أيضا الحفاظ على الدور المنوط بالمجلس كهيئة للحوار وتبادل الرأي وأحيانا للتنازلات والتسويات بين المعسكرين السياسيين.
تطور المماطلة
وتزايدت حالات المماطلة التشريعية في القرن 19 وأصبحت تقليدا راسخا في مجلس الشيوخ الذي لا يفرض أي قيد على أعضائه بشأن الحيز الزمني للمناقشة، وفي غياب أي آلية رسمية تسمح للأغلبية بإنهاء المناقشة وإجبار التصويت على التشريعات أو الترشيحات.
وتعتبر المماطلة التشريعية عن طريق الحديث في مجلس الشيوخ لساعات طوال هي التعبير الأكثر إثارة للانتباه، وهو أمر غير معمول به في مجلس النواب، "الغرفة السفلى" للكونغرس.
ويحفل التاريخ السياسي الأميركي بسجل من الأرقام القياسية في باب "المماطلة"، وسُجّل مؤخرا الرقم الأعلى عندما تحدث السيناتور كوري بوكر في المجلس لمدة 25 ساعة و5 دقائق، من 31 مارس/آذار إلى الأول من أبريل/نيسان 2025، واحتج في خطابه على العهد الثاني للرئيس دونالد ترامب وعلى القرارات التي اتخذها.
إعلانوبذلك تجاوز بوكر رقما قياسيا سجل عام 1957 عندما تحدث السيناتور ستروم ثورموند من ولاية ساوث كارولينا لمدة 24 ساعة و18 دقيقة كجزء من محاولة من أعضاء مجلس الشيوخ الجنوبيين لعرقلة تشريعات تهمّ الحقوق المدنية.
وقد تطورت قواعد المماطلة بتطور الممارسة التشريعية في مجلس الشيوخ، بحيث لم تعد عرقلة أي قانون تحتاج إلى الخطابة لأطول فترة ممكنة بل إلى عملية إجرائية بسيطة للتعبير عن الرفض.
وبقدر ما ترسّخت المماطلة التشريعية على مر الزمن وأمام تصاعد حالة الإحباط التي تثيرها، أقر مجلس الشيوخ عام 1917 بضغط من الرئيس وودرو ويلسون قاعدة مضادة تسمى "إغلاق باب النقاش" "كلوتر" (cloture) وتقضي بإنهاء النقاش والتصويت بأغلبية من ثلثي أعضاء المجلس.
ولم تثبت تلك القاعدة المضادة نجاعتها بإنهاء عمليات التعطيل على مدى عقود، لأنه ليس سهلا دوما الحصول على أغلبية الثلثين.
وبقي الأمر على ذلك الحال حتى 1975 عندما خفّض المجلس عدد الأصوات اللازمة لإغلاق باب النقاش من ثلثي الأعضاء إلى 3 أخماس الأعضاء (أي 60 صوتا من أصل 100).
وتجدد الحديث مؤخرا عن "المماطلة التشريعية" في أميركا بسبب تعثر تمرير قانون الإنفاق الحالي في مجلس الشيوخ جراء خلافات حادة بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن تمويل الرعاية الصحية وملف الهجرة وقضايا أخرى.
ورغم أن الجمهوريين يملكون 53 مقعدا في المجلس من أصل 100، فإن ذلك لا يتيح لهم تمرير أي تشريع بسبب تكتيك المماطلة، وهو ما يتطلب أغلبية 60 صوتا، ومن ثم فلا يحتاج لكمّ من التسويات والتنازلات قبل إقرار أي تشريع كما هو الحال بالنسبة لقانون الإنفاق.
محاولات ترامبوأمام ذلك الوضع، انتقد ترامب نظام التصويت في بلاده وخصّ بالذكر تكتيك "المماطلة التشريعية" باعتباره القضية الأكبر في مجلس الشيوخ في نظره، ودعا الجمهوريين للقيام بما يجب عليهم فعله وإنهاء ذلك التكتيك.
وأثناء الإغلاق الحكومي الذي بدأ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي خاطب ترامب أعضاء الحزب الجمهوري بتدوينة على موقع تروث سوشيال قائلا "لقد حان الوقت الآن للجمهوريين لاستخدام ورقة ترامب والتوجه لما يُسمى بالخيار النووي، التخلص من المماطلة التشريعية، والتخلص منها الآن!".
وخلال ولايته الأولى (2017-2021)، سعى ترامب مرارا إلى تحييد سياسة المماطلة التشريعية عندما كان الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس.
لكن السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، من كنتاكي وزعيم الأغلبية آنذاك، رفض الأمر بعد أن ظل طوال حياته التشريعية الطويلة يستخدم سياسة العرقلة ضد الديمقراطيين.
ولم تجد مساعي ترامب آذانا صاغية حتى في ولايته الحالية التي اشتد فيها نفوذه على أعضاء حزبه الجمهوريين، إذ أبدى العديد منهم في مجلس الشيوخ عدم رغبتهم في إلغاء الحد الأدنى التشريعي الذي يبلغ 60 صوتا، وعارضوا تغيير قواعد المجلس واعتماد التصويت بأغلبية بسيطة (50+1).
بعد أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة.. اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين ينهي الأزمة ويعيد التمويل الفيدرالي، فمن انتصر في تلك المعركة؟#الجزيرة_ألبوم pic.twitter.com/RGm6EusrQ4
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 10, 2025
مخاوف الإلغاءويخشى العديد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ من أن إلغاء تكتيك المماطلة التشريعية وإضعاف قاعدة المجلس التصويتية التي تشترط حصول معظم التشريعات على 60 صوتا سيؤدي إلى نتائج عكسية كارثية إذا استعاد الديمقراطيون السيطرة على المجلس في المستقبل.
إعلانكما يتخوف الجمهوريون من أن اعتماد قاعدة التصويت على القوانين بأغلبية بسيطة قد يترتب عليه سيل من التشريعات التقدمية التي لن يتمكنوا من عرقلتها، بما في ذلك منح واشطن العاصمة (مقاطعة كولومبيا) وضع الولاية.
وكان الديمقراطيون قد سعوا عام 2022 عندما كانت لديهم الأغلبية في مجلس الشيوخ إلى الالتفاف على شرط الـ60 صوتا اللازم للموافقة على الإجراءات المتعلقة بالانتخابات، لكنهم فشلوا في ذلك عندما انحاز اثنان من أعضائهما إلى الجمهوريين ضد تغيير القواعد.
وتعكس تلك المواقف في صفوف الحزبين مدى ترسخ "المماطلة التشريعية" في جوهر الممارسة السياسية داخل مجلس الشيوخ إلى درجة أن سعي أي طرف لإلغائه قد يتعثر بسبب التكتيك نفسه، أي إن الأمر قد يتطلب أيضا التصويت بأغلبية 60 صوتا.
وتؤكد أدبيات مجلس الشيوخ أن "تكتيك العرقلة، سواء أشيد به باعتباره يحمي الأقلية من طغيان الأغلبية، أو هوجم باعتباره أداة لعرقلة الحزبية، يعتبر أساسيا في الدور الفريد الذي يلعبه مجلس الشيوخ في النظام السياسي الأميركي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات فی مجلس الشیوخ
إقرأ أيضاً:
رئيس هيئة قضايا الدولة يهنئ عصام فريد برئاسة مجلس الشيوخ
في إطار تعزيز أواصر التعاون المثمر بين مؤسسات الدولة، قام المستشار الدكتور/ حسين مدكور، رئيس هيئة قضايا الدولة، اليوم، بزيارة رسمية للمستشار/ عصام فريد، رئيس مجلس الشيوخ، بمقر المجلس.
وجاءت الزيارة لتقديم التهنئة بمناسبة فوزه بثقة أعضاء المجلس، وانتخابه لرئاسة مجلس الشيوخ للفصل التشريعي الجديد، لمدة خمس سنوات قادمة.
وحضر اللقاء من جانب مجلس الشيوخ، المستشار الدكتور/ أحمد الغنام، أمين عام المجلس.
كما رافق رئيس هيئة قضايا الدولة خلال الزيارة وفد رفيع المستوى من قيادات الهيئة، وهم :
* المستشارة/ مشيرة محمد، نائب رئيس الهيئة، عضو المجلس الأعلى للهيئة.
* المستشار/ شريف زوين، نائب رئيس الهيئة، رئيس إدارة شئون الأعضاء.
* المستشار/ أحمد خليل، نائب رئيس الهيئة، رئيس إدارة الأبنية والتعاقدات.
* المستشار/ أحمد سعد، نائب رئيس الهيئة رئيس مركز الدراسات القضائية والتدريب والتعاون الدولى والثقافى.
* المستشار/ محمد عامر، نائب رئيس الهيئة، رئيس إدارة شئون المقرات.
وتناول اللقاء مناقشة سبل تعزيز أواصر التعاون بين هيئة قضايا الدولة ومجلس الشيوخ، بما يخدم المصلحة العامة ويعزز مسيرة العمل الوطني.
وقد أعرب المستشار الدكتور/ حسين مدكور عن خالص التهنئة لسيادة الرئيس، متمنياً له دوام التوفيق والسداد في مهامه، ولمجلس الشيوخ دوام التقدم والرقى تحت قيادته.
وفى ختام اللقاء، تبادل الطرفان الدروع التذكارية اعتزازاً وتقديراً.