أكد الدكتور نظير محمد عياد مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن طلاب العلوم الشرعية القادمون من الخارج يُنظر إليهم بوصفهم سفراء للإسلام في صورته السمحة التي تكشف عن مراد الشارع الحكيم ومقاصده العليا في الخير والرحمة، محذرًا من أن يُؤتى الإسلام من قبلهم، داعيًا إياهم إلى تمثيله التمثيل الحق الذي يجسد جوهره الأصيل جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في البرنامج التدريبي لطلاب إندونيسيا حول "منهجية الفتوى بدار الإفتاء المصرية".

 

وأوضح فضيلته أن من أبرز التحديات التي تواجه المسلمين اليوم عدم إدراك النص الشرعي والخطأ في تنزيل الحكم على الواقع، مما يؤدي إلى انحراف الفهم وضياع الغاية التي أرادها الشرع، مبينًا أن طالب العلم لا بد أن يجمع بين العلم والخبرة والتجربة حتى يتمكن من إنزال الأحكام بما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة، فبعض الناس قد يُحسن الوعظ والإرشاد لكنه لا يدرك فقه الواقع ولا المآلات

وتناول فضيلة المفتي بالشرح منهجية الفتوى، موضحًا أن أول أركانها هو التحصيل والتأهيل العلمي الرصين، مشيرًا إلى أن العلماء قسموا العلوم الرئيسة في الإسلام إلى ثلاثة: علم الكلام، وعلم الفقه، وعلم المنطق، وما عداها فهو خادم لها، لأن علم الكلام يعالج أعمال القلوب وأركان الإيمان، وعلم الفقه يتعلق بأفعال الجوارح، أما علم المنطق فهو أداة تعصم العقل من الخطأ في التفكير، ويعد قسيمًا لهما لأنه يعتمد على الاستنباط والدليل العقلي

وأضاف فضيلته أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى عبادة الإله الواحد، لكن بعضهم أخطأ في التفكير فزعم أن الإله منقطع عن العالم، وهؤلاء هم المعطلة الذين نفوا سلطان الله عن الكون، فيما ذهب آخرون إلى التشبيه والتجسيم، فنسبوا إلى الله صفات البشر لظاهر بعض الآيات مثل قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10]، فجاء التصحيح القرآني الحاسم في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11]، موضحًا أن علم المنطق يساعد في فهم الفروق بين صفات الخالق والمخلوق

وبيّن فضيلته أن مصادر التشريع المتفق عليها هي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس، وأن الفقيه يجب أن يعي أركان القياس وضوابطه، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي سأل عن ابنه لاختلاف لونه، فشبَّه النبي ذلك بما يحدث في الإبل حين "تكون هناك نزعة عرق"، وهو تطبيق بديع لمبدأ القياس في الاستدلال، مؤكدًا أن علم الإسناد وأصول الفقه من منجزات الحضارة الإسلامية التي لا تنازعها فيه أمة من الأمم ، وأن علم أصول الفقه هو الأداة التي يعتمد عليها الفقيه لفهم النصوص المتعددة الأوجه، مشيرًا إلى أهمية علم مقاصد الشريعة الذي برز كمصطلح على يد الإمام الشاطبي، رغم وجود مضمونه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، موضحًا أن المقاصد تدور حول الضروريات والحاجيات والتحسينيات التي تكشف مرونة الشريعة وجمالها
وشدد فضيلته على أن المفتي لا بد أن يتحلى بـالورع والحكمة، وأن الفقيه الذي لا يتجاوز القول بالحلال والحرام دون مراعاة المقاصد والظروف يعد قاصر العلم، لأن الإفتاء الرشيد يحتاج إلى معرفة بالعلوم الإنسانية وبالبيئة والواقع، كما يجب على المفتي إتقان اللغة العربية ومعرفة خطوات إصدار الفتوى بدءًا من تصور المسألة وتكييفها ثم بيان الرأي فيها، مع مراعاة المقاصد الشرعية والقول اللين والرفق في البيان

وأشار فضيلته إلى ضرورة التفرقة بين الفتوى والحكم الشرعي، موضحًا أن المعتمد من الآراء هو ما تفتي به المؤسسة، غير أنه يجوز الخروج عنه إذا اقتضت المصلحة ذلك، بما يعكس مرونة الفتوى وقدرتها على مواكبة المتغيرات، مؤكدًا أن من الورع أن يقول المفتي "لا أعلم" إن لم يكن عنده علم بالمسألة، وأن الحذر واجب في القضايا العامة حتى لا يقع في الزلل، مع وجوب مراعاة فقه الواقع والعوامل النفسية والاجتماعية للمستفتين

واختتم فضيلته كلمته بدعوة الطلاب إلى أن يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن ينظر الناس إلى الإسلام من خلال سلوكهم وأخلاقهم، سائلًا الله تعالى أن يوفقهم لما كُلِّفوا به وأن يكونوا سفراء هداية ورشد يحملون رسالة الإسلام إلى العالم في أبهى صورها

طباعة شارك مفتي الجمهورية البرنامج التدريبي لطلاب إندونيسيا منهجية الفتوى بدار الإفتاء المصرية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية موضح ا أن أن علم

إقرأ أيضاً:

عباس شومان: الإسلام دين سلام.. ونرفض إساءة تأويل آيات القتال في القرآن لتشويه صورته

شارك الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، ورئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، بكلمة خلال مشاركته في الجلسة الافتتاحية لمنتدى السلام العالمي التاسع المنعقد بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا، أوضح فيها المفهوم القرآني المتكامل للسلام في الإسلام، وبيّن أن آيات القتال لا تنفصل عن سياق الدعوة إلى السلام، وإنما جاءت لحماية هذا السلام ورد العدوان.

وأوضح الدكتور عباس شومان في كلمته أن هناك مفهومًا مغلوطًا يتعمد البعض نشره لتشويه صورة الإسلام، من خلال الادعاء بوجود تناقض بين آيات القتال وآيات السلام في القرآن الكريم، مؤكدًا أن جميع هذه الآيات تُفهم في سياق واحد هو تحقيق السلام العادل، وأن القتال في الإسلام ليس عدوانًا، وإنما دفاع عن النفس وردع للمعتدين.

عباس شومان: السلام لابد له من قوة تحميه.. والغرب مطالب بوقف ازدواجيته تجاه قضايا المسلمين 

وبيّن الدكتور عباس شومان أن نصوص القرآن جاءت لتؤكد هذا المعنى، فآيات القتال تدور حول مبدأ رد الاعتداء لا مبدأ القتل، والمقصود منها منع الظلم وإقرار السلم، موضحًا أن استعمال القوة يكون لحماية السلام لا لهدمه، وأن السلام في الإسلام هو سلام الأقوياء القادرين، لا استسلام الضعفاء الخانعين.

وأشار الأمين العام لهيئة كبار العلماء إلى أن الأزهر الشريف ينطلق من هذا الفهم في رسالته العالمية، فهو يؤمن بضرورة امتلاك القوة لحماية السلام، وفي الوقت ذاته يدعو إلى التعايش والمواطنة المتساوية بين أبناء الوطن الواحد دون تفريق على أساس الدين أو العرق أو المذهب، مستعرضًا جهود الأزهر في عقد المؤتمرات والمنتديات الدولية، مثل مؤتمر الحرية والمواطنة، ولقاءات شيخ الأزهر مع قادة الأديان والثقافات في الشرق والغرب، وإنشاء مؤسسات رائدة مثل بيت العائلة المصرية ومجلس حكماء المسلمين، وتوقيع أهم وثيقة إنسانية في العصر الحديث مع الراحل البابا فرنسيس، وثيقة الأخوة الإنسانية، التي تدعو إلى ترسيخ قيم الحوار والاحترام المتبادل بين أتباع الديانات والثقافات.

البروفيسور جيفري ساكس يشيد بجمال الجامع الأزهر وتفرّده وخصوصيةالمفكر العالمي جيفري ساكس: الجامع الأزهر واحد من أكثر أماكن العبادة تفردا وخصوصية

وانتقد الدكتور عباس شومان ازدواجية المعايير في مواقف بعض الغربيين تجاه القضايا الإنسانية في العالم الإسلامي، مشيرًا إلى أن ما شهدته غزة من تدمير وقتل للأطفال والنساء والشيوخ لم يحرك ضمائر هؤلاء، بينما تهتز بعض المؤسسات عند مقتل شخص واحد من الجانب الآخر، متسائلًا عن غياب العدالة إزاء ما حدث في السودان والعراق وليبيا والبوسنة والهرسك وغيرها من الدول الإسلامية.

وأكد الدكتور عباس شومان أن مؤتمرات السلام لن تؤتي ثمارها ما لم تتجاوز الطابع النظري إلى معالجة القضايا المصيرية والواقعية، مشددًا على أن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا إذا كف الغرب عن استخدام القوة والغطرسة لنهب ثروات الشعوب، داعيًا إلى تحويل إنفاق السلاح إلى مشروعات تنمية تسهم في رفاهية الإنسان واستقراره.

واختتم الدكتور عباس شومان كلمته بالتأكيد على أن الأمة الإسلامية أمة سلام مع من يسالمها، لكنها ستظل تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها وثرواتها ضد كل معتد، محذرًا من أن التهاون في ذلك سيؤدي إلى مزيد من الطعنات والتراجع، داعيًا الجميع إلى الوعي بخطورة المرحلة قبل فوات الأوان.

طباعة شارك الدكتور عباس شومان عباس شومان الأزهر الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الإسلام

مقالات مشابهة

  • عباس شومان: الإسلام دين سلام.. ونرفض إساءة تأويل آيات القتال في القرآن لتشويه صورته
  • مفتي الجمهورية: العلم المزيف يهدم العقول والمجتمعات ويُستغل لتبرير الباطل
  • مفتي الجمهورية: العلم طريق الوعي والبناء وجسر بين رسالة الدين وغاية الوطن
  • مفتي الجمهورية: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصّن المجتمع من الإضطراب
  • مفتي الجمهورية: مصر في عهد الرئيس السيسي أولت بالتعليم اهتماما بالغا لتجعله سلاحا في مواجهة الجهل
  • ست وصايا من مفتي الجمهورية لطلاب محافظة قنا لمواجهة الشائعات
  • ست وصايا من مفتي الجمهورية لطلاب وزارة التربية والتعليم بقنا لمواجهة الشائعات
  • مفتي الجمهورية: مصر رغم ما تعرضت له من محاولات غزو متعددة لكنها منارة التعايش والسلام
  • المفتي: مصر منذ فجر التاريخ أرض الحضارة والسلام ومهبط الرسالات وملتقى الشعوب والحضارات