خبير مصرفي: الفساد في القطاع المصرفي الليبي يتفاقم بسبب ضعف الرقابة وتراجع المعايير

ليبيا – علّق الخبير المصرفي محمد أبوسنينة على القضايا الأخيرة المتعلقة بجرائم الاختلاس داخل القطاع المصرفي، مؤكداً أن القطاع المصرفي الليبي لم يكن يعرف هذا المستوى من الفساد من قبل، وإن وُجد فكان في أضيق نطاق ولا يُتهاون معه، مشيراً إلى أن تنامي الظاهرة مؤخراً يعود إلى عوامل هيكلية ورقابية متراكمة.

ضعف أنظمة الرقابة الداخلية
وأوضح أبوسنينة في تصريحات خاصة لموقع “العربي الجديد” أن من أبرز أسباب تصاعد الفساد المالي في المصارف الليبية هو ضعف أنظمة الرقابة الداخلية وانحرافها عن أهدافها الأصلية، إلى جانب تراجع ثقافة الامتثال داخل المؤسسات المصرفية، مما أضعف قدرتها على رصد التجاوزات قبل وقوعها.

تراجع الإجراءات الاحترازية وتفشي المخالفات
وأضاف أن البيئة المصرفية الحالية تشهد تراجعاً في إجراءات الرقابة الاحترازية وضعفاً في مناخ العمل العام، الأمر الذي هيأ ظروفاً مواتية لارتكاب المخالفات دون رادع كافٍ أو محاسبة فعالة.

الجريمة المصرفية أصبحت “صفقة رابحة”
وفي تفسيره الاقتصادي للظاهرة، أشار أبوسنينة إلى أن العائد من ارتكاب الجرائم المصرفية بات في نظر بعض المتورطين أكبر من التكلفة، قائلاً إن المبلغ المختلس وفرصة الاستفادة منه يفوقان العقوبة المحتملة، وهو ما يجعل الجريمة في نظر الجاني “صفقة رابحة” لا مخاطرة فيها.

تراجع معايير التوظيف والنزاهة المهنية
ولفت الخبير المصرفي إلى أن معايير اختيار وتعيين الموظفين في المصارف تراجعت مقارنة بالماضي، موضحاً أنه كان يُجرى سابقاً بحث اجتماعي للتأكد من نزاهة المتقدم وملاءمته للعمل المصرفي، أما اليوم فقد تراجعت هذه المعايير أو اختفت تماماً، ما فتح الباب أمام التوظيف غير المهني وضعف الانضباط الإداري.

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

مخاطر التوسّع في توريق الديون المصرفية

حافظ إدوخراز -

اعتمدت عدة بلدان عربية خلال العقدين الأخيرين تشريعات تسمح لمصارفها بتوريق ديونها، أسوةً بالاقتصادات المتقدّمة وعلى رأسها الولايات المتحدة. فما هو توريق الديون المصرفية؟ وأين تكمن خطورة التوسّع في هذه الممارسة التي لعبت دورا كبيرا في اندلاع أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة صيف العام 2007، والتي تطوّرت إلى أزمة مالية عالمية بعد إفلاس بنك ليمان براذرز في سبتمبر 2008؟

توريق الديون المصرفية هي عملية مالية يتم من خلالها تحويل ديون البنوك (قروض الرهن العقاري مثلا) إلى أوراق مالية قابلة للتداول في البورصة. يقوم البنك ببيع هذه الديون إلى كيان تابع له يتم إنشاؤه خصّيصًا لهذا الغرض، والذي يحمل اسم شركة الأغراض الخاصة (Special Purpose Vehicle - SPV). ويقوم هذا الهيكل بتمويل حيازة ديون البنك عن طريق إصدار أوراق مالية مدعومة بهذه الديون، ويطرح هذه الأوراق للاكتتاب في الأسواق المالية.

ظهرت عملية توريق الديون المصرفية في الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي بهدف إنعاش القطاع العقاري من خلال تعبئة المزيد من الموارد المالية لتمويل شراء العقارات السكنية. لقد كانت هذه الممارسة، في البداية، تتعلّق فقط بديون الرهن العقاري (القروض التي تموّل شراء العقارات السكنية)، ويشار إلى الأوراق المالية المقابلة باسم الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية (Mortgage Backed Securities - MBS). غير أنه وفي وقت لاحق، تنوّعت طبيعة الديون المورّقة لتشمل أيضًا القروض الاستهلاكية والقروض التجارية المختلفة، ونتحدّث حينها عن الأوراق المالية المدعومة بالأصول (Assets Backed Securities - ABS). ويمكن جمع كل من الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية وتلك المدعومة بالأصول معًا من أجل إصدار أوراق مالية أخرى تسمى بسندات الديون المضمونة (Collateralized Debt Obligations - CDO).

تسمح عملية توريق الديون للمؤسسات المصرفية بإخراج الديون المورّقة من ميزانياتها العمومية حتى تتمكن من توزيع المزيد من القروض دون الاضطرار إلى تعبئة موارد مالية ذاتية جديدة بحيث تظل في وضع يتوافق مع المعايير المصرفية المتعلقة بالأموال الذاتية والمعمول بها وطنيا ودوليا (اتفاقيات لجنة بازل حول المعايير الاحترازية). وبالتالي يمكن للبنوك الاستمرار في التوسع في الإقراض وتوزيع مزيدٍ من الديون مع إسناد تمويل هذه الديون إلى أسواق المال، وهذا هو ما يطلق عليه في الأدبيات الاقتصادية بنموذج «الإقراض من أجل بيع الديون» (Originate to Distribute).

وبذلك، فإن البنوك لا تعود تتحمّل المخاطر المرتبطة بإعسار المدينين وتخلّفهم عن السّداد، وإنما يتحمّلها المستثمرون في الأوراق المالية المطروحة للتداول في البورصة. تقوم البنوك إذن بفضل هذه التقنية المالية بتحويل مخاطر الائتمان إلى المستثمرين الخواص (صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد وصناديق التحوّط والصناديق السيادية...) الذين يشترون الأوراق المالية الصادرة عن أدوات الاستثمار التابعة لها.

لا يشجّع هذا الوضع البنوك على تقييم الملاءة المالية للمقترضين بجدّية ومسؤولية والنظر في قدرتهم على سداد المستحقات وفي المخاطر التي قد تعوق هذه القدرة. وما دامت المخاطر تُنقل إلى الأسواق المالية، فالبنوك ستصير إذن أقل قلقًا بشأن قدرة المدينين على السّداد، ولا يعود الهمّ الأساسي عندها هو توزيع كل قرض بحكمة، مما ينعكس سلبًا على نظم تحليل جودة الائتمان ويخلق خطرًا أخلاقيا (Moral Hazard). فبدلا من السعي إلى تقييمٍ أفضل للمخاطر المتعلقة بالقروض الممنوحة لعملائها، تتمكن البنوك بفضل توريق ديونها من التخلّص تمامًا من المخاطر المتعلقة بالديون المشكوك في تحصيلها.

دروس من الأزمة المالية

لقد كانت سوق الرهون العقارية في الولايات المتحدة، مهد الأزمة المالية الأخيرة، مثالاً على التوسّع المفرط في اللجوء إلى هذه الآلية. وأدّى التوريق المنهجي للقروض العقارية في الولايات المتحدة إلى دفع العالم نحو الأزمة المالية الأشد خطورة في عصرنا (أزمة 2008). لقد قامت البنوك الأمريكية على مدى سنوات بتوزيع قروض عقارية عالية المخاطر (Subprime Mortgages) على نطاقٍ واسع، واستفادت منها الأسر ذات الجدارة الائتمانية الضعيفة أو تلك التي لديها وظائف غير قارّة. ولم يبدُ أن البنوك كانت تهتم كثيرا لقدرة مدينيها على دفع مستحقات ديونهم. ومن الأرقام التي يمكن أن تبرز ذلك بوضوح، ثمّة رقم يتعلق بإعداد ملفات الرهون العقارية عالية المخاطر التي وزعّتها البنوك الأمريكية قبل 2007، إذ أن ما يزيد على 40% من هذه الملفات لم تكن تحوي أي وثيقة حول الدخل الذي يتقاضاه المستدينون. لم يكن ذلك مشكلة بالنسبة للمصرفيين الأمريكيين الجشعين الذين راهنوا على بيع هذه الديون قبل أن تظهر أية مشكلة على السطح، وقبل أن تزداد حالات التخلف عن السداد على إثر ارتفاع أسعار الفائدة، فيجد المدينون أنفسهم أمام دفعات شهرية مستحقة تتجاوز إمكانياتهم المالية.

ترتبط تقنية توريق الديون بما يسمّى في الأدبيات الاقتصادية بمشكلة عدم تماثل المعلومات (Information Asymmetry)، بحيث يكون المستثمرون غير قادرين على تقييم المخاطر التي يتحمّلونها بشكل صحيح، لأنهم لا يملكون معلومات كافية عن جودة الأصول التي تدعم الأوراق المالية التي يستثمرون فيها. فقط البنوك التي منحت الديون المورّقة هي التي تعرف المخاطر المرتبطة بحيازة الأوراق التي تعرضها للبيع في الأسواق المالية من خلال شركاتها ذات الأغراض الخاصة. يكتفي المستثمرون، الذين لا يمتلكون المهارات الضرورية التي تسمح لهم بالحكم على المخاطر التي يتعرّضون لها، بالاعتماد بشكل كامل على التقييم الذي تجريه وكالات التصنيف الائتماني. غير أن الأزمة المالية لعام 2008 قد أظهرت بوضوح أن تقييم المنتجات المعقّدة الناتجة عن الابتكارات المالية من قبل هذه الوكالات لا يمكن الاعتماد عليه بسبب تضارب المصالح الذي يطبع عمل هذه الوكالات، فهي تأخذ عمولاتها من البنوك، ثم بسبب درجة التعقيد الذي تنطوي عليه هذه المنتجات المالية المركّبة. كما أن التعرّض للمخاطر المرتبطة بالديون لا يكون هو نفسه مع مرور الوقت، بل يصبح أكبر بعد أي تغيير يمكن أن يحدث في أي وقت من عمر القرض (زيادة أسعار الفائدة مثلا).

وإدراكًا منها للمخاطر التي تمثلها تقنية توريق الديون، كانت اللجنة الأممية المعنية بإصلاح النظام النقدي والمالي الدولي (برئاسة الأكاديمي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز) قد اقترحت بعد الأزمة المالية لعام 2008 توصيةً مفادها أن يتم إلزام البنوك بالاحتفاظ في ميزانياتها العمومية بما لا يقل عن 10٪ من الأوراق المالية المقابلة لـكل عملية توريق. وتقول اللجنة إن من شأن هذا الإجراء أن يقلّل إلى حدّ كبير من المخاطر المحتملة والمرتبطة بهذه التقنية، ومن شأنه أن يحفّز البنوك على اعتماد معايير احترازية أكثر مسؤولية.

لا ندري لما لم تعتمد مجموعة العشرين هذه التوصية على الرغم من كل الوعود التي تعهّدت بها بُعيد اندلاع الأزمة المالية في سبيل إصلاح المنظومة المالية الدولية، غير أن هذه النسبة في اعتقادي لا ترقى إلى المستوى الذي قد يرغم البنوك على النّظر في المخاطر المرتبطة بديونها بكل الجدّية والمسؤولية المطلوبين. وتجدر الإشارة إلى أنه طالما يتم السماح بالتوريق، فيمكن للبنوك الاستمرار في استخدام هذه التقنية لتحويل ديونها المشكوك في تحصيلها إلى الأسواق. إن القدرة على تصدير 90% من قيمة الديون «السامّة» إلى الأسواق ستكون دائمًا أمرًا موضع ترحيب بالنسبة للبنوك. خاصة إذا كانت وكالات التصنيف لا تزال غير قادرة على التقييم الصحيح وغير المنحاز للديون المورّقة. وستكون تقنية التوريق وسيلة تسمح لها بالتخلص من الديون المرشّحة لتصبح قروضا متعثّرة وتوزيع قروض جديدة أكثر جودة.

أيّا تكن القوانين والمعايير التي قد تؤطّر هذه العملية وكيفما كانت قدرة السلطات الرقابية التي تشرف على تطبيقها، فإن التوسّع في هذه الممارسة قد يفتح بابًا كبيرا في وجه السلوك غير المسؤول من قبل المصرفيين، خصوصا في الدول التي تفتقد إلى الحوكمة الرشيدة وينتشر فيها الفساد. وينبغي أن تكون مشكلة عدم تماثل المعلومات الناتج عن هذه الممارسة كافيةً من أجل تحفيز المسؤولين على اعتماد قوانين وتنظيمات أكثر صرامة، بحيث تجبر البنوك على تحمل مسؤولية كل قرض تمنحه وتحدّ من لجوئها إلى توريق ديونها وتصدير المخاطر إلى الآخرين. ولهذا يجب إلزام البنوك بالاحتفاظ على ما لا يقل عن 40 أو 50٪ من الديون المورّقة كإجراء وقائي يحمي النّظم المالية الوطنية من إغراءات الربح السريع ولو على حساب الاستقرار الاقتصادي.

حافظ إدوخراز كاتب ومترجم، حاصل على ماجستير الدراسات الدولية والأوروبية من جامعة كرونوبل (فرنسا)

مقالات مشابهة

  • الرقابة المالية: الأكاديمية الوطنية للتدريب تبحثان شراكة لتطوير كفاءات القطاع
  • محافظ الفيوم: الدولة شهدت طفرة تنموية غير مسبوقة بالقطاعات كافة
  • مخاطر التوسّع في توريق الديون المصرفية
  • المملكة تشارك في مؤتمر الإنتربول العالمي لمكافحة الفساد واسترداد الأصول في الإمارات
  • «الإمارات للمحاسبة» و«الرقابة السعودية» يعززان الشراكة
  • البنك الوطني العماني يطلق "برنامج الكاتب المصرفي"
  • المملكة والإمارات توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مكافحة الفساد
  • المملكة والإمارات توقعان مذكرة تفاهم في مجال منع الفساد
  • الرقابة المالية: أصدرنا 47 قرارا لتنظيم القطاع منذ صدور قانون التأمين الموحد