روائيون عرب: الرواية تُعيد كتابة التاريخ وتُنصف الهامش
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
الشارقة (الاتحاد)
أكدت نخبة من الروائيين العرب أن الرواية تُعد أحد أهم الفنون القادرة على تفكيك البنى الاجتماعية والثقافية، وإعادة تشكيل الوعي الإنساني من خلال استحضار الأصوات المهمّشة والهويات المنسية في التاريخ والجغرافيا. جاء ذلك خلال ندوة فكرية بعنوان «الرواية كفضاء سردي لاستكشاف الهوية والهامش والتاريخ الإنساني»، أقيمت ضمن فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، جمعت كلاً من الروائي الدكتور شكري المبخوت، الروائي الجزائري الصديق حاج أحمد، والدكتورة مريم الهاشمي.
في مداخلته قدّم الدكتور شكري المبخوت الحائز على جائزة البوكر عام 2015 عن روايته «الطلياني»، قراءة عميقة لمفهوم الهامش وعلاقته بالتاريخ من خلال الرواية، موضحاً أن المشكلة في الهامش ليست في موقعه فقط، بل في قدرته على إعادة تشكيل السرد التاريخي نفسه، وقال المبخوت: «التاريخ في نهاية الأمر هو رواية، والرواية حين تتعامل مع التاريخ لا تكتفي بتكراره، بل تُعيد صياغة الحكاية التي نجدها فيه لتخلق حكاية ثانية، قد تكون مضادة أو مختلفة جذرياً عن السرد الرسمي».
وأشار المبخوت إلى أن موقع الهامش يبني معنى جديداً، إذ إن الرواية تفكك التاريخ وتسائله، وأضاف أن الرواية في جوهرها تنتصر للأصوات التي همّشها التاريخ، فهي تشتغل على الذاكرة الإنسانية أكثر مما تشتغل على الوقائع. وأكد في ختام حديثه أن «كل رواية حقيقية تُبنى على هامش ما».
شهادة إبداعية
من جانبه قدم الروائي الجزائري الصديق حاج أحمد، شهادة إبداعية تربط تجربته الخاصة بأسئلة الندوة حول الهامش والهوية وخطاب ما بعد الحداثة، فقد انطلق حاج أحمد من تساؤل جوهري: هل الهامش ظاهرة جديدة؟ ليؤكد أن الأدب العربي القديم كان حافلاً بصور الهامش منذ شعر الصعاليك، مروراً بقصص الترحال والشتات مثل السندباد وغيره. وقال: «الإشكال الكبير أننا قرأنا أدبنا العربي في ضوء السرديات الغربية، فأهملنا خصوصيتنا، والتاريخ حين يُدمج بالهامش والهوية يصبح قلقاً، لكنه حين يُقرأ عبر الذاكرة الإنسانية، يستعيد عمقه الحقيقي».
وتحدّث الحاج أحمد عن تجربته الروائية عبر ثلاث مراحل أساسية، ففي روايته «مملكة الزيوان» تناول الهامش الصحراوي، أما في روايته «كاماراد» فانشغلت بالهامش الأفريقي. ويرى الحاج أحمد أن روايته مهدتْ الطريق أمام الرواية العربية لدخول عوالم أفريقيا المتشابكة ثقافياً وإنسانياً.
الهوية والتاريخ
من جانبها ركّزت الدكتورة مريم الهاشمي على البعد الفلسفي لمفهومي الهوية والتاريخ في بنية الرواية، معتبرةً أن الرواية هي الكائن الأدبي الأكثر قدرة على احتواء تعقيدات الحياة الإنسانية، ورأت أن هذا الجنس الأدبي يحمل بطبيعته إشكاليات الهوية وحضور التاريخ في الكتابة، لأنه كائن حي دائم التحول، يتفاعل مع المجتمع ويتغذى من أسئلته.
وتحدثت الهاشمي عن الهوية بوصفها مفهوماً متعدّد الدلالات لا يمكن حصره في تعريف واحد، إذ يحمل الفرد داخله هويات متعددة تتشكّل وفق السياق والزمن والتجربة، ومن هنا جاءت الرواية لتكون مساحة للإجابة عن سؤال الذات: من أنا؟، وأضافت: «الرواية ليست فقط تعبيراً عن الهوية، بل هي أيضاً بحث دائم عنها، لأن الذات حين تكتب تحاول أن تفهم نفسها والعالم من حولها».
ودعت إلى مساءلة التاريخ أدبياً، بقولها: «الإبداع الروائي هو وسيلة لإعادة التفكير في ذواتنا وهوياتنا، وأن مساءلة التاريخ ليست رفضاً له، بل سبيلاً لإغنائه وإعادة كتابته من منظور إنساني متجدد». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
الرواية والدراما المرئية.. بين الكلمة والصورة في دورة "أسامة أنور عكاشة"
انطلقت مساء الأحد 9 نوفمبر 2025 فعاليات الدورة الثانية من مؤتمر "الرواية والدراما المرئية" تحت عنوان "مقومات الشخصية المصرية بين الرواية والدراما المرئية"، والتي تحمل هذا العام اسم السيناريست الكبير أسامة أنور عكاشة، تقديرًا لإرثه الفني الذي أعاد للدراما المصرية روحها ووجدانها الإنساني.
المؤتمر جاء تحت رعاية الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد هنو – وزير الثقافة، وبدعوة من الأستاذ الدكتور أشرف العزازي – الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وبالتعاون مع السيناريست الكبير محمد السيد عيد – رئيس نادي القصة منظم المؤتمر بالتعاون مع الجمعية المصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية.
استُهلت فعاليات اليوم الأول بكلماتٍ رسمت ملامح الرؤية الفكرية والفنية للمؤتمر، وقد ألقت الأستاذة الدكتورة زينب فرغلي – أمين عام المؤتمر كلمتها الافتتاحية مؤكدة أن العلاقة بين الرواية والدراما ليست علاقة نقل أو اقتباس، بل علاقة حوارٍ متجدد بين الفكرة والخيال، وبين اللغة والصورة.
ثم تحدث الأستاذ حمدان القاضي – المنسق العام للمؤتمر والمدير التنفيذي لجمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية، مشيرًا إلى أهمية هذا الملتقى في خلق جسر تفاعلي بين المبدعين والمؤسسات الثقافية، بما يعيد الاعتبار لقيمة الرواية كمنجم درامي وفكري يغذي الوعي الجمعي المصري والعربي.
وجاءت كلمة المخرج الكبير عمر عبد العزيز – رئيس المؤتمر ورئيس اتحاد النقابات الفنية لتؤكد أن الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل أداة تشكيل وعي وسلوك، وأن الشخصية المصرية في الدراما والرواية هي مرآة لروح الأمة وتاريخها الممتد.
واختُتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة الأستاذ الدكتور أشرف العزازي – الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، الذي شدد على أن الثقافة الوطنية، بكل تجلياتها الإبداعية، هي خط الدفاع الأول عن هوية الإنسان المصري في مواجهة طوفان التفاهة والاغتراب الثقافي.
شهدت الجلسة الأولى التي أدارتها الدكتورة زينب فرغلي حضورًا نوعيًا من المثقفين والباحثين، حيث تحدث الأستاذ الدكتور محمد عفيفي حول "الرواية كوثيقة للوعي التاريخي والاجتماعي"، بينما تناول الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال العلاقة الجدلية بين السرد الأدبي والدراما البصرية، مشيرًا إلى أن الدراما التي تنبع من روح الرواية تكتسب عمقًا إنسانيًا وقدرة على التأثير لا تضاهيها أي وسيلة فنية أخرى.
أما الجلسة الثانية التي أدارها الأستاذ عبده الزراع، فقد جمعت بين الأستاذة الدكتورة رشا صالح والأستاذ الدكتور عادل ضرغام، حيث تطرقا إلى جماليات التحول من النص الأدبي إلى النص البصري، وإلى أهمية الحفاظ على الخصوصية الثقافية المصرية في كل عمل فني يُستلهم من الأدب المحلي.
يأتي هذا المؤتمر في دورته الثانية كدعوة إلى استعادة جمال الدراما المصرية في زمن طغت فيه الصورة على الفكرة، وإلى تأكيد أن أسامة أنور عكاشة لم يكن مجرد كاتب دراما، بل فيلسوفًا سرديًّا أعاد صياغة الوعي الجمعي في لغة الشاشة وضمير الفن.