رساله من تحت الانقاض ..معلمون نازحون يعيدون الحياة لغزة
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
عادل عبدالله
في زوايا قطاع غزة حيث لا يزال نداء الحياة يعلو فوق صفارات الإنذار وحيث تتناثر أحلام الطفولة بين ركام المباني تبدأ معجزة جديدة بالتشكل. إنها معجزة لا تحمل أسلحة ولا ترفع شعارات بل تمسح الغبار عن سبورة وتلمع أقلاماً بالية وتفتح كتباً ممزقة.
هنا..في قلب الدمار يعود الأطفال إلى مدارسهم، ليس كمنتصرين بل كمنتصرين على اليأس.
إنه مشهد لا تكفله الحكومات ولا تخطط له المنظمات الدولية بل يصنعه إيمان راسخ في قلوب معلمين نازحين. أولئك الذين فقدوا بيوتهم وشاهدوا أحلامهم تتهاوى تحت وطأة القنابل قرروا أن أكبر انتقام لهم هو أن يمنحوا طلابهم حلما جديدا. يقفون أمام الصفوف ليس بعباءات الأكاديميين بل بملابسهم البسيطة وعيونهم التي تحمل قصصاً لا تحكى ولكن قلوبهم تحمل من العزيمة ما يكسر جبروت الحرب.
الصفوف ليست كما نعرفها. قد تكون خيمة ممزقة تهب منها الرياح أو غرفة في منزل نصف مدمر أو حتى بقعة تحت شجرة زيتون عتيقة. السبورة قد تكون قطعة كرتون والطباشير قد يكون حجراً أبيض والمقاعد قد تكون حجارة مرصوصة. لكن الأهم هو ما يملأ هذا الفضاء البسيط: ذلك الشغف المتقد في عيون الأطفال والرغبة العارمة في العودة إلى الحياة الطبيعية ولو من خلال سطر في كتاب أو مسألة حسابية.
الأطفال يأتون من كل مكان. بعضهم يحمل جراحاً لم تندمل بعد وبعضهم فقد أحد أفراد أسرته وجميعهم يحملون ذكريات مؤلمة لا تليق ببراءة أعمارهم. لكنهم عندما يجلسون، ويفتحون دفاترهم ويبدأون في ترديد الأناشيد أو حل المسائل تختفي للحظة أصوات الانفجارات ويعود إليهم شيء من طفولتهم المسلوبة. المدرسة هنا ليست مكاناً للتعلم فقط بل هي ملاذ آمن وجرح شاف وحلم يعاد بناؤه يومياً.
المعلمون النازحون أولئك الأبطال المجهولون لا يقدمون دروساً في الرياضيات واللغة العربية فقط بل يقدمون دروساً في الصمود والكرامة. هم يعلمون الأطفال أن القلم أقوى من الرصاصة وأن المعرفة هي السلاح الذي لا يقهر وأن المستقبل لا يبنى بالخراب بل بالعلم والأمل. هم يمسحون دموع التلاميذ ويخففون من خوفهم ويذكرونهم بأنهم رغم كل شيء أطفال ولديهم الحق في الحلم واللعب والتعلم.
غزة تتعافى. لا ليست التعافي الذي نراه في تقارير الإعمار وخطط إعادة البناء. إنه تعافي أعمق تعافي الروح والإرادة. إنه يبدأ من هنا من هذه الزوايا المتواضعة حيث يجتمع الأطفال حول معلميهم. إنه يبدأ عندما يرفع طفل يده ليسأل سؤالاً عن النجوم أو يكتب جملة عن السلام أو يرسم لوحة لبيته القديم. في هذه اللحظات تغزو الحياة كل شيء وتنتصر على الموت.
هذه المبادرة التطوعية هي شمعة مضيئة في ظلام دامس. هي تذكر العالم بأن غزة رغم جراحها العميقة لم تمت. بل إنها تلد الأمل من رحم المعاناة. الأطفال الذين يعودون إلى مدارسهم اليوم هم الأطباء والمهندسون والمعلمون والقادة الذين سيبنون غداً أفضل. هم يبنون مستقبلهم بحروف من نور.. على أنقاض حاضر من رصاص.
في النهاية هذه ليست مجرد قصة عن العودة إلى المدرسة. إنها قصة عن إصرار الحياة على الاستمرار وعن انتصار المعرفة على الجهل والأمل على اليأس. إنها رسالة من غزة إلى العالم: قد تدمر بيوتنا وقد تشرد عائلاتنا وقد تؤلم أجسادنا لكن عقولنا وقلوبنا ستظل دوماً مقراً للأمل والحياة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
دراسة إسرائيلية: ثلث زوجات جنود الاحتياط يفكرن في الطلاق
#سواليف
كشفت دراسة جديدة صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي أن ثلث #زوجات #جنود_الاحتياط في #جيش_الاحتلال يُفكّرن في #الانفصال أو #الطلاق، في ظل تداعيات #التجنيد المطوّل على #الحياة_الأسرية.
وبحسب القناة الإسرائيلية السابعة، جرى عرض هذه المعطيات خلال جلسة خاصة عقدتها لجنة النهوض بوضع المرأة والمساواة بين الجنسين، بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء، لمناقشة آثار الخدمة الاحتياطية الممتدة على عائلات الجنود، وذلك استنادًا إلى نتائج مسح حديث.
وأظهرت البيانات أن نحو نصف الأزواج أبلغوا عن تضرر علاقاتهم الزوجية، فيما أشار ثلثهم إلى أن هذه الأضرار دفعتهم للتفكير في الانفصال أو الطلاق.
مقالات ذات صلةكما بيّن الاستطلاع أن 5 بالمئة من الأزواج العاملين و73 بالمئة من العاملين لحسابهم الخاص تأثروا في أعمالهم، بينما اضطر 12 بالمئة منهم إلى التحوّل للعمل كموظفين، في حين لم يعمل 8 بالمئة إطلاقًا.
وفي السياق ذاته، أفادت 58 بالمئة من المطلقات و48 بالمئة من العازبات اللواتي لديهن أطفال من جنود الاحتياط بأنهن يواجهن صعوبات مالية متزايدة.
وحذّرت رئيسة اللجنة، النائبة ميراف كوهين، من أن “الأضرار التي لحقت بزوجات وعائلات جنود الاحتياط تشير إلى أزمة واسعة وعميقة تتطلب علاجًا منهجيًا ومركّزًا وطويل الأمد. وهذه نتيجة مؤسفة، وإن لم تكن مفاجئة، للتعبئة المطوّلة التي امتدت بالنسبة لبعض الجنود إلى مئات أيام الاحتياط”.
وخلال الجلسة، استُعرضت شهادات من زوجات جنود الاحتياط. وقالت الدكتورة شاني سابوراي، وهي جراحة عظام، إنها وزوجها جُندا في الجيش: “كان أطفالي بلا والديهم لمدة خمسة أشهر. وعندما عدنا، لم يُرِد ابني أن أغادر المنزل. إنه يخشى ألا أعود. لم أسترد أموالي من صندوق الإغاثة، وليس لديّ وقت لإعادة التقديم”.
من جهته، كشف جندي الاحتياط دانييل ليفين أن العديد من طلبات صندوق المساعدة تُرفض دون أي تفسير. وقال: “قدّمتُ طلبًا لتعويض عن خسارة دخل بقيمة 30 ألف شيكل (9 آلاف دولار)، ولم أتلقَّ سوى 7 آلاف شيكل (2200 دولار)”، وفق ما نقلته القناة الإسرائيلية.
أما المحامي أميت تريشتينغوت، من “منتدى زوجات جنود الاحتياط”، فقال إن الردود الحكومية غير مُرضية: “نحن بحاجة إلى منح تُساعدنا معنويًا. الحكومة لا تُساهم في سد الفجوات، والمساعدة المُقدمة لا تُعكس حجم الأزمة. لا أمل في النهاية. العائلات تواجه وضعًا ماليًا صعبًا”.
وفي شهادة أخرى، قالت ناشطة في ما يُعرف بـ “لوبي العسكريين” إنها فقدت هي وزوجها وظيفتيهما، ومع ذلك “سيعود زوجي لجولة أخرى من الخدمة الاحتياطية”.
كما نقلت القناة السابعة عن مصادر قولها إن “زوجة جندي احتياط فقدت منزلها ومشروعها التجاري ولم تتلق أي دعم.. إنها تنهار ولا يوجد من يساندها”.
ويأتي هذا التقرير في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي ارتكبت فيه “إسرائيل” – بدعم أميركي أوروبي – إبادة جماعية شملت القتل والتجويع والتدمير والتهجير والاعتقال، متجاهلةً النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وقد أسفر هذا العدوان عن أكثر من 239 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يزيد على 11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، معظمهم أطفال، فضلاً عن دمار شامل طال معظم مدن ومناطق القطاع، حتى باتت تُمحى من على الخريطة.