عندما تكون الخيانة وجهة نظر، وتصير العمالة فهلوة وأسلوب حياة، والجاسوسية مجرد مهنة، فقل على الأوطان السلام، وأقرأ على يمننا العزيز الفاتحة.
لكن هذا ليس موضوعنا هنا، موضوعنا هو تسجيل بعض الملاحظات المزعجة التي لفتتني في الكشف الأخير الذي أعلنته صنعاء عن شبكة جواسيس تديرها غرفة مخابرات أمريكية إسرائيلية سعودية مشتركة :
ثلاثة في ثلاثة :
أولاً – إن أياً من هؤلاء الجواسيس لم يُستدرج استدراجا، ثم يكتشف لاحقاً أنه قد تورط ويصبح جاسوساً إلا بعد أن وقع في الفخ، أو يقع بتدبير في موقف ما، ثم يعود ذلك الجهاز بابتزازه وتجنيده، كما تفعل عادةً أجهزة المخابرات في اصطياد عملائها، على العكس تماماً نجد أن هؤلاء في الغالب هم من بادروا للعمل مع هذه الأجهزة من أنفسهم وهم يعلمون ما يفعلون، أو على الأقل إن لم يبادر بعضهم، فقد استجاب لأول عرض عُرض عليه بحماس غريب، ومن دون أي وجل أو تردد.
ثانياً – الإخلاص العجيب في الخيانة: أي أنهم في معظمهم كانوا يؤدون كل ما يُطلب منهم من مهام بتفان ملحوظ، من دون أن يُظهر أحدهم أي تذمر أو خوف أو يحاول مرة أن يتملص من أي مهمة توكل إليه، أو أن يؤديها بأي كيفية لمجرد أن يخلص فقط، على العكس هؤلاء – كما ظهر من اعترافاتهم المتلفزة- كانوا متفانين على نحو مقرف في خياناتهم، ويحرصون على إنجاح تأدية أي مهمة توكل اليهم من غير أي نقاش، وأحياناً يعيدون أداءها أكثر من مرة لضمان نجاحها على أكمل وجه، بل ويتطوعون من أنفسهم بإسداء النصائح وتقديم المشورة الطوعية لمشغليهم بما يضمن النجاح التام.
ثالثاً – لم يظهرون أي شعور من قبلهم بالندم: لا بعد تورطهم في أي مهمة ورؤيتهم لنتائج عملهم من دمار ودماء للمدنيين الأبرياء من شيوخ من رجال وأطفال ونساء من قومهم وبني جلدتهم، ولا حتى الآن بعد وقوعهم في أيدي أجهزة الأمن، لا تشعر من خلال اعترافاتهم بأي شعور من قبلهم بالندم أو الخجل أو العار بما اقترفوه، بل على العكس يتكلمون بأريحية كاملة وبشكل طبيعي عن تجربتهم وكأنهم كانوا في مهمة عادية وطبيعية لا تستدعي الشعور بأي من تلك المشاعر.
والآن دعونا أن نتساءل بعُجالة : ما هي الأسباب التي قد تجعل من أحدنا جاسوساً؟
هناك باختصار ثلاثة أسباب رئيسية قد تدفع أحدهم للانحدار في هكذا سلوك مُشين وجدير بالرثاء ومجلبة للعار، ولا شيء بطبيعة الحال يبرر هكذا سقوط وطني وأخلاقي وديني وحتى إنساني – أكرر لا شيء ممكن أن يبرر هذا – ومن أبرز هذه الأسباب :-
أولاً – المال : وهو هنا العنصر الحاسم، فالرغبة في الكسب السريع وجني الأموال هو المحرك الأول الذي قد يدفع أحدهم للسقوط في براثن هذا العمل الوضيع ولو على حساب سلامة وطنه والولوغ في دماء الأبرياء، لرجل قد ماتت فيه كل مشاعر الوطنية والرجولة والنخوة، ولكن حتى هذا العنصر هنا غير مقنع، فلا يبدو على هذه العناصر الساقطة أنها كانت تعاني مثلاً من ضائقة مالية ضاغطة قد تعمي عيون صاحبها وتجعله مستعداً للقيام بأي عمل مهما كان نوعه في سبيل ذلك، وهل يوجد أحد في الشعب اليمني كله لا يعاني من هذا وخصوصاً في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة؟ كما أنه ممكن – جدلاً- أن يجني تلك الأموال وأضعافها من دون إحداث تلك التبعات الجسيمة، كأن يكشف مثلاً ذلك للجهات الأمنية ويعمل كعميل مزدوج ولا ضرر ولا ضِرار، وسوف يجني أضعاف ذلك في سلامة من ضميره، أو أن يتحايل على الأقل على مشغليه ويتلاعب بهم، وحتى يبتزهم ليحصل على أموال أكثر، مع تقليل حجم الأضرار، أما أن يعمل مع الشيطان بهذا الإخلاص فهذا أمر مُقرف، ومقابل كم ؟ دراهم معدودة وحقيرة لا توازي ما يقدمه من خدمات – وهل هناك أثمان للأوطان ؟- مقابل ثلاثة آلاف ريال سعودي يا بلاشاااه . وهنا تجلدك عدة أسئلة، ما سبب هذا الرُخص؟ كيف استشرت هذه الثقافة؟ ومن الذي أسس لها ؟
ثانياً – الفجور في الخصومة والتوق لإقصاء طرف ما أو نظام ما، قد يقودك الحقد الأعمى لهذا الانحطاط – ونكرر دوماً لا شيء يبرر، ولكننا هنا نحاول أن نفهم- :
ولكن حتى هذا نجده هنا غير مقنع، وعلينا أولاً أن نفصل بين أمرين : الخصومة السياسية والانقسام شيء، والخيانة شيء آخر تماماً، كما أن النظام السياسي شيء والوطن شيء آخر أدوَم وأشمل وأجمع وأعم، فالأنصار نظام سياسي حاكم كغيره من الأنظمة السياسية الأخرى وإن كان بالطبع يتميز عن أقرانه بميزات خاصة، ولا يبرر الصراع معهم مهما كانت مستوياته بيع الوطن كله وبأبخس الأثمان، ولمن ؟ لعدو مشترك وصريح لجميع أطراف الصراع ولا أعتقد أن أياً من تلك العناصر يجهل هذه الحقيقة، وحتى لو حصل ذلك في البداية فكان مفروضاً التوقف عن هذا العمل بعد رؤية نتائجه المدمرة والدماء الطاهرة التي سالت بعد كل مرحلة من مراحل هذا السقوط، والإحجَام عن مواصلته والانسحاب منه لا استمراء الخيانة والمواصلة والدوس على جماجم أبناء شعبهم بدون أي نخزة ضمير، وهل لأمثال هؤلاء أي ضمائر؟.
ثالثاً: الرغبة أحياناً في إسقاط أي مشروع (فاشل) واستبداله بمشروع آخر أفضل وأجمل وأحسن، هذه الرغبة قد تدفع أحدهم للتعاون مع الطرف الآخر مهما كانت الوسائل تحت مبدأ (الميكافيلية) الأسود حيث الغاية تبرر الوسيلة .
وهذا أكبر وأكثر هذه الأسباب تهافتاً هنا، فمهما كان موقفنا من الأنصار، فهل يعتقد حقاً أسذج هذه العناصر، أن لأمريكا أو إسرائيل أو السعودية أي مشروع يُذكر في اليمن؟ لا يختلف حول هذه الحقيقة أحد من كل الأطراف المتصارعة على اختلاف مشاربها .
مرارة شديدة تعتصر الأفئدة وشعور بالذهول والصدمة لمستوى ما وصل إليه أعداء الأنصار من سقوط مدوٍ لا يضاهيه أي سقوط وليس كمثله سقوط، ولا يبرره شيء .. أي شيء .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أقمار صناعية تنطلق نحو المريخ… «نيو غلين» يضيف إنجازاً جديداً
أطلقت شركة بلو أوريجن المملوكة للملياردير جيف بيزوس، الخميس، صاروخها العملاق “نيو غلين” من فلوريدا في مهمة أولى حاملة قمرين صناعيين تابعين لوكالة ناسا في طريقهما إلى المريخ.
ونجح الصاروخ المعزّز القابل لإعادة الاستخدام في الهبوط على منصة عائمة بالمحيط الأطلسي بعد انفصاله عن المرحلة العليا، في إنجاز جديد يضاف إلى سجل الشركة في مجال إعادة الاستخدام، الذي كانت سبيس إكس قد سبقته فيه.
وأطلق القمران الصناعيان “بلو” و”غولد” في رحلة تستغرق 22 شهرًا لدراسة البيئة الفضائية حول المريخ، بما في ذلك تأثير الرياح الشمسية على المجال المغناطيسي الضعيف للكوكب وفقدان الغلاف الجوي، في مهمة علمية تستمر 11 شهرًا بعد الوصول عام 2027.
وقال الرئيس التنفيذي لبلو أوريجن، ديف ليمب: “حققنا نجاحاً كاملاً للمهمة اليوم”، بينما هنّأ منافسه إيلون ماسك عبر منصة “إكس” الفريق على الإنجاز.
ويعد إطلاق نيو غلين خطوة مهمة لشركة بلو أوريجن في منافستها مع سبيس إكس، حيث تمتلك الأخيرة خبرة واسعة في الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام وعددًا كبيرًا من المهمات الفضائية، بينما تستمر بلو أوريجن في تطوير صاروخ ثقيل الرفع لنقل البشر والحمولات، بالإضافة إلى مشاريع مستقبلية تشمل مركبة هبوط مأهولة للقمر ومحطة فضاء مشتركة.