آخر تحديث: 14 نونبر 2025 - 11:32 مبقلم:د. مصطفى الصبيحي قبل يومين فقط، أغلق العراقيون آخر صندوق انتخابي، وفتحوا معه باباً جديداً من الأمل والقلق في آن واحد. انتخابات جديدة، وجوه فازت، وجوه خسرت، أصوات ارتفعت، ووعود أطلقت، لكن وراء كل ذلك هناك شيء واحد يصرخ بصمت: الناس تعبت. العراق اليوم يقف على مفترق طرق حساس، لا يشبه أي مرحلة مرّت عليه منذ سنوات طويلة.

النتائج الحالية لم تعد مجرد أرقام تُعلن على الشاشات، بل باتت اختباراً جدياً لمدى قدرة الطبقة السياسية على فهم وجع الشارع العراقي الذي أنهكته الظروف، وأتعبته الأزمات المتراكمة من دون أي نهاية واضحة.المشهد الانتخابي هذه المرة لم يكن عادياً. نسبة المشاركة حملت رسائل كثيرة، فيها غضب، وفيها أمل، وفيها لامبالاة أيضاً. المواطن العراقي ذهب إلى الصندوق وهو يحمل أسئلة معلّقة: هل ستتغيّر أحوالي؟ هل ستتحسن الخدمات؟ هل سيجد ابني فرصة عمل؟ هل ستنتهي فوضى الصحة والتعليم؟ هذه الأسئلة هي التي صنعت المشهد الحقيقي، وليس فقط نتائج الفرز والأرقام.
اليوم، وقد أعلنت النتائج، نقف أمام حقيقة واحدة: الشعب العراقي بدأ يفقد صبره. التعب واضح على الوجوه. الناس ملت من الوعود المتكررة، من انتظار التعيينات الحكومية التي لا تأتي، من فرص العمل التي تتقلص بدلاً من أن تكبر، من البطالة التي تلتهم طموحات الشباب. العراقي اليوم لا يبحث عن رفاهية، بل يبحث عن حياة طبيعية، عن مستشفى يثق به، عن مدرسة محترمة لولده، عن شارع آمن، وعن دولة تحترمه.الهجرة أصبحت هاجساً يومياً. شباب يحلمون بالمغادرة، ليس لأنهم لا يحبون العراق، بل لأنهم لا يجدون مكانهم فيه. فكرة السفر باتت تتردّد على ألسنة الناس بطريقة مقلقة. العراقي لم يعد يريد الهجرة كترف، بل كطوق نجاة من واقع يزداد صعوبة. وهذا وحده جرس إنذار يجب أن يفهمه كل سياسي فاز بالانتخابات: إذا استمرت موجة الهجرة بهذا الشكل، سنفقد طاقات البلد قبل أن نفقد أعداده.
التعليم هو وجه آخر للأزمة. مدارس مزدحمة، جامعات تفتقر للدعم، مناهج لا تواكب الزمن، ومخرجات تعليمية لا توازي أحلام الشباب ولا حاجات السوق. كيف ينمو بلد من دون تعليم قوي؟ كيف نتوقع أن ينافس العراق دول العالم بينما أبناؤه يتخرجون ليجدوا أنفسهم بلا فرصة، أو ضمن بيئة عمل لا تقدّر ما تعلموه؟والصحة… هذا ملف آخر لا يقل الماً. مستشفيات بحاجة إلى تطوير حقيقي، تجهيزات ناقصة، كوادد مثقلة، ومرضى يضطرون للسفر خارج بلدهم للعلاج. العراقي اليوم يريد دولة إذا مرض يجد فيها علاجاً، وإذا تعب يجد فيها من يقف معه، وإذا فقد الأمل يجد من يعيده إلى الطريق. الصحة ليست رفاهية، بل حق أساسي.
ومع كل هذه التحديات، تبقى قضية التعيينات أبرز هموم الناس. سنوات طويلة مرّت والعراقي ينتظر “فرصة تعيين” كأنها حلم مستحيل. بلد غني مثل العراق يجب أن يوفّر فرص عمل حقيقية، لا أن يتحول مستقبل الشباب إلى ورقة سياسية أو وعد انتخابي.
ومن هنا، يأتي الخطاب الذي يجب أن يسمعه السياسيون الفائزون اليوم، خطاب من الشعب إليهم:
انتبهوا للناس. انتبهوا للشباب. انتبهوا لمن أوصلكم إلى مواقعكم. لا تجعلوا الفوز مقعداً، بل اجعلوه مسؤولية.العراقيون تعبوا. يريدون تغييراً حقيقياً، لا شعارات. يريدون أن يشعروا بأن الدولة تراهم، تسمعهم، وتعمل من أجلهم. يريدون دعماً للمشاريع الصغيرة، فرص عمل، دعم للقطاع الخاص، بنى تحتية حقيقية، تعليم وصحة محترمين. هذا ليس كثيراً على شعب قدّم ما قدّم، وصبر ما صبر.على السياسيين اليوم أن يتذكروا أن الفوز ليس نهاية الطريق، بل بدايته. هذه المرحلة تتطلب شجاعة مختلفة: شجاعة اتخاذ قرارات جريئة، شجاعة الاعتراف بالأخطاء السابقة، وشجاعة وضع مصلحة الناس فوق أي حسابات حزبية أو شخصية. العراق لا يتحمل المزيد من الدوران في نفس الحلقة.
وأخيراً.
العراقيون لا يريدون الهجرة. يريدون أن يبقوا في وطنهم، أن يعيشوا بكرامة، أن يروا مستقبلاً لأطفالهم هنا، على أرضهم. نحن نريد للبلد أن ينهض، أن يبتسم، أن يستعيد روحه. وهذه مسؤولية كل سياسي فاز قبل يومين: اثبتوا أن العراق يستحق الأفضل… وأن العراقي يستحق أن يعيش في وطن يحبه ويبقى فيه، لا أن يهرب منه.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

بعد رفض بغداد لتصريحات إيرانية.. كيف علق مسؤولون إيرانيون على الانتخابات العراقية؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أشادت السلطات الإيرانية بإجراء، الجمعة، بإجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، مقدمة التهنئة على نجاحها للسلطات والشعب العراقي، بعد أيام من رفض العراق ما وصفه بـ"تصريحات إيرانية رسمية" اعتبرها تدخلا في شؤونه الداخلية.

واعتبر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الجمعة، أن إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة في أجواء هادئة، إنجاز قيّم ومصدر لتعزيز مكانة وعظمة الشعب العراقي الصديق والشقيق. كما أعرب عن أمله في أن تتوسّع العلاقات والتعاون بين البلدين في المرحلة القادمة لتكون أكثر عمقا وتلاحما من ذي قبل في جميع المجالات.

جاء ذلك خلال اتصال إجراه مسعود بزشكيان، مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قدم فيه التهنئة للعراق، حكومة وشعبا، بمناسبة نجاح الانتخابات التشريعية السادسة في العراق بعد الغزو الأمريكي، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا".

وهنأ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، العراق حكومة وشعبا بمناسبة نجاح إجراء الانتخابات البرلمانية، مؤكدا على تطلع طهران لتعزيز علاقاتها مع بغداد.

وقال وزير الخارجية الإيراني عبر منشور على منصة "إكس"، تويتر سابقا: "أهنئ الشعب العراقي الشقيق وحكومته على نجاح إجراء انتخابات برلمانية آمنة وهادئة وناجحة".

وأضاف عراقجي أن "هذه الانتخابات تُعد خطوة مهمة لترسيخ مسار الديمقراطية في العراق والحفاظ على سيادة هذا البلد وأمنه"، حسبما نقلت عنه وكالة "إرنا".

وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق أعلنت، الخميس، أن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية السادسة، بلغت 56.11%، وأن تحالف محمد شياع السوداني جاء في المرتبة الأولى.

وتعتبر الانتخابات البرلمانية أهم انتخابات في العراق، إذ لا يقتصر دورها على انتخاب أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 329 نائبا فحسب، بل يُكلَّف البرلمان أيضا باختيار رئيس الجمهورية في أول جلسة برلمانية له، كما يُعهَد لرئيس الجمهورية بالإعلان في نفس الجلسة عن ترشيح رئيس الوزراء من بين الكتل البرلمانية التي حازت على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان لتشكيل الحكومة.

وبعد أن يختار رئيس الوزراء فريق حكومته، يتعيّن عليه تقديم وزراءه إلى البرلمان لنيل الثقة، وحال حصوله على تصويت الثقة من النواب، تنطلق الحكومة رسميا في أداء مهامها لولاية مدتها 4 سنوات.

ومن جانبه، هنأ علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، العراق بمناسبة إجراء الانتخابات البرلمانية، وقال إن إجراء "انتخابات حماسية ونزيهة وهادئة" في الأيام الأخيرة، مؤشر على النضج السياسي والاجتماعي للشعب العراقي وتعد بلا شك نموذجا قيما بين دول المنطقة.

ووصف ولايتي، الخميس، إجراء الانتخابات في العراق بـ"النصر الكبير وغير المسبوق في تقرير مصير بلاده ودوره المؤثر في مستقبل المنطقة"، حسبما نقلت عنه وكالة "إرنا".

وأردف علي ولايتي في بيانه أن ما أسماه بـ"الوجود المبارك لمراقد الأئمة الشيعة في العراق، هو مظهر على عمق إيمان وتعلق الشعب العراقي، وأن جميع الأعراق والمذاهب في العراق سواء الشيعة والسنة والأكراد، يبدون اهتماما خاصا في حماية حرم أهل البيت"، حسب تعبيره.

كما هنأ إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، العراق بنجاح انتخابات مجلس النواب، واعتبر بقائي أن زيادة مشاركة الشعب العراقي في انتخاب ممثليه المنشودين وإجراء الانتخابات بسلام أمران مهمان، معربا عن أمله "في أن تمهد هذه الانتخابات الطريق لمزيد من تعزيز التلاحم والأمن والتقدم في هذا البلد الصديق والجار".

وجاء ذلك بعدما قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إن "للانتخابات العراقية أهمية خاصة في تحديد مصير شعب هذا البلد، وأي تدخل أجنبي في هذه العملية مدان ومرفوض من قبل الشعب العراقي وحكومته والدول المسؤولة الأخرى"، حسبما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).

وأشارت وكالة "إرنا" إلى أن بقائي كان يرد على "سؤال حول العقوبات الأمريكية على البنوك والمؤسسات الشيعية في العراق والضغوط لإقصاء بعض الجماعات في الانتخابات العراقية".

وردا على ذلك، وصفت وزارة الخارجية العراقية تلك التصريحات الإيرانية الرسمية حول الانتخابات العراقية بأنها "مستفزة" وتشكل "تدخلاً واضحًا مرفوضًا في الشأن الداخلي".

وقالت وزارة الخارجية العراقية، الاثنين الماضي، إنها تابعت ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعیل بقائي، مٌعربة عن "استغرابها من هذا التصريح الذي تراه مُستفزًا ويُمثل تدخلا واضحًا ومرفوضًا في الشأنِ الداخلي العراقي، إذ إن العملية الانتخابية تُعد شأنًا وطنيًا خالصًا يَخضعُ لإرادة الشعب العراقي ومؤسّساته الدستورية حصرًا"، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع".

وبحسب النتائج الرسمية، شهدت الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2025 نسبة مشاركة بلغت حوالي 55% من الناخبين المسجلين، ما يعكس تزايد اللامبالاة والإحباط تجاه العملية السياسية في البلاد.

كما ساهمت مقاطعة زعيم التيار الشيعي العراقي مقتدى الصدر وحركته في انخفاض نسبة الإقبال.

ورغم ضعف المشاركة، تحمل الانتخابات أهمية إقليمية كبيرة، في ظل ضغوط أمريكية على العراق للحد من نفوذ الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، التي شارك بعض أعضائها في السباق الانتخابي.

مقالات مشابهة

  • بعد رفض بغداد لتصريحات إيرانية.. كيف علق مسؤولون إيرانيون على الانتخابات العراقية؟
  • مركز جنيف الدولي: الانتخابات البرلمانية في العراق انتكاسة جديدة لآمال الشعب
  • مستشار الأمن القومي العراقي يؤكد توازن بلاده في علاقاته مع دول العالم
  • رئيس الوزراء العراقي يعلن فوز ائتلافه بالانتخابات التشريعية
  • السوداني يدعو إلى رفع حظر الطيران العراقي من قبل الاتحاد الأوروبي
  • مجلس القضاء الأعلى العراقي يدعو للإسراع بتشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية
  • هل يصل التركمان إلى البرلمان العراقي؟
  • جوتيريش يهنئ الشعب العراقي على إجراء الانتخابات البرلمانية
  • الإطار الإيراني سعيد جداً على بقاءه جاثما على صدر الشعب