ما حكم إعادة تدوير النفايات والمخلفات المشتملة على بعض النجاسات؛ بغرض إعادة استخدامها والانتفاع بها مرة أخرى؟ سؤال ورد الى دار الإفتاء المصرية.

وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: إعادة تدوير النفايات والمخلفات المشتملة على نجاسة هي عملية تقوم بمعالجة هذه النفايات وتحويلها إلى عناصر ومكونات أخرى مختلفة الأوصاف والطبائع، ومن المقرر شرعًا أنّ الشيء إذا تغيرت حقيقته وتبدل وصفه إلى شيء آخر تغير حكمه تبعًا لذلك التغير، والصحيح من أقوال العلماء أن النجاسة إذا تحولت إلى مادة أخرى فإنها تطهر بذلك؛ لأن الشرع قد رَتَّب وَصْف النجاسة على حقيقةٍ بِعَيْنِها، فإذا زالت زال الوَصْف بزوالها، مع مراعاة الرجوع إلى أهل التخصص للتحقق من هذا التغيُّر، وللإفادة بمدى الضرر من استعمال المادة بعد تحولها من عدمه.

هل يجوز إعطاء زميلي في العمل من زكاة المال ؟.. الإفتاء: جائز الشروطهل أحصل على ثواب الأذكار حال ترديدها بعد خروج وقتها؟.. الإفتاء توضححكم الإجهاض في حالات تشوه الجنين ومراحل الحمل ..دار الإفتاء توضححكم تسمية شركة باسم البخاري.. الإفتاء توضح

اشتمال المواد المراد تدويرها على بعض النجاسات

اشتمال هذه المخلفات على بعض النجاسات، أو تنجسها باختلاطها بأشياء نجسة لا يمنع من مشروعية الاستفادة منها، وذلك بعد تدويرها وتحويلها إلى مواد جديدة مختلفة العناصر والتراكيب؛ لما تقرر في الفقه الإسلامي أن النجاسات إنما تطهر باستحالتها، والاستحالة: هي انقلاب الشيء من حقيقته إلى حقيقة أخرى، أو تغير الشَّيْء عن طبعه ووصفه إلى اسم ووصف غيره مع بقاء حاله؛ كما جاء في "المصباح المنير" للعلامة الفيومي (1/ 157، ط. المكتبة العلمية)، و"رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (1/ 327، ط. دار الفكر).

فإعادة تدوير المخلفات وتحويلها من حالة لا تصلح للاستخدام وهي عليها، إلى حالة نافعة يستفيد الإنسان منها: هي صورة من صور الاستحالة التي جاء بها التشريع الإسلامي وأباح بها الأشياء التي لم تكن مباحة من قبل استحالتها.

فقد تقرر شرعًا أنّ الشيء إذا تغيرت حقيقته وتبدَّل وصفُهُ إلى شيء آخر تغير حكمه تبعًا لذلك، فإن كان الشيء نجسًا أو مشتملًا على نجاسة وتغيرت حقيقته ووصفه إلى مادة أخرى بخصائص مختلفة فلا يبقى على نجاسته؛ كالخنزير والميتة إذا وَقَعَا في المملحة فَصَارَا مِلحًا، وروث الدواب والعذرة إذا احتَرَقَا فَصَارَا ترابًا أو رمادًا، وذلك كله كالخمر التي استحالت بنفسها وصارت خلًّا فإنها تكون طاهرة شرعًا باتفاق العلماء وإن وجد الكيميائيون فيها شيئًا أو نسبة من الكحول؛ لأن النجاسة حكم شرعيٌّ وليست حقيقة كيميائية، فلا يلزم من نجاسةِ مُركَّبٍ نجاسةُ بسائطه -عناصره المركب منها-؛ فإن النجاسات المجمع عليها كبول الإنسان وغائطه مركبةٌ من عناصر كيميائية قد توجد في الأشياء الطاهرة، بل في الطعام والشراب، وإنما جاءت النجاسة وحصل الاستقذار من التركيب المخصوص بالنسب المخصوصة؛ وذلك لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فكيف إذا انتفى الكل؟ لا شكَّ ينتفي الحكم.

بيان مدى طهارة المواد النجسة بعد إعادة تدويرها

المختار من أقوال العلماء أن النجاسة إذا تحولت إلى مادة أخرى على النحو السابق بيانه فإنها تطهر؛ لأن الشرع الشريف رَتَّب وَصْف النجاسة على حقيقةٍ بِعَيْنِها، وقد زالت، فيزول الوَصْف بزوالها، وقياسًا على مسألة الخمر المُتَخَلِّلَة، ولِنَظائر أخرى؛ منها: طهارة دم الغزال بِتحوُّلِه لِمِسْك، وطهارة العَلَقَة عند تحوُّلِها لمُضْغَة، ونحو ذلك، وهذا ما نص عليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد والظاهرية.

- فعند الحنفية:

قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 76، ط. الأميرية): [والأعيان النجسة تطهر بالاستحالة عندنا، وذلك مثل الميتة إذا وقعت في المملحة فاستَحَالت حتى صارت ملحًا، والعذرة إذا صارت ترابًا أو أحرقت بالنار وصارت رمادًا؛ فهي نظير الخمر إذا تخللت، أو جلد الميتة إذا دبغت؛ فإنه يُحكَمُ بطهارتها للاستحالة] اهـ.

وقال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 61، ط. دار إحياء التراث): [(و) يطهر (نحو الروث والعذرة بالحرق حتى يصير رمادًا عند محمد، وهو المختار) وعليه الفتوى؛ لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فكيف بالكل؟ ألا يُرَى أن العصير الطاهر إذا صار خمرًا يتنجس، وإذا صار خلًّا يطهر اتفاقًا، فعرفنا أن استحالة العين يستتبعه زوال الوصف المرتب عليها، وعلى هذا يحكم بطهارة صابونٍ صُنِعَ من زيت نجس] اهـ.

- وعند المالكية:

قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (1/ 188، ط. دار الغرب الإسلامي): [قاعدةٌ تُبَيِّنُ ما تقدم؛ وهي: أن الله تعالى إنما حكم بالنجاسة في أجسام مخصوصة، بشرط أن تكون موصوفة بأعراض مخصوصة مستقذرة، وإلا فالأجسام كلها متماثلة، واختلافها إنما وقع بالأعراض، فإذا ذهبت تلك الأعراض ذهابًا كليًّا ارتفع الحكم بالنجاسة إجماعًا؛ كالدم يصير منيًّا ثم آدميًّا] اهـ.

وقال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 97، ط. دار الفكر): [قال أبو إسحاق: فارة المِسك ميتة ويصلى بها، وتفسير ذلك عندي: أنها كخراج يحدث بالحيوان تجتمع فيه مواد ثم تستحيل مِسْكًا.. وإنما حكم لها بالطهارة؛ لأنها استحالت عن جميع صفات الدم وخرجت عن اسمه إلى صفاتٍ واسمٍ يختص بها فطهرت لذلك؛ كما يستحيل الدم وسائر ما يتغذى به الحيوان من النجاسات إلى اللحم فيكون طاهرًا] اهـ.

- وعند الحنابلة:

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 53، ط. مكتبة القاهرة): [تطهر النجاسات كلها بالاستحالة؛ قياسًا على الخمرة إذا انقلبت، وجلود الميتة إذا دبغت، والجلَّالة إذا حُبِسَت، والأول -أي: عدم الطهارة بالاستحالة فيما سوى الخمر- ظاهر المذهب] اهـ.

وقال الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (1/ 235، ط. دار الكتب العلمية): [العين النجسة الخبيثة إذا استحالت صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة، مثل: أن يصير ما يقع في الملَّاحة من دمٍ وميتةٍ وخنزيرٍ ملحًا طيبًا كغيرها من الملح، أو يصير الوقود رمادًا.. ونحو ذلك.. وهذا هو الصواب المقطوع به؛ فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم؛ لا لفظًا، ولا معنًى، فليست محرمة ولا في معنى المحرم، فلا وجه لتحريمها، بل تتناولها نصوص الحِل، فإنها من الطيبات، وهي أيضًا في معنى ما اتُّفِقَ على حِلِّهِ، فالنص والقياس يقتضي تحليلها] اهـ.

- وعند الظاهرية:

قال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى" (1/ 136، ط. دار الفكر): [إذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادًا أو ترابًا فكل ذلك طاهر، ويُتَيَمَّمُ بذلك التراب، وبرهان ذلك: أن الأحكام إنما هي على ما حكم الله تعالى بها فيه مما يقع عليه ذلك الاسم الذي به خاطَبَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فإذا سقط ذلك الاسم فقد سقط ذلك الحكم وأنه غير الذي حكم الله تعالى فيه، والعذرة غير التراب وغير الرماد، وكذلك الخمر غير الخل، والإنسان غير الدم الذي منه خلق، والميتة غير التراب] اهـ.

وبينت بناءً على ذلك: أن إعادة تدوير النفايات والمخلفات المشتملة على نجاسة هي عملية تقوم بمعالجة هذه النفايات وتحويلها إلى عناصر ومكونات أخرى مختلفة الأوصاف والطبائع، بحيث يمكن الاستفادة منها بعد إعادة تشكيلها إلى منتجات جديدة ذات فوائد بيئية واقتصادية تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

 وهذه العملية تعرف عند الفقهاء بـ"الاستحالة"؛ وهي: انقلاب الشيء من حقيقته إلى حقيقة أخرى، أو تغير الشَّيْء عن طبعه ووصفه إلى اسم ووصف غيره مع بقاء حاله، ومن المقرر شرعًا أنّ الشيء إذا تغيرت حقيقته وتبدل وصفه إلى شيء آخر تغيَّر حكمه تبعًا لذلك التغير، والصحيح من أقوال العلماء أن النجاسة إذا تحولت إلى مادة أخرى فإنها تطهر بذلك؛ لأن الشرع قد رَتَّب وَصْف النجاسة على حقيقةٍ بِعَيْنِها، فإذا زالت زال الوَصْف بزوالها، مع مراعاة الرجوع إلى أهل التخصص للتحقق من هذا التغيُّر، وللإفادة بمدى الضرر من استعمال المادة بعد تحولها من عدمه.

طباعة شارك الطهارة المخلفات إعادة تدوير إعادة تدوير المخلفات إعادة تدوير المخلفات المشتملة على نجاسة نجاسة النجاسات المواد النجسة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الطهارة المخلفات إعادة تدوير إعادة تدوير المخلفات نجاسة النجاسات إعادة تدویر المخلفات ف النجاسة على إلى مادة أخرى قال الإمام لأن الشرع ما حکم رماد ا

إقرأ أيضاً:

هل يجوز للمَرأة التزين وما حدوده؟.. أمينة الفتوى تجيب

أجابت هند حمام، أمينة الفتوى بدار الإفتاء، على سؤال حول المقدار المباح للمرأة في الزينة وضوابطه الشرعية، موضحة أن الشريعة الإسلامية راعت الفطرة التي خُلقت عليها المرأة، والتي تميل بطبيعتها إلى الجمال والزينة، مستشهدة بقوله تعالى: «أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ».

وأوضحت أمينة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حوار مع الإعلامية سالي سالم، ببرنامج "حواء"، المذاع على قناة الناس، اليوم الاثنين، أن الشرع أباح الزينة للمرأة لكن بضوابط، مبيّنة أن الزينة تنقسم إلى زينة ظاهرة وزينة مستترة. 
وأضافت أن الزينة الظاهرة هي ما كان في الوجه والكفين – وبعض الفقهاء أضافوا القدمين – وهي التي يجوز ظهورها أمام غير المحارم، ما دامت في حدود الاعتدال، أما الزينة المستترة فهي ما يكون في مناطق يجب سترها، كالزينة في الشعر وسائر الجسد، ويجوز أن يراها الزوج والمحارم والنساء مثيلاتُها فقط.

وأكدت أمينة الفتوى أن مقدار الزينة المباح يختلف بين المرأة المتزوجة وغير المتزوجة؛ فالشرع وإن كان قد أباح الزينة عمومًا، إلا أنه يتأكد ويقوى في حق الزوجة، وقد ينتقل من الإباحة إلى الوجوب الشرعي إذا كان برغبة الزوج، مراعاة لحقه ولحثّ الشريعة على حسن العشرة. واستشهدت بقول السيدة عائشة رضي الله عنها في جواز إزالة شعر الوجه للمتزوجة: «إن كان لكِ زوجٌ فاستطعتي أن تنزعي مقلتيكِ فتجعليهما أحسن فافعلي».

كما بيّنت أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سُئل عن خير النساء قال: «التي تسره إذا نظر»، موضحة أن معناه المرأة التي تتجمل وتتزين لزوجها وتُحسن معاملته، وهو ما يجعلها عونًا له في أمور دينه ودنياه، إذ يجتمع فيها حسن المظهر ولطف المعاشرة.

اقرأ المزيد..

هل التثاؤب أثناء الصلاة وقراءة القرآن من علامات الحسد؟.. عالم أزهري يجيب سمير جعجع: لبنان يعيش لحظة «خطيرة ودموية» برنامج «دولة التلاوة» يكرم الشيخ محمد رفعت.. هرم من أهرامات قراءة القرآن صوت من الجنة.. القاريء محمد الشناوي يبهر لجنة تحكيم "دولة التلاوة" (فيديو) "قبّل رأسه من عظمة صوته".. المتسابقون يتألقون بالحلقة الثالثة من "دولة التلاوة" (شاهد) أحمد كريمة: الخلافة الراشدة لم تكن حكمًا سياسيًا بل فترة دعوية بامتياز خبير أمني: رفض السيسي لتجاوزات الانتخابات "قنبلة" انفجرت لصالح النزاهة والشعب مساعد وزير الداخلية الأسبق: الرئيس السيسي حقق تنمية لم تحدث منذ 100 عام الطماطم بـ 3 جنيهات.. شعبة الخضروات تفجر مفاجأة عن الأسعار خبيرة أسرية: إجبار المرأة على الإنفاق يحوّل المشاركة إلى عبء يهدد الأسرة

مقالات مشابهة

  • رسائل سلوت قبل مواجهة سندرلاند: تدوير محسوب.. وصلاح يرحل في 15 ديسمبر
  • هل تجوز صلاة سنة الفجر بعد الفرض إذا فات وقتها؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز للمَرأة التزين وما حدوده؟.. أمينة الفتوى تجيب
  • سكرتير عام مساعد الدقهلية يترأس اجتماع لجنة مراقبة مشروع تدوير المخلفات الصلبة
  • سورة الحجرات .. اعرف الآداب الاجتماعية والأحكام المشتملة عليها
  • حكم نسيان ركعة في الصلاة.. الإفتاء: يجب إعادة الفرض كاملا في حالة واحدة
  • متحف جاير أندرسون ينظم ورشة للنسيج وإعادة تدوير الكليم
  • كنت مخطوبة وقولتله زوجتك نفسي واتجوزت غيره.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز إخراج زكاة المال وفق التقويم الميلادي ؟.. الإفتاء تجيب