جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-02@04:38:40 GMT

الكاذِب الصادق

تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT

الكاذِب الصادق

 

 

 

ماجد المرهون

[email protected]

 

 

تَشهد المُجتمعات الإنسانية ظواهر نفسية وعقلية كثيرة مما يُصنف كإصابةٍ مَرضية عند الإنسان وتقع بين العُصاب والذهان ويمكن علاج بعضها، فمنها ما هو معلومٌ واضِح الدلالة والتصنيف وقابل للتشخيص، ومِنها ما هو مُبهمٌ مشكوك بأمرهِ ولا يُمكن القطع به يقينًا لا سيَّما بعض الحالات النفسيةِ التي لا تظهر أعراضها على المُصاب بشكلٍ صريح، ولكن قد تظهر نتائجُها بعد فترة زمنيةٍ طويلةٍ من خلال مُمارسات صاحبها ولعل أبرزها في هذا المسار هي حالة الكاذب الذي يبلُغ به تقمُّص كِذبته مَبلغًا لتصديقها.

لا تظهر حالة الكاذب الصادق فجأةً أو من فراغ لأنَّ لها جذورٍ أودت بمُتقمصها في التحول من مُجرد مدعٍ لحدثٍ زائف إلى أسيرٍ لوهم حقيقةٍ حاكها عقلهُ في شكل من أشكال التطبيع المعرفي للكذب، فيحيا في عالمها مع جفاء الصراع الناشئ بين صانع الكذبة ودفاعات الوعي الرافضة، ولأن العقل الإنساني بطبيعته ينبذ الكذب إلا أن ذلك الرفض الأخلاقي يبدأ بالانحسار المُتذبذب إلى التراجع ثم التوقف مع سطوة الذاتِ الخادعة التي تُزين للكاذِب استمراءه للعملية، وبمرور الوقت تتخذ طريق القبول العقلي المُتدرج حتى يبدأ بتصديقها وتأهيل تحويلها إلى حقيقةٍ، لتظهر في النهاية على هيئةِ قصة أو حادثة كأنها واقعية.

غالبًا ما تنشأ هذه الحالة نتيجة تفاعل عوامل نفسيةٍ ودوافع ذاتية مُعقدة، وتبدأ معها الكِذبة بقصدٍ غير مُعلن يُهدف منه تحقيق مكسب وإصابة مصلحةٍ وإن كانت بسيطة كالظهور بصورة المثالية في نظر الآخرين، أو بهدف تجنُّب ضررٍ أو تفادي عقوبة، فتروق الكذبة لمُختلقها مع إضفاءِ بعض التدعيمات الواقعية كافتراض شخصيات أو مواقع وأزمنة يتضمنها السياق بُغية بناءٍ هيكل مُتماسك وإن كانت الهشاشة في باطنهِ إلا أن الصلابة في ظاهره تحول دون انهيار الكذبة وهو ما يعكس ذكاء هذه الشخصية، وهكذا تدعم المُفتريات بعضُها بعضًا في عملية تكثيف ذهني شديد نظرًا لرغبةِ العقل المُنساق كرهًا في تنسيق الأحداث لتبدو مُتَّسقة وموضوعية وقابلة للاستيعاب والتصديق، ومع الاستمرار واستمراء الأمر وتحييد دور العقل الرافض للتناقضات وتحقيق الكاذب مُبتغاه تنشط المُحفزات الهرمونية للسعادة الناتجة عن ذلك بمُكافئة صاحبها بالراحة النفسة المؤقتة وهي تشبه إلى حدٍ ما شعور المُنتصر في تحدٍ ما أو الفائز بمُسابقة، وهنا نجد التنافر الناشئ بين الحقائق الواقعية ونقائضها الوهمية قد بسَّطه دفاع الذات في الإنكار والتبرير اللاوعي والهادف إلى الفصل بين الإدراك المنطقي والاعتراف بالحقيقة.

لعلنا صادفنا في حياتنا صِنفًا أو مثالًا لشخصية الكاذب الصادق والأمثلةُ كثيرة، كحالة المُدمن على تعاطي مادةٍ ضارة أو ممارسةِ فعلٍ مكروه ومحرَّم مع التسويف في الإقلاع والترك، أو كالذي يُحدث بإسهابٍ عن قُدراته وإنجازاته مع أنها غير ملموسة واقعيًا، أو قد تكون في حقبةٍ غابِرة من الزمن ولا يوجد شاهد عليها، ومع تكرار تلك الأكاذيب يشرع صاحبها فعليًا بتصديقِ نفسه إن لم يجد له رادع بل ويذهب إلى أبعد من ذلك في اعتناق امتلاكهُ بالفعل لتلك القُدرات والإمكانات الهائلة وهو يقينًا ليس كذلك، وإنما يهرب من واقع تصالحه مع ذاتهِ إلى تدعيمها بتلك الأكاذيب حتى لا يعترف بأخطائه أو فَشله، وقد نجد في نفس السياق شخصا مسؤولا أو سياسيا بارزا أو رئيسًا لدولة استمرأ عملية الكذب بالتسلُّق على إنجازاتٍ سابقةٍ لا ناقة له فيها ولا جمل، ويحدث بالوعود القادِمة وقد تكون خيالية أو غير قابلة للتنفيذ حسب سياقات الواقع، فيبدأ بتصديقِ نفسه بعد مُدةٍ من الزمن ويتموضع في أيقونةٍ المثالية خصوصًا إذا كان مُحاطًا بمن لا يثنونه عن ذلك ويصفقون له ويسبغون عليه صفة الصادق الاستثنائي.

إن الكذب مهما تعددت أشكاله وتبهرجت ألوانه وتصنفت أغراضهُ وتعقلت أهدافه سيبقى في كُل زمانٍ ومكان صفةً سيئة ومن أقبح الصفات عند الإنسان إذ يظلم نفسه دون أن يشعر حتى يوصم به، ولا يقبله الحصيف صاحب الضمير الحي على نفسهِ مهما بلغ ما قد يتحقق له من مَنفعة، ولا أعتقد بوجود شريعةٍ أو قانون لم يحرمان ويستقبِّحان الكذب، وقد كان العربُ قديمًا وقبل الإسلام يُمجِّدون الصدق والكرم والشجاعة، وبما أن الصدق والكذب خيارين فإنهم لا يقبلون بالكذب إطلاقًا حيث ساد العرف بانتقاص مكانة الكاذب وينعكس ذلك الانتقاص على أمانته فيصيب حسب الرجل في مَقتلٍ وإن كان عريق النسب، فيُصبح ممقوتًا ذميم الصِفة ومنبوذًا، وبالطبع لن تستقيم خصلتا الكرم والشجاعةِ عند الكاذب.

الحقيقة أن الإنسان الكاذب الصادق قد حوَّل عقلهُ من أداة الرقيب الداخلي او الضمير إلى اداةٍ تدفع بالكذب والوهم سيدًا على الصدق والحقيقة واستحلال المُحرم، وهو ابعد ما يكون من السلام المُتصالح مع الذات، وليس الأمر مُجرد خطيئةٍ وحسب؛ بل شبه انهيار للوازِع القيمي الرابط بين ثقة المرء بنفسه وعلاقته بمُحيطه، ومُنزلقٍ بدأ بِقصة تضليل تحولت إلى رحلةِ ضلال قامت على أساس نقض الحلال.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الصقر عن أزمة أحمد عاطف: فوجئنا بتصريحاته.. وأخطأ في حق نفسه قبل المنتخب

علق أحمد حسن، مدير منتخب مصر الثاني، على موجة التصريحات التي أدلى بها المهاجم أحمد عاطف عقب استبعاده من قائمة الفراعنة المشاركة في بطولة كأس العرب 2025، مؤكدًا أن رد فعل اللاعب لم يكن مبررًا وأن الجهاز الفني تعامل معه باحتراف واحترام كامل.

 

وتنط

أحمد حسن يؤكد جاهزية منتخب مصر الثاني لكأس العرب 2025 أحمد صالح: تصريح "ربع محترف" غير مقبول من حسام حسن.. ويجب تعيين متحدث رسمي للمنتخب أحمد حسن يحسم الجدل: لا هروب لحجازي أو عبدالله السعيد.. وتصريحاتي حُرفت

لق بطولة كأس العرب في الأول من ديسمبر بمشاركة 16 منتخبًا، على أن تختتم في الثامن عشر من الشهر نفسه.

"تفاجأنا بما قاله.. ولم يكن له داعٍ"

وقال أحمد حسن، في تصريحات لقناة الكأس القطرية: "نحرص دائمًا على لاعبينا، واعتبرنا أحمد عاطف أخًا قبل أن يكون لاعبًا. لكن الحقيقة أننا تفاجأنا بكمّ التصريحات التي خرجت منه بلا أي داعٍ. كنا نريده معنا ومستمرًا مع الفريق".

وأكد أن الجهاز الفني لم يتعامل مع اللاعب كحالة مستبعدة نهائيًا، بل كان ضمن حسابات الاستبدال في حال حدوث إصابات.

وجود بديل جاهز.. وخطة واضحة للاستبدال

وأضاف حسن:"لدينا لاعب آخر هو إسلام سمير من الاتحاد السكندري، كان متواجدًا معنا في المعسكر، ولو حدثت إصابة لكان الاستبدال أمرًا طبيعيًا. كرة القدم مليئة بالمفاجآت".

وكشف مدير المنتخب عن جلسات مطولة حاول فيها الجهاز الفني احتواء اللاعب:"كابتن حلمي طولان قبل رأسه صباحًا وقال له: أنت معنا مثل أي لاعب. ووضحنا له أن مروان حمدي معنا منذ ثلاثة أشهر في كل المباريات والمعسكرات، ولم نُقصر معه على الإطلاق".

وأشار حسن إلى أن خروج اللاعب للتصريحات دون الرجوع للجهاز الفني كان تصرفًا غير احترافي:"لم يُسِئ للمنتخب، بل أساء لنفسه. تصريحاته تؤثر على زملائه وعلى المنتخب ككل".

ووصف حسن ما حدث بأنه ناتج عن قلة خبرة وحزن طبيعي، موضحًا أن الجميع جلس مع اللاعب لشرح الصورة له قبل سفر البعثة.

"بقاؤه وسط اللاعبين لم يعد مناسبًا"

وتابع:"بعد تصريحاته الأخيرة، كان من الصعب بقاءه وسط زملائه. حاولنا إخراجه بصورة جيدة، لكن الأمور خرجت عن السيطرة".

"كل شخص يتحمّل نتيجة تصرفه"

وختم مدير المنتخب حديثه برسالة واضحة:"ما حدث قد حدث. تعاملنا معه بأفضل طريقة، لكن في النهاية كل إنسان يتحمل نتيجة تصرفاته".

مقالات مشابهة

  • بلال قنديل يكتب: نظرية المؤامرة
  • من العار إلى وجع الفراق.. «موت الأب».. تراجيديا أبدية في عالم الدراما
  • الصقر عن أزمة أحمد عاطف: فوجئنا بتصريحاته.. وأخطأ في حق نفسه قبل المنتخب
  • ‎”‎أوبك+” تقر تمديد اتفاق الإنتاج حتى نهاية 2026 وتعتمد آلية جديدة ‏للتقييم
  • حين تتحول السلبية إلى أسلوب حياة
  • لبنان بين نار الجبهة الجنوبية وبرودة الدبلوماسية
  • شرعنة القتل بين جنين ورفح وبيت جن
  • أسعار تذاكر حفل "الفن الصادق" في ساقية الصاوي
  • بسبب ظروفه المادية الصعبة.. شاب يشـعل النار في نفسه بالإسكندرية