سالم بن محمد بن أحمد العبري
حين وطأت قدماي مصر في 14 يونيو 1968، كانت نكسة يونيو 1967، قد أناخت بكلكلها على جمال عبد الناصر استشعارًا منه للمسؤولية، وربَّما لشعور داهمه بأنها نهاية أجله قد حانت، ففجرّت كل عِلل العصر بجسده الضخم المتحمّل الذي لم يكن يومًا ينوء بحمل الجبال، إلّا أنه تداعى أمام هجمة الأمراض؛ لكن اجتماعيًا لم تهزّ النكسةُ الزعيم جمال عبد الناصر، ولم تزحزحه قيد أنملة عن قناعاته القومية ومبادئه الإنسانية، لقد ظل رجلا إِمَامًا أو خليفةً أو زعيمًا، لم تنل هزيمة يونيو من أفكاره في مُقاومة الاستعمار، ولم تحنِ له هامة.
ولأنَّ الدولة المصرية ظلت قوية في عهده- رغم الهزيمة- فلم يتأثر مستوى معيشة مواطنيها، ولم تتعرّض مستحقاتهم المعيشية للنقص؛ بل لم تُمس مطلقًا، ورغم تناقص الدعم المادي الإسناديّ الذي كانت تقدمه مصر لمعظم بلدان العالم العربي ودول أفريقيا والدول الإسلامية على السواء في سائر المعمورة مثل المنح التعليمية المجانية، والمعونات الاقتصادية؛ إلا أنّ السياق الاجتماعي في مصر بقي كما هو؛ فشواطيء الإسكندرية والمصائف الأخرى ظلّت مكتظة بالبشر؛ فلا ترى ذرات الرمال إلا من بين أقدام المصطافين من سائر المحافظات المصرية، ولا تستطيع التفرقة بين الرجال والنساء إلا بالتمعن في ملابس البحر.
وفي تلك الأيام كنَّا ندرس في مصر، وكان زميلنا (سليمان) لا يترك لنا هدوءًا لنأخذ قسطاً من الراحة والنوم؛ حيث كان رفيقًا للمحطات الإذاعية، ويطلق صوت الراديو عن آخره، وكأننا في مطعم (علي بابا)، وحين نطالبه بخفض الصوت يتهمنا بعدم الفهم لأغنيات (أم كلثوم كوكب الشرق)، ويؤكد لنا- إمعانًا في المكايدة منه- أننا لم نبلغ من النضج لنسمع قصائد مثل: الأطلال أو هذه ليلتي... إلخ.
وكان (وليد) زميل دراستنا يناغي، فتاتين في العمارة غرب المدرسة، وكانتا تسهران سويًا في شرفة شقتهم بالدور الثاني في البناية التي يسكنها الفنان الشهير (إسماعيل يس)، ويظل صاحبنا متحفزًا وعلى وَجَلٍ لا يقرّ له حال، ولا يستقرّ له بال. وكان صاحب مقام وحظوة لدى الفتاتين، وكما يبدو من أحواله يحادثهما بلغة الإشارة، ويحركهما بإشارة من أصابع يده وكأنَّه يمسك بعصا مايسترو يقود جوقة كبرى كالسنباطي أو بليغ حمدي؛ حيث ترى ذراعيه وكفيه وأصابعه تتلوى يمينًا وشمالًا، وصعودًا ونزولًا. فما إن تضرب لغة الإشارة بينهم الموعد، نرى أبا خالد مسرعًا للذهاب لموقع المواعدة، وقد تزين وجهه بابتسامة الرضا، كمن أصاب الهدف في المرمى؛ فيأخذ طريقه إلى شارع محمد مظهر، أما الفتاتان فتسلكان شارع أحمد حشمت حتى إذا ما وصلا إلى الشارع الفاصل بين السفارة الجزائرية والمدرسة الابتدائية التي أجرينا بها اختبار الوافدين في أكتوبر 1968 ينحنيان يسارًا ثم يميلان يمينًا ليستمر المسير بهما إلى شارع البرازيل امتداد محمد مظهر، ثم ينحرفوا شرقًا ويعبروا معًا أو فُرادى شارع 26 يوليو وهو امتداد للشارع الذي سُمي بيوم إعلان الجمهورية بعد إلغاء الملكية بعد ثورة يوليو بأربعة أيام، فإذا ما تعاقدت الأيدي وتناغمت الحركات وتفتحت القلوب، وبدأ البشر بنشر ملامحه على وجه أبي خالد وفتاتيه وتوقفت عجلات الأوتوبيس (الحافلة) رقم 888، في محطته والذي سيأخذهم إلى وسط البلد حيث (سينما ريفولي)، و(مطعم بامبو). أما وجبة العشاء فقد كانت تحلو على أنغام الموسيقى ودسّ بعض اللقيمات في فم بعضهم البعض، ثم تنتهي الفسحة بثلاثة مقاعد في السينما لمشاهدة فيلم (أبي فوق الشجرة) أو فيلم من بطولة (نجاة الصغيرة وحسن يوسف)؛ لكننا لن نجد أبا خالد في الليل عائدًا إلى شقته، ولن نعرف كيف قضى أمنيات تلك الليلة البهجية.
أما إنْ كان يوم الخميس وقد أرخى الليل سدوله وبعد أن ترخّص ابن جمعة من دراسته بالكلية، فلا نكاد نراه أو يُريح نفسه بِسِنَةٍ من نوم ما بين الظهيرة والمغرب، فما إن ينتهي من دوامه التعليميّ في أدراج المدرسة، حتى يلقي بحقيبته المدرسية ليركض إلى شارع أبي الفداء فيعقد يده بيد السمراء ابنة البواب ويطوفان معًا بشارع أبي الهدى ثم المنتزه.
وهما لم يكونا الحبيبين الوحدين؛ بل الكل يتمثله ويقتنص فرصة الحديث مع الصديقة الخطيبة، وإذا عدت بكم خطوات إلى ما بعد شارع 26 يوليو أي شارع (الجبلاية) الذي يبدأ من رأس كُبري (جسر) الزمالك؛ حيث يحفظك غربا فرع النيل الديربي، وشرقا جامع الزمالك، فإذا توكلت به جنوبا وقد جنّ مساء المغرب ويتبعه الليل وجدت الغرام يتنزّل في ظلمة الليل، والمنارات بضوئها الخافت فيهتك الظن كل سِتر واستطال الغرام بأرض الحب غير الممنوع، فترى الفتاة قد انثنت على ذراع فتاها فتظنهما توأمين ملتصقين، وتسمع الحديث الهامس يثني الخطوات والضحك يشبِّب بعض المارة، وقد يزعج البعض الآخر، وترى آخرين قد أعياهم المشي فاختاروا مكانًا على جانب النهر تفصلهم عنه أمتار أسفل الحاجز ومسلك المحبين وقد وَفَّرَ الشجر الكثيف جنة للمحبين؛ فالهمس لغة الرغبة، والحديث يعلو أحياناً حين يزحف التخطيط للمستقبل وتريد الفتاة أن تتعجَّل الخطوبة والزواج، بينما الشاب يريد مهلةً لتهيئة الأسرة لتحظى فتاته التي تعرّف عليها في الجامعة أو المتنزه أو العمل بالقبول، ويتسع التخطيط لمستقبل غير معلوم، وصولا إلى السكن فهو يريد أن يبقى ببيت الأسرة حتى يمكنهما الحصول على شقة، وهي تنوي إقناع أبيها به.
ويذهب الشوق بهما بعيدًا إلى لحظة ولادة طفلتهما الأولى، ويأخذهما الخيال الشاطح فيتناقشان حول اسمها: فتسأله فتاتُه ماذا نسمي أول مولودة لنا: فيجيبها: (فاطمة). فترد عليه معترضة: لا، سنسميها (نانسي)؛ فينبهر من اقتراحها لهذا الاسم الأجنبي غير المألوف ولا يمت لهما بصلة، ويقول: دعينا نسميها (هيام) فقالت بجواب الموافقة: آهٍ يعبر عن حبنا. فقال لها: نعم وأنت تعلمين أنه اسم المطربة الشهيرة (هيام يونس)، فردّت والبشرى تُزين وجهها وإن كان أول مولود الحب ولد ماذا سنسميه. قالت دون إبطاء: (فيصل). فقال: لا، سنسميه: (جمال أو ناصر)، وبعد حوار بين المحبين حول الشخصيتين. يقول سنسميه (خالد) فقالت: نعم اختيار موفق. سيُخلِّد حبنا وجذبت رأسه إليها بشغف (كُثَيِّر عزة) وقبَّلت الأولى في الوجنة اليمنى وأردفت الثانية بالوجنة اليسرى، ونادى: وقبلتها تسعا وتسعين قبلة وواحدة أخرى ويثنيها على حجره، ويتبعها بقبلة في الوجه ويلثم ثغرها وهي تكاد تذوب في حضنه، وقال: هيا نذهب قد يستبطيء أهلك عودتك وقصدا شمالا إلى شارع 26 يوليو ومحطة الباصات بُعيد الجامع، والكاتب لا يكاد يلحق بهما ولعل إضافات القصة لا تفوته.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نشرة منتصف الليل| شروط حجز شقق الإسكان.. والقاهرة تدرس تشغيل السيارة بديل التوك توك
شهدت ليلة أمس الأحد، العديد من الأحداث المهمة، على الصعيدين المحلي والدولي، وكان أبرزها ما يأتي:
التقديم بعد ساعات.. شروط حجز شقق الإسكان التعاوني وأماكن الوحدات
تبدأ الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، إجراءات حجز 253 وحدة سكنية، وتحديدا خلال الفترة من 1 إلى 25 ديسمبر 2025.
وأكدت الهيئة أن كراسات الشروط ستكون متاحة في مقر الهيئة في 3 ش سمير عبد الرؤوف – امتداد مكرم عبيد – مدينة نصر أو بمقر فرع الهيئة بمحافظة السويس بالعنوان حي فيصل – تعاونيات الدلتا – عمارة 7 – شقة 4، مقابل 500 جنيه للكراسة.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا:
مصدر بمحافظة القاهرة: ندرس تشغيل السيارة بديل "التوك توك"
قال مصدر مسؤول بمحافظة القاهرة، إن المحافظة تدرس تشغيل السيارة بديلة التوك توك في مختلف أحياء العاصمة.
وأضاف المصدر، في تصريحات لمصراوي، اليوم الأحد، أنه حتى هذه اللحظة لم يتم اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا:
رئيس التأمينات: المعاشات سترتفع تدريجياً لـ80% من آخر راتب وفقًا للقانون الجديد
أكد اللواء جمال عوض، رئيس الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية، أن القانون الجديد للتأمينات والمعاشات، الذي بدأ تطبيقه منذ خمس سنوات، يهدف إلى تحقيق زيادة تدريجية في قيمة المعاشات، بحيث يمكن أن تصل إلى 80% من آخر راتب للمؤمن عليهم الذين أتموا مدة الاشتراك الكاملة.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا:
محمود سعد: "كارثة الغش" تهدر أموال التعليم.. الدروس الخصوصية نتيجة حتمية لفشل المنظومة
علق الإعلامي محمود سعد على المشكلات الأخيرة التي شهدتها المدارس من تحرش وتنمر وإهانة للمدرسين.
وقال محمود سعد خلال بث مباشر عبر صحفته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": إنه غالباً ما يجري حوارات مع أطفال يعملون في ورش ومحال ومطاعم خلال أيام الدراسة، وعند سؤال هؤلاء الأطفال عن ذهابهم للمدرسة، تكون الإجابات صادمة، "مش دايماً بنروح المدرسة وبننجح بالغش".
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا:
العظمى بالقاهرة 23 درجة.. الأرصاد: غدًا طقس معتدل نهارًا مائل للبرودة ليلا
توقع خبراء هيئة الأرصاد الجوية، أن يسود غدًا الاثنين، طقس معتدل الحرارة نهارًا على أغلب الأنحاء، مائل للحرارة على جنوب الصعيد، بينما يسود طقس مائل للبرودة في أول الليل بارد في آخره وفي الصباح الباكر على أغلب الأنحاء.
وبالنسبة لحالة البحر المتوسط تكون خفيفة إلى معتدلة وارتفاع الموج من متر إلى 1.75 متر والرياح السطحية جنوبية غربية إلى شمالية غربية.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا:
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
شقق الإسكان السيارة بديل التوك توك الهيئة العامةفيديو قد يعجبك
محتوى مدفوع
أحدث الموضوعاتإعلان
أخبار
المزيدإعلان
نشرة منتصف الليل| شروط حجز شقق الإسكان.. والقاهرة تدرس تشغيل السيارة بديل "التوك توك"
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
من نحن اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
22 12 الرطوبة: 30% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي من نحن إتصل بنا إحجز إعلانك سياسة الخصوصية