لجريدة عمان:
2025-12-02@04:40:39 GMT

نظرة على النظام العالمي الصاعد

تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT

نظرة على النظام العالمي الصاعد

يعيش العالم لحظات تاريخية لا يتسنى لكل الأجيال أن تشهدها، حالة من الصعود والهبوط والتعقيد والغموض، لحظة يدخل فيها النظام العالمي «المتداعي» إلى ما يمكن تسميته بلحظة «التعب». القوى التي قادت القرنين الماضيين، من لندن الصناعية إلى واشنطن ومن بعدها بكين، تكتشف أن المحركات القديمة فقدت قدرتها على الدفع، وأن طريق «النهوض السريع» الذي عرفه العالم منذ الثورة الصناعية يكاد يُغلق.

طوال مائتي عام تقريبا، كان التاريخ يتحرك وفق منطق واضح؛ دول تفتح مصانعها، وتُعيد تشكيل مجتمعاتها، وتلتحق بركب القوة عبر التصنيع، والجيش، والتوسع. هذا المنطق أنتج حروبا عالمية وإمبراطوريات استعمارية وحربا باردة؛ لكنه كان يقوم دائما على فكرة وجود قوة صاعدة في الأفق، تطرق باب النظام القائم وتزعزع موازينه. لكن هذه الفكرة تتآكل اليوم بشكل واضح جدا.

الإنتاجية تتباطأ في معظم الاقتصادات الكبرى، والمجتمعات تشيخ قبل أن تُنهي بناء اقتصادات عادلة ومتوازنة. لم تعد فكرة الغزو مجدية جدا أو مغرية في هذه اللحظة التي يعيش فيها العالم ثورة المعرفة والبرمجيات. الصين، التي قيل إنها «وريثة حتمية» للهيمنة الأمريكية، محاصرة بمزيج من ديون هائلة، وأزمة عقار، وتحديات ديموغرافية وتعليمية. الولايات المتحدة بدورها أقل ثقة وأكثر انقساما، وأوروبا واليابان وروسيا تتقدم في العمر أسرع مما تجدّد قاعدة إنتاجها.

في المقابل، يقف جزء كبير من الجنوب العالمي ـ من إفريقيا إلى بعض مناطق الشرق الأوسط ـ عند مفارقة صعبة؛ الكثير من الشباب بلا عمل، وديون ثقيلة بلا مقابل تنموي حقيقي، ودول تتعرض لضغط الهجرة، وتغيّر المناخ، وسلاسل إمداد هشة، من دون شبكة أمان اجتماعي أو مؤسسي كافية.

هذا الركود في قمة النظام لا يعني هدوءا في الأطراف.. على العكس، القوى المتراجعة تميل تاريخيا إلى المغامرة العسكرية لتأجيل الاعتراف بتراجعها. ما فعلته روسيا في أوكرانيا نموذج على عقلية تستعيد الهيبة بالقوة حين تستنفد أدوات النفوذ الأخرى. الخطر أن تنجذب قوى أخرى إلى المنطق ذاته، وأن تتحول مناطق التوتر المفتوحة ـ من شرق أوروبا إلى شرق آسيا ـ إلى ساحات اختبار لقوى متعبة تبحث عن انتصار رمزي.

في الوقت نفسه، تتعرض الديمقراطية الليبرالية لضغط عميق من الداخل. اتساع فجوة اللامساواة، وضمور الطبقات الوسطى، وتآكل الثقة في المؤسسات، وصعود الشعبويات القومية في أوروبا وأمريكا، كلها إشارات إلى أن النموذج الذي قدّم نفسه لعقود باعتباره أفقا عالميا، يواجه أزمته الخاصة. ومع انكماش شرعية هذا النموذج، تتراجع أيضا شرعية النظام الدولي الذي بُني حوله؛ فتضعف المؤسسات متعددة الأطراف، وتتقدم الحمائية، ويصبح «التحالف» أقرب إلى صفقة عابرة منه إلى التزام طويل المدى.

لكن غياب القوى الصاعدة لا يعني غياب الأدوار؛ بل يعني العمل على إعادة تعريف القوة ذاتها. عندما تتعب المراكز الكبرى، تزداد قيمة الأطراف القادرة على إنتاج الاستقرار، وبناء الجسور، وتوفير ممرات آمنة للتجارة والطاقة، واقتراح صيغ جديدة للتعايش في منطقة مثقلة بالتوترات.

النظام العالمي الراهن لا يمنح أحدًا ضمانات جاهزة، لكنه يفتح مساحة لخيارات جديدة.. إما أن نقرأ لحظة الركود هذه بوصفها نهاية زمن الصعود فقط، فننغلق وراء حدودنا ونكتفي بمراقبة تصدعات العالم؛ أو أن نفهمها كبداية زمن آخر، يصبح فيه الاستقرار وبناء الإنسان، وتوسيع دائرة العدالة الاجتماعية، أدوات قوة لا تقل وزنا عن حاملات الطائرات. وفي هذه المنطقة يمكن أن يتحدد موقع كل دولة من النظام العالمي القادم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النظام العالمی

إقرأ أيضاً:

بين حصار لا ينتهي وموت بطيء .. الحقيقة التي يحاول العالم تجاهلها في غزة

في قطاع غزة اليوم، تتحوّل الحياة إلى اختبار يومي للبقاء، حيث يعيش السكان تحت حصار متواصل، ومعاناة متراكمة، وسياسات قاسية تمارس بشكل ممنهج، من قبل العدو الصهيوني، ما يُعانيه الفلسطينيون ليس مجرد تداعيات العدوان، ولا أضراراً جانبية للعدوان، بل خطة واضحة لإخضاع المجتمع وإبقائه في حالة إنهاك دائم، من نقص الغذاء والدواء، إلى تدمير البنية التحتية والمستشفيات، ومن المعابر المغلقة إلى التهجير القسري للمدنيين، كل عنصر من عناصر الحياة اليومية في غزة أصبح أداة ضغط، بينما الوعود الدولية بتحسين الوضع الإنساني تبقى حبراً على ورق.

يمانيون / تحليل / خاص

 

هذا التحليل يستعرض الواقع القاسي على الأرض من خلال رصد مباشر للتنكيل والإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون، وتداعيات السياسات المطبقة على المجتمع في كل من غزة والضفة الغربية، كما يوضح كيف تتحوّل هذه السياسات إلى تفكيك ممنهج للجغرافيا والمجتمع، واستنزاف للقدرة على الصمود أو المقاومة، وتحويل الفلسطيني إلى نسخة منهكة من نفسه.

 

الواقع يكشف خطة منظمة لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتحويل حياته إلى صراع يومي للبقاء

غزة ليست مجرد مدينة محاصرة، ولا مجرد قطاع يتعرض لإبادة ووحشية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً،  إنها مختبر للقسوة الممنهجة على المدنيين، حيث تُدار الحياة اليومية بآليات الضغط والإرهاب النفسي والجسدي، ما يشهده السكان ليس عشوائياً، بل هو نتيجة سياسة واضحة لإبقاء الفلسطيني عاجزاً، منكسراً، ومرهقاً إلى أقصى حد ممكن.

 

وقفات الإنسانية الموعودة .. وعود بلا أثر

اتفاقات وقف إطلاق النار المتكررة لم تُحسّن الواقع الإنساني، بل أعادت إنتاجه بشكل أكثر إيلاماً، المعابر الإنسانية المفتوحة بشكل محدود لا تكفي لتوصيل المياه، الدواء، أو الوقود،  والمستشفيات تعمل على الشظايا، والطواقم الطبية تنهار تحت ضغط مستمر، والمرضى يموتون بلا علاج متوفر، والحياة اليومية هنا تحولت إلى سلسلة من الاختبارات القاسية للبقاء، بدل أن تكون حياة.

 

التنكيل بالمدنيين

في رفح ومناطق أخرى، ظهرت مشاهد التحقير والإذلال التي لم تعد أحداثاً فردية، بل مؤشراً على سياسة منظمة لإخضاع المجتمع، المحتجزون يُسحلون، يُعرضون، يُهانون أمام الكاميرات، بينما يُترك المدنيون يعيشون في رعب دائم من أي تحرك أو اعتراض.
هذه السياسة  أداة تحكم قصوى، جسد الفلسطيني كوسيلة لإرهاب النفس الجمعي، وفي الضفة الغربية، امتداد نفس الاستراتيجية، لا تختلف الصورة، من اغتيالات منتظمة للأسرى والمحررين، واعتقالات عشوائية مستمرة، وتوسع استيطاني يفتت الأرض والفكر، وتقسيم المجتمع إلى مناطق معزولة عن بعضها، بهدف إنتاج مجتمع عاجز عن المقاومة المنظمة أو الحياة الطبيعية، مجزأ جغرافياً ونفسياً.

 

تفكيك المجتمع

السياسات التي يطبقها العدو الصهيوني في غزة والضفة تعمل وفق منهجية خبيثة تهدف إلى إرهاق السكان اقتصادياً بالبطالة، ونقص الخدمات، وتوقف تام لمشاريع البنية التحتية، وتجويع نفس المجتمع المنهك الموجوع بنقص الغذاء والماء والدواء، وتفكيك الجغرافيا إلى كانتونات معزولة، وطرق مقطوعة، ومناطق مغلقة، وإبقاء أبناء غزة في إرهاق نفسي دائم،  الخوف من القصف، والاعتقال، والتنكيل .

النتيجة هي مجتمع يعيش وهو غير قادر على الانفجار، حيث تحوّل كل يوم إلى اختبار للصبر على الألم، وليس لإعادة بناء حياة طبيعية.

 

التأثير العميق على الحياة اليومية

أطفال يموتون بسبب نقص الأدوية، نساء يقطعن أميالاً بحثاً عن ماء صالح، رجال يسهرون في انتظار المعابر، شوارع تتحوّل إلى مقابر صامتة، ومستشفيات تتكدس بالمصابين بلا علاج.
كل هذه التفاصيل تكشف حقيقة مؤلمة وواضحة، أن القسوة ليست نتيجة العدوان الصهيوني فقط، بل سياسة ممنهجة لإضعاف المجتمع وإبقائه تحت السيطرة المطلقة.

 

 كشف الحقيقة واجب لا يمكن تأجيله

غزة اليوم ليست مجرد مشهد للمعاناة المستمرة، بل أرض تجارب للقسوة والإخضاع اليومي، والحقائق على الأرض تصرخ، من السياسات الصهيونية التي تحاول تحويل الفلسطيني إلى نسخة منهكة من نفسه، لكن الإنسانية تبقى شاهدة، وصرخة الحقيقة لا يمكن كتمها.

مقالات مشابهة

  • في اليوم العالمي لمكافحة الإيدز.. ما هي المصاعب التي تواجه المرضى في العالم العربي؟
  • دوبلانتيس وماكلافلين أفضل رياضيين في ألعاب القوى 2025
  • تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. الرياض تستضيف المؤتمر الدولي لسوق العمل في نسخته الثالثة يناير المقبل
  • السجل المثالي يمنح دوبلانتيس وليفروون جائزة الأفضل في ألعاب القوى
  • تعرف إلى طائرة إيرباص إيه 320 التي أربكت حركة الطيران في العالم
  • التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة بالبلاد
  • دول العالم الثالث التي حظر ترامب استقبال المهاجرين منها:
  • بين حصار لا ينتهي وموت بطيء .. الحقيقة التي يحاول العالم تجاهلها في غزة
  • وصول الخبير العالمي أوفه هون لبدء معسكر منتخب الرمح.. وحاتم فوده: سنواصل دعم لاعبينا