من زيروكس بارك إلى آبل.. قصة ميلاد الحوسبة الشخصية
تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT
في وادي السيليكون، حيث يلتقي الابتكار بالرؤى المستقبلية، يبرز مختبر الأبحاث "زيروكس بارك" (Xerox PARC) كأحد أبرز المعالم في تاريخ التكنولوجيا.
وتأسس هذا المختبر كفرع بحثي لشركة "زيروكس" (Xerox)، التي كانت تسيطر على سوق آلات النسخ، ولكنه سرعان ما تحول إلى مركز للابتكارات التقنية التي شكلت عصر الحوسبة الشخصية.
ومن خلال تقنيات، مثل النوافذ الرسومية والفأرة والتفاعل البصري مع الحواسيب، أرسى المختبر أسسا للعالم الرقمي كما نعرفه اليوم.
عصر ما قبل الحوسبة الشخصيةفي ستينيات القرن الـ20، اخترع دوغلاس إنغلبارت، الباحث في "معهد ستانفورد للأبحاث" والرائد في مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب، أول فأرة حاسوب، ووضع أول مفهوم لواجهة المستخدم الرسومية.
وشكلت هذه الابتكارات أساسا لعالم الحوسبة الشخصية، ولكنها تتجاوز المجال البحثي، ولم تتحول إلى منتج تجاري حينها.
وبعد بضع سنوات، اعتمد "زيروكس بارك" على هذه الأبحاث من أجل إنشاء أول واجهة مستخدم رسومية في العالم لجهاز الحاسوب الشخصي "زيروكس ألتو" (Xerox Alto).
وقبل هذا التاريخ، كانت الحواسيب عبارة عن أجهزة كبيرة الحجم يقتصر وجودها على الشركات الكبرى والمؤسسات العلمية، وتعتمد على أوامر نصية معقدة للتوجيه.
ومع ذلك، لم تستثمر الشركة ما حققه "زيروكس بارك" تجاريا، مما فتح الباب أمام ستيف جوبز، مؤسس شركة "آبل"، الذي استوحى منها ليطور أجهزة الحواسيب الشخصية.
سيطرت "زيروكس" على سوق آلات النسخ الورقية منذ عام 1959، وحققت براءة اختراع تطوير تقنيات النسخ، وما نتج عنها من احتكار، أرباحا كبيرة للشركة على مدى العقد التالي.
وفي أواخر الستينيات، ومع انتهاء صلاحية العديد من براءات الاختراع الرئيسية، كانت "زيروكس" تفقد سيطرتها على الصناعة التي أنشأتها.
إعلانوواجهت منافسة شرسة من شركات يابانية مختلفة بدأت ببيع آلات نسخ أبسط وأقل تكلفة وأسهل استخداما وأقل حاجة للصيانة.
وفي أعقاب ذلك، رأت "زيروكس" في صناعة الحاسوب الناشئة فرصة سانحة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، اقترح جاك غولدمان، كبير علماء شركة "زيروكس"، إنشاء مختبر علمي.
وظهر "زيروكس بارك" عام 1969، وافتتح رسميا عام 1970 بالقرب من "جامعة ستانفورد"، التي أبدت التزامها بالمشاريع التعاونية بهدف تطوير المنطقة المحيطة بالجامعة، المعروفة الآن بوادي السيليكون.
وبخلاف مختبر أبحاث الشركة في نيويورك، الذي ركز على تحسين وتوسيع أعمالها في مجال آلات النسخ، كان "زيروكس بارك" يهدف إلى الريادة في مجال الفيزياء المتقدمة، وعلوم المواد، وعلوم الحاسوب.
واعتمد نجاحه على فريقه من الباحثين الذين أوجدوا ثقافة تعاونية أدت إلى ابتكارات غيرت وجه العالم، وشكلت اختراعاته معايير لمعظم صناعة الحوسبة لفترة طويلة.
واستقطب المختبر نخبة من الباحثين مثل، روبرت تايلور، الذي قاد التطوير المبكر لشبكة "أربانت" (ARPAnet)، وآلان كاي، رائد البرمجة الكائنية التوجه وواجهات المستخدم الرسومية، وديفيد بوغز، رائد شبكات الحاسوب والمخترع المشارك لشبكة "إيثرنت".
وطور تقنيات عديدة، بما في ذلك طابعات الليزر، وشبكات الحاسوب المحلية، والرسومات النقطية الحاسوبية، والحاسوب الشخصي، وواجهة المستخدم الرسومية، والبرمجة الكائنية التوجه، والورق الإلكتروني، وفأرة الحاسوب.
وفي عام 1973، اخترع جهاز "زيروكس ألتو"، وهو أول حاسوب شخصي تضمن فأرة وواجهة مستخدم رسومية قبل عقد من طرح أجهزة واجهة المستخدم الرسومية في السوق.
وأتاحت هذه الواجهة التفاعل مع الحاسوب من خلال العناصر الرسومية، بدلا من الطريقة الشائعة المقتصرة على كتابة أوامر نصية في واجهة سطر الأوامر.
وبعد 3 عقود من عمله كقسم تابع لشركة "زيروكس"، تحول المختبر العلمي عام 2002 إلى كيان مستقل. وفي 2023، تبرعت "زيروكس" بالمختبر إلى "معهد ستانفورد للأبحاث".
في أواخر عام 1979، كانت "آبل" تستعد لطرح أسهمها للاكتتاب العام، وأغرى هذا "زيروكس" التي عرضت شراء أسهم في "آبل" مقابل منح ستيف جوبز إمكانية رؤية تقنيات "زيروكس بارك" المخفية.
وفي تلك اللحظة، كانت "زيروكس" تقايض مستقبلها لقاء حصة في شركة ناشئة، دون أن تدرك إمكانات الاختراعات التي تمتلكها، مع فشلها في تسويقها وتحويلها إلى منتجات واستغلالها تجاريا.
وهنا جاء دور جوبز، الذي شاهد خلال الزيارة جهاز "زيروكس ألتو" بواجهته الرسومية، التي أثارت إعجابه وأدرك أهميتها.
ومع أن التقنيات التي شاهدها جوبز لم تكن مثالية ولم تكن مكتملة، فإنه استطاع تمييز الفرصة التجارية الكامنة، متجاوزا التركيز التقني الذي سيطر على مطوري "زيروكس بارك"، الذين رأوا الحاسوب كأداة متطورة للمكاتب، في حين رأى جوبز فيه منتجا استهلاكيا جماهيريا.
وسرعان ما عاد جوبز إلى "آبل" مطالبا فريق أجهزة الحواسيب الشخصية بتغيير مسار مشروعي "ليزا" (Lisa) و "ماكنتوش" (Macintosh)، اللذين كانا قيد التنفيذ، حيث فرضت هذه الزيارة على الفريق إحداث تغيير جذري في التقنية لتناسب السوق الجماهيري.
إعلانوفي عام 1983، وصل جهاز "ليزا"، الذي كان حاسوبا مزودا بواجهة رسومية، إلا أنه وقع في نفس فخ "زيروكس ستار" (Xerox Star) الذي طرح عام 1981، حيث عانى من ارتفاع السعر ومحدودية خيارات البرمجيات، مما أدى إلى فشله تجاريا.
وبعد هذا الفشل، ركز جوبز اهتمامه على "ماكنتوش"، الذي كان يمثل عملية إعادة بناء فلسفية وتقنية للواجهة الرسومية، مع التركيز على السهولة والوصول.
واتخذ فريق "ماكنتوش" قرارا بتقليل التكلفة، وتبسيط التجربة، مع طرح الجهاز عام 1984 بسعر جعله في متناول الجميع مقارنة بجهاز "ليزا".
وتميز "ماكنتوش" بواجهة مستخدم رسومية وفأرة بزر واحد، وألهم الشركات لتحذو حذوه وطور أنظمة تشغيل قائمة على واجهة المستخدم الرسومية، التي أصبحت معيارا عالميا لكل حاسوب مستقبلا.
ولولا جهاز "ليزا"، لما كان جهاز "ماكنتوش" نفسه قائما على واجهة المستخدم الرسومية، حيث اشترك كلا الجهازين في تقنيات رئيسية، وكان جهاز "ليزا" بمنزلة حجر الأساس لجهاز "ماكنتوش".
من المختبر إلى العالم الرقمي الحديثكان فأرة "زيروكس بارك" تتمتع بـ3 أزرار، في حين أراد جوبز تطويرها وتحويلها إلى منتج تجاري رخيص وقوي وسهل الاستخدام يتضمن زرا واحدا فقط، ونتيجة لذلك، أعادت "آبل" تصميم الأنظمة الميكانيكية والكهربائية.
وينطبق الشيء نفسه على واجهة المستخدم الرسومية، حيث استبدلت "زيروكس بارك" سطر الأوامر بالأيقونات عبر الشاشة، ولكن "آبل" طورتها من خلال السماح بتكبير النافذة وتحريكها عبر الشاشة، كما اخترعت شريط القوائم والقائمة المنسدلة وسلة المهملات، وهي ميزات بسطت فكرة "زيروكس بارك".
وكشفت هذه الاختلافات عن ضرورة تحويل النماذج الأولية إلى سلع استهلاكية قابلة للإنتاج بكميات كبيرة، حيث فشلت "زيروكس" في تنفيذ الخطوة الأخيرة من هذه العملية، أي التسويق، وهي الخطوة التي نجحت فيها "آبل".
وظلت اختراعات "زيروكس بارك" إنجازا أكاديميا حتى استشرف جوبز مستقبل هذه التقنيات. وما عجز قادة "زيروكس" عن استيعابه لسنوات، أدركه جوبز خلال ساعات، حيث فهم هذه التقنيات وقيمتها أكثر مما فهمها أي مسؤول تنفيذي في "زيروكس" بعد سنوات من عرضها عليه.
ختاما، لم تستطع "زيروكس" مواكبة السوق الجديدة، في حين تمتعت "آبل" بالمرونة والمبادرة لأخذ الأفكار وتحويلها إلى منتج ناجح تجاريا، حيث ابتكر إنغلبارت الفأرة، وأثبت "زيروكس بارك" جدواها، وطورتها "آبل" وحولتها إلى منتج ناجح تجاريا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات إلى منتج
إقرأ أيضاً:
عمار بن حميد: الثاني من ديسمبر ميلاد وطن موحّد
أكّد سموّ الشيخ عمار بن حميد النعيمي، ولي عهد عجمان، رئيس المجلس التنفيذي، أنّ الثاني من ديسمبر يوم عظيم في مسيرة دولة الإمارات، شهد ميلاد الاتحاد، وارتفع علم الدولة عالياً خفاقاً بين الأمم.
ورفع سموّه، في كلمة بهذه المناسبة، أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وسموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، وإخوانهم أصحاب السمو الشيوخ أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، وإلى شعب دولة الإمارات والمقيمين على أرضها.
وقال سموّه: «في هذا اليوم، نستذكر جيل الآباء المؤسسين وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيب الله ثراه»، الذي لم يكن مجرد قائد يؤمن بوحدة الأرض، بل كان رجلاً يرى في الاتحاد مصيراً لا خياراً، وتلاقت رؤيته مع حكمة إخوانه حكّام الإمارات الذين آمنوا بأن الاتحاد قوة، فكانت وحدتهم منارةً لنا جميعاً، فعملوا معاً بإصرار وعزيمة، وصنعوا من الحلم واقعاً شامخاً بات مثالاً يُحتذى على المستوى العربي والعالمي».
وأضاف سموّه أنّ احتفالنا بعيد الاتحاد الـ 54 أبلغ صور الوفاء والتقدير للمغفور له الشيخ زايد وجيل الآباء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فوحّدوا القلوب قبل الأرض، ورفعوا راية الإمارات خفّاقة بالعزّة والكرامة.
وقال سموّه: «لم يكن التحدّي في فكرة الاتحاد فقط، بل في صمودها وبقائها، وتثبيت أركانها في زمن كانت فيه الإمكانيات شحيحة، والأولويات ملحّة، لكن الإيمان بالوطن كان أقوى من كل العقبات، فقد أدرك المؤسسون بحكمتهم أنّ بناء الإنسان هو حجر الأساس، وهو ما ميز مشروع الاتحاد منذ يومه الأول».
وأوضح سموّه أنَّ قيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حافظت على وصية المؤسسين، فصانت الاتحاد، ورسّخت ثوابته، وواصلت العمل الدؤوب لبناء مواطن واعٍ، معتزّ بهويته، متسلّح بالعلم، منفتح على العالم، وقادر على حمل مسؤولية الوطن في الحاضر والمستقبل.
وقال سمو ولي عهد عجمان، إنّ الإمارات اليوم ليست فقط دولة متقدمة، بل مدرسة في الإدارة والإنسانية والاستدامة وصناعة الأمل، وهي حاضنة للمواهب، وملاذ للطامحين، ونموذج يُلهم المنطقة والعالم، وكل ذلك ثمرة الرهان الصادق على الإنسان الذي وضعه زايد أساساً، ثم واصل القادة من بعده في بنائه وتمكينه.
أخبار ذات صلةوأضاف سموّه، «في هذا اليوم المجيد نقف إجلالاً أمام سيرة الاتحاد، ونجدد عهد الولاء للوطن وقيادته، ونحيّي ذكرى رجال صنعوا المجد، ونعاهد أنفسنا أن نظل الأمناء على الحلم، أوفياء للأرض، شركاء في المسيرة».
وختم سموّ ولي عهد عجمان كلمته بالدعاء أنْ يحفظ الله الإمارات ويديم عزّ اتحادها، وأن تبقى رايتها عالية شامخة، سائلاً الله أن يجعل هذا الوطن دائم الخير والرخاء.
المصدر: وام