عراقجي في أوروبا.. دبلوماسية حذرة ومرونة استراتيجية
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
2 دجنبر، 2025
بغداد/المسلة:
محمد صالح صدقيان
???? تشكل جولة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأوروبية، التي شملت هولندا وفرنسا الأسبوع الماضي، محطة متقدمة في مسار يهدف إلى محاولة تصحيح العلاقات الإيرانية – الأوروبية، وذلك غداة إعادة فرض العقوبات الأممية ضد إيران عبر آلية “سناب باك” في أيلول/سبتمبر الماضي، الأمر الذي أدى إلى تجدد التوتر السياسي النووي، إقليمياً ودولياً.
مع تزايد الضغوط الأميركية
والإسرائيلية على إيران وحلفائها في الإقليم، يُمكن قراءة زيارة عباس عراقجي كمحاولة إيرانية لإعادة رسم خطوط الحوار مع أوروبا كبديل عن الاعتماد الكلّي على الشرق. هذه الزيارة لم تأتِ بناءً على رغبة إيرانية، وإنما جاءت استنادًا إلى دعوة فرنسية لتصحيح مسار العلاقات بعد الجهود التي بذلتها الترويكا الأوروبية لتفعيل آلية “سناب باك” واستصدار قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للطلب من إيران التعاون بشكل أكبر مع الوكالة. من جانبها، تعمدت طهران انتهاج استراتيجية عدم إغلاق أي نافذة تخدم مصالحها واستغلال المنصات الدولية لتعزيز موقفها الأخلاقي والسياسي، مع التركيز على قضايا إنسانية لتخفيف الضغط النووي. هذا النهج ليس مجرد رد فعل دفاعي، بل يعكس تحولًا في الدبلوماسية الإيرانية نحو “الدبلوماسية المتعددة الأبعاد”، حيث تجمع بين الضغط والحوار للحفاظ على مصالح الإيرانيين في ظل عزلة اقتصادية متزايدة يدفع ثمنها كل الشعب الإيراني.
في هولندا، حيث حضر عراقجي الدورة الثلاثين لمؤتمر الدول الموقّعة على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية “OPCW” في لاهاي، تم تسليط الضوء على الهجمات الكيميائية التي تعرضت لها إيران خلال الحرب مع العراق (1980-1988)، وبخاصة في سردشت. ويسعى عراقجي من خلال ذلك إلى تقديم صورة إيران كضحية تاريخية في مواجهة الأسلحة الكيميائية، مما يُعزّز شرعية خطابها في مواجهة الاتهامات النووية الحالية.
هذا الاستحضار ليس عفويًا؛ إذ يأتي في وقت تتهم فيه طهران إسرائيل بعدم الالتزام بالمعاهدات الدولية، مستخدمةً (OPCW) كمنصة للضغط على أوروبا لتحمل مسؤولياتها التاريخية.
باريس.. وسيط أيضاً!
في باريس، حيث التقى عراقجي بنظيره جان نويل بارو يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني، لوحظ أنه تم التركيز على الملف النووي كعنصر مركزي في الدبلوماسية الإيرانية. فرنسا كقوة نووية رئيسية وشريك سابق في الاتفاق النووي الموقع عام 2015، تمثل جسرًا محتملاً لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي انهار بعد انسحاب أميركا دونالد ترامب منه في العام 2018.
ويعكس هذا اللقاء محاولة إيرانية لفصل المسار الأوروبي عن الأميركي، وتعميق الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع طهران.
ومع تزايد التقارير عن تقدم إيران في تخصيب اليورانيوم، يسعى عراقجي إلى تقديم صورة مطمئنة لبرنامج بلاده النووي السلمي، مقابل رفع العقوبات، مما يشير إلى استراتيجية “المرونة الاستراتيجية” التي تسمح باستئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دون التنازل أو التفريط بالسيادة الإيرانية.
وبالإضافة إلى الملف النووي، تبرز القضايا الإنسانية كورقة تفاوضية، ومنها مناقشة مصير الطالبة الإيرانية مهدية إسفندياري، التي أطلق سراحها بشكل مشروط في باريس بعد أن تم اعتقالها بسبب توزيعها منشورات معادية لإسرائيل، وكذلك الحال مع مواطنين فرنسيين محاصرين في طهران، وهذه كلها تُشير إلى إمكانية إبرام صفقة تبادل أسرى بين الجانبين.
بدورها، تسعى فرنسا للعب دور الوسيط، في الوقت الذي تعيش ضغوطًا متزايدة من قبل واشنطن وموسكو على خلفية خطة السلام الأوكرانية التي أبرمها الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. وليس من الواضح هل تريد باريس أن تلعب في الوقت الضائع بالورقة الأميركية، وبخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية النصفية التي قد تغير المعادلة الداخلية في الخريف المقبل.
الضغوط الإسرائيلية
على المستوى الأوسع، تمثل جولة عراقجي محاولة لإعادة توازن القوى في الشرق الأوسط، حيث تواجه إيران تحديات اقتصادية جراء العقوبات، مع تزايد الاعتماد على روسيا والصين؛ في حين ترى أوروبا في إيران شريكًا محتملاً للاستقرار الإقليمي، وبخاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والسيطرة على الهجرة، لكن الخلافات حول حقوق الإنسان والملف النووي تعيق التقدم في هذه العلاقات.
ويسود اعتقاد أن زيارة عراقجي إذا نجحت في إبرام اتفاقات جزئية، مثل تسهيل التعاون النووي أو تبادل المعتقلين؛ قد تفتح أبوابًا أمام إعادة إحياء المفاوضات الأميركية – الإيرانية النووية المحتملة، ما يؤدي إلى تخفيف التوترات مع إسرائيل ويمنع أيضًا التصعيد العسكري. ومع ذلك، فإن هذا المسار يواجه تحديات كبيرة وأبرزها الضغوط الإسرائيلية التي ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا، الأمر الذي قد يدفع تل أبيب إلى تنفيذ عمليات سرية ضد البرنامجين النووي والصاروخي، كما حدث في الهجمات السابقة على منشآت نطنز وفوردو. كما أن السياق الإقليمي، مع النزاعات المستمرة في كل من سوريا ولبنان، يجعل أوروبا حذرة من الاقتراب الزائد من طهران، خوفًا من فقدان التحالف مع واشنطن.
في هذا الإطار، يُمكن اعتبار الزيارة اختبارًا لفعالية الدبلوماسية الإيرانية في ظل إدارة الرئيس مسعود بزشكيان، التي وعدت بـ”التفاعل البنّاء” مع العالم. فإذا نجحت تكون طهران قادرة على دفع أثمان الانفتاح من دون التنازل عن حقوقها السيادية وأولها حق التخصيب النووي السلمي؛ وإن فشلت، تزداد العزلة، مما يدفع إيران نحو تحالفات أكثر صلابة مع موسكو وبكين، وهو سيناريو يعتقد الغرب أنه يُهدد التوازنات الدولية.
وفي هذه الأثناء، تؤكد المصادر الدبلوماسية أن طهران وواشنطن تبادلتا الرسائل مؤخرًا بشأن إمكانية استئناف المفاوضات، “وأن التغريدة التي كتبها أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني باللغة الإنكليزية الأربعاء الماضي تمثل جوابًا لمقترحات استلمها لاستئناف المفاوضات”.
لاريجاني قال إن إيران مستعدة للدخول في مفاوضات جادة ولا تقبل مفاوضات صورية تكون نتائجها محددة سلفًا حسب مقاسات الطرف الآخر، مشيرًا إلى “أن الأميركيين يحاولون تصوير أنفسهم كمحور كل تغيير عالمي، لكن هذا نوع من خداع الذات”.
هذه المصادر تعتقد أن المرحلة المقبلة قد تشهد تطورات بهذا الشأن، لكنها حذّرت من السلوك الإسرائيلي الذي يريد الإجهاز على أي جهود للمصالحة من خلال التأزيم والتوتر الذي يلجأ إليه في المنطقة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
هل تندلع مواجهة جديدة بين إيران و”إسرائيل”؟
#سواليف
نقلت إذاعة “كان” العبرية، عن ما وصفته بالمصدر الأمني في #جيش_الاحتلال، أن هناك محاولات إيرانية متزايدة لتعزيز قدراتها العسكرية ونفوذها الإقليمي، محذّرًا من تسارع عمليات التسلّح في #طهران تحسّبًا لهجوم إسرائيلي محتمل.
وزعم المصدر أن #إيران تعمل على إعادة بناء قدرات #جماعة_أنصار_الله في #اليمن، وتنفذ عمليات تهريب أسلحة إلى الضفة لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
وادعى أن طهران تُعيد تزويد #حزب_الله في لبنان وتنظيمات مسلّحة في سورية بالسلاح استعدادًا لعمل عسكري محتمل ضدّ “إسرائيل”.
مقالات ذات صلةوقال المصدر ذاته إن إيران تدرك أن الاحتلال سيحتاج إلى التحرّك بعد 31 كانون الأول/ ديسمبر في لبنان، وهو الموعد الذي حدّدته واشنطن لنزع سلاح حزب الله. وأضاف أن طهران توجد في سباق تسلّح مقلقٍ للأجهزة الأمنية لدى الاحتلال.
وأوردت إذاعة “كان” تقارير مفادها أن طهران بدأت خطوات جديدة لاستعادة نفوذها في صنعاء، من بينها إعادة عبد الرضا شهلائي، القائد البارز في فيلق القدس والمسؤول سابقًا عن الساحة اليمنية.
وأشارت إلى إيران تعمل على إرسال خبراء من الحرس الثوري ومن حزب الله ليعملوا مستشارين جهاديين لدى أنصار الله، في محاولة لملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلّفه اغتيال حسن نصرالله وقاسم سليماني.
ولفت التقرير إلى ما وصفه بـ”توسع” التحركات الإيرانية ضد الاحتلال في الخارج، مشيرا إلى إعلان الموساد مؤخرًا أنه أحبط، بالتعاون مع أجهزة استخبارات أوروبية، خلايا خطّطت لاستهداف إسرائيليين ويهود في دول مختلفة. ووفق التقديرات الإسرائيلية، تعمل عشرات الخلايا في أوروبا وأفريقيا ومناطق أخرى على محاولة تنفيذ هجمات تحت رعاية إيرانية.