كاتب أميركي: هذه قصة إخفاق الديمقراطيين التاريخي في ملف غزة
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للكاتب بن رودس انتقد فيه بشدة سياسة الحزب الديمقراطي الأميركي تجاه إسرائيل وقطاع غزة في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
ووصف تلك السياسة بأنها "إخفاق تاريخي" في فهم تحولات الشرق الأوسط وتغير مزاج الرأي العام في الولايات المتحدة، وفشل في اتخاذ مواقف مبدئية تتسق مع قيمهم المعلنة حول حقوق الإنسان والديمقراطية.
وانطلق الكاتب في مقاله من مشهد جو بايدن وهو يحتضن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للجنائية الدولية، بعد أيام من هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، معتبرا إياها تجسيدا لنهج ممتد داخل الحزب يقوم على تزويد إسرائيل بدعم غير مشروط بدافع الرغبة في التأثير على سلوكها، وهو ما أثبت عُقمَه أخلاقيا وسياسيا.
ووصف رودس -الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما– إستراتيجية بايدن المعروفة بـ"احتضان بيبي" (في إشارة إلى لقب نتنياهو) بأنها أفرزت نتائج كارثية.
واستطرد قائلا إن من نتائج تلك الإستراتيجية أن الولايات المتحدة زودت إسرائيل بكميات هائلة من الأسلحة لقصف قطاع غزة، واستخدمت حق النقض (الفيتو) ضد وقف إطلاق النار، ودافعت عن نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتجاهلت سياساتها الخاصة بشأن وحدات متهمة بارتكاب جرائم حرب.
ويرى الكاتب أن هذه السياسة كشفت "نفاق" الديمقراطيين وتناقضاتهم مع خطابهم عن النظام القائم على القواعد، ومبادئ المساواة والعدالة، وأضعفت موقفهم أمام الناخبين الشباب، وسمحت لنتنياهو بأن يستثمر الدعم الأميركي لصالح تحالفه مع الرئيس دونالد ترامب، مما صب في مصلحة اليمين العالمي الصاعد.
وأشار المقال إلى أن محاولة الديمقراطيين "طمس" ما حدث في غزة من الذاكرة ستفاقم الخطأ، ذلك لأن الواقع لا يمكن تجاهله، فقطاع غزة تحول إلى أنقاض، وحركة حماس لا تزال موجودة، في حين تواصل إسرائيل سياسات الضم في الضفة الغربية وتتصاعد معها هجمات المستوطنين على الفلسطينيين.
محاولة الديمقراطيين "طمس" ما حدث في غزة من الذاكرة ستفاقم الخطأ، ذلك لأن الواقع لا يمكن تجاهله؛ فقطاع غزة تحول إلى أنقاض، وحركة حماس لا تزال موجودة، في حين تواصل إسرائيل سياسات الضم في الضفة الغربية وتتصاعد معها هجمات المستوطنين على الفلسطينيين
وفي المقابل، يميل الواقع السياسي داخل إسرائيل بشدة نحو اليمين المتشدد، بحيث لم يعد سقوط نتنياهو من سدة الحكم يبدو كافيا على ما يبدو لتحقيق تحول جذري.
إعلانوفي مواجهة هذه التطورات، يعتقد رودس أن الوقت قد حان لكي يكسر الديمقراطيون إرثا من دعمهم الحكومات الإسرائيلية اليمينية، وأن يسترجعوا رؤية تتّسق مع مبادئ الحزب وأولوياته الداخلية والخارجية.
واستعرض المقال جذور العلاقة التاريخية بين الديمقراطيين وإسرائيل، منذ رؤية الزعيم الصهيوني لويس برانديس الذي دعم جهود المستوطنين إبان الحرب العالمية الأولى، إلى اعتراف الرئيس الأميركي هاري ترومان بدولة إسرائيل بعد مذبحة اليهود (الهولوكوست)، وصولا إلى تحالف اليهود الأميركيين مع حركة الحقوق المدنية، والدور الذي لعبته دولة الاحتلال كحليف ديمقراطي أثناء الحرب الباردة.
لكن تلك السردية -كما يقول الكاتب- لم تعد تنسجم مع واقع الاحتلال والضم، وتوسّع المستوطنات، وانهيار فكرة حل الدولتين، ذلك الاحتلال الذي تعززه قوة اليمين الإسرائيلي.
ويركز المقال على تجربة إدارة أوباما، حيث ضغطت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) على الرئيس لضمان عدم وجود فاصل" بينه وبين نتنياهو، رغم أن الأخير كان يهاجم أوباما باستمرار، خاصة بشأن حدود الدولة الفلسطينية والاتفاق النووي مع إيران.
وبرأي رودس، فقد تحولت خطب الديمقراطيين خلال تلك المرحلة إلى "صيغة جوفاء" تُستخدم في واشنطن، ولا علاقة لها بالواقع على الأرض.
ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، انجذب نتنياهو إليه، ورحبت به جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل آيباك، كما يقول الكاتب مضيفا أن الديمقراطيين احتفوا باتفاقات أبراهام، رغم أنها تجاهلت الفلسطينيين ولم تنه أي صراع.
وأردف قائلا إن الحزب الديمقراطي درج على استخدام عبارات من قبيل أن "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" و"لها الحق في الدفاع عن نفسها"، وأن على السلطة الفلسطينية أن "تُصلح" نفسها و"أن تكون شريكا موثوقا به للسلام" لتحقيق مبدأ "دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن".
ومع أن الكاتب يرى أن مثل تلك العبارات لا غبار عليها، إلا أنه يصفها بأنها تبدو لغة "محنّطة" منذ ما بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993.
أما محاولة إدراج لغة تنتقد الاحتلال في برنامج الحزب الديمقراطي عام 2020 فقد رُفضت، وفقا للكاتب، مما أكد أن مقاومة السياسات الإسرائيلية ليست خيارا مقبولا داخل أروقة الحزب.
وانتقد رودس السلوك الإسرائيلي بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقال إنه كان متوقعا، منوها إلى أن ذلك تجلى في تصريحات عنصرية تصف سكان غزة بـ"الحيوانات البشرية"، وقطع الماء والغذاء، والقصف الكثيف، واستخدام الحرب لمصالح سياسية داخلية.
وأوضح أن أغلبية الإسرائيليين كانت تؤيد صفقة لإنهاء الحرب مقابل إطلاق الأسرى، لكن نتنياهو فضّل استمرار القتال لحماية ائتلافه. وفي الوقت ذاته، ضخّت أيباك أموالا للحزب الجمهوري من أجل إسقاط مشرعين ديمقراطيين في الكونغرس ينتقدون سلوك إسرائيل.
واعتبر المقال أن التحجج بـ"إرهاب الفلسطينيين" لتبرير كل السياسات الإسرائيلية بات غير مقبول، إذ لا يمكن لدولة الاحتلال أن تستخدم هجمات حركة حماس مسوغا للقصف العنيف لمخيمات النازحين، ولا للتهجير المتواصل في الضفة الغربية.
إعلانويحمّل رودس الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن منع دخول المساعدات، وتجاوز قوانين الحرب، وتدمير معظم قطاع غزة، وهي حقائق دفعت منظمات حقوقية وأكاديميين وهيئات أممية إلى اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية باستخدام أسلحة أميركية.
ويؤكد المقال أن الناخبين الأميركيين -بمن فيهم اليهود- باتوا أكثر انتقادا لإسرائيل، فثلث الديمقراطيين فقط يحملون نظرة إيجابية لها مقابل 73% عام 2014، و77% من الديمقراطيين يرون أن إبادة جماعية وقعت في غزة. كما بدأت معارضة داخل الحزب تتشكل ضد الدعم العسكري، ودعا عشرات النواب للاعتراف بدولة فلسطينية.
ويطرح الكاتب خريطة طريق للحزب الديمقراطي تتضمن وقف المساعدات العسكرية لحكومة ارتكبت جرائم حرب، ودعم المحكمة الجنائية الدولية، ومواجهة أي محاولة للضم أو التطهير العرقي، والاستثمار في قيادة فلسطينية بديلة، والدفاع عن الديمقراطية من دون تمييز بين إسرائيل والولايات المتحدة نفسها.
طرح الكاتب خريطة طريق للحزب الديمقراطي تتضمن وقف المساعدات العسكرية لحكومة ارتكبت جرائم حرب، ودعم المحكمة الجنائية الدولية، ومواجهة أي محاولة للضم أو التطهير العرقي، والاستثمار في قيادة فلسطينية بديلة، والدفاع عن الديمقراطية من دون تمييز بين إسرائيل والولايات المتحدة نفسها
وفي تقديره أن المخاوف من خسارة دعم المتبرعين مبالغ فيها، إذ استمر معظم اليهود الأميركيين في التصويت للديمقراطيين رغم محاولات الجمهوريين استغلال إسرائيل كورقة انتخابية.
ويختتم رودس مقاله بالدعوة إلى قيادة ديمقراطية تملك الشجاعة، وضرب مثالا بعمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني الذي اكتسب ثقة الناخبين لأنه أظهر قناعات مبدئية، بعكس خصمه أندرو كومو الذي بدا متزلفا أثناء دعمه لنتنياهو.
وفي نظره أن إستراتيجية "احتضان بيبي" كشفت أن الطريق الذي يبدو آمنا يمكن أن يكون الأكثر خطورة، وأن على الديمقراطيين الاعتراف بعصر الاستبداد وصعود اليمين المتطرف، وأن يُظهروا استعدادا للتضحية دفاعا عن المبادئ الأخلاقية التي يدّعون تمثيلها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات إلى أن
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تتهم اليونيفيل بتسريب معلومات حساسة لحزب الله وتلوح بتوسيع العمليات
أعرب الجيش الإسرائيلي -اليوم الأحد- عن قلقه مما وصفه بتسريب قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) معلومات عسكرية واستخباراتية حساسة إلى حزب الله، وفق ما ذكره مسؤول عسكري رفيع.
وأشار المسؤول إلى أن "اليونيفيل تعتبر قوة مزعزعة" ولا تسهم في نزع سلاح حزب الله، مشيرا إلى أن وجودها يقيد حرية عمل الجيش الإسرائيلي ويثير القلق من احتمال تسرب صور لأنشطة القوات لحزب الله.
وأكد أنه كلما أسرعت اليونيفيل في مغادرة المنطقة وإنهاء أنشطتها، كان ذلك أفضل.
هذا القلق الإسرائيلي يأتي بعد أن كشفت القناة الـ13 الإسرائيلية -في وقت سابق- عن أن الجيش عرض على المستوى السياسي خطة لتوسيع العمليات ضد حزب الله مع انتهاء مهلة الإدارة الأميركية.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن إسرائيل أبلغت الحكومة اللبنانية عن طريق الإدارة الأميركية خلال الأيام الأخيرة أنها إذا لم تعمل ضد حزب الله، وتسحب سلاحه، فإنها ستوسع من هجماتها.
رفض الوصايةمن جانبه، شدد حزب الله على تمسكه بحق لبنان في رفض أي تدخل أجنبي يسعى لفرض الوصاية على البلاد، أو تقييد صلاحيات السلطات الدستورية.
وفي رسالة وجهها إلى بابا الفاتيكان الذي يزور لبنان اليوم، قال الحزب إنه متمسك بالعيش المشترك وبالديمقراطية التوافقية وبالسعي للحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي للبنان.
وجاء في الرسالة المنشورة أمس السبت عبر منصات الحزب على مواقع التواصل "إننا في حزب الله ننتهز فرصة زيارتكم الميمونة إلى بلدنا لبنان.. لنؤكد، من جهتنا، تمسّكنا بالعيش الواحد المشترك".
وأكد الحزب تمسكه "بالوقوف مع جيشنا وشعبنا لمواجهة أي عدوان أو احتلال لأرضنا وبلدنا"، معتبرا أن ما تقوم به إسرائيل في لبنان "هو عدوان متماد مرفوض ومدان".
وختم الحزب رسالته بالقول "نعول على مواقف قداستكم في رفض الظلم والعدوان اللذين يتعرض لهما وطننا لبنان على أيدي الصهاينة الغزاة وداعميهم".
إعلانوكان الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم رحّب بزيارة البابا للبنان، وقال إنه كلف أعضاء في الحزب تسليم رسالة إلى الحبر الأعظم.
يشار إلى أنه كان من المفترض أن يضع اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 حدا للحرب بين حزب الله وإسرائيل، لكن الأخيرة واصلت تنفيذ ضربات منتظمة داخل لبنان، مؤكدة أنها تستهدف مواقع وعناصر للحزب، كما أبقت قواتها في 5 مواقع تعتبرها نقاطا إستراتيجية في الجنوب وبدأت بتحصينها.
وبين ضغوط أميركية كبيرة ومخاوف من توسّع الهجمات الإسرائيلية، تعهدت الحكومة اللبنانية بالمضي في خطّة لتجريد حزب الله من سلاحه، وهي خطوة أعلن الأخير رفضها.