أكد الكاتب إلياس كمخي في تقرير مطول نشرته صحيفة إلباييس الإسبانية أن أوروبا تقف أمام تحول تاريخي في ملف المخدرات، بعدما أصبحت مركزا عالميا لتجارة الكوكايين، في حين تبدو السياسات الحالية عاجزة عن مواجهة هذا التحدي المعقد الذي تتداخل فيه الجريمة المنظمة مع العولمة والتحولات الاجتماعية.

وذكر كمخي أن تجارة المخدرات في السوق الأوروبية تدر سنويا نحو 12 مليار يورو (نحو 14 مليار دولار)، ويتجاوز عدد المستهلكين 6 ملايين شخص، في حين تسجّل كميات المضبوطات أرقاما قياسية على مستوى الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما موقف ألمانيا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟list 2 of 2ما موقف ألمانيا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟end of list

وأشار إلى انتشار التعاطي العلني في بروكسل، مع تعدد قنوات الحصول على الكوكايين من الأساليب التقليدية إلى المنصات الرقمية الحديثة مثل "الإنترنت المظلم" وتطبيقات المراسلة التي توفر خدمات التوصيل وعروضا ترويجية.

استهلاك قياسي

وتابع الكاتب أن العالم يشهد حاليا أعلى مستويات إنتاج واستهلاك الكوكايين في تاريخه، إذ تُقدّر الأمم المتحدة عدد المتعاطين بما لا يقل عن 25 مليون شخص، بينهم نحو 6 ملايين في أوروبا، أي ضعف عددهم قبل 20 عاما.

وبيّن أن سوق تجارة الكوكايين يشهد تحولا جذريا من النموذج التقليدي القائم على أميركا اللاتينية والولايات المتحدة نحو عولمة غير مسبوقة جعلت من أوروبا سوقا محوريا جديدا.

وبعد عقود من هيمنة الدول اللاتينية الثلاث (كولومبيا، بوليفيا، بيرو) على الإنتاج، وسيطرة كارتلات (عصابات) المكسيك وكولومبيا على التهريب نحو الولايات المتحدة، برزت دول مثل الإكوادور والبرازيل وبنما كمراكز رئيسة في الشبكة الإجرامية العالمية.

بلجيكا -وبالأخص ميناء أنتويرب- أصبحت البوابة الأساسية لدخول الكوكايين إلى القارة.

وبحسب الكاتب، يُعزى هذا التحول إلى 3 عوامل رئيسة: أولها تشديد الرقابة في الأميركتين، وثانيها تفكك الكارتلات الكبرى، وثالثها إشباع السوق الأميركية، الأمر الذي دفع المهربين إلى البحث عن أسواق أكثر ربحية، إذ يصل فارق السعر إلى 27 ضعفا بين كولومبيا (1400 دولار للكيلوغرام) وأوروبا (39 ألف دولار).

إعلان

وتظهر المؤشرات هذا التحول بوضوح، فقد سجلت المضبوطات في أوروبا رقما قياسيا للسنة السابعة على التوالي، متجاوزة نظيرتها في أميركا الشمالية للعام الخامس، ما دفع مكتب الأمم المتحدة إلى تصنيف دول أوروبا الوسطى والغربية بأنها "الوجهة الرئيسة الجديدة" للكوكايين.

ويضيف الكاتب أن بلجيكا -وبالأخص ميناء أنتويرب- أصبحت البوابة الأساسية لدخول الكوكايين إلى القارة. فمنذ عام 2019 حتى 2024 تمت مصادرة أكثر من 500 طن، معظمها في أنتويرب الذي يستقبل شحنات مباشرة من أميركا أو عبر غرب أفريقيا.

ميناء أنتويرب

وأفاد الكاتب أن ضخامة الميناء واستقباله 14 مليون حاوية سنويا، تجعل التفتيش الكامل شبه مستحيل.

وعلى الرغم من أن نسبة التفتيش فيه أعلى من المتوسط العالمي، فإن أكثر من 90% من الكوكايين الذي يصل بحرا إلى أوروبا يدخل عبره، ما يجعله بيئة مثالية لعمليات التهريب.

وقد حوّل هذا التدفق الضخم المدينة إلى ما يسميه سكانها "عاصمة الكوكايين الأوروبية"، حيث تزايد التعاطي وارتبط بالعنف، وتصدرت أنتويرب مدن الاتحاد الأوروبي في تركيز بقايا الكوكايين في مياه الصرف، وهو مؤشر واضح على ارتفاع مستويات الاستهلاك.

وقال الكاتب إن أكثر من 440 عصابة مخدرات تنشط في حدود الاتحاد الأوروبي، وتعد الشبكات الألبانية والبلجيكية والهولندية والإيطالية والإسبانية الأكثر نفوذا في سوق الكوكايين.

وأوضح أن هذه الشبكات تتميز بمرونة عالية، فهي تعمل من خلال خلايا صغيرة مستقلة لا يتجاوز عدد أفرادها عادة 10 أشخاص، لكل منها دور محدد ضمن سلسلة التهريب، وتميل إلى التعاون مع العصابات الأخرى لتجنب لفت الانتباه.

ويمتد نشاطها منذ عقود، مع تركيز وجودها في دول محورية مثل بلجيكا والإكوادور، التي أصبحت، بحسب رئيسها، نقطة انطلاق لنحو 70% من الكوكايين العالمي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات حريات

إقرأ أيضاً:

بين الكاتب والمكتوبجى

الصحافة حرفة قبل أن تكون رسالة، فكيف يمكن لمن يمارس تلك الحرفة أن يحمل تلك الرسالة وقد أصابه القلق والخوف من أن يعضه الجوع، وأن يكون مصيره التشرد؟ الواقع الذى يعيشه من يمتهن الصحافة الآن هو الدافع الأول لطرح السؤال، وقبل أن نخوض فى هذا الواقع، أعرض بعض ما قيل عن تلك المهنة ورسالتها.
قيل عن الصحافة إنها رسالة خالدة، وأنها ركن من أعظم الأركان التى تشيد عليها دعائم الحضارة، وأن كل أمة متمدنة يجب عليها أن تحترم الصحافة، وقيل عنها: لا شىء يدل على أخلاق الأمة ومكانتها مثل الجرائد، فهى المنظار الأكبر الذى ترقب فيه حركاتها وسكناتها، هى رائد الإصلاح ورياح التقدم، إنها لسان الأمة وبرهان ارتقائها، فأمة بدون صحافة لا عين لها فتبصر، ولا قلب لها فتشعر.. ما سبق قليل من كثير يوضح أهمية الرسالة فى حياة أى أمة.
ورغم سمو تلك الرسالة فقد عانت الصحافة ومن يمارسها على مر تاريخها فترات عصيبة من التعنت والاضطهاد والقسوة، تشتد وتلين حسب سياسات السلطة الحاكمة، فاخترع الحكم العثمانى مثلًا دور «المكتوبجى» ليمارس الرقابة على الصحف رغم جهله باللغة العربية، وكان من غرائب هذا «المكتوبجى» ما سجله «سليم سركيس» خلال توليه تحرير جريدة «لسان الحال» فى بيروت عما عاناه هو وغيره فى كتابه «غرائب المكتوبجى عام 1896».
ومن غرائب هذا «المكتوبجى» كما يحكى «سركيس» عن تلك الفترة في بيروت، أنه عندما طبع يوسف أفندى حرفوش كتابًا فى الأمثال وورد فيه المثل الشهير «الحركة فيها بركة»، أمر بحذف المثل زاعمًا أن لفظ الحركة تفيد الثورة!، ومن غرائبه أيضًا عندما كتبت جرائد بيروت أن أحمد أفندى سلطانى زايل «أى تارك ومغادر» الثغر لزيارة شقيقه محمد أفندى سلطانى المقيم فى الأستانة، حذف المراقب النون والياء من سلطانى وصار الاسم «محمد أفندى سلطا»، لأن السلطان لا يكون إلا لعبدالحميد!، ومما ذكره «سركيس» فى كتابه: أنه عندما ضجر عبدالقادر أفندى القبانى صاحب «ثمرات الفنون» من كثرة حذف المقالات، زار «المكتوبجى» راجيًا منه أن يحدد لهم خطة يسيرون عليها فى تحرير صحفهم وأن يريهم القانون الذى يخضعون له، فنظر إليه وقال: ألا تدرى أين القانون؟ فأجاب قبانى أفندى سلبًا، فوضع إصبعه على دماغه وقال: إن القانون هنا!
تلك العلاقة بين الكاتب والمكتوبجى يمكنها أن تمر رغم صعوبتها ووحشتها، يمكن التعايش معها وتفهمها رغم قسوتها ومرارتها، ولكن الأَمَّر الذى لا يمكن أن يمر هو حال من يمارسون تلك المهنة الآن، فقد أصبح قطاع عريض منهم يطارده شبح التشرد، وبات شغلهم الشاغل البحث عن عمل خارج نطاق تلك المهنة لسد حاجتهم وحاجة أولادهم قبل أن يعضهم الفقر.
لا يخفى على أحد أن هناك قطاعًا عريضًا ممن يمارس مهنة الصحافة الآن يكافح من أجل البقاء فى مواجهة ارتفاع جنونى للأسعار متسلحًا برواتب متدنية تسير كالسلحفاة فى سباق غير متكافئ مع سرعة هذا الجنون المتصاعد، وبينما لم يصل الكثير والكثير منهم إلى الحد الأدنى للأجور الذى أقره القانون، يجد البعض أنفسهم فى مواجهة مُلَّاك صحف لا يشعرون بهم ولا يألمون لهم، مُلَّاك لديهم أجندات ومصالح ومكاسب مختلفة، يشهرون أسلحة التهديد بالإغلاق وإعلان الإفلاس إذا لزم الأمر.
فى النهاية: أعلم أن هناك من يكره الصحافة كما السلطان عبدالحميد الثانى عندما قال بعد خلعه من عرش السلطنة: «لو عدت إلى يلدز لوضعت محررى الجرائد كلهم فى آتون كبريت»، وأعلم أن هناك من يتوجس خيفة من أرباب القلم كما نابليون الأول عندما قال إنه يخاف من ثلاث جرائد أكثر من مائة ألف جندى، ومنهم من يسير على نهج «نقولا الثانى» قيصر روسيا عندما قال: «جميل أنت أيها القلم ولكنك أقبح من الشيطان فى مملكتى».. وبين تلك الكراهية والخوف أو التفاهم، يوجد صحفى يريد أن يأكل ويشرب، يريد أن يعيش مطمئنًا بدلًا من تهديده بشبح التشرد أو الخوف من عضة جوع.
أخيرًا: الصحافة لسان الأمة والمرآة التى تريها نفسها اليوم وغدًا وبعد غد.. وما يعانيه قطاع كبير ممن يمارسون تلك المهنة لابد أن يكون له حل عاجل.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس الدولة الصيني: الآثار المدمرة للتعريفات الجمركية أصبحت أكثر وضوحا حول العالم
  • رئيس الوزراء: مصر أصبحت مركزًا عالمياً لصناعة الضفائر الكهربائية
  • “أصبحت أكثر تطورا”.. الصور يشدد على ضرورة التكاتف لمكافحة الجريمة
  • 2025 مرشح لأن يكون من بين أكثر 3 أعوام حرارة في التاريخ
  • هندوراس تطلب من «الإنتربول» توقيف رئيسها السابق الذي عفا عنه ترامب
  • بين الكاتب والمكتوبجى
  • مسؤول سابق في الناتو: العلاقة بين أوروبا وأمريكا أصبحت شبه انفصالية
  • إلباييس: جيل زد يصنع الحدث في شوارع بلغاريا وقد يسقط الحكومة
  • انطلاق المؤتمر الدولي الأول لتجارة عين شمس الثلاثاء