تتشكّل فكرةُ ببطءٍ داخل النفس ويبدأ الأمر بتجربة تهز الثقة أو خيبة تُربك المسار، فيميل الفردُ إلى التراجع خطوةً إلى الوراء ظنًا منه أنه يحمي ذاته. ومع مرور الوقت، يتحوّل هذا التراجع إلى عادة، والراحة المؤقتة التي يمنحها الهروب تصبح قاعدة تُبنى عليها الأيام، حتى يفاجأ المرء بأنه استسلم دون أن يعلم بذلك.
وبلا أدنى شك؛ فالاستسلام هنا ليس ضعفًا ظاهرًا، بل إنها حالة داخلية هادئة تشبه السكون، ويعتاد الفرد على التعامل مع المشاعر المنخفضة، ويستبدل الرغبات الكبيرة برغبات صغيرة لا تُرهقه، ثُم يغلق نوافذ المحاولة، ويتجنب كل ما قد يعيده إلى المواجهة. ولأن الركون يمنح شعورًا زائفًا بالأمان، يظن المرء أنه اختار الطريق الأسهل، بينما هو يمشي في طريق يخسر فيه شغفه وحضوره الحقيقي مع كل يوم يمر.
ومع أن الركون يبدو متكئًا على الحذر، إلا أنه في جوهره خوف من المحاولة مرة أخرى. يخاف الفردً من تكرار الألم بسبب الإخفاقات السابقة ومن مواجهة نفسه، أو من أن يعيد تجربة لم تنصفه سابقًا. لكن الخوف حين يكبر يتحول إلى سجن خفي الجدران؛ يشعر فيه الإنسان بالراحة لأنه لا يُطالب بشيء، لكنه يدفع ثمن تلك الراحة من روحه وطموحه وطاقته، التي تنطفئ بالتدريج.
والرغم من كل هذا يمكن كسر دائرة الركون بقرار بسيط، ولو كان صغيرًا. خطوة واحدة خارج منطقة الركون تكفي لتذكير الفرد بقدرته على التغيير. لا يحتاج هذا إلى معجزات، بل الصدق مع الذات و فتح أبواب التساؤلات: هل ما أعيشه راحة حقيقية، أم محاولة للهروب من مواجهة الحياة؟ هذا السؤال وحده قادر على فتح نافذة يُدخل منها الضوء إلى روح أُطفئت طويلاً.
ويجب أن لا يخفى علينا أن الركون ليس نهاية الطريق، بل علامة على أن الروح تحتاج إلى إعادة تشغيل؛ فالحياة لا تطلب من الفرد أن يربح كل معركة، لكنها تدعوه ألا يتخلى عن نفسه. فكل محاولة حتى المحاولات الصغيرة هي مقاومة بصوت يملأ النفس: أنا أقف… حتى لو اهتزت ركبتاي ومهما كلفنـي الأمر؛ فهذه الحياة ليّ نصيبُ فيها وخُلقت للمحاربة وليس للاستسلام.
fatimah_nahar@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
لبلبة من مهرجان البحر الأحمر: "الجمهور هو النفس اللي بتنفسه"
أقيمت جلسة حوارية خاصة للفنانة لبلبة ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الخامسة، والمقامة بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وسط حضور جماهيري وفني لافت.
وعبّرت لبلبة عن امتنانها الشديد لمحبة الجمهور، مؤكدة أن علاقتها بهم هي سر عطائها الفني، وقالت بتأثر كبير: "أنا بتاعة الجمهور… وهو النفس اللي بتنفسه".
وشهدت الجلسة حضور عدد من النجمات والنجوم، من بينهم إلهام شاهين وليلى علوي، اللتين حرصتا على دعم لبلبة والاحتفاء بمسيرتها الفنية الطويلة.
كما استقطب حفل افتتاح المهرجان حضورًا واسعًا لنجوم الفن من مصر والوطن العربي والعالم، منهم: أشرف زكي وزوجته روجينا، المخرج رامي إمام، ماجد المصري وزوجته، إلهام شاهين، أروى جودة، أمير المصري، أسماء جلال، أحمد داوود وغيرهم من أبرز الأسماء الفنية.
ويواصل مهرجان البحر الأحمر السينمائي ترسيخ مكانته كواحد من أهم الفعاليات السينمائية في المنطقة، حيث يقدم مجموعة واسعة من الإنتاجات العربية والعالمية عبر برنامج سينمائي غني يتنوع بين كنوز سينمائية مُرمّمة وأعمال جديدة لمواهب شابة وأفلام رواد السينما.
وتستضيف منصة المهرجان نخبة من صناع الأفلام والمواهب الفنية من مختلف دول العالم، إلى جانب مسابقات للأفلام الطويلة والقصيرة، وفعاليات موسيقية، وورش عمل وندوات تخصصية تهدف إلى دعم وتطوير المواهب الصاعدة في عالم السينما.
والجدير بالذكر أن المهرجان منذ انطلاقه، قدّم أكثر من 520 فيلمًا من مختلف بلدان العالم، جامعًا بين الأصوات الواعدة والأسماء السينمائية الكبيرة، وساهم في تعزيز المشهد السينمائي السعودي والعربي، وترسيخ جدة كوجهة عالمية لصناعة الأفلام وسرد القصص.