شراءُ الضمائر والذّمم
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
د. صالح الفهدي
إنّها لمأساة أن يصل مرشّحٌ إلى مجلس الشورى عبر شراء الضمائر والذّمم، ثم يُسائل مسؤولًا عن إجراءاتٍ غير سليمة، أو قوانين عقيمة، أو انتهاكات لمسؤوليات، أو إخلالٍ بواجبات، وهو وحده جاء إلى المجلس عبر الدرهم والدينار!!
كيف يمكنُ تقبُّل أمر الشورى (الديمقراطية) التي يفترضُ أن تكون نزيهةً قائمةً على الكفاءة في الترشيح، والأمانة في الترشُّح؟ كيف سيكون وجهُ هذا العضو الذي جاء برشوةٍ دفعها، وحاجةٍ لفقيرٍ استغلّها؟ ثم يدّعي أنه ينافحُ من أجل حقوق الناس، والمطالبة بمصالحهم، وإضافة صلاحياتٍ للمجلس!
نحنُ في الحقيقة أمام تناقضات تشكّل مؤشرات مُقلقة، فقد ظننا أننا وبعد أكثر من ثلاثين عامًا من إنشاء مجلس الشورى (عام 1991) أن الثقافة المجتمعية قد نضجت، وأن أفراد المجتمع لن يتحيّزوا لا لفلانٍ من القبيلة، ولا لمن يدفعُ أكثر!! وظننا أن الأعضاء المرشحين سيكونون على درجةٍ عاليةٍ من النزاهة والأمانة لكي يصلوا إلى المجلس وضمائرهم نقية كمثل ثيابهم البيضاء.
لكن القصص التي يرويها بعض أعضاء مجلس الشورى أنفسهم في وسائل الإعلام المختلفة تقدّم أدلّة على أن الثقافة العامة لا تزال بحاجةٍ إلى نضج ووعي، وأن الكثير من المرشحين إلى مجلس الشورى لا يعنيهم سوى أن يصلوا بأيّ ثمنٍ كان، إلّا من كان صاحب ضميرٍ حيٍّ، ونفس متجرّدة من المصالح الضيّقة، التي لا يعني صاحبها إن فاز أو لم يفز بعضوية المجلس لكنه لن يشتري ذمةً وضميرًا فينكتُ ذلك نكتةً سوداء في سجلّ سمعته..!
يقول أحد أعضاء المجلس إنّ جماعةً جاؤوا إلى ممثلهم في مجلس الشورى يعاتبونه في عدم متابعة مصلحةٍ من المصالح فقال لهم: لقد أخذتم حقّكم عند ترشيحكم لي وقبضتم مبالغكم وليس لكم من حقٍّ تطالبونني به!! وهذا ردٌّ طبيعي لمن باع ذمّته وأمانته ببضعة ريالات، ولمن وصل بطريق غير مستقيم لعضوية الشورى!
أما أحد الأعضاء المرشحين لمجلس الشورى، فقد أشار إلى أنه تحدث إلى أحد المرشحين السابقين الذين لم يصلوا إلى المجلس بعد أن دفعوا 200 ألف ريال، معترفًا- حسب قول المرشّح- بأنّها كانت رشوة!!
يقفُ المجتمع اليوم أمام مسؤوليته أمام الله والتاريخ والوطن ليقرّر: هل يريدُ مجلس شورى به نسبة من الأعضاء وصلوا عن طريق شراء الذّمم والضمائر، في سبيل وجاهتهم، وقضاء مصالحهم؟ أم أنه يريد مجلسًا نزيهًا بكامله، بعيدًا عن المساومات المعوجّة، والإستغلال غير الأخلاقي لحاجات الناس؟
على المجتمع أن يقف اليوم أمام واجبات دينه الذي يفرضُ عليه أن يكون أمينًا على وطنه، فيترفّعُ عن الإرتشاء، ويربأ بضميره من أن يُشترى ببضعة ريالات من أجل مرشّح لا همّ له سوى أن يحصل على لقب "سعادة" وربما معها لقب "الشيخ" وتبعاتها من الوجاهة، ليدخل بها إلى مصاف "الكبار"..؟! فالأمانة هي لبُّ الإيمان، يقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" (مسند أحمد).
على المجتمع أن يقف اليوم ليقرر جدوى منح المجلس صلاحيات أوسع، فذلك يعتمدُ على اختياراته للأعضاء الأكفياء ليكونوا هم الأصلح والأجدر للتعامل مع المرحلة الحالية.
على المجتمع أن يقف اليوم ليقرر هل ينحاز إلى ابن قبيلته أو قريبه الذي لا يتمتع بالكفاءة والأهلية لعضو مجلس الشورى، أو ينحاز إلى المرشح الكُفء الذي يمثّله خير تمثيل نظرًا لكفاءته وجدارته؟
أعجبني كلام رجل بسيط، يقوله بعفوية وهو يهذّب عيدان العنب، ودون أي تصنع؛ إذ يتكلم وهو يقطّع الأعواد بقطّاعته، وكان محتوى كلامه واضحًا وصريحًا في أن على المجتمع أن لا ينحاز لا لابن عمٍ ولا لرفيق قبيلة ولا لقريب رحم، وإنما إلى الجدير والكُفء، فقبل أن يطالب المجتمع بتوسيع الصلاحيات عليه أن يبدأ بنفسه في اختيار الأصلح والأفضل من المرشحين.
كلامٌ لا يريدُ تصنعًا ولا ابتداعًا، وإن يريدُ عقلًا نظيفًا، ومنطقًا واضحًا، وضميرًا نقيًا، وحرصًا على الوطن ومستقبله، ونجاح مسيرة الشورى فيه، وفاءً لمن أرسى دعائمه السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه، ودعمًا لقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه لقيادة هذا الوطن العزيز.
على أنه إذا كان هذا واجب المجتمع، فإنّ على الجهات المسؤولة في الحكومة أن لا تسمح لهذه التجاوزات اللاوطنية، التي تمسُّ سمعة الشورى، وتضرُّ مساره؛ بل تفضح المرشّحين الذين سلكوا الطريق المعوجّ لشراء الذمم والضمائر ليرفعوا عقائرهم فيما بعد تحت قبة المجلس منادين بالقيم الوطنية العُليا، وليس الكشفُ عن هؤلاء صعبًا. حينها سيتوقف كل من انتهج هذا المسلك عن الرشوة وحيازة البطاقات الشخصية وغير ذلك مما يخالف مسيرة الشورى؛ بل ومواد القانون، ويعملُ على وصول أعضاء ليسوا أهلًا بعضوية مجلس الشورى، المجلس التشريعي الذي يفترضُ أن يرسم توجهات تتعلق بمستقبل الوطن.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رئيس مجلس الشورى يرأس وفد المملكة في الدورة 19 لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي بجاكرتا
يرأس معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وفد المملكة العربية السعودية المشارك في أعمال الدورة التاسعة عشرة لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي تعقد في جاكرتا - جمهورية إندونيسيا.دعم المملكة لوحدة العالم الإسلاميوأشار معالي رئيس مجلس الشورى في -تصريح صحفي- بهذه المناسبة أن المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- تواصل دعمها الراسخ والمستمر لكل ما من شأنه تعزيز وحدة الصف في العالم الإسلامي، انطلاقًا من دورها الريادي ومكانتها المحورية، وحرصها الدائم على ترسيخ قيّم التعاون والتكافل؛ بما يسهم في خدمة قضايا العالم الإسلامي والعالم أجمع وتعزيز الاستقرار والتنمية.تطوير علاقات الصداقة بين الشعوبوأكد آل شيخ الدور المحوري الذي تؤديه المجالس والبرلمانات في تعزيز أواصر التعاون والتكامل بين دول العالم الإسلامي، مشيرًا في هذا السياق إلى أهمية الدبلوماسية البرلمانية في بناء جسور التواصل وتطوير علاقات الصداقة والتعاون بين الشعوب، مشيدًا بالدور المهم الذي يقوم به اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وما يضطلع به من جهود فاعلة في دعم القضايا المشتركة.
ويضم وفد مجلس الشورى المرافق، معالي الأمين العام للمجلس الأستاذ محمد المطيري، وأعضاء المجلس اللواء علي العسيري، والدكتور عيسى العتيبي، والدكتورة بشرى الحماد، والدكتورة تقوى عمر، وعددًا من المسؤولين في المجلس.
أخبار متعلقة "الصحة": ارتفاع معدل توطين الكادر التمريضي قرابة 44% خلال 2025بينهم ماسك وإنفانتينو.. ولي العهد يجري نقاشات جانبية مع كبار الزوار بقصر اليمامة