حكم صيام أصحاب المناطق الحارة جدًا
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، وفريضة فَرضها الله سبحانه وتعالى على كلِ مسلمٍ مكلَّف صحيح مُقيم مستطيعٍ خال من الموانع، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
أوضحت الإفتاء، أنه لِعِظَمِ فضل الصيام، وكونه مِن أَجَلِّ العبادات، اختَصَّ اللهُ سبحانه نَفْسه بتقدير ثواب الصائم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي» متفقٌ عليه.
أوضحت، أنه بالنسبة لصيام أصحاب المناطق الحارة: فإنه إذا كانت شدَّة الحر في طاقة المكلَّف منهم ولو مع المشقة المعتادة دون أن توقعهم في الحرج أو الجهد البالغ، فإن شدة الحر في هذه الحالة في حَدِّ ذاتها لا تُعَدُّ عذرًا شرعيًّا مُبِيحًا للفطر، ما دامت هذه المشقةُ مُحْتَمَلَةً لا تؤثر في الصائم تأثيرًا يعود عليه بالضرر الذي يقرِّرُه الواقعُ وتجربةُ المكلَّف أو أهلُ التخصُّص مِن الأطباء، ولم يكن مريضًا بحيث "يؤذيه الصوم ويَتَكَلَّفُهُ ويَخافُ على نَفْسِهِ منه"؛ كما قال الإمام ابن القَطَّان في "الإقناع".
وتابعت: ذلك أنَّ المشقة لا تَنْفَكُّ في الأصل عن العبادات، إذ لا بد أن تكون العبادة مصحوبة بنوع مشقة وإلا لَمَا كانت تكليفًا، فـ"المشاق قِسمان: أحدهما لا تَنْفَكُّ عنه العبادة كالوضوء والغُسل في البرد، والصوم في النهار الطويل، والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك، فهذا القِسم لا يوجب تخفيفًا في العبادة؛ لأنه قُرِّرَ معها"، كما قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي في "الفروق".
الصيامكما أنَّ ثواب الصيام مع شدة الحر وتَحَمُّل العطش والمشقة أَجَلُّ فضلًا وأعظَمُ أجرًا، وهو مندرجٌ تحت ما تقرَّر في قواعد الفقه مِن أنَّ "مَا كَانَ أَكْثَرَ فِعْلًا كَانَ أَكْثَرَ فَضْلًا"، كما في "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي.
والأصل في هذه القاعدة: ما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا فِي عُمْرَتِهَا: «إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ» أخرجه الإمامان: الدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "خَرَجْنَا غَازِينَ فِي الْبَحْرِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ وَالرِّيحُ لَنَا طَيِّبَةٌ، وَالشِّرَاعُ لَنَا مَرْفُوعٌ، فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ، قِفُوا أُخْبِرْكُمْ، حَتَّى وَالَى بَيْنَ سَبْعَةِ أَصْوَاتٍ، قَالَ أَبُو مُوسَى: فَقُمْتُ عَلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ أَوَمَا تَرَى أَيْنَ نَحْنُ؟ وَهَلْ نَسْتَطِيعُ وُقُوفًا؟ قَالَ: فَأَجَابَنِي الصَّوْتُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى أَخْبِرْنَا، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ عَطَّشَ نَفْسَهُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَرْوِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَكَانَ أَبُو مُوسَى يَتَوَخَّى ذَلِكَ الْيَوْمَ الْحَارَّ الشَّدِيدَ الْحَرِّ الَّذِي يَكَادُ يَنْسَلِخُ فِيهِ الْإِنْسَانُ فَيَصُومُهُ" أخرجه الأئمة: عبد الرزاق في "مصنفه"، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" واللفظ له، والبيهقي في "شعب الإيمان".
حكم الإفطار لأصحاب المناطق الحارة إذا كانت شدِّةُ الحرِّ غيرَ محتملةقالت الإفتاء، إنه إذا كانت شدِّةُ الحر غيرَ محتملةٍ بالنسبة للمكلَّف مِن أصحاب المناطق الحارة، بحيث يشق عليه الصوم، ويؤثر فيه الحر -أو العطش المترتب عليه- تأثيرًا شديدًا يضر جسدَه بشكل يصعب عليه احتمالُه، أو قد يَهلك مِن شدة الحر والعطش، أو يَلْحَقُه شديدُ أذًى، أو يكون الصوم مع شِدَّةِ الحر سببًا في حصول المرض له، فحينئذٍ يكون الفطر رخصةً في حقه كما هو رخصة للمريض والمسافر، بجامع حصول المشقة في كُلٍّ، إذ مِن سَعَة الشريعة الإسلامية ورَحْمَتِهَا بالمكلَّفين أنْ رَفَعَت عنهم المشقة والحرج، قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
وبينت الإفتاء، أنه من أَجل ذلك عَقَّب اللهُ تعالى فَرض الصوم بالتيسير على مَن يَشُقُّ عليه مشقةً غير معتادة، فقال سبحانه: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184].
واختتمت الإفتاء قائلة: ولا يَخفى أنَّ حِفظ النفوس واجبٌ ما أمكن، فوَجَب على المكلَّف إنْ خاف هلاكًا، أو شديدَ أذًى بسبب شدة الحرِّ، أن يفطر، فليس إهلاكُ الإنسان أو تكليفُه ما لا يُطِيقُ احتمالَهُ مِن مقصود الصوم؛ لقول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء دار الإفتاء صوم رمضان فضل الصيام العبادة ثواب الصائم المناطق الحارة شدة الحر ا کانت ة الحر
إقرأ أيضاً:
أستاذ أزهري: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله
قال الدكتور أحمد الرخ، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن مشهد الحج في ذاته هو مشهد روحاني عظيم يُجسّد معنى الشوق الإلهي الذي زرعه الله في قلوب عباده، مشيرًا إلى أن قوله تعالى: "فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم" يكشف عن حقيقة إيمانية كبرى، وهي أن الذهاب إلى البيت الحرام ليس رحلة جسدية فقط، بل هو استجابة لدعوة إلهية تسكن القلوب قبل الأجساد.
أضاف أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأحد، أن سيدنا إبراهيم عليه السلام حين دعا بهذه الدعوة، لم يقل "أفئدة الناس"، بل قال "أفئدة من الناس"، كما جاء في تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ليؤكد أن الله اختص بهذه المحبة قلوبًا معينة من عباده، هم الذين استجابوا لهذا النداء، فحنّت قلوبهم واشتاقت أفئدتهم إلى البيت الحرام.
وأوضح أن الحج زيارة لله، وضيافة عند الله، ووفادة على الله، مصداقًا لقول النبي ﷺ: "الحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"، وهذه ليست دعوة من جهة تنظيمية أو بشرية، بل من الله جلّ في علاه، لقوله تعالى: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر".
وأكد أن من لبّى نداء الحج لا بد أن يستشعر أنه في بيت الله، وأنه واقف في مواضع وقفت فيها أقدام الأنبياء، وتفيّأت فيها أرواح الأولياء، مستحضرًا مشاهد كالنبي ﷺ وهو يطوف بالكعبة، ويقبّل الحجر الأسود، ويقف على عرفات متذللاً لله كالمستعطف المسكين.
وتابع: "الحج ليس مجرد أداء مناسك، بل هو رحلة روحانية كاملة، تبدأ بنداء في القلب، وتُترجم بشوق غير مقنن إلى البيت الحرام، وتنتهي بفيض من الرحمة والمغفرة، وشوق أعظم إلى لقاء وجه الله الكريم في الجنة، كما قال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)".