د. مصطفى يوسف اللداوي خذوا حذركم من كل باحثٍ أو باحثةٍ أجنبية، يهتم بشؤون الشرق الأوسط، ويعنى بالصراع العربي الإسرائيلي، وينشغل بهموم شعبنا وحاجاته، ويقلق على مصيره ومستقبله، ويحذر من مشاكله وأزماته، ويتابع تفاصيل قوى المقاومة ويومياتها، ويسلط الضوء على أنشطتها وفعالياتها، ويحاول الوصول إلى قادتها ورموزها، ويدعي أنه يدافع عنها ويصد الشبهات التي تدور حولها، ويريد أن يكتب عنها ويوضح مواقفها ويبين عدالة قضيتها، ويشرح للرأي العام الغربي حقيقة أزمة الشرق الأوسط وأسبابها، ونتائجها وتداعياتها، وسلبيات إهمالها ومخاطر عدم التوصل إلى حلولٍ عادلةٍ بشأنها، وخطورةٍ الصمت على معاناتها وجراحها.
قد تبدو هذه الأهداف إيجابية جداً ومحل تقديرٍ وشكرٍ واحترامٍ، ولا تستدعي الإدانة والاستنكار، فأصحابها وهم في غالبيتهم ينشطون في منطقتنا العربية بصفة كتابٍ وصحفيين وإعلاميين وباحثين، يظهرون ودهم، ويحرصون على إبراز تضامنهم وبيان تعاطفهم مع شعوب المنطقة العربية، ويؤكدون أنهم يتكبدون الصعاب ويتجشمون عناء السفر، ويعانون من مشقة الإقامة والعيش بعيداً عن أهلهم وأوطانهم، رغبةً منهم في تقديم المساعدة لشعوب المنطقة، وتخفيف تداعيات الأزمة التي تستنزفهم، والمساهمة في الوصول إلى حلولٍ سلميةٍ تنهي الصراع وتوقف الحروب، وتؤمن حياة السكان برفاهية، وتساهم في رخاء عيشهم وازدهار اقتصادهم. لو كان الأمر كذلك لهان الأمر كثيراً، وكنا رحبنا بالوافدين والمبتعثين، والطلاب والباحثين، والأساتذة والإعلاميين، وكنا قدمنا لهم كل سبل الراحة، وهيأنا لهم كل وسائل الإقامة الآمنة والعمل الناجح، وفتحنا لهم أبواب بيوتنا ومؤسساتنا، وجامعاتنا ومعاهدنا، وربما كنا ساهمنا معهم في الأبحاث، وسهلنا عليهم جمع البيانات والمعطيات، وتطوعنا معهم في العمل، وكنا سنقيم لهم حفلات تكريمٍ وتقديرٍ، ونوزع عليهم الجوائز والهدايا، تقديراً لجهودهم، وعرفاناً بعطاءاتهم، قبل أن نودعهم بحفاوةٍ شاكرين، وكنا سنعاقب كل من يعترض طريقهم، أو يعطل عملهم، ويتسبب في أي أذى لهم. لكن الحقيقة التي نغفل عنها كثيراً ولا ننتبه إليها دائماً، لطيبةٍ فينا وبساطة، أو لجهالةٍ فينا وسذاجةٍ، أو لخلقٍ فينا وشهامةٍ، أن الكثير ممن يدعون صفات البحث العلمي والدراسة، ويعملون في بلادنا العربية تحت غطاء الصحافة وتقديم المساعدات الخيرية والإنسانية، وينشطون في مجالات الطب والإغاثة، ويجهدون في البحث عن الأدلة والقرائن، ويكتبون في الصحف وينشرون في وسائل الإعلام، ويظهرون لنا حسن نيتهم وصدق طويتهم، يتخذون هذه المهام الإنسانية والمدنية ستاراً لأعمالهم الدنيئة ومهامهم المشبوهة، ويخفون وراءها أهدافاً عدوانية وأنشطة تخريبية. هؤلاء في الأغلب الأعم يعملون جواسيس لصالح العدو الإسرائيلي، وينشطون في المجالات التي تحددها لهم الجهات الأمنية المختصة بأعمالهم والمسؤولة عن مهامهم، وقد اعترف كثيرٌ منهم بالمهام التي قاموا بها، وكتبوا عن أدوارهم التي كلفوا بها، والساحات التي عملوا فيها، وسجلوا نجاحاتٍ كثيرةً، والشواهد على ذلك كثيرة جداً، إذ أن عيوننا لا ترقبهم وحدسنا لا يكشفهم، وقوانين بلادنا العربية الرسمية تحفظهم وتحميهم، وتشجعهم وتغريهم، وتؤمن لهم الغطاء وتحاسب كل من شك فيهم أو اعترض طريقهم. إلا أن المقاومة أخيراً غدت قادرة على التعرف عليهم وفضح مهماتهم والكشف عن هوياتهم، وباتت ترصدهم وتتابعهم، وتشك فيهم وتترصدهم، ولا تثق فيهم ولا تبتعد عنهم، ولا تتردد في إلقاء القبض عليهم واعتقالهم، الأمر الذي جعل من عملهم في بلادنا العربية مغامرة، ودخولهم إلى عواصمنا مجازفة، ولعل قادة الموساد الإسرائيلي باتوا يدركون يقيناً أن عيون المقاومة مفتوحة، وأذانهم صاغية، وذراعهم طويلة، وسواعدهم قوية، وأنهم باتوا يستطيعون التنبؤ والاستدراك، والمبادرة والإحباط، ومنافسة العدو وبزه، والتغلب عليه وفضحه. وقد نجحت قوى المقاومة في كشف الجاسوسة الإسرائيلية اليزابيت تسوركوف واعتقالها، وفضحت أمرها وأظهرت حقيقة مهمتها، علماً أنها ليست الأولى في عالم التجسس والاختراق بحجة البحث العلمي والدراسة، والعمل الصحفي والكتابة، وقد لا تكون الأخيرة، فقد سبقها الكثيرون ممن نجحوا في اختراق عالمنا العربي والإسلامي، والوصول إلى نسيج المقاومة ومؤسساتها التنظيمية وهيئاتها العسكرية. لكن العدو الذي أنكر ابتداءً عملها معه ومسؤوليته عنها، تراجع واعترف، ولان خطابه ورق كلامه وهو يستجدي الدول والحكومات لمساعدته في استنقاذها من أيدي خاطفيها، وتسهيل مغادرتها العراق، حمل الحكومة العراقية المسؤولية عن حياتها، وطالبها عبر الولايات المتحدة الأمريكية بالبحث عنها وكشف مصيرها وحمايتها، وهدد الجهات التي ظن أنها المسؤولة عن اختطافها وإخفائها. الحمد لله أنه كُشف أمرها وفُضحت مهمتها وعُرفت جريمتها، ووقعت في شر أعمالها، واعترف العدو بمسؤوليته عنها، وباتت بين أيدي الشعب العراقي، فلا تأخذكم بها رحمة أو شفقة، ولا ترأفوا بها أو تحزنوا عليها، فقد كانت تنوي إيذاءكم، وكانت تعمل ضدكم، ولا تريد الخير لكم، وقد استغلت طيبتنا وأساءت إلينا، واستظلت بكرمنا وأصيل أخلاقنا، فاستحقت ما نزل بها، فالعدل أن تنال عقابها، وأن تلقى جزاء عملها، لتكون لغيرها عبرة ولمشغليها درساً. بيروت moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
ّإنها سنة.. فالطغاة يعتم عليهم
في سجلات التاريخ الطويلة، تتكرر ظاهرة لا تخطئها عين: الطغاة لا يرون هزيمتهم القادمة، ولا يعترفون بها حتى وهم يجرّون أذيالها. إنهم يسيرون بثقة العُميان نحو نهايتهم المحتومة، وقد غشاهم الغرور وسكروا بقوة زائفة.
قد يتساءل البعض: لماذا لا يرى محمد بن زايد هزيمته الواضحة في السودان، رغم فشل مليشياته، وسقوط خططه، وتغير موازين القوى؟
لكن الجواب بسيط: هذه سنة الطغاة، فهم لا يبصرون إلا وهج نارهم، ولا يسمعون إلا صدى أصواتهم.
قال الله تعالى:
> “سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملي لهم إن كيدي متين”
(الأعراف: 182-183)
فرعون، مع كل ما أوتي من قوة، رأى بعينيه البحر ينشق لسيدنا موسى ومن معه، ولم يمنعه ذلك من الإقدام على دخول البحر خلفهم، وهو يظن أنه سينتصر!
أي عقل هذا الذي لا يدرك أن من يشق البحر بعصاه لن يُهزم؟
قال تعالى:
> “فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم. وأضل فرعون قومه وما هدى”
(طه: 78-79)
هتلر، أحرق أوروبا بناره، ورغم انكساراته المتتالية، ظل يحشد الجنود ويؤمن بالنصر حتى آخر لحظة، فكانت نهايته في قبو معزول وهو يبتلع السم.
جنكيز خان، رغم انتصاراته المدوية، قاده طغيانه إلى بطش لا حدود له، فتحول اسمه من رمز قوة إلى لعنة على الشعوب، وانهارت إمبراطوريته بعد موته بسنوات.
قال تعالى:
> “حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون”
(الأنعام: 44)
الحجاج بن يوسف الثقفي، أشهر ولاة بني أمية، سفك الدماء، وأرهق العباد، حتى صار اسمه مرادفًا للبطش والظلم. ظن أن جبروته سيخلّد مُلك الأمويين، فإذا بهم يسقطون بعده بزمن وجيز، وتتبخر دولتهم التي بنيت على السيف لا العدل.
قال ابن خلدون:
> “الظلم مؤذن بخراب العمران.”
وهكذا، فإن محمد بن زايد ليس استثناءً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة الطغاة الذين أعماهم الكبرياء، وأغرتهم القوة الزائلة.
لا يرون إلا ما يريدون رؤيته، ويظنون أن عجلة الزمن ستتوقف لهم، لكنها تمضي، وتسحقهم كما سحقت من قبلهم.
سنة الله التي لا تتبدل
هذه السنن ليست عبثًا، بل هي وعد رباني لا يتبدل:
> “فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها، وبئر معطلة وقصر مشيد”
(الحج: 45)
خاتمة:
الطغاة مشروع جثث مؤجلة
الذين لا يتعلمون من التاريخ، محكوم عليهم أن يكرروه.
وكل طاغية هو مشروع جثة مؤجلة، يمشي نحو قبره مختالاً، بينما تحفر سنن الله العادلة مصيره بأناة وصبر.
إنها سنة.. فالطغاة يُعتم عليهم حتى يأتيهم اليقين.
وهم لا يستيقظون إلا بعد فوات الأوان، حين لا يُجدي ندم، ولا يُنفع نداء.
بقلم وليد محمدالمبارك احمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب