ثورة الياسمين بين البوعزيزي وفادية حمدي!
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
انطلقت شرارة "الربيع العربي" في 17 ديسمبر عام 2010، حين أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، في لحظة يأس بعد أن أهين وحرم من مصدر رزقه.
إقرأ المزيدالموقف الذي أخرج البوعزيزي عن طوره ولم يتجاوز في ذلك الوقت من العمر 26 عاما، أن شرطية تدعى فادية حمدي دخلت في مشادة معه واتخذت إجراءات ضده، واتهمت بأنها صفعت البوعزيزي وصادرت عربة الخضراوات التي يقتات منها لعدم وجود تصريح لديه!
ذُكر في ذلك الوقت أن المارة بالمكان لم يستوعبوا بسرعة ما جرى، وظن البعض أن في الأمر خدعة ما، ولم يتعود التونسيون على رؤية مثل هذا المشهد الفظيع، جسد رجل يشتعل تحيط به ألسنة اللهب مثل مشعل، فمد البعض هواتفهم لتصوير المشهد، وحين هرعوا إلى البوعزيزي لإخماد النار في جسده، تبين أن بدن الشاب احترق بنسبة 90 بالمئة.
نقل البوعزيزي إلى المستشفى وبقي هناك أسبوعين وتوفى متأثرا بحروقه الشديدة مطلع عام 2011. انطفت نار البوعزيزي واشتعلت تونس بأكملها انطلاقا من ولاية سيدي بوزيد في وسط البلاد، ثم انتقلت "الثورة" المفاجئة إلى الدول المجاورة ليبيا ومصر وامتدت لاحقا إلى سوريا.
الرئيس التونسي زين العابدين بن علي حاول حينها ضبط الأمور وإعادتها إلى نصابها. أمر باعتقال الشرطية المتهمة بصفع البوعزيزي، وقام بنفسه بزيارة الشاب وهو يحتضر، ووجه في نفس الوقت الشرطة إلى قمع التظاهرات التي انتشرت في أرجاء البلاد، وحين أدرك بسرعة صعوبة الموقف، وتأخر كلمته الشهيرة التي خاطب بها شعبه بقوله: "فهمتكم"، غادر تونس إلى المنفى وجنب عن قصد أو بدونه، بلاده المزيد من العنف والخراب.
أما بالنسبة للشرطية فايدة حمدي، فقد قضت محكمة تونسية في عام 2011 ببراءتها من التهم الموجهة إليها، بعد أن تنازلت عائلة البوعزيزي عن الدعوى، إضافة إلى تزايد المطالب من أهالي سيدي بوزيد بإطلاق سراحها.
فايدة حمدي ظهرت في عام 2015 على صفحات جريدة التلغراف البريطانية قائلة إنها "تشعر بالمسؤولية عن كل شيء.. ألوم نفسي من حين إلى آخر، وأقول إن كل ما يحدث كان بسببي. لقد ساهم تصرفي في صنع التاريخ، لكن انظروا أين نحن الآن، التونسيون يعانون كما كانوا دائما".
على الرغم من أن شرارة "الربيع العربي" الدموي وخاصة في نسخه الليبية واليمنية والسورية قد انطلقت من تونس، إلا أن الدرس التونسي كان مختلفا تماما، فلم يشعل التونسيون نار الحرب الأهلية ولم يهرعوا إلى السلاح ليقتتلوا. جرى كل شيء في هدوء نسبي ومن دون إطلاق نار وتفجيرات، ولم يكن ذلك صدفة وهذا ما يزيد من قيمته واستثنائيته.
ها الأمر يعطي معنى لتسمية الأحداث التي جرت في تونس في ذلك الوقت بـ"ثورة الياسمين"، ويمنحها مكانة خاصة في تلك الحقبة التاريخية المضطربة في المنطقة، فقد تحركت بطريقة مختلفة واجتازت المحنة بأقل الأضرار، في حين احترقت دول "الربيع العربي الدموي" الأخرى، ودمرت مقدراتها وسقطت في فوضى عميقة، ودخلت في خانة الدول الفاشلة.
لم يرد البوعزيزي أن يفجر ثورة أو أن يحدث تغييرا، لقد مات قهرا بطريقة مجلجلة ومأساوية، أما ذلك "الربيع العربي" فهو لم يحدث تغييرا جذريا في النخب في أي مكان خل به، ولم يتحقق أي نصر على الفساد، ولم يرصد تحسن ملموس في الحالة الاجتماعية الاقتصادية، وبقيت الحريات أيضا على حالها في تلك الدول التي انقلبت فيها الأوضاع رأسا على عقب.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف الربیع العربی
إقرأ أيضاً:
في ديالكتيك ثورة ١٩ ديسمبر وثلاثي الثورة المضادة
طارق بشري(شبين)
في مبحث قولنا هنا نغامر بالقول في ديالكتيك ثورة ١٩ ديسمبر المادي(أي قولنا يتأسس على منهج ونظرية وفلسفة المادية الجدلية) ومفهوم -وفق غرامشي-الثورة السلبية و ملامسته لمعني و تكتيكات واستراتيجيات الثورة المضادة بوجها الثلاثي (الحركة الاسلاموية-المؤتمر الوطني) و ميليشيا الدعم السريع تحالفها السياسي العسكري في تحالف تأسيس) و القوي النيوليبرالية الأخرى (قحت او تقدم او صمود).
في المادية الجدلية
الثورة والحاجة إلى النظرية
في جدلية الثورة و النظرية أو قل مشروع الثورة الفكري بما هو خطاب ثوري ذو قيم و تصورات محددة تاريخيا(حرية و سلام و عدالة على سبيل المثال لا الحصر لكل الثورات التاريخية و قيمها و مثلها العليا الكلية) هناك الكثير من السجال و الانتاج المعرفي .هنا وددت قول بعض النقاط.
(١) في جدلية التغيير الثلاثية
التغيير في الفضاء الاجتماعي الطبقي له جدليته في ثلاثى تشابك وتداخل النظرية و التنظيم و الممارسة و بمعنى آخر ليست الثورة فعل خالص(مواكب حاشدة مثلا) أو تنظير خالص ثوري و ليس غيره و ليست هي تنظيم ما ثوري خالص و ليس غيره.قد يتصور احد أن كل ما يحتاجه الثوار(الديسمبريون) هو الفعل وحده .هو مل الشوارع بالحشود أو بالوقفات الاحتجاجية و الإضرابات،أن الفعل في حد ذاته وحده لا يكفي.(بالمعنى الدقيق للكلمة، إنه غير ممكن حتى). بغض النظر عن مدى كرهنا الشديد للقمع ورغبتنا في رؤية الأمور تتغير، هناك قوة واحدة فقط.بالضرورة الفعل يحتاج نظرية(برنامج)تنير و تعطي معنى للفعل و يات ثلاثي التغيير التنظيم جدليا ل يتشابك مع الفعل و النظرية في علاقة جدلية حلزونية ليست خط مستقيم.
(٢) في فهمنا للواقع
(٢)لفهم العالم و الذي بلاشك السودان جزء لا يتجزأ منه كما هو في الواقع - وكيفية تغييره.هناك في الواقع عنصرين مترابطين هنا:أولاً، الحاجة إلى فهم العالم كما هو في الحقيقة - وهو، بشكل عام، نهج مقاربة ملموسة، مقاربة تتعامل مع العالم كقوة ملموسة في حد ذاتها موجود بشكل مستقل عما قد نعتقده(علي الاقل في البعد السياسي الأيديولوجي يصنف من إحدى وجهات النظر المحافظة أو قل التأسلم السياسي او الليبرالي او الجذري) أو نحبه أن يكون؛ وثانيًا الحاجة إلى فهم هذا العالم المادي، سواء في الطبيعة أو المجتمع، باعتباره عالمًا
من التغير والتطور المترابط، عالم من الصراع والتناقض الاجتماعي الطبقي في السودان و العالم(النظام الرأسمالي العالمي) بين ما هو قديم ويموت وما هو جديد ويكافح من أجل أن يولد - وهو نهج نسميه الجدلي.أكثر تحديد نعني بما هو قديم هو نظام المؤتمر الوطني(نظام الانقاذ) و تمظراته الجديدة بعد انقلاب اللجنة الأمنية الأول في ١١ أبريل و الثاني في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ وإلى الراهن وبالجديد نعني به ثورة ١٩ ديسمبر و افقها السياسي نحو الحرية و السلام و العدالة.في هذا الواقع وتناقضاته الاجتماعية الطبقية ما بعد ديسمبر ٢٠١٨ تتصارع الروي السياسية من جهة الاسلام السياسي و المنهج الليبرالي و النهج الماركسي و التي لكل منها تحليله و ملامسته لما هو القديم و ما هو الجديد.ملامسته لما هي الثورة و ما هي الثورة المضادة.
(٣) ليس صراعا أيديولوجيا صرفا
(٣)الصراع الأيديولوجي بين المشاريع الثلاثة اعلاه المحافظ و الليبرالي و الجذري ليس هو الصراع الجوهري أي أن الصراع ليس هو ينتصر فيه من يحسم خطاب الديمقراطية والتحول الديمقراطي و السلام و العلمانية ضد خطاب الاستبداد و عودة الإسلاميين للحكم(؟) بخطاب الكرامة و الغزو الأجنبي و الحرب(بل بس).أي أنه ليس بين خطاب (جقم بس)(قنقر بس) ضد خطاب(بل بس) وخطاب الحل التنفاوضي والسلام سمح و رجاءات المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الحرب وعودة الانتقال الديمقراطي.أن الحرب وغياب الديمقراطية و نسف التحول الديمقراطي و محاولات وأد الثورة بالضرورة ملامستها جوهريا في طبيعة الصراع الاجتماعي الطبقي.في طبيعة إشكالية التراكم الرأسمالي و جدلية ذلك بالتبعية و و بالراسمالية المتوحشة في نسختها النيوليبرالية و جدلية مصالح الرأسمالية الطفيلية و اقتصاد الجيش و اقتصاد الدعم السريع واحتكارهم لجل الموارد و مفاصل الاقتصاد في التعدين والزراعة والتجارة الداخلية و الخارجية و في قطاع التمويل و البنوك و في الثروة الحيوانية.العلاقة هنا في تصورنا طوال هذا المقال هي علاقة ديالكتيكية ما بين الأيديولوجي و السياسي و الاجتماعي الطبقي و ليست هي بالمفهوم المثالي بتصور الصراع بكونه صرفا هو صراع خطابات و ان من يجيد محسنات الخطاب و بديعاته او ابداعاته ينتصر و يصفق له صفقة مدوية تسمع في ربوع البلاد.و هذا لا ينفي بكون الخطاب و لغته لها سلطتها و مشروع هيمنتها (بالقبول الوجداني والفكري و الاقناع) او مشروع سيطرتها(عبر العنف المادي و الرمزي).
(٤) ديالكتيك الثورة الديسمبرية و حربي المواقع و الحركة
(١)
وفق غرامشي أن الدولة يمكن تقسيمها إلى المجتمع السياسي و آخر هو المجتمع المدني.فالمجتمع السياسي هو في مختصر القول يتكونن من آليات الدولة القمعية و القهرية من الأجهزة العسكرية(الجيش و الشرطة و الأمن السياسي و في حالات ميليشيات عسكرية موالية) واضافة الى مؤسسات الخدمة المدنية والتشريع و المجتمع المدني هو الفضاء الاجتماعي ما بين الفرد (يقرأ المواطن) و الدولة و يشمل المؤسسات التعليمية والاجهزة الاعلامية والمؤسسات الدينية من المساجد و الكنائس و مؤسسة الاسرة و منظمات المجتمع المدني المختلفة التي تعمل في مجالات المرأة و حقوق الإنسان والنقابات والاتحادات بما فيها الطلابية… الخ
قد يختار المشتغلون في فضاءات المجتمع المدني هذه الاستراتيجية أو تلك لتحقيق الأهداف التي تنشد تحقيقها واقعا ملموسا و الاشتغال عبر المجتمع السياسي له استراتيجيته المختلفة.بمعنى آخر في الاغلب الاعم استراتيجيات الاشتغال في المجتمع المدني تختلف عنها في المجتمع السياسي. (٢)
يشرح غرامشي أن القوة الاجتماعية التي تسعى إلى الهيمنة في المجتمع المدني يجب أن تنخرط فيما يسميه (حرب المواقع)، والتي تتكون من نضالات فكرية و ثقافية سلمية لتحويل الحقل الأيديولوجي في اتجاهها عبر الخطاب المحدد بهدف كسب قلوب و عقول في الفضاء المدني. في هذا السياق، تقوم الحركات الاجتماعية والمثقفون العضويون ببناء رؤية مضادة للهيمنة من أجل استبطان. إن (حرب المناورة)، التي تتطلب هجومًا جبهويًا تمارس في فضاءات المجتمع السياسي، لا تأتي إلا خلال المرحلة الثانية،اي ان حرب المواقع و التي تشتغل في فضاءات المجتمع المدني تات الا و يليها وفق قراءات محددة تاريخية المرحلة الثانية و التي هي حرب الحركة بعد أن تكون القوى الاجتماعية قد فرضت هيمنتها داخل المجتمع المدني. تأسست ثورة ١٩ ديسمبر بخاصة-كسابقاتها في ثورة اكتوبر١٩٦٤ وانتفاضة مارس ابريل ١٩٨٥-في الغالب من تبني استراتيجية حرب المواقع داخل المجتمع المدني طوال سني الانقاذ الثلاثين و اكثر؛ وكان الهدف النهائي لهذه الحرب هو تحويل المجال الثقافي والأيديولوجي لصالح خطاب الحريات و السلام و العدالة الاجتماعية وذلك عبر النضالات اليومية و الفكرية ضد ممارسات نظام الاستبداد والمظالم الاجتماعية الطبقية و الذي احتكر المجتمع السياسي.وفي مرحلة تالية تحول النضال إلى تبني حرب الحركة الاضرابات و المظاهرات والمواكب في ديسمبر ٢٠١٨.
(٣)
في دراسة لها Chelsea Emery (راجع قائمة المراجع نهاية المقال) عن الأزمة العضوية للنيوليبرالية و صعود اليمين الشعبوي عالميا فيما بعد الكساد الكبير للنظام الرأسمالي أثر الازمة المالية بدءا من ٢٠٠٨ تشير في المقدمة:هناك شبح يطارد أوروبا، شبح الشعبوية. في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، وأزمة منطقة اليورو في عام 2010 و الركود الكبير الذي أعقبها، اندلعت موجة عالمية من الحركات الجماهيرية.في أمريكا، خرجت حركة ”احتلوا وول ستريت“ إلى الشوارع اعتراضًا على هيمنة رأس المال المالي، وهتفوا ”نحن ال 99%“، وسرعان ما انتشرت الحركة في جميع أنحاء العالم. في العام نفسه، بدأت احتجاجات حاشدة من نوع آخر في تونس، وسرعان ما امتدت إلى مصر وليبيا وسوريا. إن أوجه التشابه التاريخية بين هذه الانتفاضات و"ربيع الأمم“ الذي اجتاح أوروبا في عام 1848، وهو ما ألهم تسمية ’الربيع العربي‘. في السنوات التالية (الثورة البرتقالية في أوكرانيا و السترات الصفراء في فرنسا وغيرها في جميع أنحاء العالم، خرجت الجماهير إلى الشوارع في شكل حركات أفقية..و ثورة ١٩ ديسمبر ليست استثناء من هذه الموجة من ثورات الجماهير ضد مترتبات و منتوج السياسات النيوليبرالية و التي ظلت تمارسها سلطة المؤتمر الوطني لقرابة الـ ٣ عقود من الزمان بدءا من بدايات التسعينيات و كانت ليست استثناء أيضا بكونها ثورة افقية أي من قواعد الجماهير في أماكن العمل و الدراسة و الأحياء و مثال لها لجان المقاومة والتي انتشرت في عموم المدن والقرى.
(٣)
فرز الكيمان الايدولوجية و الاجتماعية الطبقية
في استصحاب الصراع الاجتماعي الطبقي و تمظهراتها في جدلية الخطابات الإيديولوجية و السياسية طوال سني نظام (الانقاذ) بماهو يمثل مصالح الرأسمالية الطفيلية ونموذجها(التنموي) المؤسس على تراكم رأسمالي عنيف استبدادي تحتكر فيه الرأسمالية الطفيلية ادارة و توزيع ريع الاقتصاد الاستخراجي المتمركز في صادرات البترول و الذهب و المحاصيل الزراعية (الفول السوداني و السمسم والصمغ العربي وغيرها )و الثروة الحيوانية.و تمركز و و تكثيف هذا الاقتصاد الاستخراجي في يد الاقتصاد السياسي لقيادة الجيش وقيادة الدعم السريع بخاصة أثناء الفترة الانتقالية ٢٠١٩ إلى ٢٠٢١ و ما بعدها إلى الراهن.في تمرحلات هذا الصراع السياسي و عبر منعطفاته الثورية الفترة الانتقالية ٢٠١٩-٢٠٢١ و انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ الى ١٥ ابريل ٢٠٢٣ و الحرب من ابريل ٢٠٢٣ الي الراهن تمظهرت العديد من أشكال الصراع السياسي و فرز الكيمان و إذا كنا نحن هنا معنيين بقوى الثورة( التغيير الجذري و الحزب الشيوعي و لجان المقاومة و النقابات و الاتحادات المهنية التي تختط مطالب قواعدها و قضاياهم الملموسة و غيرهم في فضاء المجتمع المدني).يبقى التحدي أمام قوى الثورة وفق هذا التعريف تجاوز الإخفاقات في إنتاج كتلتها التاريخية و تماسكها الفكري و النظري بإنتاج المزيد من المعرفة الملموسة بواقع التغيير و الذي يتكون من أقطاب ثلاثة هي النظرية و التنظيم والممارسة بكونها علاقة جدلية وفق ما أشرنا له في المقدمة النظرية في صدر المقال.وهذا يستدعي في وجهة نظرنا تجاوز منهجية وأساليب التفكير النيوليبرالية مثلما ما تمارس قوي(قحت أو تقدم او صمود في مسماها الجديد)و التي تتصور أن الثورة الديسمبرية اعادة النيوليبرالية بوجه ليبرالي مقبول دوليا و متماثل مع (الانقاذ)الايدولوجيا مفارقا خطابها خطاب الإسلام السياسي و بمعنى آخر ليست الثورة عندها سوي صنمًا نيوليبراليًا.وفقًا لجرامشي، لا تندلع الثورة تلقائيًا بسبب التناقضات الاقتصادية الرأسمالية التي لا يمكن التوفيق بينها - على الرغم من أن هذه قد تكون عوامل محفزة - ولكن كنتيجة للتطبيق التدريجي لـ"مشروع هيمنة أحادي"، والذي يستغرق وقتًا طويلاً واستراتيجية ذكية واسعة النطاق لكسب الإجماع حول نظام جديد من القيم والمعتقدات؛ وبعبارة أخرى أيديولوجية جديدة. لذلك، فإن الثورة الخالية من مشروعها السياسي (والثقافي) - مشروعها المهيمن - محكوم عليها بالتلاشي و الارهاق و ربما الفشل للمشروع الثوري بكلياته.
في ديالكتيك الثورة و تحولاتها
الثورة بما هي عملية سيرورة اجتماعية تاريخية لها مدها وجزرها. إنها ليست لحظة أو فرادة او حدث واحد احد. إنها جدلية التحولات و التغيرات عبر جميع اللحظات [٧]من التكوين والتشكل الاجتماعي. في علاقتها مع الطبيعة و الانسان في سماء و أرض السودان، والتكنولوجيا المتوفرة في البنية الاجتماعية الاقتصادية ، والعلاقات الاجتماعية في أماكن العمل و السكن و الدراسة و في فضاءات التسوق و المولات، و المفاهيم الأيديولوجية الفكرية السائدة و النقيضة لها، وفي وسائل و علاقات و عمليات الإنتاج، والسياسات الحكومية وإعادة إنتاج الحياة اليومية.
في تكتيكات و استراتيجيات الثورة المضادة
(١) الوجه الأول للثورة المضادة:الحركة الإسلاموية
لسنا نحن هنا بصدد حصر كل التكتيكات والاستراتيجيات و التي مورست و يمكن لاحقا ممارستها لهذا الوجه الثلاثي للثورة المضادة(و أن وددنا الدقة الوجه الرباعي و الذي يتمثل في دور وتدخل المجتمع الدولي وتحديدا مصالح رأس المال العالمي والإقليمي(تقرأ المراكز الرأسمالية الامبريالية).وإنما بفهم فضاءات الثورة المضادة و من اين تاتي لكي تتجاوز أزمتها و التمسك بالسلطة السياسية. لنحاول بدءا ملامسة. تكتيكات و استراتيجيات الوجه الأول للثورة المضادة متمثلا في نظام و سلطة المؤتمر الوطني(تحديدا الحركة الإسلاموية).
(١) - اللعب الأيديولوجي السياسي بهدف تحييد الثورة
١- بانتقال ثورة ١٩ ديسمبر إلى مرحلة حرب الحركة أي مرحلة الحشد الجماهيري و السياسي و النقابي و اختصارا مرحلة قيادة تجمع المهنيين للحراك الثوري الجماهيري في ديسمبر ٢٠١٨ و فيما بعد ومع وصول نظام المؤتمر الوطني الى اعلى مراحل الأزمة العضوية والتي تعني ان النظام ما عاد بمقدوره الاستمرار في السلطة بعد أن وصل مرحلة الاحتضار .هنا كانت استراتيجية النظام أن يبقى في السلطة للحفاظ على إمبراطوريته الاقتصادية(الحفاظ على نظام النيوليبرالية و نموذج التراكم الرأسمالي بقيادة شريحة الراسمالية الطفيلية والحيلولة دون خسارة وشيكة للسلطة، اختار البشير ان يكون ما سمي باللجنة الأمنية و التي تتكون من الفريق أول عوض ابنعوف والفريق أول كمال عبدالمعروف بصفته رئيس هيئة الأركان المشتركة، والفريق أول ركن مصطفى محمد مصطفى بصفته مدير الاستخبارات العسكرية، الفريق أمن صلاح قوش بصفته مدير جهاز المخابرات العامة والفريق أمن جلال الشيخ بصفته نائب مدير المخابرات العامة، والفريق أول الطيب بابكر بصفته مدير الشرطة والفريق أول محمد حمدان حميدتي بصفته قائد الدعم السريع، والفريق أول ركن عمر زين العابدين بصفته مدير عام منظومة الصناعات الدفاعية، والدرديري محمد أحمد بصفته وزير الخارجية بشارة جمعة أرو بصفته وزير الداخلية .اختار النظام ان يضحي بـ اسقاط راس النظام من اجل بقاء المصالح السياسية و الاجتماعية الطبقية حيث أعلن رئيس اللجنة الامنية في ١١ أبريل ٢٠١٩وزير الدفاع الفريق أول عوض ابنعوف معلناً انتهاء حقبة حكم البشير ببيان ضمن قوله” أعلن أنا وزير الدفاع رئيس اللجنة الأمنية العليا اقتلاع ذلكم النظام والتحفظ على رأسه بعد اعتقاله في مكان آمن.و التكتيك هنا هو اللعب الايدولوجي السياسي بهدف تحييد الثورة ومطالبها الجذرية.
و هذا التكتيك ليس ابداعا سياسيا صرفا مارسه نظام المؤتمر الوطني حيث نجد أن ذات التكتيك كان ان مارسته الثورة المضادة في مصر عشية ثورة فبراير ٢٠١١ حينما أعلن المجلس العسكري عزل الرئيس المصري حسني مبارك.هو تكتيك يلعب على تحييد التغيير الثوري بتبني الخداع الأيديولوجي بممارسة التغيير من أعلى ووفق الحفاظ على جوهر المصالح للنظام القديم و بمعنى آخر كان على النظام من أجل الاستمرار ان يتغير وفق تحكم محدد بدل التغيير الثوري و هذا التكتيك ظل فيما بعد يمارسه الجنرال البرهان و حميدتي طوال الفترة الانتقالية بعد المشاركة السياسية في ادارة الفترة الانتقالية وهذا مما نبحث فيه بمزيد من القول في جزء آخر من المقال البحثي.
(٢)- التسوية السياسية
٢- التسوية السياسية بهدف توسيع التحالف السياسي عبر إفساح المجال لقوى و شرائح طبقية اجتماعية جديدة في التحالف السياسي القديم بهدف تجاوز مرحلة احتضار النظام الحاكم.وهذا يستدعي أن نوظف مفهومي الكتلة التاريخية و الهيمنة.
إن مفهوم الهيمنة لجهة مركزيته في كتابات غرامشي النظرية و من بعد في العلوم السياسية و الاجتماعية في زمننا المعاصر.لأنه يسلط الضوء على صناعة التحالفات وتفكيكها ويساعد على دراسة العلاقات المعقدة وغير المستقرة بين القوى الاجتماعية الطبقية (المهيمنة)(الحاكمة) والقوى الاجتماعية الطبقية المهمشة.يمكن القول بالاتكاء على مفهومي الكتلة التاريخية و الهيمنة أن نفهم كيف زعزعة ثورة ١٩ديسمبر استقرار نظام المؤتمر الوطني بما هو كتلة تاريخية تمثل مصالحها في استمرار السياسات النيوليبرالية ممزوجة بأيديولوجيا الإسلام السياسي.بما هو كتلة اجتماعية طبقية تحت قيادة الرأسمالية الطفيلية والتي كانت تمارس الهيمنة أي القبول والتوافق السياسي الفكري داخل الكتلة التاريخية و التي سوف مشير لها في جزء تالي من المقال.و تمارس من الجهة الأخرى القمع و القهر للقوى الاجتماعية المتناقضة اجتماعيا و ذلك بتوظيف المؤتمر الوطني الحاكم لآليات الدولة القمعية عبر الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.إلى ان وصلت الأزمة العضوية و التي تعني ان نظام المؤتمر الوطني و كتلته التاريخية ما عادت بمقدورها الاستمرار في الحكم بعد نضال سياسي إيديولوجي تراكم لعشرات السنوات في تحدي ل الاستبداد و سياسات الافقار و المظالم الاجتماعية و الاحتراب.بكون ان الازمة العضوية بما هي وفق غرامشي أن النظام القديم بات في حالة احتضار و النظام السياسي النقيض لم يتمكن بعد من اواتلة النظام القديم و تأسيس مشروع الهيمنة الثوري و هنا نعني به مشروع ثورة ١٩ ديسمبر ومشروعه الفكري السياسي تحت شعارات الحرية و السلام و العدالة
٣-من خلال التركيز على علاقة الجبهة الإسلامية القومية المتغيرة مع مختلف الفئات الاجتماعية المختلفة من خلال ما يصفه فيميا (1981) بـ”الحد الأدنى“ من الهيمنة. ويستخدم الحد الأدنى من الهيمنة لوصف شكل من أشكال الهيمنة التي سادت في إيطاليا منذ ريزور ميمنتو حتى عام 1900 (تقريبًا)؛ وهو شكل من أشكال الهيمنة التي استندت إلى الوحدة الأيديولوجية للنخب الاقتصادية والسياسية والفكرية.مع ميلها لإبعاد الجماهير خارج تحالفها المسيطر من التدخل في شأن الدولة التي بيدها.وقد تم الحفاظ على هذه الهيمنة في حدها الأدنى من خلال عملية تحوّلية,من خلال فتح مجال من قبل الطبقة الحاكمة من خلال لاستيعاب العناصر الفاعلة النشطة الناشئة من الطبقات الحليفة والعدوة ، ترتبط هيمنة الحد الأدنى بأشكال من الثورة السلبية(التي تُفسر بشكل فضفاض على أنها ثورة ”من أعلى“ أو من دون مشاركة جماهيرية)
(٣) تعزيز ارتباط النظام القديم بالمجتمع الدولي
٣- تعزيز ارتباط النظام الحاكم مع بعض الدول و التي تتقاطع مع مصالح النظام في فضاء ما يعرف ب (المجتمع الدولي) و في ذات الوقت استدعاء وتجديد ان نظام المؤتمر الوطني بكونه يمثل التوجه السياسي الإسلاموي يبدو مناويا لمصالح الغرب وأن هناك هجمة تتخذ من ثورة ديسمبر غطاء من اجل اسقاط النظام والتوجه الحضاري و تبديله بمشروع الغربنة٠من الدول الغربية).مثال لذلك حينما ما استدعى وكثف نظام الأسد وهو يواجه الثورة الشعبية ان النظام بما يمثله من محور الممانعة لدول الغرب و المؤامرة الصهيونية و ربط الخطاب الثوري بتصالحه مع المؤامرة الصهيونية و مصالح القوي الامريكية الامبريالية
(٤)- استخدام آليات الدولة القمعية
٤- مثلما ما سيطر نظام الجبهة الإسلامية على السلطة عبر العنف(انقلاب ٣٠ يونيو٨٩) و عبر استخدام آليات الدولة القمعية وخاصة الشرطة و الأمن و الميليشيات (هيئة العمليات الذراع الأمني ذو التسليح المتقدم والأمن الشعبي و قوات الدفاع الشعبي والدعم السريع) من اجل قمع ثورة ١٩ ديسمبر مثلما ما فعل ابان قمعه الدموي لانتفاضة سبتمبر ٢٠١٣ وغيرها من الهبات الجماهيرية.و في هذا سجل واسع من قمع المعارضة بالسجن و بيوت الأشباح والتعذيب والاغتيال .سجل واسع وثقته منظمات حقوق الانسان العالمية و الإقليمية و المحلية.إلا أنه رغم العدد الواسع من قتل الثائرين والثائرات أبان تمرحل الثورة بدءا من النصف الثاني من ديسمبر إلى ١١ ابريل و ما بعده تجاوزت الثورة حاجز الخوف و حيدت لحد بعيد سلاح القمع و القهر الي عشية اسقاط راس النظام في ١١ أبريل وتحول النظام بعد الادعاء الأيديولوجي بالانتماء والانحياز للثورة.اللجوء إلى العنف المفرط ضد الجماهير الثائرة يعكس وفق غرامشي فقدان النظام السياسي الحاكم لمشروعيته السياسية و الايدولوجية و موت نظامه القيمي أي كانت درجة التوافق والقبول بها فيما مضى.و استمر النظام فيما بعد ١١ أبريل (الشراكة بين اللجنة الأمنية و بالنفوذ الواسع لقائد الجيش البرهان و قائد الدعم السريع بقيادة حميدتي و الذي وسع من نفوذه السياسي والاقتصادي)بعد الشراكة بين اللجنة الامنية و قوي الحرية و التغيير تحت سقف الوثيقة الدستورية(المجهضة و المفارقة للثورة ومطالبها في التحول الديمقراطي و السلام و العدالة و تفكيك نظام المؤتمر الوطني ايديولوجيا وسياسيا واقتصاديا.استمر العنف ضد الثوار في ظل الشراكة والتي هي تمظهر جديد للثورة المضادة ممثلة في مصالح الرأسمالية الطفيلية و مصالح قيادة الدعم السريع المنضمي إلى نادي الأغنياء الجدد و اضافة لمصالح القوى السياسية الطبقية تحت قيادة رئيس الوزراء حمدوك
(٥)- إجراء تغييرات للنظام القديم بهدف بقاءه
٥- و من تكتيكات الطبقة الاجتماعية الحاكمة و هي تواجه أزمة احتضارها و خطر اسقاطها كليا من السلطة(حيث تصبح ذكرى منسية).أن تحاول صياغة سردية ايديولوجية تتوافق مع بعض القوى الطبقية أو بعض شرائح الرأسمالية و التي هي ليست جزءا من الكتلة الطبقية الاجتماعية الحاكمة لكي تكون جزءا من مشروع السلطة الأيديولوجية الحاكمة. بمعني اخر حسب غرامشي تتمثل المهمة الرئيسية للكتلة التاريخية المهيمنة في اقتراح خطابات تهيمن على
على الطبقات المهمشة. وإذا ما كانت هذه الخطابات فعّالة، يمكن لهذه الخطابات أن تغيّر من ذاتيات أولئك الذين تستهدفهم.تُبنى الإيديولوجية المهيمنة بلغةٍ مشتركة تقدرها وتفهمها الطبقات المهمشة.الشراكة السياسية والتي تمت تحت هدي الوثيقة الدستورية ما بين اللجنة الامنية و قحت(حكومة حمدوك)تحيلنا إلى القول حسب غرامشي إلى الثورة المضادة ممثلة هنا في وجهها الأول اللجنة الامنية( تمثل مصالح الراسمالية الطفيلية و اضافة الى امبراطورية الجنرال حميدتي و التي صعدت صاروخيا سياسيا و اقتصاديا منذ تدشين الوثيقة الدستورية.
(٦)- الاعتماد على أجهزة الدولة العميقة
٦- و التكتيك السادس والذي وظيفته الحركة الاسلاموية بما هي ثورة مضادة ابتداء من أبريل ٢٠١٩ من أجل الاحتفاظ-وفق توازنات القوى السياسية و الاجتماعية الطبقية- بالسلطة كان هو الاعتماد على أجهزة الدولة العميقة و التي طلت بيدها و بخاصة تلك الآليات من الدولة العميقة الضاربة مثل الأجهزة الأمنية (الجيش وجهاز الامن و المخابرات و الشرطة و الميليشيات)إضافة للسيطرة على الوزارات بهذا الشكل او ذاك و بعامة الخدمة المدنية.يعمل مفهوم الثورة السلبية كعدسة تحليلية لإلقاء الضوء على الأشكال المختلفة للفاعلية المضادة للثورة والتمفصل بين الثورة و نقيضها.و توضح تجربة الثورة المضادة سواء في مصر علي سبيل المثال في مصر او في السودان استحالة التحول الديمقراطي دون الإطاحة ب الدولة العميقة.و التاريخ القريب لتجربة الشراكة بين اللجنة الامنية و قحت والتي من مظاهرها احتفاظ
الحركة الاسلاموية بأجهزة الدولة العميقة و التي عملت تحت إشراف جنرالات الجيش المباشر في تعطيل قيام المجلس التشريعي و تعطيل قيام المفوضيات القومية المستقلة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية نفسها (جدليا هنا نود الإشارة الي إليه اخري وهي ان الثورة المضادة قد تتفق و توقع على اتفاق سياسي او وثيقة بما فيها الوثيقة الدستورية إلا أنها تتحين الفرص التاريخية المحددة لكي تفرغها من محتواها الثوري والديمقراطي).اضافة لتعطيل المجلس التشريعي و محتواه الثوري عملت الدولة العميقة على تعطيل علي سبيل المثال عدد آخر من المفوضيات و التي منها:مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري، ومفوضية الانتخابات، ومفوضية حقوق الإنسان ومفوضية إصلاح الخدمة المدنية و مفوضية الأراضي و مفوضية السلام و التي تم قيامها و بتفريغ محتواها الثوري بما كانت تعنيه شعار الثورة بالسلام و بدليل الاشراف عليها بقيادة الجنرالين حميدتي و الكباشي و إنتاجهما اتفاقية سلام جوبا المعنية بالسلام في دارفور و النقد العاصف لنصوصها و مرتباتها في تعميق الثورة المضادة.ليس نحن هنا بصدد رصد و تحليل كل الممارسات التي عملت الدولة العميقة ليل و نهار في تعطيل الثورة او افراغها من محتواها انما فقط الإشارة لدور تلك الدولة العميقة في تعطيل التحول الديمقراطي و بكونها إليه و تكتيك بيد الثورة المضادة تلر سخيا و بالتجربة كان يعمل في عكس التيار الثوري و إعطاء النظام القديم قبلة الحياة من جديد..اختصار القول إن الدولة العميقة كالية بيد الثورة المضادة لها فضاء واسع في الاشتغال فيه عبر المجتمع المدني و السياسي و عبر توظيف ثنائية الترغيب والترهيب و هذا ما كان يمارسه جنرالات اللجنة الامنية في تعطيل مؤسسات وحكومة الفترة الانتقالية و أجهزتها في مجلس السيادة و اجهزة التشريع و القضاء( علي سبيل المثال المحاكمات المسطحة لرموز النظام السابق و تعطيل النظام النيابي والمحكمة الدستورية و ابقاء منتسبي النظام في مفاصل النظام القانوني).و لمن يود المزيد التعمق في اشكالية الدولة العميقة و اجهاضها للتحول الثوري والديمقراطي ربما يرجع الي العديد من الدراسات و التي منها مما يكشفه جان بيير فيليو في كتابه ”الدولة العميقة“ في الشرق الأوسط ،حيث يفصل في كيف سحقت الأنظمة الاستبدادية في سوريا ومصر واليمن الانتفاضات الديمقراطية التي اندلعت في ما يسميه”الثورة العربية“. وقد فعلوا ذلك من خلال اللجوء إلى أجهزة الاستخبارات وأذرع الأمن الداخلي التابعة لما يسمى ”الدولة العميقة“ - محاكاةً للاستراتيجيات التي كانت رائدة في تركيا الكمالية - التي لديها عقود من الخبرة في التعامل مع المعارضة الداخلية، وكذلك تبني عصابات الشوارع (البلطجية في مصر) أو فرق الموت (الشبيحة في سوريا) لفرض إرادتهم.و تجربة (اربعة طويلة) ابان الفترة الانتقالية شاهد ملموس في كيف أن الدولة العميقة بيد اللجنة الامنية وظفت تلك العصابات في نشر الرعب و العنف و بخاصة في الخرطوم والتجاوز الواسع للقانون.
(٧)- تفريغ الثورة من اسفل
٧-سابعا تمرر الثورة المضادة أجندتها عبر الاشتغال لتفريغ الثورة من اسفل اي من خلال العمل الجماهيري القاعدي و التمظهر بشكل خطاب ديمقراطي و متبني لخطاب الثورة الديسمبرية في الحرية و السلام و العدالة و من خلال اختراق مواقع الثائرين التنظيمية.و لنأخذ مثالا من حالة الثورة المضادة في مصر ثم نغوص في الثورة المضادة لثورة ١٩ ديسمبر.هنا في الحالة المصرية نتخذ من حملة(تمرد) المثال لنود أن نقول: حملة تمرد الواسعة النطاق و التي وصلت أعداد من مضوا( من توقيع امضاء) من المصريين و المصريات اللي ما قدره٢١ مليون بما هي خطة منظمة سياسيا و إيديولوجيا في تاريخ محدد من الثورة المصرية إبان تولي محمد مرسي رئاسة مصر بعد انتخابه. هذه الحركة (من اسفل اي من خلال الوصول الي الجماهير في مواقعها) التي أصبحت الوسيلة الشعبية التي استخدمها السيسي وحلفاءه في الجيش لنزع الشرعية عن مرسي لتبرير تدخلهم في السياسة، إذا ما استخدمنا التعبير الغرامشي,ما يميز هذه الحملة ضمن آخر أنها دون أي وحدة أيديولوجية بين الجيش والمجموعة المتنوعة من الأشخاص الذين دعموا الحركة.قيادة حملة تمرد كانت من نشطاء من ذوي الخبرة في كل من حركة كفاية 2005 وانتفاضة 2011. الأعضاء الخمسة المؤسسون لها كانوا جميعهم ناصريين (أيديولوجيًا) و حملة من خطاب الثورة و مطالبها الخبز و الحرية و العدالة.وبناء على هذه الواسعة كانت الثورة المضادة بقيادة الجيش تهي المسرح السياسي لتجاوز مرسي و الذي هو في حد ذاته يمثل شكل آخر من أشكال الثورة المضادة بدليل عمله و حزبه الإخوان المسلمين في اجهاض المشروع الثوري الديمقراطي بسن تعديلات دستورية قد تهدم الممارسة الديمقراطية و عزل سياسي لخصوم الإخوان المسلمين.
فيما يبدو عندنا صحيحا أن المثال المصري (حملة تمرد بكونها تكتيك وظفته الثورة المضادة في مصر من اسفل لإجهاض الثورة)لا يتماثل بإطلاقه مع واقع الثورة المضادة لمحاولاتها إجهاض ثورة ١٩ ديسمبر وربما يرجع ذلك للنفوذ الواسع أو قل شكل من أشكال هيمنة خطاب ثورة ١٩ ديسمبر على فضاء المجتمع المدني في الشوارع و الأحياء و الميديا الاجتماعية و أماكن العمل والدراسة (من الروضة الى الجامعة)و في منافي و مهاجر السودانيين في الخارج ويرجع أيضا في تصورنا لما سمته شاهندا سليمان ( ٢٠٢٢مرجع نهاية المقال) بالهيمنة في حدها الادني- أحد أشكال الهيمنة وفق التنظيرات و التي تتجادل مع مفهوم غرامشي للهيمنة و يعني بالهيمنة بحدها الادنى ان الجبهة الاسلامية كانت انضمت إلى الجبهة الإسلامية بما هي تحالف واسع في القلب منها الحركة الإسلامية بقيادة الترابي آنذاك ضاما في أحشائها جماعات من الادارة الاهلية و بعض الطرق الصوفية و و السلفيين وفق فكرة (الاسلام هو الحل أي الشريعة أو مشروع التوجه الحضاري).ووفق هذا المفهوم كانت تكتيك الحركة الاسلامية حصر القوى السياسية المعارضة لها في اليمين و اليسار في أجندة الدستور الإسلامي والأخلاق و في نهاية التحليل كان هدف الحركة الإسلامية تغبيش الوعي الطبقي وتشتيت (الكورة) عن قضايا الواقع السياسي الملموس (الديمقراطية و السلام و التنمية و العدالة و التبعية…الخ).
ما أشار له يوسف عزت مؤخرا في إحدى منصات الميديا الاسفيرية و الذي كان مستشارا لقيادة السريع بمحاولة الدعم السريع تكوين لجان مقاومة تختط خط الدعم السريع السياسي و فذا حاولت عبر المال السياسي((ذهب المعز )حميدتي)) تأجير شقق لبعض من شباب المقاومة المشتغلين معهم و تبني مشاريع علاج الجرحى من لجان المقاومة والذين تسبب في قتلهم وجرحهم و اعاقهم جسديا ذات (قصيدة الشاعر عمر الدوش:نفس الزول الكاتل ولدك حاكم بلدك (رمز سيادة).. شال لي روحو الفاتحة وقلدك. إلى آخر القصيدة و التي تعكس في حد ذاتها لاي مدى كانت الثورة تهيمن على عقول و قلوب الشارع الثوري و فضاءاته ضمن قصائد و اشعار و اغاني و خطابات أخرى بالطبع).هذه محاولة باهتة لمن كان في السلطة إبان الفترة الانتقالية لإجهاض الثورة من اسفل..والحركة الإسلامية و جنرالاتها في الفترة الانتقالية لم تسجل لهم محاولات سياسية وإيديولوجية منظمة لاختراق الثورة من اسفل سوي الاختراق الأمني.و سوف نتناول محاولات أخرى لإجهاض الثورة من اسفل من قبل وجه ثالث من الثورة المضادة( تحالف قحت او تقدم وصمود )في جزء تالي من المقال.
(٨) - الجنرال (المحايد)
٨- ثامنا قد نشير هنا إلى ما يسميه غرامشي القيصرية بكونها منهجية لتوحيد (الكمية) أو إعادة تشكيل الكتل التاريخية (النوعية) في حالات محددة من أزمة ظرفية أو عضوية حيث لا تستطيع الطبقات الحاكمة أو الطبقات الاجتماعية المهشمة أن تؤكد هيمنتها.اي بمعنى اخر تمثل القيصرية تسوية بين قوتين اجتماعيتين أساسيتين.و على سبيل المثال تعكس الحالة المصرية -في جدلية الثورة السلبية و الثورة المضادة في ظل ملامستنا لثورة يناير ٢٠١١-المشكلة هنا قصة الصراع بين الطبقات الحاكمة(و التي تتمثل مصالحها في سياسات الانفتاح الاقتصادي و التي ابتدرها السادات بعد ١٩٧٤ و من بعد التسعينيات تبني مبارك السياسات النيوليبرالية و التي يشار لها بكون قيادة الجيش يمثل قوى اساسية ضمن شرائح الراسمالية الصناعية و التجارية و العقارية و البيروقراطية والطبقات الخاضعة بما فيها القوى العمالية و الفلاحية و الطبقة الوسطى(مع استبعاد الشرائح العليا منها) دون أن يكون هناك انتصار حاسم إبان ثورة ١١ يناير ٢٠١١ لأي من طرفي الاستقطاب السياسي والاجتماعي الطبقي، يتم تقديم القيصرية كتفسير جامع مانع .. وفق ماثيو(مرجع نهاية المقال) يبدو أن السيسي يشبه ملاحظة غرامشي بأن القيصرية ”... تعبر دائمًا عن عن الحل الخاص الذي يعهد فيه إلى شخصية عظيمة بـ ”التحكيم على وضع تاريخي-سياسي يتميز بتوازن القوى المتجه نحو الكارثة…هنا هل يجوز لنا القول ان إحدى تكتيكات الثورة المضادة هي استدعاء جنرال من الجيش معلنا تبنيه وانحيازه (كوسيط بين جماهير الثورة و النظام القديم) و هل بهذا النوع من القيصرية يعتبر مثلا سوار الذهب إبان انتفاضة مارس أبريل ١٩٨٥ و و البرهان في أول ظهور له بجانب ابراهيم الشيخ قيصر جديد و محاولة للبحث عن الحل الخاص ليحل محل الجنرال ابن عوف في ١٢ أبريل ٢٠١٩.عموما تستدعي هذه الممارسة القيصرية وفق قراءات غرامشي مزيد من النظر لملامسة مدي إنتاجها لمعرفة ملموسة في كشف ممارسات الثورة المضادة في تجربتنا السودانية.
(٩)- ثورة مضادة عبر الحرب والسلاح
٩- تاسع تكتيكات الثورة المضادة و التي تأتي من محاولات النظام القديم المحتضر(نظام المؤتمر الوطني و الذي هو هو اللجنة الامنية و إن كان أحد جنرالاتها في وقت لاحق وبخاصة بعد حرب ١٥ أبريل شق طريقه الخاص في تبني ثورة مضادة عبر الحرب والسلاح وهذا مما نتباحث عنه في جزء آخر من المقال.تاسع التكتيكات هو الهجوم على الثورة ومحاولة افراغها
(١٠) - انقلاب داخل الانقلاب
١٠- عاشر تكتيكات الثورة المضادة هي انقلاب ٢٥ اكتوبر و من بعد إخفاقه إشعال الحرب(وماحدش حوش بشكل ما)(لسنا نحن معنيين بمن أطلق الطلقة الأولى لإشعال الحرب).و بعد استمرار الثورة عبر مواكبها ووقفاتها واضرابات العمل و تمدد لجان المقاومة هنا و هناك و فشل عنف الدولة تحت قيادة البرهان على الرغم من ازدياد عدد جرحى المتظاهرين والمتظاهرات الى قرابة ال ٤ الف و ما يقارب فوق ال١٣٠ شهيد و شهيدة توجه النظام المحتضر( البرهان و حميدتي) نحو تكتيك الانقلاب العسكري في مغامرة لإجهاض الثورة.الحرب تمثل مرحلة متأخرة من الثورة المضادة لثورة ديسمبر.
الحرب بما هي في جوهرها محاولة لحل التناقض الاجتماعي الطبقي بين الراسمالية الطفيلية و من ضمنها الأغنياء الجدد في ظل نظام الإنقاذ و مثالا ساطعا لهم ثراء حميدتي (بعض التقارير تشير الى كونه احد اكبر اغنياء افريقيا)وبين غالبية الطبقات الاجتماعية و التي تزداد أفكارا و تهميشا اقتصاديا من العمال وصغار المزارعين والعمال الزراعيين و الطبقى الوسطى و اضافة الي صغار الضباط والجنود.و في شكل يتبدي تناقض ثانوي بين طرفي الحرب لحسم ريع الاقتصاد الاستراتيجي (موارد السودان الطبيعية في باطن الأرض و فوقها)لصالح قيادة ميليشيا الدعم السريع أو قيادة الجيش بقيادة البرهان والحركة الإسلامية.الحرب والتي أدت إلى تصنيف السودان بكونه أكبر الدول ذات النزوح الداخلي حيث يشير تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(نوفمبر ٢٠٢٤): "أُجبر أكثر من 7.4 مليون شخص على مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان داخل السودان وخارجه، إلى جانب 3.8 مليون نازح داخلياً من الصراعات السابقة. يواجه السودان حالياً أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم وأهم أزمة نزوح للأطفال".اثر الحرب والنزوح باتت مواقع السكن في الأحياء وأماكن العمل (ارتفاع حاد في معدلات البطالة وصل ما يتجاوز ال٥٠ في المائة )عن العمل اثر الحرب و تعطيل الدراسة.باتت هذه الفضاءات الثلاثة (السكن و العمل و الدراسة) بما هي مواقع النضال الثوري المدني خارج فضاء العمل الثوري المنظم و هذا مما يصب في مصلحة قوى الثورة بتفريغ الثورة من وحواضنها الاجتماعية..في ظل أجواء الحرب وبخاصة في المدن تهيأت الفرص لطرفي الحرب في اعتقال و تعذيب و سدن عدد مقدر من الثائرين المعروفين لأجهزة الأمن و المخابرات.و هذا تحدي تاريخي غير مسبوق تواجهه قوي الثوري مما قد يتعين عليها استحداث وسائل جديدة للممارسة الثورية إلى حين عودة الحياة لطبيعتها قبل الحرب في الاحياء و أماكن العمل و الدراسة.
الحرب في خدمة الثورة المضادة بما هي إعلاء لصوت البندقية بدل الهتاف بالحرية و السلام و العدالة.بما هي إعلاء لمكانة الثكنة العسكرية و المتحركات تلو المتحركات المضادة و خفض لمكانة المجتمع المدني بما هو الحاضنة الاجتماعية و السياسية للثورة.والحرب بما هي جعل المواطنين و المواطنات البحث اولا في الحق في الحياة (النفس الطالع نازل) محل البحث عن الحياة الكريمة و الذي تنشده الثورة في غاياتها العليا.الحرب بما هي اعادة توزيع للتراكم الرأسمالي و الإثراء بيد قيادات الجيش و الميليشيات المتعددة و بما هي تداخل امبريالي يمد بالسلاح والتمويل والنهب لموارد البلاد وبما هي تعميق أكثر لانكشاف الاقتصاد السوداني للخارج أي نحو مزيد من تعميق التبعية.الحرب بما هي إعلاء لخطاب اقرب للقرون الوسطى قائم على الارتداد إلى القبلية والجهوية بدلا عن خطاب الثورة القائم على الاختلاف والصراع السياسي الإيديولوجي.
ميليشيا الدعم السريع (تحالف تاسيس ) كثورة مضادة
(١)
مليشيا الدعم السريع في تكوننها و تاريخها اللاحق هو ذات تاريخ نظام المؤتمر الوطني بقيادة البشير الاستبدادي و المتناقض اجتماعيا طبقيا مع مصالح الاغلبية الساحقة و المسحوقة.مما ذهبنا له أعلاه عن الوجه الأول للثورة المضادة(نظام البشير-البرهان لاحقا) يكاد يتماثل و بخاصة بدورهما معا إبان اندلاع ثورة ١٩ ديسمبر إلى حرب ١٥ أبريل.
(٢)
بعد اندلاع الحرب توجه الخطاب الأيديولوجي السياسي في تبريره للحرب بكونها نصيرا للديمقراطية و محاربا (للفلول الكيزان) و تارة في تبني مخادع (جذري) بكونه ضد (دولة ٥٦) و اخيرا متحولا إلى تبني خطاب المركز والهامش على خطى الحركة الشعبية بقيادة (الحلو).هذا الخطاب و تلونه و محاولاته(المسطحة) لشفشفة خطاب الثورة يؤشر في حد ذاته بكونه شكل من أشكال الثورة المضادة على مستوى الممارسة الأيديولوجية المخادعة.
(٣)
على مستوى آخر يتكونن الدعم السريع بكونه مشروع ثورة مضادة بامتياز هدفه الاستراتيجي ازاحة المؤتمر الوطني و البرهان ووراثته.و يمثل نموذج لتجربة قاسية - لنوع من الميليشيا - النتائج تشهده علي الاقل تاريخه و راهنه في ارتكاب الإبادة الجماعية والمجازر ضد المدنيين و التهجير القسري و العنف الجنسي و النهب الواسع غير المسبوق لموارد و ممتلكات المواطنين والممتلكات العامة و الخاصة و التي تعكس في مستوى جوهري النتائج المتوقعة لراسمالية نيوليبرالية تستهدف تراكم للثروة والمال عبر العنف و الحرب.الدعم السريع ثورة مضادة أيضا بكونه تداخل مصالح لرأس المال الطفيلي(حميدتي) و مصالح الامبريالية الجديدة(الفرعية) و العسكرة و التسلح و ذلك عبر علاقته قبل و بعد الحرب بالإمارات و التي تمثل وجه من أوجه الثورة المضادة على مستوى دولي وإقليمي.
(قحت> تقدم>صمود) كثورة مضادة
تمثل(قحت> تقدم>صمود) عندنا من عدسة و معيار الثورة السلبية ووفق ديالكتيك تناقضات اجتماعية طبقية - أحد قطبيها من يتبنون و يعملون على السير في طريق السياسات النيوليبرالية و التي على مستوى القطب الاجتماعي الطبقي الآخر- غالبية القوى المسحوقة و التي أشير لها اعلي المقال-ما حصدت من هذه السياسات سوي مزيد من الافقار والتهميش الاقتصادي و السياسي و تدني مستوياته الاغلبية على كافة المؤشرات الاجتماعية وعلى سبيل المثال المؤشرات الصحية والتعليمية.تمثل تمثل(قحت> تقدم>صمود) وجه ثالث من أوجه قوى الثورة المضادة و ما يلي ملامح عامة لكيف أنها وظفت بعض من تكتيكات و استراتيجيات الثورة المضادة.
(١)
ازدراء النقد والحقيقة
١- خطاب ازدراء النقد( بخاصة النقد الثوري و الجذري للممارسة النظرية و السياسية) و تخويفه و تخوينه ك تكتيك للثورة المضادة في بعد خطابها (الليبرالي) متمثلا في خطاب( قحت و+تقدم والتي ذابت فيها قحت بعد مؤتمر عام لها في أديس أبابا اكتوبر ٢٠٢٣) ونسخته المتأخرة (صمود) و التي تشكلت بعد خلاف(ظاهري) حول مقترح قيام حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع إلى تحالف صمود و بذات قيادة حمدوك و الجزء الآخر صار جزء من تحالف (تاسيس) و ما يلاحظ ان صمود لم تتشكل وفق جمعية عمومية او مؤتمر عام بل وفق حصيلة اجتماع لقيادتها العليا وما مدى ديمقراطية هذه الممارسة ليس محل قولنا هنا. برضو علاقة ذلك بتبني الحقيقة و الكشف عنها الحقيقة بما صديقة فلسفية لثورة ديسمبر وأي ثورة في التاريخ و كشف الحقيقة دوما ممارسة ثورية و لان الحقيقة بدورها دوما ثورية في الطبيعة و علومها و في الاجتماع البشري و علومه و اخفائها اخفاء للثورة و علاقة الخطاب الفاشي بالتلاعب بالحقيقة و الاستهتار بها.و وفق جورج أورويل(في زمن الخداع،يكون قول الحقيقة عملاً ثورياً.
(قحت> تقدم>صمود) و الثورة المضادة من اسفل
(١)
مثلما حاولت و تحاول الثورة المضادة في وجهها(البرهان- المؤتمر الوطني) و وجهها الثاني (ميليشيا الدعم السريع)ممارسة تكتيك التغلغل أو التسلسل لقوى الثورة من اسفل اي من قواعدها الاجتماعية في الاحياء و الدراسة و العمل النقابي وفق أهداف تتعارض و قد تتناقض كليا مع أهداف قوي ثورة ديسمبر.حاولت و تحاول (قحت> تقدم>صمود) ممارسة ذات التكتيك و نحن هنا لسنا بصدد البحث التفصيلي في تلك الممارسة الموثقة في العديد من الكتابات و الندوات و البيانات المبذولة في الاسفير و مواقع لجان المقاومة.
(٢)
تجربة تجمع المهنيين و تقسيمه أثناء اعتلاء (قحت) للسلطة عبر الشراكة مع اللجنة يبقي مثال
ملموس لهذا التكتيك و من ضمن الامثلة الاخرى محاولة تضخيم بعض الأجسام النقابية و زعمها الانضمام إلى التحالف السياسي (تقدم) و(صمود) وعلى سبيل المثال حسب بيان صادر في فبراير ٢٠٢٥ عن تنسيقية لجان مقاومة الكلاكلات وجنوب الخرطوم تشدد فيه"لاعلاقة لنا بالتحالف الجديد (صمود) "واتهمت لجان مقاومة الكلاكلات وجنوب الخرطوم تنسقية تقدم بتزوير لسانها واعتماد أشخاص تم فصلهم سابقا… و كان الشكل الآخر للوصول لقواعد اللجان المقاومة يتم عبر الورش الممولة ببعض مؤسسات التمويل و و ما يسمى ببيوت الخبرة الدولية و التي ان وددنا التعقيد النظري و الممارسة(المصالح الاجتماعية الطبقية ما بين القوى الاجتماعية السياسية بالداخل و مؤسسات رأس المال الدولي وتبني سياسات النيوليبرالية).
(٣)
التحالف السياسي مع (الاقوى)- من اعلي
تاريخيا ( تحالف الجبهة الهيئات١٩٦٤والتجمع الوطني ١٩٨٥ والتجمع الوطني الديمقراطي (أكتوبر ١٩٨٩)و حتي قيام تحالف (قحت) في يناير - ٢٠١٩ كانت هذه التحالفات التاريخية تأسس على مفهوم التحالف علي الحد الادني و تاريخيا ايضا كانت تتشكل (جنينيا) الثورة المضادة. بهذا نعني التحالف يستمد قوته من التحالف الاجتماعي الطبقي الواسع و الذي ينجز الهدف الثوري وفق برنامج محدد و لكن سرعان ما يتمظهر اختلاف جوهري حيث ينقسم جزء من التحالف للتحالف(غير المعلن والمعلن)مع عسكر النظام القديم باعتباره( الاقوى و ليس الجماهير الثائرة اصلا ضد النظام القديم).و في التجربة التي تلت توقيع اعلان تحالف قحت يناير ٢٠١٩ و نجاحها في إسقاط رأس النظام (البشير) مال جزء من قوي (قحت)(خروج الحزب الشيوعي من قحت) الى التحالف مع جنرالات اللجنة الأمنية لنظام البشير و هكذا كان الاساس السياسي للشراكة والتي استمرت حتى انقلاب اكتوبر ٢٠٢٥. و هكذا يمكن القول ان درب الشراكة السياسية -التسوية السياسية- استمر جوهريا عبر الاتفاق الاطاري بين قحت و قيادة الجيش تحت امرة البرهان و قيادة الدعم السريع بقيادة الجنرال حميدتي و برعاية ما يسمى المجتمع الدولي ( المجموعة الرباعية تضم السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة). و التي مازالت مع آخرين تلعب دورا نافذا في سير معارك الحرب والتفاوض الدولي لوقف الحرب. قحت و من بعد تقدم و من بعد صمود هي (نفس الزول) الباحث للشراكة مع الطرف او الطرفين الأقوى(عسكريا و اقتصاديا) و برعاية القوي الدولية (الاقوى) نفوذا و جماهير الثورة ليس سوى انها الهامش وفقا لهذا الممارسة السياسية ل صمود او تقدم او قحت.
(٢)
مفهوم التحالف السياسي العريض بحده الادنى -في تاريخه الراهن وفق الممارسة يبدو بات إشكاليا و احدي اشكالياته حمله في احشائه الثورة المضادة في وقت لاحق لإسقاط النظام القديم على المستوى الظاهري.و هذا لا يعني بشكل خالص ان الصراع هنا داخل قوى التحالف السياسي العريض هو صراع علي مستوي الخطاب الليبرالي أو الإصلاحي ضد الخطاب الثوري الجذري و إنما هو في نهاية التحليل يعني و يفهم في إطار دياليتك التناقضات الاجتماعية الطبقية و ما هو(عدو الثورة) اجتماعيا طبقيا.وهذه اشكالية نظرية مبذوله في فضاء ما العمل عند القوي الثورية.
قحت و الاقتصاد السياسي للثورة المضادة
خلال الفترة الانتقالية و بقيادة رئيس وزرائها و طاقمه الاقتصادي من ضمنه وزير المالية ابراهيم البدوي ذهبت الحكومة الانتقالية بعد تأسيس الشراكة السياسية مع اللجنة الأمنية الي السير في ذات سياسات التحرير الاقتصادي والسوق الحر وفق روشتة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مما يعني أن تعارض النص النيوليبرالي مع واقع الثورة و برنامجها الاقتصادي الإسعافي فان نخبة (قحت) تعلي النص النيوليبرالي و تسقط الاقتصاد السياسي للثورة و البرنامج الاقتصادي المتفق عليه بين قوى الثورة قبل اسقاط راس النظام القديم.و ان كان النص النيوليبرالي مدعوما سياسيا و إيديولوجيا (بالمجتمع الدولي) و اجتماعات شاتام هاوس و التي كانت احدي اجتماعاتها كان يرأسها حمدوك(أواخر ٢٠١٩) و مدعوما بنخبة من شرائح الرأسمالية ( مو ابراهيم و أنيس حجار و اسامة داود) فان نخبة قحت تعلي النص (الدولي تقرأ الامبريالية) نص شاتام هاوس و الذي هو هو نص مصالح النخبة الرأسمالية المسماة أعلاه و الذي هو نص عبد الرحيم حمدي).
(قحت> تقدم>صمود) و الثورة المضادة من اعلي
فيما اشرنا له اعلاه هو فصل عاما من كتاب ليس هنا محل التفصيل فيه يوضح كيف مارست(قحت> تقدم>صمود) ثورتها المضادة لثورة ١٩ ديسمبر عبر اسفل عبر القواعد الاجتماعية السياسية للثورة.وهكذا نود أن نقول دون تفصيل في كتاب ذات القوي و ممارستها لإجهاض الثورة من أعلي أي إبان مشاركة قحت في السلطة(من أعلى السلطة).من أمثلة ذلك الاتفاق السياسي عبر الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ والقرارات الاقتصادية إبان الفترة الانتقالية و التي تحدثنا عنها في محل آخر و المشاركة بالصمت ان يكن بالاتفاق مع الجنرال البرهان و الجنرال حميدتي في عدم قيام المجلس التشريعي و اغلبية المفوضيات المحددة في الوثيقة الدستورية و السماح للجنرال الكباشي و حميدتي بادارة شان السلام و ما تمخض من اتفاق سلام جوبا و التي وجهت لها سهام من النقد و ايضا الصمت عن قضايا العدالة والعدالة الانتقالية( حد ارتضاء قحت المشاركة في السلطة مقابل منح حصانة غير معلنة لجرائم فض الاعتصام وقتل المتظاهرين.
قوى الثورة والثورة المضادة و ما العمل
ديالكتيك الثورة وتجاوز تحالفات الحد الأدنى
(١)
في تاريخ التغيير من الأنظمة الاستبدادية إلى الانتقال الديمقراطي بدءا من تجاوز نظام عبود(١٩٥٧-١٩٦٤) عبر( ثورة) أكتوبر ١٩٦٤ وتاليا من تجاوز نظام مايو (١٩٦٩-١٩٨٥) و ثالثا من تجاوز نظام نظام البشير (١٩٨٩-٢٠١٩) كان لمفهوم التحالف الأدنى بين القوي السياسية و النقابية و المدنية(منظمات) مركزيته في إنجاز التحول الديمقراطية إلا أنه كان له اشكالياته في مدى تحقق برامج و قيم الثورة بشكل ملموس. كانت له صلته عبر الممارسة النظرية و العملية في تمظهر الثورة المضادة طوال التغييرات الثلاثة(عبود و نميري و البشير) وبخاصة في التغيير الثالث.
(٢)
يمكننا القول و في الاعتبار التعقيد النظري والممارسة التاريخية قراءة تلك التجربة في تحالفات الحد الادني و هذا باب مفتوح لقوى ثورة ديسمبر لنقد المفهوم والممارسة صوب الهدف الاستراتيجي للثورة بإنجاز التحول الديمقراطي وتفكيك النظام القديم سياسيا واقتصاديا وفكريا.وهذا معنى من معاني التحديد الاستراتيجي والتكتيكي للثورة.إنتاج المعرفة الملموسة لواقع تحالفات الحد الأدنى الملموسة.و في جدلية كم الممارسة السياسية(تحالف الحد الأدنى السياسي في حكومة جبهة الهيئات ٦٤ والتجمع الوطني ٨٥ و(قحت) ٢٠١٩) ربما وصل(في التغيير الكمي وفق اشتراطات محددة قد يؤدي تغيير كيفي) مفهوم وممارسة التحالف بحد الأدنى
الي مرحلة تجاوز نوعيا نحو تحالف سياسي جديد بحيث يتم تجاوز الثورة المضادة .في مختصر القول يبدو لنا أن هذه مهمة نظرية و ممارسة سياسية تبقى مهمة من مهام ما يجب العمل حوله في فضاء قوى الثورة ومشروع تركيب و تعضيد مشروعها النقيض للثورة المضادة نحو الهيمنة في فضاء المجتمع المدني والمجتمع السياسي.
القواعد الجماهيرية حارسة التغيير
(١)
بقراءات التجارب الثورية و تحديدا الثورة المضادة للثورة في مصر و تونس و جنوب افريقيا و المكسيك و بخاصة دعونا نشير هنا لتجربة بوليفيا.تتوصل الدراسات المعينة بها(سوف نرفد القاري المهتم بعدد من هذه الدراسات نهاية المقال) إلى القول بأهمية وجود القوى المعنية بالثورة في كل فضاءات المجتمع المدني(قوى سياسية و حزبية و نقابات و منظمات مدنية)في قواعدها الاجتماعية و السياسية وفي المدن و في الريف لكي ترسل رسائل إلى السلطة الحاكمة و التي هي تمثل التحالف الاجتماعي السياسي للثورة بكونها في حالة الاستعداد واليقظة في حالة تجاوز المسار الثوري عبر حكومة(الثورة) حيث من الممكن وفق تلك التجارب أن يتم إجهاض الثورة و برامجها من أعلي أي من قبل قرارات الحكومة(الثورية).و بالضرورة مشاركة قوى الثورة على تعددها في مفاصل السلطة السياسية ودوائر صنع القرار. هذا النقد موجه لهذه التجربة البوليفية من عدسة مفهوم و معيار الثورة السلبية و باختصار نود تاليا أن نشير لبعض النقد من جهة الاقتصاد السياسي.
(٢)
تجربة بوليفيا
بقيادة إيفو موراليس، و حزبه MAS (الحركة الاشتراكية)، الذي قفز إلى السلطة وأصبح موراليس أول رئيس من السكان الأصليين لثلاثة دورات انتخابات 2005 و 2009 و 2014…وبقيادة موراليس تأسست الخريطة السياسية الجديدة التي ملامحها الأساسية: الاقتصاد التعددي مع دور محوري الدولة، (٢) والاعتراف بحقوق السكان الأصليين ونظام الحكم الذاتي الإقليمي.من عدسة و معيار مفهوم الثورة السلبية تنتقد التجربة البوليفية رغم الانجازات المعتبرة (نمو الاقتصاد بمعدل متوسط قدره ال 5 في المائة منذ عام 2006، وانخفاض مثير للإعجاب في مستويات الفقر والفقر المدقع ومشاريع البنية التحتية الضخمة، والإنجازات الاجتماعية في مجالات مثل الحد من الأمية) …. الا ان التجربة تنتقد (١)لقلة المساهمة الإجمالية للأنشطة الإنتاجية - التصنيع والتشييد والبناء والطاقة والغاز والمياه- (٢) نمو أنشطة القطاع الثالث (التجارة والنقل العام والخدمات المصرفية والتي لا تساهم في تراكم رأس المال(٣)انخفاض أهمية الصناعة التحويلية الصناعية في الناتج المحلي الإجمالي .في الواقع، (٤)لم يطرأ تغيير يُذكر على الأساس البنيوي لنموذج التراكم الرأسمالي القائم على تصدير الموارد الطبيعية منذ عام 2006 (٥)استمرار نفوذ رأس المال الأجنبي في مفاصل الاقتصاد البوليفي…
(٣)
لجان المقاومة والبناء القاعدي
تمثل الكتابات النظرية و تجارب بناء لجان المقاومة و البناء القاعدي و توسيعه خطوة أو خطوات محفزة نحو تأسيس نظرية محددة و ملموسة تلامس واقع و مستقبل ثورة ديسمبر.و بقراءة تجارب الثورة المضادة في أكثر من بلد في أفريقيا وأمريكا اللاتينية من الضرورة النظرية والتاريخية مسك جمر هذه الاستراتيجية و ضرورة الاشتغال(على مستوى اقتصادها السياسي و الفكري و التنظيمي و الإداري…الخ) على انضاجها على كل مستوياتها القاعدية من الحي الي المحلية إلى المدنية إلى الولاية.
الثورة الديسمبرية ومشروع هيمنتها
(١)
ثورة ١٩ ديسمبر ثورة تتأسس و تأسست على رهان الوعي الملموس للواقع الملموس.ليست هي تراهن على العنف السياسي بكافة أشكاله(الانقلاب العسكري أو آليات وأجهزة عنف الدولة (جيش و شرطة و جهاز أمن و ميليشيات مسلحة).ليست هي في استراتيجيتها أيضا شن حرب المدن- حرب الغوريلا-كما يجري و تجري الحرب منذ ١٥ ابريل.هي ثورة متأسسة على خطاب نظري و ايديولوجي ينشد الحرية و السلام و العدالة و التنمية المتوازنة.على جعل لعبة الديمقراطية هي مركزية الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية..على
البحث جوهريا في تأسيس مشروع مساومة اجتماعية طبقية محددة بين قطبي التناقض الاجتماعي الطبقي رأس المال والعمل.
(٢)
و من الضرورة النظرية و الممارسة التاريخية للثورة و قواها استدعاء غرامشي( ضمن نظريات ومناهج أخرى مبذولة هنا و هناك) للمشهد السياسي الراهن - و تحديدا الثورة المضادة للثورة الديسمبرية. في دراسة الباطن الداخلي للثورة المضادة تاريخيا و بخاصة المشهد الثوري منذ ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ الي الراهن و مشهد ثلاثي الثورة المضادة فيما اشرنا له اعلي المقال اضافة الى الوجه الرابع للثورة المضادة و الذي يتداخل مع التدخل الامبريالي بكافة أشكاله.لدراسة هذا الباطن يبقى استدعاء غرامشي من الأهمية بمكان(١)إن مفاهيم الهيمنة و الكتلة التاريخية و حرب المواقع و حرب الحركة والثورة السلبية ….قد توظف في كشف آليات واستراتيجيات الثورة المضادة و قراءة باطن الثورة و التناقضات الاجتماعية الطبقية و السياسية و الثقافية(٢) قد يبقي من الضرورة بمكان تأسيس مؤسسات معرفية و مؤتمرات وورش بحثية تستدعي ضمن ما تستدعي هذه المفاهيم و المناهج التي قد تسهم في تراكم المعرفة الملموسة لواقع و تاريخ الثورة.
مراجع
The Organic Crisis of Neoliberalism
The Populist Moment and the Tendency Toward Caesarism by Chelsea Emery, May, 2024
—------------
Review of african political economy, vol. 49, no. 172, 264–286. 2022
Minimal hegemony in Sudan: exploring the rise and fall of the
National Islamic Front. Shahenda Suliman
—----------
Class Politics and Ideology in Revolutionary Egypt
Matthew Wainscott
—-------
فكر غرامشي السياسي
جاك مارك بيوتي
ترجمة جورج طرابيشي
tarig.b.elamin@gmail.com