بعد فشل المفاوضات.. تعرف على ثوابت السياسة الخارجية المصرية تجاه ملف سد النهضة
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
انتهى مساء اليوم في أديس أبابا الاجتماع الرابع والأخير من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا الذي سبق إطلاقه في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بالانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد في ظرف أربعة أشهر.
وأعلنت وزارة الموارد المائية الري، أنه لم يسفر الاجتماع عن أية نتيجة نظراً لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة.
واتخذت مصر عقب ثورة 30 يونيو الخيار التفاوضي في تعاملها مع أزمة سد النهضة مستندة إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة والتي تنم عن رغبة في تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وأثيوبيا والتشارك في مواجهة التحديات التي تواجه القارة الافريقية وتوسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف والسعي لإيجاد رؤية مشتركة بين مصر وأثيوبيا لحل تداعيات إنشاء سد النهضة
▪ الاعتماد على اتفاق المبادئ الذي وقع عليه رؤساء الثلاث دول مصر والسودان وأثيوبيا في مارس 2015 بوصفه ملمحًا هامًا من ملامح التعاون وبناء الثقة بين الدول الثلاث.
▪ وحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل الشرقي "مصر والسودان وأثيوبيا “، والتركيز في المناقشات على أساس المنفعة المتبادلة بعدم الضرر والعمل على تحقيق المصلحة للجميع.
▪ تمسك مصر بحق شعبها المكتسب والتاريخي في مياه النيل مع حرصها في الوقت نفسه على استمرار دعم مختلف جوانب التنمية في منطقة حوض النيل.
▪ حث الأطراف على ضرورة تحقيق تطلعات قيادتنا وشعوبنا وإعطاء مثال للعالم أجمع أن المياه تعد حافزا للتعاون وبناء الحضارات وليست مصدر للصراعات.
▪ التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة، على نحو يمكن إثيوبيا من تحقيق التنمية الاقتصادية التي تصبو إليها وزيادة قدراتها على توليد الكهرباء التي تحتاجها، أخذًا في الاعتبار مصالح دولتي المصب مصر والسودان، وعدم إحداث ضرر لحقوقهما المائية
▪ العمل بكل عزيمة مشتركة على التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل العالقة وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد، وذلك على النحو الذي يؤمن لمصر والسودان مصالحهما المائية ويتيح المجال لإثيوبيا لبدء الملء بعد إبرام الاتفاق
▪ حتمية بلورة اتفاق قانوني شامل بين كل الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد، ورفض الإجراءات المنفردة أحادية الجانب التي من شأنها إلحاق الضرر بحقوق مصر في مياه النيل.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الخارجية المصرية سد النهضة مفاوضات سد النهضة إثيوبيا أديس أبابا مصر والسودان سد النهضة
إقرأ أيضاً:
السياسة .. كديانة يهودية
حظي موضوع الدعم الأمريكي السخي المطلق لإسرائيل بنقاش واسع منذ أن تنامى بسفور كامل بعد حرب أكتوبر عام 1973، وتعددت مستويات هذا النقاش ومقارباته بين الأبحاث التي تنطلق من مبدأ المصالح الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة ودولة الكيان المحتل، وأخرى تفسّر العلاقة الحميمة بين الطرفـين انطلاقًا من دراسة النشاط التاريخي للمجتمع اليهودي فـي صناعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا العالم، وبمزيج من السياسة والمال، بينما يدور النقاش فـي سياقات أخرى حول مقاربة دينية ترتكز على دور المسيحية الصهيونية وتحالفها مع/ أو توظيفها لـ«المسألة اليهودية».
لا نُغفل أيضًا تأثير التناول الإعلامي والشعبوي المسطَّح، خاصة فـي الأوساط العربية، والذي يماهي مماهاة شبه تامة بين السياسات الأمريكية والإسرائيلية فـي الشرق الأوسط، ذاهبًا فـي كثير من الأحيان لصناعة الأساطير وترويجها عن الفئة القليلة التي تحكم العالم من الغرف المظلمة، هناك فـي نيويورك أو واشنطن، أو عبر منظمات الضغط الصهيونية مثل «إيباك» التي صنفتها دراسة لـNational Journal عام 2005 كأقوى اللوبيات الأمريكية فـي واشنطن، متعادلة مع الاتحاد الأمريكي للمتقاعدين.
والحقيقة أن التفكير مليًا بسياسات الدعم الأمريكي المفتوح لإسرائيل، وخاصةً فـي تجلياتها الأبشع بعد السابع من أكتوبر 2023، تصيبنا فعلًا بالعجز عن مقاربة الأمر مقاربةً سياسية تقليدية من المنظور النظري المحدد والمركز لفهم التحالفات والعلاقات الدولية التقليدية.
نعم، لا يمكننا أن نفكر فـي هذه العلاقة دون أن نقع أسرى لمناخها الأسطوري الذي يندر (أو ربما يستحيل) أن نعثر على حالة شبيهة به فـي مجمل سجلات الحركات الاستعمارية، بحيث نصبح فـي موقف لا بأس فـيه أن نجازف -مع بعض الحذر الضروري- باعتبار الدعم الأمريكي اللامشروط لإسرائيل حالةً أسطورية عبر التاريخ بالفعل.
ثمة حقائق مباشرة عن هذا الدعم، وعلى رأسها أن إسرائيل هي «أكبر متلقٍ سنوي للمساعدة الأمريكية المباشرة، الاقتصادية والعسكرية، منذ سنة 1976، وأكبر متلقٍ إجمالي للمساعدة منذ الحرب العالمية الثانية».
جاء هذا فـي دراسة بالغة الأهمية فـي توقيتها عام 2006، نشرتها كلية جون ف. كينيدي التابعة لجامعة هارفرد بعنوان «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية» التي قدّمها جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية البارز فـي جامعة شيكاغو، برفقة ستيفن والت عميد كلية كينيدي. تصف الدراسة الولايات المتحدة بـ«المحسن العظيم» الذي يجازف بمصالحه العليا لمساندة «الديمقراطية اليتيمة فـي الشرق الأوسط» ولإنقاذ داود الواقف وحيدًا فـي مواجهة جالوت العربي العملاق، مع أن واقع القوة على الأرض لا يعكس إلا انقلابًا صارخًا للأسطورة.
مع ذلك، هناك ما يضع العقل بالكف حين نعلم أن السياسيين الأمريكيين كثيرًا ما اشتكوا (بصوت منخفض طبعًا) من تجسس إسرائيل وعملائها على المؤسسات والمصالح الأمريكية؛ إذ تُعتبر إسرائيل الحليف الأكثر تجسسًا على أمريكا، وفقًا لما تشير إليه الدراسة التي سارعت جامعة هارفرد للتنصل منها بإزالة اسمها وشعارها، وذلك بعد أن تلقت تهديدًا صارمًا من قبل جماعات الضغط اليهودية فـي أمريكا التي توعَّدت بحجب التبرعات عن الجامعة فـي حال توانت عن إنزال أشد العقوبات بمؤلفـي الدراسة، وهو ما دعا ستيفن والت لتقديم استقالته من منصبه. وكانت مجلة الدراسات الفلسطينية قد سارعت لنشر نص الدراسة مترجمًا بعد فترة وجيزة فـي عددها 66، ربيع 2006.
ربما يكون الكاتب والصحفـي الأمريكي ستيفن آيزاكس من أوائل من قدّموا كتابًا فـي الموضوع بعد حرب أكتوبر، الحرب التي افتتحت فصلًا جديدًا فـي التبني الأمريكي لإسرائيل وضاعفت من المساعدات العسكرية والمالية لها. فـي كتابه «اليهود والسياسة الأمريكية» الصادر عام 1974، يعلل آيزاكس سطوة اليهود على مجريات الحياة السياسية فـي أمريكا، والتي تنعكس بالتالي على السياسة الخارجية تجاه إسرائيل، من خلال ما وصفه بنشاط اليهود المفرط والاستثنائي فـي السياسة مقارنة بالفئات الأخرى.
إنهم فـي أمريكا، فـي «أول بلد يعاملهم كرجال ونساء قبل أن يعاملهم كيهود»، وفـي أمريكا باتوا يؤمنون أكثر من أي وقت مضى بأن «الإنسان هو صانع التاريخ أكثر مما هو صنيعته»، مع ذلك فهم يتهربون من التعريف بأنفسهم يهودًا، خاصة فـي مجال العمل السياسي كما فـي الأوساط الأكاديمية، لم يعودوا يقولون: «أنا يهودي»، بل يقولون: «أنا ديمقراطي»، «أنا تقدمي»، «أنا أمريكي».
أصبح معظمهم من الليبراليين، متعلمين جدًا، وناجحين فـي المهن والجامعات، وميَّالين للاحتجاج، والنسبة العظمى منهم تصوت لصالح الحزب الديمقراطي ضد الجمهوريين المحافظين، ويتعاملون مع الانتخابات بقلق شديد.
لقد تخلى معظمهم عن الصلاة والابتهال كليًا ليتديَّن بالسياسة، كما لم يحدث قط فـي تاريخ اليهودية عبر آلاف السنين. لقد أصبحت السياسة هي دينهم كما عبر أحد المعبرين الفكريين عن اللجنة اليهودية الأمريكية: «إن حماسة اليهود غير التقليديين للسياسة هي ديانتهم فـي الأمر الواقع. وعلى الرغم من كل ما مروا به من محن، فإن أولئك اليهود ما زالوا يؤمنون بالخلاص الديني، وديانتهم هي السياسة».
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني