من نزوح إلى نزوح.. تستمر المعاناة الإنسانية للسودانيين الفارين من ويلات الحرب
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
نزح قرابة نصف مليون سوداني الى ولاية الجزيرة قبل أن تبدأ قوات الدعم السريع تقدمها نحو القرى المحاذية للطريق السريع بين الخرطوم وود مدني
ما كاد محمد ابراهيم يعتاد على الحياة في ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة بوسط السودان، التي نزح اليها هربا من الحرب في الخرطوم، حتى لاحقته المعارك إليها لتسلبه من جديد كل شيء.
يقول ابراهيم "قبل سبعة أشهر"، أي بعد نحو شهر من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، "عندما اشتدت المعارك في الخرطوم نزحت مع أسرتي الى ود مدني".
سلكت آلاف العائلات الطريق نفسه باتجاه الجنوب إلى ود مدني التي تبعد 180 كيلومترًا عن الخرطوم وسرعان ما تحولت إلى مركز رئيسي للنازحين ولعمليات الاغاثة.
الآن وقد امتدت المعارك الى هذه المدينة، اضطُر ابراهيم وأفراد عائلته الستة للنزوح من جديد.
نزح قرابة نصف مليون سوداني الى ولاية الجزيرة قبل أن تبدأ قوات الدعم السريع تقدمها نحو القرى المحاذية للطريق السريع بين الخرطوم وود مدني.
حتى الثلاثاء، وهو اليوم الرابع للمعارك الطاحنة في الولاية، نزح قرابة 300 ألف شخص منها. "كان العديدون منهم في حالة ذعر ولم يجدوا وسيلة للفرار سوى السير على الأقدام"، بحسب الأمم المتحدة.
وحذرت المنظمة الدولية للهجرة الخميس من أن ما يشهده السودان "مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة في الأساس".
32 قتيلا في هجمات في منطقة متنازع عليها بين السودان وجنوب السودانالأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر: الجوع يهدد حياة الآلاف من مواطني جنوب السودان العائدين هرباً من الحربمعاناة النازحين في السودان تشكل قلقاً للأمم المتحدة السودان: واشنطن تحض قوات الدعم السريع على وقف تقدمها نحو منطقة تأوي نازحين ومراكز إغاثةولكن جراء الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الهشة أصلا، جراء الحرب بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش والفريق محمد حمدان دقلو الذي يقود قوات الدعم السريع، لم يجد كثيرون مكانا يذهبون اليه.
في سنار، على بعد 100 كيلومتر جنوب ود مدني، لا يستطيع ابراهيم أن يجد مكانا لتقيم فيه أسرته. ويقول "إنها التجربة نفسها التي سبق أن مررنا بها في ود مدني".
توجه نازحون آخرون الى الفاو، على بعد 120 كيلومترًا من ود مدني، مثل عبد الرحيم محمد إمام (44 عاما) الذي قال إن أسرته "تقيم الآن في منزل صديق" لهم.
تكلفة باهضة للحرب في السودانأسفرت الحرب في السودان عن سقوط أكثر من 12 ألف قتيل حتى مطلع كانون الأول/ديسمبر وفقا لحصيلة بالغة التحفظ لمنظمة أكلد المتخصصة في احصاء ضحايا النزاعات.
كما أدت الى نزوح 4,5 مليون شخص داخل البلاد فيما لجأ أكثر من 1,4 مليون الى الدول المجاورة.
ومع امتداد القتال الى ود مدني، عادت الى اذهان النازحين من الخرطوم الأوضاع التي عاشوها في العاصمة ودفعتهم الى الفرار منها.
وفيما كان القتال دائرا بين الطرفين والطائرات الحربية تعبر السماء، أغلقت المحلات التجارية خوفا من النهب وبدأت العائلات تبحث عن وسيلة لحماية النساء والفتيات خشية وقوع اعتداءات جنسية تبادل الطرفان الاتهامات بارتكابها منذ اندلاع الحرب.
ومع تقدم قوات الدعم السريع داخل المدينة، أصبح العثور على وسيلة انتقال أمرًا شبه مستحيل.
طريق النزوح بين الصعوبات والتحدياتعمر حسين يبلغ من العمر 65 عاما، قرر النزوح من ود مدني مع عائلته حاملين معهم القليل من الأمتعة، ولكنهم اضطروا للسير 10 كيلومترات الى أن وجدوا سائقا على استعداد لنقلهم.
ولكن مع مئات الالاف من النازحين، فإن "الوضع الإنساني بالغ الصعوبة" في القضارف كما في سنار، حسب ما قال الثلاثاء المسؤول في وكالة الأمم المتحدة للاجئين وليام سبندلر محذرا من "تفاقم أزمة النزوح القسري".
الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية
وقالت الأمم المتحدة إن النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار مع خروج 70% من المستشفيات عن الخدمة في مناطق القتال و"اكتظاظ المراكز الصحية في المناطق التي لم يمتد اليها القتال بالنازحين".
وتعاني القضارف بالفعل من أوبئة من بينها الكوليرا وحمى الضنك.
المصادر الإضافية • أ ف ب
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية السودان يعلن 15 دبلوماسيًا إماراتيًا أشخاصًا غير مرغوب فيهم المفاوضات بين طرفي الحرب في السودان ستستأنف في جدة برعاية أميركية-سعودية (الجيش) فرار جماعي من بلدة وسط السودان إثر تعرضها لهجوم من الدعم السريع عبد الفتاح البرهان الخرطوم الأمم المتحدة محمد حمدان دقلو (حميدتي) قوات الدعم السريع - السودانالمصدر: euronews
كلمات دلالية: عبد الفتاح البرهان الخرطوم الأمم المتحدة محمد حمدان دقلو حميدتي قوات الدعم السريع السودان إسرائيل غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الشرق الأوسط فرنسا قطاع غزة حركة حماس قصف قتل كرة القدم فلسطين إسرائيل غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الشرق الأوسط فرنسا قطاع غزة قوات الدعم السریع الأمم المتحدة یعرض الآن Next فی السودان الحرب فی ود مدنی
إقرأ أيضاً:
لا يمكن أن تستمر إسرائيل في هذه الانتصارات..
ترجمة: أحمد شافعي
في أعقاب الهجمة الإسرائيلية على زعامات حماس في الدوحة بقطر في التاسع من سبتمبر، قال مسؤول إسرائيلي لم يكشف عن هويته لأكسيوس إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد وقع «في غرام كونه المتنمر الإقليمي الذي لا يمكن أن يتوقع أحد خطوته التالية».
والواقع أن إسرائيل قد أظهرت على مدى العامين الماضيين كلا من قدرتها المخابراتية النادرة وعزمها على ضرب أي مكان في المنطقة وإن يكن ـ كما في الحالة القطرية ـ بلدا ليس عدوا لها، ويعمل وسيطا ويتصادف أيضا أنه حليف لأكبر رعاة إسرائيل. والأدهى من ذلك أنها عازمة على عمل ذلك في غمار مفاوضات ترمي إلى إنهاء حرب غزة وإرجاع الرهائن الإسرائيليين إلى الوطن.
منذ هجمة حماس في السابع من أكتوبر سنة 2023، ركزت إسرائيل في ظاهر الأمر على إعادة تأسيس أمنها في المنطقة، من خلال إعادة بناء قدرتها على ردع الخصوم وتفكيك قدراتهم العسكرية، وأيضا من خلال العزم على الانخراط في حرب دائمة، وهي الحالة التي غيرت المجتمع الإسرائيلي وديناميات القوة في الشرق الأوسط. تحلت إسرائيل بالجرأة، وبالخروج على المألوف، وبالامتناع عن محاولات الإيقاف، حتى وقف إطلاق النار المقترح أخيرا. وفي أغلب المجالات، استمرت في استعمال القوة دونما انخراط في أي عمل دبلوماسي ذي جدوى. وأبرز أمثلة هذا هو بطبيعة الحال تدمير غزة الذي سلب القطاع قدرته على الحياة تماما وهو ما أعرب عن الرغبة فيه بعض أعضاء مجلسها الوزاري علنا.
ويأتي مقترح دونالد ترامب الشهر الماضي لإنهاء الحرب ـ وهو في جوهره لا يمثل خطة سلام وإنما هو إنذار نهائي لحماس ـ قادر على إنهاء إراقة الدماء وتدمير غزة، وإطلاق سراح الرهائن وإعطاء جميع الفاعلين على الأرض فرصة للبدء في معالجة الجراح. لكن نجاح هذا المقترح يعتمد على انخراط سياسي ممتد وضغط مستدام من الولايات المتحدة على كل من إسرائيل وحماس.
تبنى نتنياهو خطة ترامب واعتبرها نصرا. غير أن المكتسبات الأمنية التي حققها بلده هشة أو مشكوك فيها، وعزلته الدولية قد تتعمق. وتغيير شخصية إسرائيل الحربية ليس بالضرورة جزءا من المعادلة.
ويجدر بكل هذا أن يثير قلق الإسرائيليين. فحتى في حالة انتهاء الحرب، سوف تبقى هناك حاجة إلى لحظة محاسبة للذات بشأن مسؤولية المجتمع كله عن سنتي القتل والتشريد الجماعيين. والفلسطينيون يحتاجون أمس الاحتياج إلى إنهاء هذه الحرب. لكن الإسرائيليين ليسوا أقل احتياجا إلى ذلك.
فلقد باتت تبعات عقيدة إسرائيل الأمنية متزايدة الوضوح. ففي نهاية المطاف، كانت الهجمة الفاشلة على الدوحة ـ وهي ضربة في قلب الخليج الذي استفادت فيه إسرائيل من درع الاتفاقات الإبراهيمية المستمر ـ هي التي أدت إلى نتائج عكسية إذ تسببت في ضغط متضافر على نتنياهو من أجل تلبية مطلب ترامب بإنهاء الحرب. وجاء هجوم تحالف نتنياهو أخيرا على مدينة غزة فلم يتم فقط بمخالفة لإرادة البعض في الجش الإسرائيلي وبمخالفة إرادة أغلب الإسرائيليين، ولكنه ساعد في زيادة الإجماع العالمي المتنامي على إن حملة إسرائيل في غزة ترقى إلى الإبادة الجماعية. أما عزلة إسرائيل الدبلوماسية ـ التي تجلت على أوضح نحو في الأمم المتحدة الشهر الماضي حيث اعترفت بلاد غربية كبرى بدولة فلسطين وحيث ألقى نتنياهو كلمته أمام قاعة فارغة المقاعد إلى حد كبير ـ لتجعل البلد يبدو أكثر فأكثر كمن يلحق الهزيمة بنفسه، وأشبه بلاعب غير عقلاني منه بالقوة الإقليمية المسيطرة التي طالما طمحت إسرائيل إلى أن تكون إياها.
لقد أثمرت استراتيجية إسرائيل بعض المكاسب التكتيكية. ففي غزة، أضعفت إسرائيل قوة حماس العسكرية. ووجهت عملياتها في لبنان ضربة قاصمة لحزب الله ـ وكانت بصورة شبه مؤكدة ضربة غير مقصودة ـ فأسهمت في سقوط خصم آخر هو الرئيس السوري بشار الأسد. وفي حين أن حرب الاثني عشر يوما لم تؤد في ما يقال إلى تحقيق أهداف نتنياهو وهي القضاء على برنامج طهران النووي وإضعاف النظام الحاكم بشدة، فقد نالت من قدرات إيران الهجومية والدفاعية، وأظهرت في المقام الأكبر أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تخافان الضرب في أعماق البلد.
لكن في كل حالة من تلك الحالات، بدلا من البناء على هذه المكاسب والتقدم نحو السلام بوصفه حلا عمليا، أمعنت إسرائيل في طريق الحرب، حتى لو صب ذلك في غير مصلحتها. ومثلما أوضح المبعوث الأمريكي توم باراك أخيرا، فليس لدى حزب الله أي دافع لتسليم ما بقي من ترسانته إذ «تهاجم إسرائيل الجميع». فحينما دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي تم بوساطة أمريكية حيز التنفيذ في مستهل العام الحالي، كان بإمكان إسرائيل اغتنام الفرصة لاستعادة الرهائن وتحقيق أهدافها بتحسين المشهد الأمني الإقليمي، لكنها بدلا من ذلك انتهكت وقف إطلاق النار ومضت لتتسبب في تجويع واسع النطاق للفلسطينيين في غزة.
وفي سوريا، بعد الإطاحة بالرئيس الأسد، شنت إسرائيل هجمات لتعطيل قدرات سوريا العسكرية وتدمير مواقع الأسلحة الكيميائية المشتبه بها. وتركز جنود إسرائيليون داخل البلد ومنع الجيش الإسرائيلي الحكومة الجديدة من تأكيد سيطرتها على مناطق الدروز. وحتى لو أن هذه أعمال مؤقتة لخدمة الأمن الإسرائيلي، فذلك لا يفسر قيام وزير الدفاع إسرائيل كاتس ـ وسط تقارير عن قرب وصول إسرائيل وسوريا إلى اتفاقية أمنية ـ بسخرية واضحة من خصومه إذ نشر صورة له بجانب جنود إسرائيليين في منطقة غزتها إسرائيل واحتلتها مع تعليق بقوله «لن أتزحزح من جبل الشيخ».
في العادة، نفهم الانتصار باعتباره غاية، أو على أقل تقدير نتيجة حاسمة لا يجب بعدها مزيد من العمل. أما في إسرائيل، فالانتصار لا يفضي إلا إلى بحث عن المزيد من جولات الاقتتال. فإسرائيل ليست المنتصرة، لكنها المحاربة الدائمة.
في الشهر الماضي، ألقى نتنياهو ما بات يعرف بخطبة «اسبرطة الخارقة»، مقارنا إسرائيل بمدينتي أثينا واسبرطة القديمتين. اعترف نتنياهو بأن إسرائيل تزداد انعزالا وأنه سوف يتعين على الجيش والاقتصاد أن يعتمدا على نفسيهما. ولم تكن تلك زلة لسان، فكما هيأ الإسرائيليين للتآلف مع حرب مستمرة، كان يعمل أيضا على أن يألفوا عزلة بلدهم.
لقد أصبح من مسلمات السياسة في إسرائيل أن استراتيجية نتنياهو الوحيدة هي النجاة السياسية، وأنه سوف يفعل أي شيء للبقاء في السلطة، وأن حرب إسرائيل الأبدية لا تعدو ضربا من جنون العظمة. ولكن هذه ليست القصة كاملة. صحيح أن الأغلبية في الشعب والجيش الإسرائيليين دعت منذ شهور إلى اتفاقية لإنهاء الحرب، ولكن ما كان ليمكن القيام بشيء مما فعلته إسرائيل على مدى العامين المنصرمين لولا إرادة الجيش ووسائل الإعلام والمجتمع، بما في ذلك عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الذين ينفذون الأوامر. فليس الأمر أن كثيرا من الإسرائيليين لا يجدون غضاضة في فكرة طرد الفلسطينيين من غزة، أو يعارضون حق تقرير الفلسطينيين لمصيرهم وحل الدولتين. ففي قلب المسألة، أن كثيرا من الإسرائيليين ـ سواء عن اقتناع أو خوف من أصحاب السلطة أو إذعان لهم ـ بدوا مؤمنين بأن طريق الأمن هو السيطرة وسحق كل من يعترض الطريق.
ولقد حاول الرئيس ترامب، برغم كل جعجعته واهتمامه بمصلحته الشخصية، أن يغير هذه المعادلة.
وإلى حين الإعلان عن محادثات سلام جديدة بما دفع الجيش الإسرائيلي إلى القول بأنه يتحول إلى وضع دفاعي في غزة برغم الغارات الجوية المستمرة، لم يؤثر الضغط المتنامي دبلوماسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا في سياسة إسرائيل، ولم يحدث تأثيرا ذا شأن في حياة الناس اليومية. في الوقت نفسه، فإن من شأن وقف إطلاق النار ـ وإن يكن متأخرا كثيرا ـ أن يخفف على الأرجح الضغط الدولي المتنامي على إسرائيل من أجل تغيير سياستها لا في غزة وحدها وإنما في علاقتها مع الفلسطينيين بعامة. وفي الوقت الراهن، وحتى في حال وجود وقف لإطلاق النار في غزة، سوف تظل إسرائيل تحتل أرضا في غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وتحافظ على وجود عسكري في لبنان وسوريا، في ما وراء مناطق مرتفعات الجولان المحتلة والمضمومة بالفعل.
ولن يعرف الإسرائيليون الأمن الحقيقي ما لم يشعر به جميع من حولهم، وليس في بلد واحد فقط.
مايراف زونسزين كاتبة رأي مشاركة ومحللة بارزة لشؤون إسرائيل في مجموعة الأزمات الدولية
خدمة نيويورك تايمز