شكري: أزمة غزة كشفت معضلة ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات الدولية
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
ألقى سامح شكري وزير الخارجية، صباح اليوم الثلاثاء، بيان مصر أمام الشق رفيع المستوى للدورة العادية الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان والتي تعقد حالياً بمدينة جنيف السويسرية.
وصرح السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية، بأن الوزير شكري استهل كلمته بتهنئة المغرب الشقيقة على تولي رئاسة مجلس حقوق الانسان، مؤكداً مواصلة مصر لتقديم الدعم اللازم لتمكين المجلس من تحقيق أهدافه النبيلة التي أُنشئ من أجلها.
وأوضح السفير أبو زيد، بأن بيان مصر لهذه الدورة سلط الضوء بشكل أساسي على الانتهاكات الاسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، حيث أشار الوزير سامح شكري إلى تزامن انعقاد هذه الدورة لمجلس حقوق الإنسان مع ما يشهده الشعب الفلسطيني من أبشع الجرائم نتيجة الحرب المستمرة على قطاع غزة، فضلاً عما تشهده الضفة الغربية من استيطان وهدم للمباني واقتحامات عسكرية، مؤكداً إدانة مصر الكاملة لكافة انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الشقيق، ولاستخدام إسرائيل لسلاح التجويع والحصار والتهجير القسري لتصفية القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، شدد الوزير شكري على موقف مصر الداعي لضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار والامتناع عن القيام بأى عملية عسكرية إسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، والتي تمثل الملاذ الأخير لأكثر من ١، ٤ مليون نازح فلسطيني، محذراً من العواقب الكارثية لأي عمل عسكري على أسس السلام في المنطقة.
وفيما يتعلق بالأوضاع الإنسانية الكارثية بقطاع غزة، شدد وزير الخارجية على حتمية تنفيذ قرارات مجلس الأمن لضمان النفاذ الآمن والمستدام والعاجل للمساعدات الإنسانية لكافة أنحاء القطاع، وتمكين المنظمات الإنسانية من القيام بمهامها، ولاسيما وكالة الأونروا التي لا غني عن أنشطتها المنقذة للحياة في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، معرباً عن استهجان مصر الشديد لمحاولة استهداف الأونروا وتعليق عملها لما لذلك من أثر سلبي على تمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه الأساسية.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية، بأن الوزير سامح شكري أبرز في كلمته ما كشفت عنه أزمة غزة من معضلة إزدواجية المعايير في التعاطي مع الأزمات الدولية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الانسان، وكذا حالة الاستقطاب الحاد التي بات يعاني منها النظام الدولي، منتقداً محاولات بعض الأطراف الدولية إجهاض مساعي وقف إطلاق النار بقطاع غزة، في ذات الوقت الذي تبذل فيه كل ما بوسعها لوقف الحرب في أزمات أخرى، الأمر الذي يعد بمثابة إعطاء إسرائيل ضوء أخضر للاستمرار في انتهاكاتها.
كما أعرب وزير الخارجية عن استهجان مصر لتقاعس بعض الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان في حالة غزة عن اتخاذ ما اتخذته من إجراءات حيال قضايا أخرى من الانبراء فى الإدانة وتوصيف الأفعال باعتبارها انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني تستوجب التصدي لها، في حين اكتفت في حالة غزة بالتوقع بأن يُحترم القانون الدولي وحقوق الانسان دون اكتراث إذا ما تم الاستجابة لنداءاتها من عدمه، مشيراً إلى ما تعكسه هذه المواقف بأن الحياة في غزة لا ترقى لاهتمام هذه الدول، وأن حياة الأطفال الذين قتلوا بعشرات الآلاف لا تحرك مشاعرها المرهفة باعتبارهم أقل قيمة عن غيرهم. كما نوه الوزير شكري بأن هذه المواقف المشينة تنبئ بانهيار منظومة حقوق الإنسان الدولية وآلياتها، ومن ضمنها مجلس حقوق الإنسان.
وأردف المتحدث الرسمي، بأن الوزير شكري استعرض أيضاً في كلمته ما بذلته مصر من جهود منذ اندلاع الأزمة لضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة، مشدداً على مواصلة مصر لجهودها للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتعزيز تدفق المساعدات الإنسانية، فضلاً عن مواصلة جهودها لإنهاء الأسباب المؤدية للصراع ودعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو للعام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
وفيما يتعلق بالدور المأمول لمجلس حقوق الإنسان في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم، أكد الوزير شكري على حرص مصر أن يكون للمجلس صوتاً واحداً ومؤثراً بعيداً عن الانتقائية والتسييس في التعامل مع الأزمات الدولية المتتالية وتداعياتها على التمتع بحقوق الإنسان، والتي ظهرت جليةً في زيادة الممارسات العنصرية والحض على الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين، وتنامي ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وجرائم حرق القرآن الكريم التي لا يمكن تبريرها تحت أي مسمى.
كما أكد على الدور الذي يمكن أن يلعبه المجلس في التعامل مع تلك التحديات، شريطة امتناع أعضائه عن تطبيق المعايير المزدوجة واستهداف بعض الدول لأغراض سياسية، وحماية دول أخرى رغم اقترافها لفظائع.
ودعا وزير الخارجية في هذا السياق أعضاء المجلس للفظ الانتقائية والتسييس إعلاءً لحماية حقوق الانسان للجميع، والعمل على استعادة روح التوافق، وتفادي فرض مفاهيم خلافية دون احترام الخصوصيات الثقافية والحضارية والدينية التي تُعد مصدراً للثراء والتعددية.
هذا، واختتم وزير الخارجية بيان مصر مستعرضاً التقدم المحرز على المستوى الوطني لتعزيز مناخ حقوق الانسان، ومؤكداً على أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز وحماية حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، والوفاء بالتزاماتها الدولية والتزاماتها تجاه مواطنيها، تنفيذاً للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، من خلال تعزيز البنية التشريعية والمؤسسية ومواصلة المبادرات الرامية لتعزيز الحقوق والحريات وتكثيف برامج التدريب ونشر الوعي بحقوق الإنسان.
كما نوه بحرص مصر على التفاعل مع الآليات الإقليمية والدولية وتقديم تقاريرها الدورية، وكذا التعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان كأداة هامة لدعم جهود الدول وفقاً لأولوياتها.
اقرأ أيضاًجيش الاحتلال: إصابة 2981 ضابطا وجنديا إسرائيليًا منذ بدء حرب غزة
شكري يبحث مع نظيرته الإندونيسية تعزيز العلاقات الثنائية والأوضاع في غزة
شكري يشيد بمواقف بوليفيا حيال الوضع المتفاقم في غزة.. ويثني على مستوى التنسيق مع أوروجواي
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السفير أحمد أبو زيد سامح شكري مجلس حقوق الإنسان وزير الخارجية مجلس حقوق الإنسان الشعب الفلسطینی وزیر الخارجیة حقوق الانسان الوزیر شکری
إقرأ أيضاً:
ناجي حرج لـعربي21: العراق ينضم لمجلس حقوق الإنسان الأممي رغم سِجله المكتظ بالانتهاكات
من المقرّر إعلان انضمام العراق رسمياً لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الـ14 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري 2025، حيث يستعد لشغل أحد المقاعد الآسيوية الأربع برفقة كل من الهند وباكستان وفيتنام، ولولاية تمتدّ من كانون الثاني/يناير 2026 حتى كانون الأول/ديسمبر 2028.
داخل أروقة قاعات الأمم المتحدة بجنيف، حيث تتردّد أصداء الخطابات عن العدالة والكرامة الإنسانية، يشير سجلّ العراق الى مصادقة بغداد على ثمانية معاهداتٍ أساسية، من المُفترض أنها تعدّ خارطة طريق بشأن الالتزام بحقوق الإنسان، إلاّ أن المسافة بين النص النظري والتطبيق العملي تبقى شاسعة كالمسافة بين جنيف وبغداد، وفق منظمات حقوقية.
الالتزام بالقضايا (الآمنة) فقط
حرص العراق على تسجيل حضورٍ دبلوماسي خلال جلسات الاستعراض الدوري الشامل، والمراجعات الدورية التي تجريها لجان المعاهدات التي تُعقد في جنيف، وإعلان التزمه بالتوافق العام في القضايا "الآمنة" مثل: "حقوق المرأة، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بناء القدرات"، وهي قضايا لا تختلف عليها حتى أكثر حكومات العالم استبدادا، لكن هذا البريق الدبلوماسي سرعان ما يتلاشى حال مغادرة قاعات جنيف انتقالاً إلى مدن العراق المختلفة، فالبلد المزدهر في التقارير الورقية يتعثر على أرض الواقع، وتنتهك فيه كل معايير حقوق الإنسان.
استمرار اضطهاد النشطاء وتهديد حرية التعبير
قبل أيام فقط، وبالتزامن مع الذكرى السادسة لانطلاق تظاهرات تشرين عام 2019، اتهمت منظمة العفو الدولية، السلطات العراقية، مواصلة اضطهاد النشطاء والمتظاهرين، فيما فشلت في تحقيق أي عدالة فعلية أو محاسبة حقيقية عن مقتل مئات الناشطين وتشويه الآلاف منهم على أيدي قوات الأمن والميليشيات، أو حتى الكشف عن مصير المختفين وأماكنهم، مؤكدة تفاقم حالة الإفلات الواسعة من العقاب على الانتهاكات وتزايد الهجمات على حرية التعبير.
اتفاقية مناهضة التعذيب
كما أن العراق يماطل حتى اليوم في المصادقة على اتفاقية البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، رغم أنه وقع عليها في 7 تموز/يوليو 2011، وهو ما يثير الشبهات بشأن عدم رغبته في فتح ملفات السجون وأماكن الاحتجاز، فيما تستمر تنفيذ عمليات إعدام سرية وجماعية بإجراءات موجزة للمعتقلين لدرجة ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وفقا لتقرير الأمم المتحدة.
أكبر مستودع للمخفيين قسريًا بالعالم
كما لم يتغير الكثير منذ الاستعراض الدوري الشامل الأخير للعراق (شباط 2025) فيما يتعلق بممارسة الاخفاء القسري ولم يبذل جهدا كافيا للكشف عن مصير المغيبين، حيث لا يزال العراق أحد البلدان التي تضم أكبر عدد من الأشخاص المخفيين في جميع أنحاء العالم، ويقدر عددهم ما بين 250,000 ومليون شخص حتى الآن، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بلّ أن العراق يتنصل عن تعهداته الملزمة له بموجب عضويته في اتفاقية الأمم المتحدّة لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، ومن التوصيات المتكرّرة للجنة الأمم المتحدة المعنية بمتابعة تطبيق هذه الاتفاقية.
مهجرون مشردون
وللعام الثاني عشر على التوالي، ما زال هناك أكثر من مليون عراقي مهجرين من مدنهم، بحسب أرقام وزارة الداخلية، وما يمنع عودتهم غالباً هو سيطرة الفصائل المسلحة على مدنهم ومنازلهم، في حين تهدّمت منازل آخرين في العمليات العسكرية، ولا أفق واضح لحلٍّ يتيح لهم إنهاء تشردهم، وفق تقرير لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة ناجي حرج، وصف اختيار العراق عضواً في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بأنها "معادلة رياضية بسيطة تخفي خلفها تعقيدات سياسية وأخلاقية عميقة".
وأضاف ناجي حرج، في تصريحاتٍ خاصة لـ"عربي21"، أنه وعلى الرغم من كون هذا الحدث سيسوّق باعتباره "انتصاراً دبلوماسيًا" و "اعترافًا بجهود العراق في تعزيز حقوق الإنسان"، فإن الواقع يُظهر مفارقة عميقة بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية، فالعضوية، جاءت بحكم غياب المنافسة لا بناءً على تقييمٍ نوعي لسجلاّت الدول الحقوقية، وبذلك، لا تعبّر عضوية العراق عن مكافأةٍ على إنجاز حقوقي بقدر ما هي ملء إداري لمقعدٍ شاغر في المجلس.
وتاليًا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
- هل شغل العراق مقعدا في مجلس حقوق الإنسان سيقيده ويجبره على تنفيذ ما وقع عليه من معاهدات؟
في مذكرتها التي قدّمت فيها ترشحها للعضوية في المجلس أكدّت حكومة العراق أن تعزيز حقوق الإنسان يعدّ "أولوية وطنية عليا"، وأن الترشح يعكس التزام العراق بالمبادئ الدولية. وأرفقت بالمذكرة تعهداً بإصلاحات شاملة في مجال حقوق الإنسان. لكن من خلال المتابعة التفصيلية فنحن ندرك أن هذه العبارات لا تصمد أمام واقعٍ تتكاثر فيه الانتهاكات الجسيمة، وسط غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجتها.
فهنالك انتهاكات جسيمة للحقّ في الحياة، وفي التعليم والصحة والسكن والخصوصية. ومن المؤكد حسب تقارير المنظمات الدولية استمرار الاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة في السجون. فالسجون العراقية، وفق تلك التقارير، تعاني من اكتظاظٍ خانق وظروف احتجازٍ غير إنسانية، فيما تُنفّذ أحكام إعدامٍ بالجملة في ظلّ غياب الشفافية والمراجعة القضائية النزيهة. ولا تزال السلطات تعتمد أساليب التعذيب التقليدية في التحقيق، من الصعق الكهربائي إلى الضرب المبرّح والحرمان من النوم، ما يجعل هذه الممارسات أقرب إلى سياسة منهجية لا إلى تجاوزاتٍ فردية.
وبدلاً من المحاسبة على هذه الممارسات اللاإنسانية يجري اعتماد الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب في المحاكمات الجنائية، وتستمر حالة الإفلات من العقاب، ويُترك المتورّطون في الانتهاكات بلا محاسبة، وعلينا ان لا ننسى ان البلاد ينخرها الفساد المستشري في كل مفاصلها.
- فيما لو كانت الحكومة العراقية جادة فعلا في تنفيذ الإصلاحات، هل تعتقد أن الفساد المستشري سيشكلّ عائقاً امام ذلك؟
بالتأكيد. لقد أدّى الفساد الذي استشرى في العراق إلى إعاقة خطط التنمية، وضياع فرصٍ حقيقية لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد. والفساد في العراق ليس انحرافًا إداريًا فحسب، بل نظام متكامل يحرم المواطنين من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والسكن والخدمات.
فقد تحوّلت الموارد العامة إلى غنائم تُوزَّع على أساس الولاء الحزبي والطائفي، بينما تُستبعد الكفاءات وتُحتكر المناصب العليا لصالح أقارب المسؤولين والمقرّبين منهم. وقد مثل هذا الشكل من المحسوبية انتهاكاً مباشراً لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون، ويجعل الحديث عن "الحكم الرشيد" و"الشفافية" مجرّد لافتة تجميلية.
- كثيرا ما تؤكد الحكومات في العراق بأن نظامها ديمقراطي، وتتقبل نقد معارضيها والرأي الآخر، ما صحة ذلك؟
لا نعرف ما هي حقيقة النظام الديمقراطي الذي يتحدّثون عنه في ظل القمع الحاصل لكلّ رأيٍ مخالف. وقد وثقنا حالاتٍ غير قليلة من الاغتيالات، والاعتقالات، والتهديد الذي طال ناشطين وكتّاب وصحفيين لمجرد أنّهم عبّروا عن آرائهم بالأداء الحكومي او بالسلاح المنفلت الذي أصبح يشكل عبئاً على الدولة. وهكذا فعلى الرغم من تعدّد وسائل الإعلام، إلاّ أن الصحفيين يعيشون تحت مناخ خوفٍ ورقابةٍ ذاتية، ويواجهون تهديداتٍ واعتداءاتٍ متكرّرة.
ـ ذكرتم ايضاً التضييق على الناشطين، لكن الحكومة تتحدث عن "بيئة داعمة للمجتمع المدني"، ما هو تقييمكم لذلك؟
نعم هذا هو الخطاب الحكومي الرسمي الذي نسمعه في اجتماعات هيئات حقوق الإنسان، لكن الجميع يعرف ان يبقى في حدود الكلام المنمق المفصول تماماً عن الواقع المعاش في العراق، فالبلاد تشهد تضييقاً متصاعداً ضدّ المنظمات والناشطين، ضمن حملات ترهيبٍ وتقييدٍ ممنهجة، إذ يتعرّض العاملون في الشأن الحقوقي إلى استدعاءاتٍ أمنية واستجواباتٍ تعسفية إذا ما تناولوا قضايا مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان.
هنالك من يواجه محاكماتٍ غير عادلة وبتهمٍ شتّى تصل الى الاتهام بـ"التعاون مع جهاتٍ أجنبية"، ويأتي ذلك على الرغم من أنّ العراق ملزم بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدّة والتي تقضي بعدم التعرّض للمدافعين عن حقوق الإنسان وعدم التضييق على نشاطاتهم، وبالمحصلة، فقد تحوّلت بيئة العمل المدني في العراق إلى بيئة خوفٍ ومراقبةٍ وعقابٍ ناعم، حيث يتوجب من المنظمات أن تعمل في إطار الولاء للسلطة لا في فضاء الحرّية التي ينصّ عليها الدستور والتزامات العراق التعهدية الدولية.
- لطالما دعت الأمم المتحدة، العراق إلى توفير أجواء آمنة للأقليات ووقف الانتهاكات ضدها، هل أوفت الحكومة بذلك؟
ما تزال الأقليات الدينية والعرقية، من الإيزيديين والمسيحيين إلى الشبك والتركمان، تعاني من تمييزٍ هيكلي وبطءٍ في إعادة الإعمار وتعويض الضحايا، وسط تجاهلٍ رسميٍ لمعاناتهم، وضعف مشاركتهم السياسية، كما تتلكأ الدولة في تنفيذ الالتزامات التي قطعتها على نفسها فيما يتعلّق بإجراءات ترسيخ الأمن في هذه المناطق، والتعويض عن الخسائر التي تكبّدتها اثناء سيطرة الفصائل الإرهابية.
- ماذا عن جهاز القضاء العراقي؟، هل تتوفر فيه المعايير الدولية التي تؤهله ليكون محطّ ثقة أممية بقراراته؟
من المؤسف ان يكون القضاء العراقي محلّ انتقادات شديدة تتعلّق بمدى نزاهته واستقلاليته، وعدم الالتزام بالمعايير الدولية خاصّة في المحاكمات الجنائية. ففي كل الاستعراضات التي جرت للالتزامات العراقية التعاهدية وكذلك ضمن الاستعراض الدوري الشامل كانت هنالك مطالبات متكررّة بضرورة ضمان استقلالية القضاء، وضرورة أصالحه. لكن للأسف لا توجد أي استجابة لذلك، امّا الحديث عن إصلاح القضاء فقد ظلّ هو الآخر في حدود الردود على المطالبات الدولية.
- فوضى السلاح وتعدد القرار، قضايا كثيرا ما لمحت لها أمريكا والاتحاد الأوروبي، هل تعتقد إجراءات حصر السلاح وتحجيم أنشطة الفصائل حقيقية؟
في الشوارع والمدن، يتجلّى السلاح المنفلت كوجهٍ آخر لانهيار سيادة القانون؛ فالفصائل المسلحة تواصل نفوذها الواسع، وتتحرك أحيانًا بمعزل عن الدولة أو بالتوازي معها، وتقوّض هذه الحالة ثقة المواطنين بالمؤسسات الأمنية والقضائية، وتُضعف مصداقية الحكومة أمام المجتمع الدولي خاصةً حين تتحدث عن "استقرارٍ وأمنٍ مستدامين"، هذه الممارسات لا تعكس ضعفاً في إدارة الملف الحقوقي فحسب، بل تمثل تحدياً مباشراً لالتزامات العراق الدولية بموجب آليات حقوق الإنسان، وسيتطلّب منه، كعضوٍ في مجلس حقوق الإنسان، أن يُظهر التزاماً صارماً بها وأن ينفذ التعهدات التي قدّمها الى الجمعية العامة كي يصبح عضواً في المجلس.
- العراق مقبل على انتخابات برلمانية، وقد بدأت تتصاعد الحملات الانتخابية في مناخٍ مشحون، هل رصدتم في مركز جنيف الدولي للعدالة أية انتهاكات تمس الانتخابات؟
نعم، من المؤسف انه كلّما تجري انتخابات في العراق، تبرز الى السطح ممارسات سلبية تكاد تكون غير مسبوقة، تقوّض الانتخابات قبل موعد إجراءها بوقت ليس بالقليل. فالحملات الانتخابية التي بدأت مبكراً، جاءت محمّلة بخطاب كراهية طائفي مقيت، مثير للفتنة، وبعيد كل البعد عن ما ترمي اليه الديمقراطية. وقد صدر هذا الخطاب من مرشحين، او من داعمين لهم، ومن رجال دين، تحدّثوا بلغة طائفية وبأساليب مرفوضة.
ونستطيع القول اننا لمسنا منذ بداية هذا العام (2025) تصاعداً ملحوظاً جداً في النبرة السياسية الطائفية، بدأت بالتحديد في أعقاب التغيير في سورية (كانون الأول/ ديسمبر 2024)، واستمرّت في التصاعد والتوسع عام 2025. وقد لاحظنا انخراط أشخاص وناشطين حقوقيين ـ من الذين كانوا يقدّمون أنفسهم على أنّهم ضدّ الطائفية والخطاب الطائفي ـ في هذه الحملة. وراح هؤلاء يستخدمون أساليب شتى في تصعيدهم لهذا الخطاب، ساعين لتغليف خطاباتهم بنبرة وطنية ضمن سياق انتقادهم ايضاً للمنظومة الحاكمة في العراق، كذلك برزت في الحملة الانتخابية عمليات شراء الأصوات علناً، وامام الكاميرات بعد ان كانت تجري في الدورات الانتخابية السابقة في سرية تامة.
حرج ختم قائلا:" إن عضوية العراق في مجلس حقوق الإنسان ليست شهادة تقدير، بل امتحان لجدّية الدولة في التزاماتها الدولية، وما لم تتحوّل هذه العضوية إلى منصة للمراجعة والإصلاح، فإنها ستبقى مجرد محاولة للهروب إلى الأمام — تبييضٌ دبلوماسي لسجلٍ مثقلٍ بالانتهاكات، بدل أن تكون خطوةً حقيقية نحو العدالة والكرامة الإنسانية".