إجهاض النازحات… صدمات الحرب تقتل الأجنة في السودان
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
تقتل الحرب بين “الدعم السريع” والجيش السوداني الأجنة في بطون أمهاتهم، اللائي لا يجدن غذاءً أو دواءً أو مستشفيات في بيئة مليئة بالخوف والمرض المنتشر بين النازحات ممن يفقدن أطفالهن في الطرق أو المخيمات البائسة.
التغيير ــ وكالات
-خسرت النازحة السودانية أسماء عبد الرحمن (20 عاماً) جنينها بعد ستة أيام من وصولها إلى مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور غرب البلاد، والتي انتقلت إليها من مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور غرباً بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها في أكتوبر الماضي، ورغم أن المسافة بين الفاشر ونيالا 205 كيلومترات، وتستغرق أقل من ساعتين بالسيارة في الأوقات العادية، لكنها احتاجت إلى ثلاثة أيام حتى تصل إليها، لعدم توفر المركبات العامة والسيارات الخاصة، بعد ما نهبها مقاتلو الدعم السريع، وتلك التي نجت من السطو، نقلها أصحابها خارج المدينة قبل سقوطها.
خلال رحلة نزوحها الشاقة، لم تتناول عبد الرحمن الحامل في شهرين، الطعام سوى ثلاث مرات فقط، وبكميات صغيرة غير مُشبعة، وبصعوبة حصلت على الماء أثناء طريقها إلى الفاشر، فكان الجوع والعطش، إلى جانب المشقة الناتجة عن السير لمسافات طويلة، والخوف الشديد أسباب حدوث الإجهاض وفق ما أبلغها الطبيب.
وفي يونيو الماضي تعرضت عبد الرحمن للإجهاض مرة ثانية، بسبب ما تبذله من مجهود لتأمين المياه عبر نقل إناء سعة 60 لتراً من نقطة التوزيع العامة للمياه، ومن ثم تحمله مسافة 950 متراً إلى أن تصل إلى المنزل الذي تقيم به.
قفزة غير مسبوقة في أعداد الحالاتتكشف سجلات مستشفيين حكوميين اطلع عليهما معد التحقيق عن قفزة غير مسبوقة في عدد حالات إجهاض النازحات، إذ أجرى مستشفى الولادة بمدينة الأبيض بولاية شمال كردفان وسط البلاد، 453 عملية تنظيف للرحم لنسوة حدث لهن إجهاض خلال النصف الأول من عام 2024.
ويبين الدكتور حسن أبكر مدير قسم الولادة في المستشفى لـ”العربي الجديد” أن عمليات التنظيف لا تحصي العدد الحقيقي لحالات الإجهاض، إذ تجري هذه العمليات للنساء اللائي تعرضن لمضاعفات ولم يخرج الجنين كاملاً، لكن توجد عشرات الحالات يسقط فيها الجنين كاملاً من دون الحاجة إلى عملية.
واستقبل مستشفى النو التعليمي بمدينة أم درمان في ولاية الخرطوم، 954 حالة إجهاض في الفترة الممتدة بين نوفمبر 2023 ويوليو 2024، كما تبين سجلات قسم الإحصاء التي اطلع عليها “العربي الجديد”.
وأسهم سوء التغذية المنتشر بين النازحات في مخيم كلمة على أطراف مدينة نيالا في حدوث قفزة غير مسبوقة بعدد حالات الإجهاض وفق ما رصدته منسقية النازحين واللاجئين في دارفور، إذ سجلت 430 حالة بين مارس وأغسطس 2024، بينما كان عدد حالات الإجهاض داخل المخيم قبل الحرب لا يتعدى 20 حالة إجهاض شهرياً.
كما سجل مركز الصحة الإنجابية المتكامل في معسكر أبو شوك للنازحين في الفاشر، تزايداً في الأعداد منذ اندلاع الحرب منتصف إبريل من العام الماضي، لكن ذروة الحالات كانت في الفترة الممتدة بين إبريل وأغسطس 2024، إذ بات المركز يستقبل ما بين 2 و4 حالات يومياً، وهو ضعف ما كان يستقبله مقارنة بالفترة الزمنية نفسها في عام 2023، كما يقول مديره، الطبيب أحمد محمد أحمد، والذي يؤكد أن عدد حالات الإجهاض التي تصلهم لا تعكس العدد الحقيقي، لأن النساء في المعسكر لا يفضلن الحضور إلى مقابلة الطبيب وتلقي المساعدة الطبية بسبب الوضعين الأمني والاقتصادي المتدهورين، نتيجة قصف الدعم السريع للمخيم على مدار اليوم، ما أدى إلى نزوح 60% من سكانه خلال مايو الماضي.
أما منسقية النازحين في المعسكر (يديرها متطوعون) فوثقت، 150 حالة إجهاض في الفترة الممتدة بين مايو ويوليو الماضيين، وفقاً لبيانات حصل عليها “العربي الجديد” من إسماعيل خريف عضو المنسقية.
بعد سيطرة الدعم السريع على مدينة سنجة بولاية سنار جنوب شرق البلاد في يوليو الماضي، اضطرت سلوى آدم والتي كان حملها في شهره الرابع إلى النزوح بعيداً عن المدينة التي تحولت إلى جبهة قتال، وبعد سيرها على الأقدام لمسافة تزيد على 40 كيلو متراً شعرت بتعب شديد وأعراض إجهاض.
وبسبب توقف المرافق الصحية عن الخدمة في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، سعت آدم إلى الوصول إلى أم درمان، واستغرقها الأمر 12 يوماً لقطع المسافة لعدم توفر وسائل نقل بينما تستغرق الطريق في الظروف العادية خمس ساعات فقط، إلى أن وصلت إلى مستشفى النو وهي تعاني نزيفاً حادّاً بعد إجهاض الجنين.
ويُجمع ثلاثة أطباء تحدثوا لـ”العربي الجديد” بينهم نقيبة أطباء السودان اختصاصية الجراحة هبة عمر أن أسباب زيادة حالات الإجهاض بين النازحات واللاجئات في فترة الحرب كان مردّها السير لمسافات طويلة هروباً من مناطق الاقتتال الشديد، وحمل أمتعتهن على رؤوسهنّ في ظل تقطع السبل بالنازحات والنازحين.
وأجهضت 24 امرأة من اللاجئات السودانيات أثناء مغادرتهن سيراً على الأقدام مع عشرات اللاجئين في أغسطس الماضي مخيماً في غابة أُولالا بإقليم أمهرة بأثيوبيا نحو مدينة المتمة التي تبعد مسافة 90 كيلو متراً داخل البلاد، بعد تدهور الوضع الأمني في المخيم الذي تعرض لعدد من الهجمات من قبل العصابات المسلحة أدت إلى مقتل عدد من اللاجئين، بحسب إفادات 5 لاجئين سودانيين كانوا شهوداً على حالات الإجهاض، ومن بينهم عبد العزيز آدم الذي قال لـ”العربي الجديد” إن ما يزيد على 15 امرأة أجهضن في الطريق قبل الوصول إلى مدينة المتمة، بينما أجهضت البقية فور وصولهن إلى المدينة، بسبب ما عانينه من السير لمسافات طويلة بالجوع والعطش.
الملاريا تقتل الأجنة
فرضت ظروف الحرب على النازحات السودانيات ممارسة أعمال شاقة من أجل توفير النقود لشراء الطعام لهن ولأطفالهن، لذلك أصبن بإجهاد شديد كونهن لم يجدن باباً سوى الشغل في مهن قاسية منها قطع الأشجار وصناعة الفحم وبعضهن يعملن “عاملات طُلبة” في ورش البناء حيث يقمن برفع المعدات والطوب أثناء عمليات التشييد، كما تعمل كثيرات منهن في نقل البضائع والسلع المختلفة في الأسواق، والمحظوظات يعملن عاملات نظافة أو في غسل الملابس في البيوت بحسب الطبيبة عمر.
وهذه الحالة الاقتصادية المتدهورة تعيق الحوامل وتمنعهن من الحصول على الراحة اللازمة، وشراء الأدوية الضرورية في حال توفرت في الصيدليات، إذ يباع شريط Folic Acid (حمض الفوليك وهو مكمل غذائي) الواحد بما يعادل دولاراً، وتحتاج الحامل شهرياً إلى ثلاثة أشرطة بقيمة 3 دولارات لأول 3 أشهر من الحمل، وهو مبلغ يصعب عليهن توفيره، بينما يصعب إيجاد الأدوية المثبتة للحمل والمكملات التي تحتاج إليها النساء بعد الشهر الرابع، في البلاد نهائياً، فضلاً عن قلة احتمال حصولهن على الرعاية الصحية اللازمة في ظل خروج 60% من المستشفيات عن الخدمة بسبب ظروف الحرب، بحسب الطبيب أحمد. كما أن الأمراض تفتك بهن وبأجنتهنّ وفق ما رصده، إذ أجهضت حوامل جراء الإصابة بالملاريا المنتشرة بصورة كبيرة في المخيم ولا يجدن علاجاً ما يزيد من مخاطر انفصال المشيمة وخسارة الجنين، ورصدت منسقية النازحين داخل مخيم أبو شوك وفاة 50 امرأة حامل في النصف الأول من العام الجاري بحسب إسماعيل خريف، نتيجة إصابتهن بأمراض أو سوء تغذية حاد ما أدى إلى تدهور وضعهن الصحي.
وفي كثير من الحالات لا تتمكن النسوة من الوصول إلى المستشفى القريب منهن لتلقي الرعاية اللازمة عند حدوث الإجهاض، كما هو الحال في مستشفى النو لوقوعه قرب خط النار بين الطرفين المتقاتلين، وبعدها خرج عن الخدمة لثمانية أشهر في الفترة الممتدة بين إبريل ونوفمبر الماضي، بحسب مصادر طبية في المستشفى (فضلت عدم كشف هويتها لدواع أمنية).
ضحايا الكلور والفسفورأجهضت الثلاثينية طيبة سر الله مرتين خلال فترة الحرب، كانت الأولى في نوفمبر عام 2023، وخسرت جنينها للمرة الثانية في مايو 2024، وفي المرتين كانت في الشهر الثالث من حملها.
كانت طيبة تقيم في حي جبرة الواقع جنوب الخرطوم بالقرب من سلاح المدرعات والذي تدور حوله معارك عسكرية بين الطرفين، ومع بداية الحرب نزحت مع زوجها إلى الجزء الشمالي من مدينة أم درمان واستقرت بالقرب من قاعدة وادي سيدنا الجوية العسكرية التي تعرضت لقصف مستمر من قبل الدعم السريع عبر دانات المدافع والطائرات المسيرة، ما جعلهم يعيشون في رعب مستمر، تسبب في إجهاضها في المرة الأولى بسبب الخوف الشديد عقب القصف، بينما وقعت حالة الإجهاض الثانية بسبب زيادة تركيز مادة الكلور في مياه الشرب، وهو إجراء لجأت إليه السلطات السودانية لمجابهة وباء الكوليرا الذي انتشر حتى الآن في 12 ولاية من أصل 18، منها الخرطوم.
إضافة إلى ما سبق، يقول الطبيب أحمد، إن المواد الكيميائية الناتجة عن الأسلحة المستخدمة في مناطق الاقتتال تؤدي إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة، مثل مادتي الفسفور والرصاص المنتشرة وسط المناطق السكنية، والتي تنتقل إلى الدورة الدموية عبر الاستنشاق المباشر وتحدث خللاً فيها مسببة انفصال المشيمة ما يؤدي إلى موت الجنين أو إجهاضه وربما تسبّب موت الأم إذا استنشقت كميات كبيرة بشكل متكرر.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإجهاض الحرب الرعب النزوح
إقرأ أيضاً:
من يقرر مستقبل الدعم السريع ؟
خالد فضل
هتافات الشباب الثوري في شوارع الخرطوم رددت (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) وأردفت (الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب)، كان هذا الهتاف وما يزال مطلبا موضوعيا ومدخلا لعملية سياسية معقّدة تضمّنت حزما عديدة تفضي إلى تحقيق الشعار الحلم (حرية سلام وعدالة) لإعادة بناء السودان الذي يسع جميع أهله بقيادة مدنية بحتة في ظل نظام ديمقراطي يكفل ويصون حقوق الإنسان، تلك أحلام نشأت عليها أجيال مستنيرة من السودانيين/ات منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا . الثوار وأدبيات الثورة هم من حددوا مستقبل القوتين الرديفتين ، بلزوم الثكنات، والحل . الرئيس المخلوع عمر البشير القائد العام للقوات المسلحة كان يقول حتى صبيحة خلعه في 11أبريل 2019م إنّ حميدتي حمايتي . كما ظلّ خلفه ؛ الفريق البرهان يزود عن حماها ويضعها موضع الابن من رحم أمه . تلك وقائع لم تمض عليها سوى ست سنوات فقط ، وقائع وليست تحليلات أو خزعبلات خبراء استراتيجيين أو إعلاميين متعاميين عن الوقائع إن لم نقل يضللون عمدا .
ابتدأت تلك المحاولات السياسية السلمية لتحقيق الشعار الحلم ، بإبرام الوثيقة الدستورية مع المكون العسكري بشقيه ، القوات المسلحة والدعم السريع , في العام 2019م لم تك قوات المشركة، وغيرها ضمن المكون العسكري الذي زعم قادته الإذعان لرغبة الشعب في الإطاحة بحكم جماعة الإسلام السياسي (المؤتمر الوطني) والجماعات الموالية له . لم يك في المكون العسكري ، فيلق البراء أو درع السودان أو أيّا من المليشيات الموجودة الآن بما في ذلك المليشيات التي تم تدريبها وتخريجها في دولة إرتريا الشقيقة أو مليشيات التقراي المناضلة من أجل حرية الشعب السوداني . كان هناك حسن نيّة من جانب قوى إعلان الحرية والتغيير ، أشاعته ظروف الثورة السلمية ، أو خطأ في التقدير، أو مؤامرة كما يوغل المتطرفون،أو خيانة كما يزعم التطهريون !!
العسكر يقصد به القوات المسلحة والجنجويد مقصود به قوات الدعم السريع .
وعندما أذاع الفريق البرهان بيان إنقلابه في 25أكتوبر2021م كان باسم القوات المسلحة والدعم السريع . لم يشر من بعيد أو قريب إلى المستنفرين أو كتائب العمل الخاص أو مليشيات الإسلاميين في دار حمر أو شيبة ضرار في بورتسودان ، بل كان التنويه والإشادة بالشيخ عبدالرحيم حمدان لدوره في توقيع الإتفاق مع د. عبدالله حمدوك . ولم تك هناك أي إشارة إلى الدعم السريع تحديدا كمخلب قط لدويلة الشر أو قرن في رأس شيطان العرب، بل كان الولد البار من رحم أبيه الجبّار . أ ليس المجد للبنادق هو شعار الجبابرة !!!
التوقيع على إعلان المبادئ للإتفاق الإطاري , تم بوساطة المكون العسكري الثنائي، الجيش /الدعم السريع . وفي ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي خصصت لكيفية تنفيذ مطلب الثوار المار ذكره ، قدّم الجيش ورقته وكذا الدعم السريع ولم يُدع المصباح طلحة ليطرح رايه كخبير في شؤون المليشيات منذ عقود طويلة .
ظهر تباين في كيفية تنفيذ المبدأ المتفق عليه والموقع بإمضاءات البرهان وحميدتي،وكان الخلاف حول مدة الدمج , وتكوين القيادة أثناء تلك الفترة، ولم تكن قضية المرتزقة الكولمبيين وآل دقلو من ضمن بنود الإختلاف .
في أثناء المفاوضات والنقاشات الطويلة حول برتوكولات الإتفاق الإطاري , نشطت مجموعات مناوئة للإتفاق، المنظمات السياسية مثل تحالف التغيير الجذري استخدم الوسائل السلمية للتعبير عن مواقفه مثل البيانات والمواكب . الكتلة الديمقراطية كانت متأرجحة ؛ خاصة مني أركو مناوي الذي كان أقرب للتوقيع ، بينما كان د. جبريل متمترسا في موقف إخوانه في تنظيم الإسلام السياسي (المؤتمر الوطني) بلافتة الجبهة الثورية والكتلة الديمقراطية، فيما كانت هناك مواقف متباينة بين بقية التنظيمات التي تمثل في الغالب شخصا واحدا أو شخصين .
وحدهم جماعة الإسلام السياسي ،من كانوا يعبئون في كتائبهم الجهادية ويتوعدون بالحرب ، ويقيمون المعسكرات في العيلفون والجريف وغيرها من مناطق، ويسجل عاصرهم القصائد الجهادية والهتافات والأدبيات التي ستستخدم لاحقا منذ اللحظة الأولى لإشعال الحرب . ويحددون تواريخ إندلاعها من خلال آخر الإفطارات الرمضانية قبل يومين . وبالفعل منذ اليوم الأول كان الخطاب موحدا بين عضوية التنظيم، أذكر أنني تناقشت مع شخص في قرية مجاورة في مناسبة عزاء ، في أواخر أبريل 2023م، وبعده بشهر أو أقل،صدف مقابلتي لأحد أقربائي في قرية أخرى بعيدة في مناسبة عزاء كذلك، لدهشة إخواني الذين كنت برفقتهم في المناسبتين , كان خطاب (الكوزين) موحدا حد التطابق , علّق شقيقي الكبير حينها بأنّ الجماعة ديل يمتلكون تنظيما قويا يسيطر على عضويته حتى على مستوى الكلمات والعبارات المستخدمة !!
الدعم السريع ، تحول إعتبارا من 15أبريل إلى مليشيا ، رغم وجود توقيعات قائده على كثير من دوسيهات الحكم والإتفاقات المحلية والإقليمية والدولية بما في ذلك انتدابه بالاسم والصفة ضمن قوات التحالف الدولي في اليمن في عاصفة الحزم ، وقبلها انتدابه بوساطة الإتحاد الأوربي لسد ثغرة الصحراء الواسعة أمام المهاجرين غير النظاميين صوب شواطئ القارة العجوز . وإرشيف كامل في التلفزيون والإذاعة وسونا وإعلام القصر الجمهوري ومجلس السيادة ، وما تزال آثار خطاه على البساط الأحمر، ومقعده في كابينة الطائرة الرئاسية؛ وكلها مؤسسات حكومية . فجأة صار قائد عصابات آل دقلو الإرهابية ، هكذا يتم تحديد وضعية ومستقبل قوات بهذا الحجم والقوة والنفوذ !! وهل كانت هذه الوضعية المليشياوية الإرهابية غائبة يوم تم تكوينها وتسليحها وتمكينها ، هل اكتشف القوم فجأة صبيحة 15أبريل 2023م ما ظل عسيرا كشفه منذ بضع عشرة سنة ماضية ؟
أصبح التقرير بشأن مسقبل هذه القوات الضاربة رهنا بما يقرره ياسر العطا ومناوي وكتائب الظل بإمرة (شيخنا) علي عثمان _ والإشارة والصفة مما قال به قائد فيلق البراء المصباح طلحة مؤخرا_ هل هذا الأمر منطقي وممكن ؟ وما هي النائج العملية وليس المتوهمة لمثل هذا التصور العدمي ؟ أول تلك النتائج اسمرار الحرب الطاحنة لأكثر من خمسة وعشرين شهرا حى الآن، تتضاءل فرضية حسمها عسكريا مع فجر كل يوم إضافي ؛ تستولي فيه القوات الموصوفة بالمليشيا على مدن ومحليات جديدة، وتنضم إليها عشائر ومجموعات كبيرة تمتد مراتعها من سهول دارفور وكردفان إلى تخوم الهضبة الإثيوبية وتلال البحر الأحمر , وتطال طائراتها الإسترايجية والمسيرة المطار والميناء وقاعدة فلامنجو العسكرية في بورتسودان . وتتطور سياسيا إلى إبرام ميثاق سياسي لتأسيس الدولة السودانية من أول جديد، اتفق من اتفق أو اختلف آخرون حوله ، لكن لا يمكن غض الطرف عنه وكأنه لم يك .ولا يمكن تجاهل الموقعين عليه بوصفهم خونة وعملاء ومرتزقة، كل هذه الأدبيات الفاحشة وخطاب الكراهية والتضليل لا يغني عن الحقيقة , وهي أنّ الدعم السريع اليوم يتبنى مشروعا سياسيا معلنا ومنشورا يمكن إحالته إليه، صدق فيما يدعيه أو كذب ، يؤازره فيه طيف لا يستهان به من الحركة /الجيش الشعبي لتحرير السودان شمال/قيادة الحلو، وحركتان من الجبهة الثورية بقيادة عضوين سابقين بمجلس السيادة الإنتقالي وثالثهما الأساذ محمد حسن التعايشي، وقسم كبير من حزب الأمة القومي بقيادة رئيسه المكلف اللواء (م) فضل الله برمة ناصر ، وحركة الأسود الحرة في شرق السودان بزعامة مبروك سليم، ومؤتمر البجا /أسامة سعيد وفصيلين من الإتحادي الديمقراطي (الأصل)إبراهيم الميرغني و (الموحد) محمد عصمت وفصيل في حركة العدل والمساواة ؛ صندل، وقيادات إدارة أهلية من سلطان الفور أحمد أيوب إلى ناظر رفاعة بولاية سنار مالك أب روف، وتحالف قمم، وشخصيات مهنية وسياسية أخرى بمن فيهم وزير العدل السابق . هؤلاء كلهم بتنظيماتهم وفصائلهم المدنية والعسكرية ؛ بحكم الميثاق المعلن باتوا مسهدفين بالضرورة بالسحق والمحق ومصيرهم الاستئصال التام وفق ما يشيع قادة الجيش وكتائب وفيالق جماعات الإسلام السياسي، الذين منحوا قواتهم المسلحة ومليشياتهم الحق الحصري في تحديد وتقرير من يريدون ومن يزيلون من قائمة الشرف الوطني السوداني . وقد رأيناهم يزيلون منها بالفعل كل من قال لا للحرب أو ناصر الثورة، بتهمة الخيانة وغرابة الوجه .
إنّ الدعوات المتكررة ،والتصريحات المتواترة من السودانيين ومن غير السودانيين على مستوى الدول والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، كلها تؤكد على استحالة الحل العسكري، وتطلب الجلوس للتفاوض بين الطرفين (الجيش والدعم السريع) لوقف إطلاق النار وابتدار عملية سياسية لوضع حد للحرب الطاحنة في البلاد .بل أبرم الجيش إتفاق (جدّة)، والمنامة مع نفس المليشيا الإرهابية التي يرجو محقها . هذا يعني عمليا أنّ مستقبل البلاد مرهون بشكل مباشر بما ستؤول إليه المفاوضات، ولأنّ الدعم السريع هو الطرف الأساس في التفاوض، ومن شأنه التقرير في مستقبل البلاد كلها، فكيف يكون مستقبله هو في يد مصطفى تمبور أو كيكل والإنصرافي ؟ كفاية تضليل، وغش، وألاعيب صغيرة خبيثة مكررة، هناك في الحقيقة جهة واحدة هي جماعة الإسلام السياسي بات مستقبلها هي، مرهونا باستمرار الحرب؛ لأنها جماعة عنفية بامتياز تعتنق العنف كوسيلة للسيطرة والهيمنة، ليس قول قالوا وقلنا بل تجربة عاشها السودانيون منذ العام1989م على الأقل، وما يزالون .وهي لم تنشئ الدعم السريع أساسا كرافد سياسي لتعظيم حظوظها في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، أما مسألة الانتهاكات التي ارتكبها الدعم السريع وهي مدانة بأقصى درجات الإدانة ويجب عدم السماح بإفلات مرتكبيها من العقاب، وقد طالتني شخصيا وأسرتي الممتدة في أعزّ ثرواتنا ؛ بفقد أخينا الشاب الشيخ ابن خالي غدرا في النهود، وبالطبع فقد آلاف الناس أرواحهم وأرواح أحبائهم في أتون هذه الحرب الضروس، الإنتهاكات ليست جديدة إلا في اتساع مناطق وقوعها، فمنشأ الدعم السريع كان في دارفور، فهل كانت عناصره تحفّظ ا(لفقرا) في خلاوي جبل مرّة سورة المطففين !! وهل نسي الناس في الخرطوم مجزرة فض الإعتصام التي كان الدعم السريع أحد مكونات القوات المشتركة لتي ارتكبتها،ضمن تشكيلات عسكرية وأمنية ضمت الجيش والشرطة وجهاز الأمن ، وربما كتائب الظل !! لو أنّ تلك الفصائل تصدت يومذاك لعناصر الدعم السريع ودافعت عن (شعبها) ضد الأوباش كما يقولون الآن لكانت تلك حرب الكرامة بالفعل، ولكانت سردية الحرب قد اتخذت مجراها الصحيح ولجاز وصفها بأنها حرب مقدّسة من أجل الشعب وثورته ومستقبله، ليس التصدي ؛ بل لو فتحت ابواب أسوار القيادة العامة لدخول الشباب/ات المذعورين وحمايتهم لكانت النظرة غير ، فلماذا تحديد الدعم السريع دون بقية المكونات الوالغة في الإنتهاكات، لماذا التطفيف في الميزان والمسلمون يقرأون (ويل للمطففين) !! اليوم فالوضع مغاير , يبدو فيه الدعم السريع بموجب إعلان التأسيس ؛ أقرب لخطاب وأهداف الثورة وإنْ توحش وارتكب الفظائع؛ ومن حق الناس التحفظ والتوجس بالطبع ، بينما يبدو الجيش كأنه مليشيا خاضعة لكتائب الظل . يبدو كرافعة لإعادتهم للحكم والهيمنة والبطش بالشعب . ولدرجة تطاول قائد مليشياتها على الثوار و وصفه لهم بالشفع قليلين الأدب ، و وعيده المستمر بملاحقة الثوار . فيما قال قائد الجيش نفسه (لا مجال لعمل سلمي توّاق للحرية السلام والعدالة، ولا مجد للوسائل الثورية السلمية بل المجد للبنادق) .
الدعم السريع بات حقيقة وجودية ر مثله مثل الجيش نفسه وبقية المليشيات، أي تفكير في حلول قابلة للتطبيق على الأرض لابد أن تأخذ هذه الحقائق على مرارتها، فكتائب الإسلاميين حقيقة،والمليشيات كلها موجودة على الأرض غض الطرف عن موالاتها لهذا الطرف أو ذاك، وفي تجربة ليبيا الراهنة ما تزال قضية المليشيات وسبل معالجتها تشغل اهتمام العالم والأمم المتحدة، وتعقد المؤتمرات الدولية وتنفض لهذا الغرض .
الموقف من الدعم السريع لا يعني إلغاء حقيقة وجوده ونفوذه، فهو يتكون من مجموعات كبيرة من السودانيين لهم أسر وأهل وعشائر وقبائل، ولهم الآن مشروع سياسي مطروح، لا أحد يتعامل مع الحقائق يمكنه التقرير مسبقا في شأن الآخرين دون مشورتهم ورضائهم، تلك هي خبرات الماضي الطويل في سياق الحروب الأهلية السودانية , بداية الحل في العقل ،والعقل يتعامل مع الواقع كما هو وليس كما يتصوره أو يتمناه .ومن هنا كان النظر الحصيف الذي بدأ سلميا وكاد يبلغ مداه المنشود لولا أن حدث ما حدث، وعوضا عن بند واحد مطروح في الإتفاق الإطاري ينص صراحة على دمج الدعم السريع في الجيش، صار المطروح اليوم أكبر بكثير من مسألة الدمج بات الهدف تأسيس جيش جديد وبلد جديد , إنها نفس عقلية البصيرة أم حمد،وتطبيق حرفي للمقولة الشعبية تابها مملحة تكوسا قَروُضْ، وتكرار لسيناريوهات حاضرة في تاريخ حرب الجنوب، عندما انقلبت الجبهة الإسلامية القومية على الإجماع الوطني النادر حول مبادئ مبادرة السلام السودانية(1988م) المعروفة باتفاق الميرغني /قرنق، لتبرم اتفاقا أشد مرارة بعد 16سنة من الجهاد كان نتيجته إستقلال/ انفصال الجنوب . فهل نبحث عن شعب البوربون الذي لا ينسى ولا يتعلم !!!
الوسومالدعم السريع خالد فضل مستقبل نهاية