تُعد مدينة "قُرح" الأثرية من أبرز المحطات التاريخية الواقعة جنوب محافظة "العُلا"، وقد شكّلت عبر العصور مركزًا مهمًا على طرق قوافل الحجاج والتجار، لما امتازت به من موقع جغرافي استراتيجي ومقومات اقتصادية وعمرانية، أولت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا هذا الموقع عناية خاصة ضمن برامجها المستمرة لاستكشاف المكنونات الحضارية، من خلال أعمال التنقيب والمسح والدراسة الأثرية.

وتقع "قُرح" على بُعد نحو عشرين كيلومترًا جنوب البلدة القديمة في "العُلا"، بالقرب من قرية "مغيْراء"، وتنتشر آثارها في سهل فسيح تحيط به جبال متوسطة الارتفاع، ما يجسد أهميتها الجغرافية في شبكة الطرق القديمة، كما عُرفت منذ ما قبل الإسلام بنشاطها التجاري، حيث كانت حاضرة وادي القرى ومجمعًا لأسواق العرب، كما ورد في وصف المؤرخ "ابن الكلبي" الذي عدّها مركزًا تجاريًا وثقافيًا ومهدًا للفنون.

وتوالت الإشارات إلى قُرح في مؤلفات الجغرافيين والرحالة، إذ وصفها "الأصطخري" في القرن الرابع الهجري بأنها من كبريات مدن الحجاز بعد مكة، والمدينة، واليمامة، مشيرًا إلى ما فيها من عيون ونخيل وحركة تجارية مزدهرة، كما صنّفها "المقدسي" ضمن أهم نواحي الجزيرة العربية، وذكر أنها من أكثر البلاد عمرانًا وأهلاً وتجّارًا بعد مكة المكرمة، مشيدًا بأسواقها وقلاعها وتنوع سكانها القادمين من مناطق متعددة.

ومع مرور الزمن، بدأت ملامح الانحسار تظهر على المدينة، وقد رصد الجغرافي "ياقوت الحموي" في القرن السابع الهجري ما أصابها من اندثار نسبي، إلا أنه أشار إلى استمرار تدفق مياهها وبقاء آثارها شاهدة على ماضيها المزدهر.

وفي أواخر القرن السادس الهجري، بدأ اسم "قُرح" يتوارى تدريجيًا، لتحل مكانها مدينة "العُلا" الواقعة شمال الوادي، والتي وصفها الرحالة "ابن بطوطة" خلال مروره بها عام 725 هـ بأنها قرية كبيرة حسنة تتوفر فيها المياه والبساتين، وكانت تمثل محطة استراحة رئيسية لقوافل الحجاج المتجهين إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة.

وتضم آثار "قُرح" بقايا منشآت معمارية وأسواقًا وشوارع وقصورًا تجسد حجم النشاط الاقتصادي والعمراني الذي شهدته المدينة، كما تظهر أنماط معمارية تعود للعصور الإسلامية الأولى، ما يدل على استمرار الاستيطان والنمو الحضاري بعد الإسلام.

وكانت المدينة تقع على مسار "طريق البخور" التاريخي، الذي كان يستخدمه التجار في نقل السلع الثمينة من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها، مرورًا بوادي القرى، ما منحها دورًا حيويًا في الربط بين المراكز التجارية والحضارية في شبه الجزيرة.

وتواصل الهيئة الملكية لمحافظة العُلا جهودها في الكشف عن أسرار هذه المدينة العريقة، من خلال تنفيذ أعمال مسح وتنقيب ميداني بالتعاون مع خبراء دوليين ومراكز بحثية متخصصة، بهدف توثيق تاريخ "قُرح" وإبراز دورها كمركز محوري في مسارات الحجاج والتجار عبر القرون.

العلاالحجاجقُرحمدينة قُرح الأثريةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

المصدر: صحيفة عاجل

كلمات دلالية: العلا الحجاج ق رح الع لا

إقرأ أيضاً:

وزير الشؤون الدينية يصل إلى المدينة المنورة

حلّ وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الدكتور يوسف بلمهدي، اليوم الثلاثاء، بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، للإشراف المباشر على بعثة الحج الجزائرية، وذلك بصفته رئيس مكتب شؤون حجاج الجزائر.

وحسب بيان للوزارة، تهدف هذه الزيارة إلى الاطلاع الميداني على الترتيبات والإجراءات التنظيمية المعتمدة لاستقبال الحجاج الجزائريين. والوقوف على مدى جاهزية الفرق المكلّفة بتقديم الخدمات المختلفة من إقامة ونقل ورعاية صحية وإرشاد ديني. بهدف ضمان موسم حج مريح وآمن لحجاجنا الكرام.

و من المنتظر أن يُجري الوزير سلسلة من الزيارات التفقدية الميدانية بكل من المدينة المنورة ومكة المكرمة ومدينة جدة، إلى مراكز الإقامة والمصحات الطبية ومواقع استقبال الحجاج.

كما سيعقد لقاءات تنسيقية مع المسؤولين السعوديين لتعزيز سبل التعاون وضمان تيسير كافة مراحل الحج.

وتندرج هذه المهمة في إطار حرص الدولة الجزائرية على ضمان أفضل ظروف الأداء الروحي والتنظيمي للحجاج الجزائريين. من لحظة استقبالهم إلى غاية عودتهم إلى أرض الوطن سالمين غانمين.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • أكد دعمه المتواصل لمبادرات رفع كفاءة خدمات الحجاج.. أمير المدينة يدشن أربع نقاط إسعافية جديدة
  • "قلعة هدية".. محطة ومورد ماء لقوافل الحجاج تاريخيًا
  • تواصل توافد ضيوف الرحمن إلى المدينة المنورة خلال فترة ما قبل الحج
  • وزير الشؤون الدينية يصل إلى المدينة المنورة
  • بعد إظلام تام شرقا.. عودة الكهرباء لأغلب المناطق باستثناء مدينة المرج
  • مدينة “قُرح” الأثرية.. محطة تاريخية لقوافل الحجاج والتجارة جنوب “العُلا”
  • نوه بالجهود المبذولة لخدمة الحجاج عبر المنافذ.. أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل مدير عام الجوازات
  • أمير المدينة يستعرض جهود “الجوازات” في خدمة الحجاج عبر المنافذ
  • “الدارة” تترجم كتابًا يوثق التاريخ الصحي لحجاج بيت الله في أوائل القرن الـ20