"الدار" تطلق مشروع "غاردينيا باي" في جزيرة ياس
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
أعلنت الدار العقارية إطلاق مشروع "غاردينيا باي" في جزيرة ياس، المجتمع السكني الجديد الذي يعزز الترابط بين الأفراد والطبيعة، من خلال دمج عناصر الطبيعة ضمن البنية التحتية والمخطط الرئيسي للمجتمع السكني.
ومن المقرر بدء أعمال بناء المرحلة الأولى من مشروع "غاردينيا باي" خلال الربع الأول في عام 2024، ويتوقع تسليم وحداته في الربع الثاني من عام 2027.
وجاء تصميم "غاردينيا باي" وفقاً لأعلى معايير الدقة والجوّدة بهدف توفير أكبر مساحة ممكنة للتجوّل والمشي والارتقاء بمستويات العيش والرفاهية وتوفير نمط حياة صحي، على امتداد نحو 1 كيلومتر من واجهة القناة المائية.
وتضم المرحلة الأولى من "غاردينيا باي" 210 وحدات سكنية، من إجمالي 2,434 وحدة عصرية تتنوع بين الاستوديو وشقق بغرفة نوم واحدة، وغرفتيّ نوم، وثلاث غرف نوم.
وتتوفر الوحدات للتملك والشراء ابتداءً من 8 سبتمبر 2023، بأسعار تبدأ من 805,000 درهم لوحدات الاستوديو، و3.1 مليون درهم للشقق المكوّنة من ثلاث غرف نوم.
وستراعي شركة الدار في عمليات البناء والتطوير تشييد وحدات المشروع ومرافقه ضمن مواقع واتجاهات استراتيجية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الظل وبالتالي تقليل درجة الحرارة، مع توفير خصائص تبريد إضافية بالاستعانة بالمياه، والتركيز بشكل أكبر على تنسيق المساحات الخضراء والحدائق؛ ويوفر المشروع وصولاً مباشراً إلى ممشى واجهة القناة المائية الممتدة على 10 كيلومترات في جزيرة ياس، مع تقليل إمكانية وصول المركبات، مما يساهم في تحسين بيئة العيش في المجتمع.
وقال راشد العُميرة، الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية لدى الدار للتطوير: في إطار استجابتنا للطلب المتنامي على المجتمعات السكنية التي تراعي الممارسات المستدامة وتركز على تقديم نمط حياة صحي، فإننا نسعد بإطلاق غاردينيا باي، أحدث مشاريعنا السكنية الذي يشكل وجهة عيش عصرية تتوافر فيها كافة مقومات الحياة الحديثة وسط الطبيعة في جزيرة ياس؛ وسيستمتع القاطنون بتجربة عيش فريدة وسط مجموعة متنوعة من وسائل الراحة والمرافق الحديثة؛ كما سيعزز المشروع مفهوم المجتمع، من خلال توفير أنشطة ومرافق مجتمعية متنوعة، والذي يعد أحد أبرز أولويات عملائنا الحاليين والجدد.
ويركز تصميم مشروع "غاردينيا باي" على ترسيخ الترابط بالطبيعة ودمج المساحات الخضراء في مخططه الرئيسي، وذلك في إطار التزام الدار بتحقيق الاستدامة البيئية والارتقاء برفاه مجتمعاتها؛ وسيضمن تبنّي نهجا معماريا موحّدا بناء وتشييد المشروع بجوّدة وكفاءة عالية والحد من الأثار السلبية المترتبة على البيئة، وسيتضمن تصميم المشروع ممارسات مستدامة أخرى، مثل استخدام مواد مُعاد تدويرها، مما سيحقق توازناً فريداً بين المسؤولية البيئية والتصميم المبتكر.
ويستهدف المشروع من خلال أبنيته ومرافقه المختلفة الحصول على تصنيف "ثلاث لآلئ" من نظام التقييم بدرجات اللؤلؤ التابع لبرنامج "استدامة"، حيث يضم تصميمه عدادات قياس لترشيد استهلاك الطاقة واستهلاك المياه وحجم المخلفات.
ويساهم تصميم المساحات المفتوحة، المدعومة بأنظمة ري وزراعة ذكية وحدائق تحتوي على نباتات وفواكه وأعشاب صالحة للأكل، في نمو النباتات المحلية والمعدلة وبالتالي توسيع رقعة المساحات الخضراء والتنوع البيئي المستدام.
ومن أجل تعزيز مفهوم المجتمع والروح المجتمعية بين القاطنين، سيقدم المشروع مجموعة متنوعة من المرافق المجتمعية والأنشطة والتي يمكن الوصول إليها عبر النادي المجتمعي "ذا باي فيو"، كما سيتضمن مرافق ومساحات عمل مشتركة وغرف عمل خارجية بالإضافة إلى مساحات خضراء وحدائق "الزن" لتوفير أماكن هادئة للاسترخاء، ومناطق مخصصة للشواء ومناطق ألعاب تعليمية للأطفال، ومدرج وناد عصري بإطلالة شاطئية.
ويمكن للسكّان الاستمتاع بالعديد من المرافق، بدءاً من المبنى الترفيهي المركزي وصولاً إلى المرافق الثانوية، والتي تشمل صالة الألعاب الرياضية ومسارات مخصصة لركوب الدراجات الهوائية والركض، ومقهى، ومنطقة متعددة الأغراض، كما سيشمل المشروع مسجداً يتسع لأكثر من 2,000 مصل.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات غاردينيا باي الاستوديو الدار البناء جزيرة ياس استدامة الطاقة الدار العقارية أرباح الدار العقارية عقارات أبوظبي غاردينيا باي الاستوديو الدار البناء جزيرة ياس استدامة الطاقة عقارات فی جزیرة یاس
إقرأ أيضاً:
سيناء الحلم الصهيوني منذ هرتزل
تعود المحاولات اليهودية للاستيطان في سيناء إلى فترات قديمة منذ القرنين الـ16 والـ17 الميلادي، حين حاول بعض يهود مصر نقل إقامتهم إلى جبل الطور، وتمكن بعضهم من ذلك بالفعل.
وتشير دراسات عديدة إلى أن الاهتمام اليهودي بسيناء يعود إلى قرون سابقة على قيام المشروع الصهيوني المنظم في القرن الـ19.
وكانت هناك محاولات متكررة مبكرة تشير إلى نية اليهود الاستيطان في شبه جزيرة سيناء، وذلك قبل هجرتهم إلى فلسطين منذ أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20.
منذ نشأة الحركة الصهيونية في القرن الـ19 لم تخرج سيناء من حسابات المفكرين الصهاينة الذين سعوا إلى تحويل الأسطورة الدينية إلى مشروع سياسي، ذلك أن الفكر الصهيوني الذي تبلور في أوروبا سعى إلى إحياء مشروع "أرض الميعاد".
ولم يكن هذا المشروع ينظر إلى فلسطين وحدها باعتبارها مركز الوعد التوراتي، بل رأى أن مصر بأكملها، وسيناء على وجه الخصوص امتدادًا طبيعيًا لهذا الحلم التاريخي.
ففي المرويات التوراتية تظهر مصر كأرضٍ ارتبطت بمسيرة أنبياء بني إسرائيل من إبراهيم إلى يوسف ثم موسى عليهم السلام، وتحتل سيناء موقعا مركزيا في هذه الرواية، إذ تُصوَّر كـ"أرض التيه" التي تجوّل فيها بنو إسرائيل 40 عاما بعد خروجهم من مصر، ومثلت مرحلة الضياع والبحث عن الوطن الموعود.
ومن هذا المنطلق، يرى الفكر الصهيوني أن لليهود جذورا تاريخية في سيناء، ويعمل على تكريس فكرة استمرارية وجودهم فيها منذ العهد القديم وحتى العصر الحديث.
ومن اللافت أن مؤسسي الصهيونية ومن جاء بعدهم استخدموا في دراساتهم المبكرة مصطلح "فلسطين المصرية" تصريحا وتلميحا، وهو وصف يتجاوز المعنى الجغرافي البسيط إلى أبعاد سياسية وأيديولوجية أعمق.
وتُشير المؤرخة زبيدة عطا في كتابها "إسرائيل في النيل" إلى أن الفكر الصهيوني منذ بدايات القرن الـ20 لم يتعامل مع سيناء باعتبارها منطقة مصرية خالصة، بل بوصفها فضاء جغرافيا مفتوحا يمكن أن يشكل جزءا من المجال الحيوي للمشروع الصهيوني.
إعلانوتعكس المصطلحات التي تُستخدم في تلك الأدبيات مثل "فلسطين المصرية" أو "الجنوب الفلسطيني" نزعة توسعية تسعى إلى إعادة ترسيم الحدود على أساسٍ توراتي يدمج سيناء رمزيًا في خريطة إسرائيل الكبرى.
ويرى المؤرخ محمد عفيفي في دراسته "فلسطين المصرية، الحلم الصهيوني القديم" أن هذا الخطاب ليس مجرد اجتهاد لغوي أو ثقافي، بل يمثل امتدادًا لتوجه سياسي ثابت في الفكر الصهيوني يهدف إلى تصوير سيناء كأرض بلا هوية قومية محددة، وبالتالي تهيئتها فكريا لتكون قابلة للضم أو للتوظيف في المشروع الإسرائيلي متى تهيأت الظروف.
ظل حلم العودة إلى سيناء يراود قادة الحركة الصهيونية الأوائل وعلى رأسهم ثيودور هرتزل.
ويوضح المؤرخ محمد عفيفي أن الإشارات الأولى لهذا الاهتمام كانت في بدايات الحكم العثماني لمصر عام 1517، حين تحدثت بعض الروايات عن محاولات لاستيطان يهودي محدود في أجزاء من سيناء خلال عهد السلطان سليم الأول وسليمان القانوني، بل ومن تلاهم من بعض السلاطين الآخرين.
غير أن الدولة العثمانية تصدت لهذه المحاولات خشية المساس بأمن المنطقة، خاصة أن سيناء كانت آنذاك محورًا حيويًا يربط بين ولايات شمال أفريقيا وقلب الدولة العثمانية، وتمر عبرها قوافل الحج القادمة من المغرب العربي إلى الحجاز.
وتدخلت السلطات العثمانية في أكثر من مناسبة لمنع أي وجود استيطاني يهودي في سيناء، بعد أن نشبت خلافات بين جماعات يهودية صغيرة حاولت التوطن في المنطقة وبين رهبان دير سانت كاترين.
وتكشف هذه الوقائع المبكرة جذور الاهتمام الصهيوني بسيناء، الذي سيعود بقوة بعد قرون في سياق الفكر التوسعي الحديث.
توضح أطروحات الجغرافي والسياسي الإسرائيلي ميرون بنفنستي في كتابه "المشهد المقدس: التاريخ المدفون للأرض المقدسة منذ 1948" أن تحويل الرموز الدينية والذاكرة التاريخية الى خرائط وإلى أسماء أماكن كان أداة مركزية لبناء الشرعية القومية الاسرائيلية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمكان.
ويبين المؤرخ الجغرافي الاسرائيلي المختص بخرائط ورحلات القرن الـ19 يهوشع بن أرييه في كتابه "إعادة اكتشاف الارض المقدسة في القرن التاسع عشر" كيف أعادت خرائط ورحلات ذلك القرن تعريف معنى الأرض المقدسة ومهدت لتوظيفها السياسي لاحقا.
وعلى هذا الأساس برزت سيناء في التفكير الصهيوني المبكر كامتداد قابل للإدماج ضمن تصور فلسطين الكبرى، وهو ما يتجلى في مفاوضات هرتزل حول مشروع العريش وسيناء كما ترد في اليوميات الكاملة المطبوعة له.
كما ينظر ديفيدس تريتش المنظر الصهيوني الألماني من تيار الصهيونية العملية لفكرة فلسطين المصرية على الجانب المصري من خط مصر فلسطين بوصفها مجالا انتقاليا نحو الهدف في فلسطين، وجزءا من تحقق المشروع الصهيوني في الأرض المقدسة.
ولهذا سنرى في الوعي الصهيوني الحديث أن سيناء لم تكن مجرد صحراء عابرة تفصل بين مصر وفلسطين، بل منطقة ذات قيمة إستراتيجية ودينية بالغة الأهمية.
مشروع فريدمانمع صعود الحركة الصهيونية الحديثة في النصف الثاني من القرن الـ19 بدأت تظهر محاولات منظمة لإقامة مستوطنات يهودية في سيناء أو بالقرب منها، كان من أبرزها ما عُرف باسم مشروع بول فريدمان بين عامي 1891 و1892، وهو مشروع يحمل دلالات سياسية ودينية بالغة.
إعلانويوضح محمد عفيفي في دراسته أن فريدمان كان بروتستانتيا ألمانيا من أصول يهودية، وقد تبنى فكرة إقامة مستعمرة في منطقة أطلق عليها اسم "أرض مدين"، مستلهمًا هذا التعبير من التوراة حيث لجأ النبي موسى إلى مدين بعد خروجه من مصر.
ويكشف هذا المشروع عن تحالف مبكر بين البروتستانتية المسيحية والفكر الصهيوني في تبني فكرة إحياء "أرض الميعاد"، وهو التحالف الذي سيتطور لاحقًا ليشكل أحد ركائز الدعم الأميركي لإسرائيل في القرن الـ20.
ولم يكن البعد الديني هو الجانب الأخطر في مشروع فريدمان فحسب، بل الطموح الجغرافي الذي طرحه، فقد اقترح إنشاء قناة بديلة لقناة السويس تربط بين حيفا على البحر المتوسط والعقبة على البحر الأحمر، في محاولة لتقويض الدور الاقتصادي والإستراتيجي لمصر.
ووفقًا لرؤية فريدمان فإن هذه القناة كانت ستضعف من موقع مصر الجيوسياسي وتفقدها سيطرتها على أهم ممر بحري في العالم، ما يفتح المجال أمام إعادة تشكيل خريطة النفوذ الإقليمي لصالح المشروع الصهيوني.
مشروع فلسطين المصرية
بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل عام 1897، بدأ هرتزل في تحويل الشعارات التي رفعها المؤتمر إلى مشاريع واقعية على الأرض، ولم يكن يفكر فقط في فلسطين كمقر للدولة اليهودية المرتقبة، بل بحث عن مواقع أخرى أكثر ملاءمة من وجهة نظره، وكان في مقدمتها شبه جزيرة سيناء.
وقد توجه هرتزل إلى الحكومة البريطانية بطلب رسمي لبحث إمكانية إنشاء مستعمرة يهودية تحت رعايتها، مقترحًا أكثر من بديل جغرافي، منها جزيرة قبرص وسيناء.
وبحسب ما تشير إليه زبيدة عطا في كتابها السابق، فقد رفضت بريطانيا بشكل قاطع فكرة الاستيطان في قبرص لما للجزيرة من أهمية إستراتيجية كقاعدة بحرية في شرق المتوسط، في حين أبدت استعدادا لدراسة مشروع استيطان سيناء.
وشهدت السنوات اللاحقة اتصالات مكثفة بين زعماء المنظمة الصهيونية ووزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشمبرلين، ثم مع المعتمد البريطاني في مصر اللورد كرومر.
وجرى الحديث عن سيناء كمنطقة قريبة من فلسطين يسهل منها التمدد نحو المشرق العربي، كما حاول القادة الصهاينة إقناع البريطانيين بأن وجود مستوطنات يهودية في سيناء سيشكل خط دفاع طبيعي عن قناة السويس، وهو ما يتفق مع المصالح البريطانية في حماية الممر البحري الأهم في العالم.
بعد اتصالات هرتزل بالوزير تشمبرلن أواخر 1902، وافق المعتمد البريطاني في مصر اللورد كرومر على تسيير بعثة فنية إلى العريش وسيناء في مطلع 1903 لفحص إمكانات الاستيطان والموارد.
وتُظهر وثائق مردخاي إلياف في كتابه "بريطانيا والأرض المقدسة 1838-1914: وثائق مختارة من القنصلية البريطانية في القدس" أنّ كرومر كتب في 14 مايو/أيار 1903 أنّه لإحياء هذا المشروع يجب أن تتوفر المياه، ولكي تتوفر هذه المياه فإنه ينبغي أن تُجلب من النيل، وأن تُنشأ أنفاق وأنابيب أسفل قناة السويس.
ندرة المياهوقد أشار تقرير اللجنة التي أُعدّت لهذا الغرض إلى أن الكثافة السكانية محدودة في وادي العريش والمناطق المحيطة ببحيرة البردويل، وأن معظم السكان من البدو الرحل، وهو ما اعتُبر في نظر معدّي التقرير دليلاً على ضعف الارتباط بالأرض.
كما رصد التقرير ندرة الموارد المائية وضعف النشاط الزراعي، لكنه أكد أن استصلاح الأراضي ممكن بوسائل هندسية متقدمة، وهو ما جعل سيناء تبدو في الخطاب الصهيوني آنذاك أرضًا بكراً قابلة للاستيطان، لكن تقرير كبير مهندسي الري ويليام جارستين كان حاسما ضد اعتماد المشروع، وهو ما أنهى الخطة عمليًا.
وكما يسرد ديزموند ستيوارت في مقالته "رحلات هرتزل في فلسطين ومصر" تفاصيل انتقال النقاش البريطاني إلى بديل العريش بعد قبرص، بينما تعكس اليوميات الكاملة لهرتزل كيف طُرحت سيناء ضمن بدائل الاستيطان المؤقت تحت المظلّة البريطانية.
إعلانويلاحظ عفيفي أن ما تضمنه هذا التقرير من توصيفات وأفكار يمثل القاعدة الفكرية التي بُنيت عليها النظرة الإسرائيلية الحديثة لسيناء، سواء في فترات الاحتلال بعد عام 1967 أو في التصورات الإستراتيجية اللاحقة حول مستقبل التنمية في المنطقة.
وخص التقرير جزءا كبيرا من صفحاته لمشكلة المياه، وطرح فكرة نقل مياه النيل إلى سيناء عبر قناة أو أنفاق تمر أسفل قناة السويس.
كما تضمن التقرير تصورا سياسيا واضحا لما سماه فلسطين المصرية، وحددها ما بين البحر المتوسط شمالا، والحدود العثمانية شرقا، ووادي العريش جنوبا، وقناة السويس غربا، وهي الحدود ذاتها تقريبا لسيناء المعاصرة.
ورغم محاولات هرتزل الحثيثة لتمرير ذلك المشروع عبر صلاته باللورد كرومر، إلا أن الحكومة المصرية وقتها بزعامة الخديوي عباس حلمي رفضته رسميا، وقد عُرف عن الخديوي موالاته للدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني، مبررا موقفه بالارتباط القانوني بالدولة العثمانية، التي لم تكن تسمح بالتنازل عن أراضٍ ذات سيادة.
ولهذا السبب أدرك كرومر لاحقا عبث المحاولة الصهيونية، فأرسل إلى لندن تقريرا سريا أوضح فيه أن المشروع غير قابل للتنفيذ وأن المعارضة المصرية تستند إلى تقدير واقعي لا إلى نزعة دينية، مؤكدا أن من الحكمة وقف دعم هرتزل في "مطاردة أحلام لا يمكن تحقيقها".
ومع فشل المشروع كتب هرتزل في مذكراته معبّرا عن خيبة أمله قائلا "اعتقدتُ أن مشروع سيناء مضمون النجاح، لكني اليوم أراه قد مات تماما".
وهكذا انتهت أول محاولة صهيونية حديثة لاختراق واحتلال الأراضي المصرية، لكنها كشفت مبكرا عن سعي لجعلها امتدادا لفلسطين التاريخية وجزءا من مشروع أرض الميعاد، فضلا عن استخدام المياه أداة للنفوذ السياسي في المنطقة.
مشروع ألكسندر كنيسيفيتش
على الرغم من فشل مشروع هرتزل لاستيطان سيناء في مطلع القرن الـ20، فإن الحلم الصهيوني بالتمدد داخل هذه المنطقة لم يتوقف، فمع اندلاع أزمة الحدود المصرية العثمانية عام 1906 -التي عُرفت لاحقا باسم مشكلة طابا الأولى- وجدت الحركة الصهيونية في تصاعد التوتر بين بريطانيا والدولة العثمانية فرصة جديدة لإحياء مشاريعها.
ويوضح الدكتور محمد عفيفي أن قادة الحركة اعتقدوا أن بريطانيا التي كانت تدير مصر آنذاك قد تسمح بإقامة مستوطنات يهودية في سيناء، لتكون منطقة حاجزة أمام النفوذ العثماني في المشرق العربي.
في مطلع العقد الثاني من القرن الـ20 أعادت الدوائر الصهيونية محاولات الاستيطان في سيناء من خلال مشروع ألكسندر كنيسيفيتش، وهو يهودي بريطاني شغل منصب وكيل القنصل البريطاني في غزة بين عامي 1905 و1914.
وتشير الوثائق البريطانية التي جمعها مردخاي إلياف في كتابه "بريطانيا والأرض المقدسة" وخاصة تلك الوثائق المتعلقة بأراضي رفح المصرية إلى أن كنيسيفيتش سعى لشراء أراضٍ على تخوم رفح والعريش بغرض إنشاء مستعمرات يهودية، ورفع مشروعه إلى المعتمد البريطاني في القاهرة إلدون جورست طالبا الدعم السياسي.
وتبيّن المراسلات المؤرخة في نيسان/أبريل 1911 أن السلطات البريطانية كانت تتابع هذه المساعي بدقة، حتى إن كنيسيفيتش كاد أن يتمكن من شراء 50 ألف دونم في رفح ومناطق قرب العريش قبل أن تتخذ السلطات البريطانية لاحقا موقفا حاسما بالرفض في عهد اللورد كتشنر عام 1913 بعد تزايد اعتراض القاهرة على أنشطة البيع غير القانونية في المناطق الحدودية.
وأمام هذا الرفض المتعدد الأطراف انهارت مشاريع الاستيطان اليهودي في سيناء مرة أخرى، فالقاهرة أصدرت قرارات حاسمة تحظر بيع الأراضي في المناطق الحدودية للأجانب، وتُلزم أي مصري يرغب في التملك بالحصول على موافقة من وزارة الحربية نظرا لحساسية المنطقة، كما اختارت بريطانيا تجنب التصعيد.
ورغم تلاشي مشاريع الاستيطان الصهيوني في سيناء قبيل الحرب العالمية الأولى، لكن فكرة استغلال الموقع الجغرافي المصري لصالح المشروع الصهيوني بقيت حاضرة في الفكر الإسرائيلي لاحقا، لتظهر بأشكال جديدة بعد قيام دولة إسرائيل، بل وحتى اليوم في ظل حرب الإبادة على غزة وتصريح القيادة الإسرائيلية بتهجير أهالي غزة إلى سيناء.