تعد السياسات المالية والنقدية عوامل مساعدة مهمة لإدارة النشاط الاقتصادى.. لكنها ليست النشاط الاقتصادى نفسه.. ولا يمكن الاعتماد عليها وحدها لإدارة النشاط الاقتصادى.
فتلك السياسات تعمل بشكل أساسى على تحفيز النشاط الاقتصادى.. وإزالة العقبات التى تواجهه.. أما النظر لها باعتبارها مجرد أداة للجباية دون مراعاة الأبعاد الاقتصادية لها.
فقد أعلنت الحكومة مؤخراً فى نوفمبر 2023 عن مبادرة لبيع العقار بالدولار.. وهل كان البيع بالدولار ممنوعاً أصلاً فى دولة أزمتها الرئيسية الدولار.. يا للعجب!!.. من الذى منع؟ ولماذا، وما هدفه؟
لقد نسيت أو تناست الحكومة توجه الدولة للاستثمار العقارى منذ مقدمها.. بل تناست حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل 6 سنوات كاملة عن تصدير العقار.. فكيف لم تتوافق قوانينها مع توجهها.. وكيف تناست فى ظل سعيها للحصول على الدولار بأى ثمن أن لديها قانوناً يمنع البيع بالدولار؟!.. وبالطبع كان نتيجة ذلك الوضع الغريب دخول الدولارات للسوق الموازى.. ومنح الحكومة المأزومة سعر العقار بالجنيه!.
قبل عدة أشهر أصدر وزير المالية قراراً بإعفاء الذهب القادم مع المصريين من الخارج من الجمارك.. وفى نفس اليوم وبعد سلسلة من الارتفاعات غير المبررة لأسعار الذهب.. انخفض سعر الجرام 600 جنيه دفعة واحدة.. وبالطبع لا يستطيع أحد أن يتجاهل العلاقة الوطيدة بين أسعار الذهب والدولار فى مصر.. فهل أدركت «المالية» من أين تأتى الأزمات؟!.
وننتقل من الذهب إلى انخفاض تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 30,8%.. فهل بحثت الحكومة أسباب ذلك الانخفاض الضخم الذى يصل لـ10 مليارات دولار؟!.. وهل أدركت أن سلوكيات صغار الموظفين فى البنوك.. ونهج التعامل اليومى مع تحويلات المصريين بالخارج.. والمماطلة فى صرف الحوالات أو إجبار المتعاملين على صرفها بالجنيه.. كانت سبباً رئيسياً فى البحث عن طرق ووسائل أخرى لتحويل الأموال بعيداً عن يد الحكومة وبنوكها؟.
قد يقول قائل إن ذلك السلوك يستهدف محاصرة السوق الموازى.. ولهذا أقول: وماذا كانت النتيجة؟.. فأقل الفهم الاقتصادى يشير إلى أنه حتى لو خرجت هذه الأموال إلى السوق الموازى.. فمن شأنها أن تحدث تشبعاً فى ذلك السوق.. يؤدى إلى انخفاض قيمة الدولار نتيجة زيادة العرض بدلاً من المحاولات البائسة للحاق به عبر تخفيض قيمة العملة رسمياً!.
نفس الحديث ينطبق على التجارة الإلكترونية وأموال البلوجرز.. ففى الوقت الذى بدأت الكثير من الدول الغربية التى لا تعانى أزمات عملة.. فى فتح أبوابها لهؤلاء.. ومحاولة جذبهم بشتى السبل للعيش على أراضيها.. من منطلق أن وجودهم داخل الدولة سيجذب لها المزيد من العملات الصعبة التى ستنفق حتماً فى الداخل.. نجد أن هذه الفئة ونتيجة إجراءات التتبع والتعسف.. وعدم القدرة على تيسير عملها وجذب المزيد منهم.. بدأت البحث عن ملاذات أخرى لأموالها.. والبحث عن قنوات أخرى لتحويل الدولار.. أو الإبقاء عليه فى الخارج.
الخلاصة أن الوضع الاقتصادى الراهن وأزمة الدولار.. يحتمان على الدولة وقفة جادة وفاعلة لإزالة كل العقبات الإدارية والمالية والشخوص المعرقلة أمام دخول الدولار إلى الدولة.. وخلق مناخ جاذب من الثقة يتيح لمن يملك الدولار الأمان وحرية التصرف فيه.. سواء تم ذلك عبر القنوات الشرعية أو حتى السوق الموازى.. فما دام ذلك التصرف بالداخل، ففوائده ستعود على الاقتصاد حتماً.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشافعي الدولار لوجه الله السياسات المالية والنقدية النشاط الاقتصادى والدولار
إقرأ أيضاً:
التوقعات الحيوية للاقتصاد الحيوى (٢)
تناولنا فى المقال السابق دور التوقعات الحيوية للاقتصاد فى تحليل مؤشرات مثل نمو الناتج المحلى الإجمالى، ومعدل التضخم، وأسعار الفائدة، بهدف فهم وتوقع الإتجاهات الإقتصادية المستقبلية. وفى المقابل فإن الاقتصاد الحيوى هو جميع الأنشطة الاقتصادية المرتكزة على الأنشطة البحثية والعلمية، لذلك فإن ربط مصطلح الاقتصاد الحيوى بالتوقعات الحيوية يمثل ضرورة حتمية من أجل تمكين عملية التحول إلى اقتصاد مستدام. وهو ما يتوافق مع ما أصدره صندوق النقد العربى فى أغسطس 2025 فى تقريره السنوى بعنوان «آفاق الاقتصاد العربى»، هذا التقرير أظهر أن مصر تتبنى مسارات إصلاح اقتصادى شامل بهدف معالجة التحديات الهيكلية وتعزيز الاستقرار عبر مجموعة من الجهود إكتملت بتدشين السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية التى تعتبر إطارا شاملًا يحقق التكامل والتناسق بين برنامج عمل الحكومة، ورؤية مصر 2030، وإستنادًا على إستمرار مسار الإصلاح الإقتصادى المصري، والإلتزام بالتوجه نحو القطاعات الأعلى إنتاجية، والأكثر قدرة على النفاذ للأسواق التصديرية، لضمان الوصول إلى 100 مليار دولار صادرات سلعية غير بترولية بحلول عام 2027 والتأهب بالصادارات إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2023، وإن كنا نأمل بأن تكون السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية نقلة فى أسلوب التخطيط الاقتصادى فى مصر، ومنبع هذا الأمل حرص القيادة السياسية على وضع المواطن فى قلب العملية التنموية، وضرورة تحقق التوازن بين الاستقرار المالى ومتطلبات النمو الإنتاجى والتشغيل، ولكن هذا يتطلب الخروج من عباءة صندوق النقد الدولى ومحاكاة نجاحات نماذج دول جنوب شرق آسيا لا سيما ماليزيا، التى تبنت خطة اقتصادية وطنية خالصة، استطاعت من خلالها مواجهة التحديات وتحسين جودة حياة المواطنين، ونحن من جانبنا فى تلك المرحلة التى تتسم بعدم اليقين ونقص المعلومات الجيدة، السعى نحو تفعيل إنشاء برنامج المنظومة المالية الإستراتيجية للتمكين الاقتصادى، لدعم جهود التمكين الاقتصادى والشمول المالى للفئات المستفيدة من «تكافل وكرامة»، مع التركيز على زيادة الموارد الذاتية عبر التصدير، وتعزيز الإدخار المحلى، وجذب الإستثمارات، وتقليل الإعتماد على التمويل الخارجى، مع تفعيل مبادرات «مبادلة الديون باستثمارات»، كما حدث مع الإمارات، وكما هو متفق عليه مع السعودية والكويت. ولذلك نرى أن مصر أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة نموذجها الاقتصادى، القائم على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة بعيدًا عن الوصفات الجاهزة، وبما يخدم أهدافها التنموية الوطنية فى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. لذا من الواجب الالتزام بضرورة أن يرتكز النموذج الاقتصادى بمفهوم الدولة التنموية على تنمية القطاعات القابلة للتبادل التجارى، من خلال تعزيز التنمية الصناعية والاستثمار الأجنبى المباشر، مع التركيز على القطاعات ذات الأولوية مثل الصناعات التحويلية، باعتبارها ركيزة رئيسية لتحقيق النمو الشامل وخلق فرص العمل المستدامة، وأيضًا السياحة، والزراعة، والطاقة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وبالتالى فإننا نرى أن هذه المرحلة تتطلب ضرورة وجود نموذج اقتصادى يساعد على تنمية القدرات الإنتاجية والتحول الهيكلى، وتعزيز الحماية الاجتماعية، من خلال، أولًا: دعم استدامة النمو وضمان التقاسم العادل لثماره. ثانيًا: دعم تكافؤ الفرص وضمان الازدهار بتعزيز التعلم واكتساب المهارات والنمو الأخضر، وتحفيز القطاع الزراعى وتعزيز الشمول المالى ثالثًا: دعم ديناميكية الأعمال والأسواق الشاملة، وذلك من خلال تحفيز دور القطاع الخاص، وتشجيع الإندماج فى سلاسل القيمة العالمية. رابعًا: الحوكمة وبناء حكومة فعالة ومستجيبة للمواطن وذلك من خلال تعزيز المساءلة والشفافية ومكافحة الفساد بكافة أشكاله خاصة الإدارى منه. وللحديث بقية إن شاء الله.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام