تعويض القيادة.. سمة للمقاومة الفلسطينية يجددها اغتيال العاروري
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
"كلّ طفل في فلسطين قائد"، هكذا قالت "أم قتيبة" أخت صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي اغتِيل في بيروت الثلاثاء الماضي. كانت السيدة تحاول أن تُفرّغ انتشاء إسرائيل بقتل أخيها من مضمونه، متغلبةً على ألم الفراق، ولوعة الفقد، وأسى الرثاء وأسفه.
لكن هذا التحدي لا يخلو من حقيقة- حتى وإن بدا الأمر برمته ينطوي في نظر البعض على مبالغة شديدة، أو يبدو محاولة لإظهار التماسك والتأسّي- هذه الحقيقة تُبنى على ثلاثة أشياء أساسية، هي:
1 – قسوة البيئة الاجتماعية؛ فالطفل الفلسطيني يولد في وسط اجتماعي مثقل بالتحديات الجسيمة، التي يرتّبها وجود الاحتلال، وتغذيها حكايات الكبار عن تجاربهم الصعبة.
ومع تكثيف تجربته الحياتية يجد الطفل الفلسطيني أنه مأخوذٌ إلى أن يتحمل ويقرر ويختار، وكأنه ليس طفلًا، بل عليه أن يحمل على كتفيه جزءًا من ثقل قضية الشعب الذي ينتمي إليه، ويتعلم أن يفعل هذا عن طيب خاطر، وبلا تردد.
تسلسل قيادي2- قانون المقاومة المتوارث؛ فالمجتمعات التي تشكل بيئة حاضنة لجماعات أو تنظيمات أو فصائل مقاومة، تجعل من أطفالها جزءًا لا يتجزأ من هذا الاحتضان، بل إنها تسند إليهم أدوارًا في نقل الرسائل والمؤن أحيانًا، وهم- في كل الأوقات- ملزمون بأن يعيشوا كمقاومين صغار، أو ينتظروا أن يأخذوا مكانهم حين يشبّون فتيانًا. ولا يقتصر دورهم هذا على حمل السلاح، إنما أداء أدوار حياتية، لا غنى عنها لمجتمع يقاوم، حتى لو كانت فلاحة أرض، أو تشغيل ورشة، أو التعليم والتثقيف، أو ملء الأرواح بحب الكفاح، وإذكاء الاستعداد للتضحية في سبيل الحرية.
3 – ممارسات التنظيمات السياسية السرية أو حتى العلنية؛ فهذه الجماعات أو الفصائل تربي أتباعها في ظل تسلسل قيادي، وهي تضع في اعتبارها أن رجالها مطاردون، قد يُقتلون أو يُسجنون أو يتم نفيهم واستبعادهم من الساحة، وعليها أن تجعل مخزنها البشري عامرًا بالبدائل، فإن غاب شخص، وترك فراغًا، سرعان ما يتم ملؤُه بشخص آخر، يكون قد تم تجهيزه لهذا اليوم.
وليست التنظيمات ذات الأيديولوجيات الدينية استثناء من هذه القاعدة، بل هي تمارسها ربما أكثر من غيرها، كما تنبئنا تجربتها ليس في فلسطين فحسب، إنما أيضًا في كل الدول الإسلامية التي وجدت فيها، وعاشت في خطر، أو انخرطت في تحديات شديدة، بسبب سعيها إلى تحقيق أهدافها.
استهداف متواصلوفي الأراضي الفلسطينية المحتلة تزيد التحديات بالطبع أمام مثل هذه التنظيمات أو الفصائل، إذ إنها مستهدفة طَوال الوقت، وليست لديها فرصة لالتقاط أنفاسها، ومطلوب منها العمل النضالي المستمر بلا هوادة، وأن تظل غريزة البقاء لديها يقظة على الدوام، فيما تجد صعوبات جمة في التعبئة والتجنيد.
وهناك ثلاثة أمور أساسية تتعلّق بقدرة المقاومة الفلسطينية على تعويض قياداتها، أو ملء الفراغ الذي يترتّب على فقدان بعضهم. أولها: أن هذه التنظيمات قد اعتادت الموت غير البيولوجي لقادتها، فهؤلاء لا يضمنون البقاء على قيد الحياة حتى يبلغوا من الكبر عتيًا، إذ يمكن أن تخطفهم يد الموت في أي وقت، حتى لو كانوا خارج الأراضي المحتلة؛ بفعل يد سلاح الجو الإسرائيلي الطويلة، وقد لا يقتلون لكن يؤخذون إلى غياهب السجون ويمكثون فيها زمنًا طويلًا، منعزلين عن الميدان، في حال هي أشبه بالموت.
إن إسرائيل لم تكفّ عن تعقب القيادات الفلسطينية منذ اغتيال غسان كنفاني في لبنان عام 1972 وحتى قتل العاروري، مرورًا بكثيرين، مثل: الشيخ أحمد ياسين، وفتحي الشقاقي، وأبو علي مصطفى، وحسن سلامة، وعبد العزيز الرنتيسي، بل إنها قتلت ياسر عرفات نفسه بالسمّ، كما يؤكد كثيرون، لكن الساحة الفلسطينية تمكّنت على الفور من التعويض، وترميم الشروخ.
والأمر الثاني: هو غزارة التعرض لمهارات اكتساب القيادة لدى حركات المقاومة، ففضلًا عن التدريب الذي يتم على هذا، فإن أسلوب حرب العصابات الذي تتبعه المقاومة يجعل الفرد فيها مجهزًا لاتخاذ القرار، أو إصدار الأمر لنفسه في ميدان القتال، وليس مقيدًا- مثل الجندي في الجيش النظامي- بالأوامر التي تأتيه من قيادته المباشرة، والتي تكون بدورها قد تلقتها من قيادة تعلوها.
أما الأمر الثالث: فيرتبط بالتركيبة العمرية للقائمين بالعمل المسلح، حيث يجب أن يكونوا جميعًا- أو أغلبيتهم الكاسحة- من الشباب القادرين على القتال، وتسود فيهم هذه الطبيعة الشبابية، ما يمنحهم فرصًا متواصلة لإفراز العناصر المؤهلة للعب أدوار قيادية.
مسيرة طويلة وشاقةوكان على حركات المقاومة الفلسطينية أن ترفد حياتها على الدوام بصنفَين من القيادات؛ الأول: هو قيادات عسكرية ميدانية تخرج من رحم التدريب الشاق والكتمان الأشد. والآخر: هو قيادات سياسية، لها هامش من الخطاب المرن، والحركة الحرّة نسبيًا، وهي تتعامل مع الداخل الفلسطيني في تنظيم شؤونه وإدارتها، ومع العالم الخارجي، حيث التمثيل السياسي، وإعلان المواقف، والتفاوض.
وتوضع صور هذه القيادات على جدار النضال الفلسطيني زمنًا، ويعتاد الناس على وجوهها، لكنهم يستيقظون صباحًا ليجدوها قد اختفت، وهنا يُطرح السؤال: مَن بوسعه أن يأتي بعد هذا، ويعوض غياب ذلك؟ ولا تمر سوى ساعات حتى يجد المتسائلون وجهًا جديدًا قد خرج إليهم، وأطل عليهم، ليملأ عيونهم.
إنّ المقاومة تدرك أن مسيرتها نحو التحرّر طويلة وشاقة، ولذا تتصرف كما تفعل شركات الطيران في رحلاتها، فتضع إلى جانب الطيار مساعدًا له لا يقلّ عنه كفاءة، أو يمتلك القدرة نفسها في أن يصل بالطائرة إلى محطة الوصول إن جرى للطيار الأصلي مكروه. ويصبح هذا الأمر ضرورة أكثر في الرحلات البعيدة جدًا.
وبالطبع فإن كل المجتمعات السليمة، والدول في حال قوتها، تمتلك قدرة على إنتاج البدائل بمن فيها القيادات الإدارية والسياسية والعسكرية، بل وفي الاقتصاد والثقافة، لكن هذا مع فصائل المقاومة، وفي أي زمان أو مكان، يختلف في مسألتَين؛ الأولى: أن القيادة تكون – في الغالب- مغرمًا وليست مغنمًا، لاسيما بالنسبة للقيادات العسكرية أو الأمنية، التي عليها أن تضع أرواحها على أكفها طوال الوقت. والثانية: أن وتيرة الإحلال والإبدال في القيادات عند المقاومين تكون أسرع.
مصير واحدلا يعني كل هذا أن المقاومة لا تخسر بقتل أو غياب بعض قادتها، لاسيما النبهاء الأذكياء الشجعان منهم، لكن هذا بعض قدرها، الذي تؤمن به، بل يمكن أن يفيدها في كثير من الأحيان؛ لأن القتل- على بشاعته- يعطي قادتها فرصة ليبرهنوا على أن مصيرهم لا يختلف عن مصير أفراد المجتمعات الحاضنة للمقاومين، وأن دماءهم ليست أزكى من دماء الذين يساندونهم، ويعولون عليهم.
لقد استُشهد العاروري في وقت ترتفع فيه أصوات أولئك الذين يقدحون في المقاومة بالقول؛ إن قادتها في مأمن، يمضون حياتهم منعمي العيش في فنادق بدول خارجية، بينما أهل غزة يتلظون بنار مستعرة، فجاء الاغتيال ليرد على هذه الأصوات، لاسيما أن العاروري نفسه تحدث- قبيل وفاته- عن أن قتله في منفاه الإجباري وارد، وهو يتوقعه، ولا يخشى منه، شأنه في هذا شأن بقية الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في غزة والضفة الغربية.
لكل هذا فإن اغتيال العاروري لا يمثل مكسبًا ضخمًا لإسرائيل يمكن أن تسوّقه على أنه النصر الصعب المراوغ الذي تسعى إلى تحقيقه في غزة، أو هو الغطاء الذي يمكن أن تستر به عورات جيشها التي تزيد منذ انطلاق "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: یمکن أن
إقرأ أيضاً:
عاجل.. وزارة البترول تقرر صرف تعويض لاصحاب السيارات 2000 جنيه بعد ثبوت "غش البنزين"
في ضوء نهج وزارة البترول والثروة المعدنية المتمثل بإتاحة المعلومات للسادة المواطنين إعمالًا لمبدأ الشفافية، تعلن وزارة البترول والثروة المعدنية عن نتائج التحاليل التي أُجريت على مستوى الجمهورية نتيجة الشكاوى الواردة إليها من بعض المواطنين، إلى جانب الإجراءات الإضافية التي أقرتها الوزارة لضمان مطابقة المنتج للمواصفات القياسية المصرية.
أولًا: نتائج التحاليل:
وفقًا لمؤشرات الشكاوى الواردة خلال الفترة من 4 إلى 9 مايو 2025 بشأن جودة منتج البنزين المطروح بالأسواق المحلية، تم تسجيل إجمالي 870 شكوى على مستوى الجمهورية. توزعت على النحو التالي: 5 شكاوى يوم 4 مايو، 139 شكوى يوم 5 مايو، 189 شكوى يوم 6 مايو، 134 شكوى يوم 7 مايو، 269 شكوى يوم 8 مايو، 134 شكوى يوم 9 مايو. حيث جاءت محافظة القاهرة في المرتبة الأولى بعدد 429 شكوى، الجيزة 208 شكوى، القليوبية 50 شكوى، الشرقية: 31 شكوى، الإسكندرية: 29 شكوى، الغربية 19 شكوى، المنوفية 18 شكوى، الدقهلية 12 شكوى، المنيا 12 شكوى، الفيوم 10 شكاوى، الإسماعيلية 9 شكاوى، بينما شهدت باقي المحافظات بضعة شكاوى أو لم ترد منها شكاوى على الإطلاق.
كما تم تحليل 807 عينة من مختلف المحافظات، بواسطة فرق من وزارتي البترول والتموين، بالإضافة إلى شركات تحليل محايدة، أثبتت وجود 802 عينة مطابقة للمواصفات و5 عينات غير مطابقة للمواصفات وذلك على النحو التالي:
- في منطقة القاهرة الكبرى البترولية: تم تحليل 250 عينة عبر وزارة البترول والثروة المعدنية، و205 عبر وزارة التموين، وتبين وجود حالتين غير مطابقتين في محافظتي القاهرة والقليوبية.
- في منطقة الإسكندرية البترولية: (الإسكندرية، كفر الشيخ، البحيرة، مطروح)، تم تحليل 136 عينة، منها 73 عبر شركات محايدة، وجاءت جميعها مطابقة للمواصفات عدا عينة واحدة.
- في منطقة السويس البترولية: (السويس، البحر الأحمر، جنوب سيناء): 75 عينة، جميعها مطابقة.
- في محافظات الصعيد: 68 عينة، منها عينتان غير مطابقتين بمركز الفشن – بني سويف، ومحافظة قنا.
ثانيًا: الإجراءات الإضافية لضمان مطابقة المواصفات:
قامت وزارة البترول والثروة المعدنية بإضافة بعض الإجراءات اللازمة وذلك على النحو التالى
- فيما يخص البنزين المنتج محليًا: عدم تدفيع معامل التكرير لأي منتج للاستهلاك إلا بعد تحليل عينات منه في معملين مختلفين ومطابقة النتائج بدلا من التحليل في معمل واحد.
- فيما يخص البنزين المستورد: سحب عينات تحت إشراف شركات محايدة وتحليلها في ثلاث معامل مختلفة لضمان دقة النتائج بدلا من معمل واحد.
- فيما يخص سلسلة الإمداد: إجراء التحاليل قبل وبعد تدفيع المنتج للتأكد من الجودة على مدى سلسلة الإمداد بأكملها، وتكليف شركات محايدة بإجراء التحاليل لضمان الحيادية.
وفي ضوء ما تم رصده من بعض العينات غير المطابقة للمواصفات في محطات الوقود بالإضافة إلى صعوبة تحديد الأسباب الفنية لتعطل طلمبات السيارات الواردة بالشكاوى ومن بينها جودة منتج البنزين وكذلك الحالة الفنية للمركبة أو العمر الافتراضي للطلمبات، فقد قررت وزارة البترول والثروة المعدنية صرف مبلغ مماثل لقيمة الفاتورة المعتمدة لاستبدال طلمبة البنزين وبحد أقصى 2000 جنيه مصري للسادة أصحاب الشكاوى الذين تقدموا بالشكوى عبر الخط الساخن (16528) أو موقع منظومة الشكاوى الحكومية وسيتم التواصل مع السادة المواطنين تباعًا من طرف الوزارة، وفقًا للضوابط التالية:
• أن تكون الشكوى مقدمة خلال الفترة من 4 إلى 10 مايو 2025 على أن تكون الشكوى بخصوص نفس الفترة.
• تقديم المستندات التي تفيد ملكية مقدم الشكوى للسيارة.
• تقديم فاتورة معتمدة تفيد استبدال طلمبة السيارة.
وختامًا تتوجه وزارة البترول والثروة المعدنية بخالص الشكر للسادة المواطنين على تعاونهم المثمر وتواصلهم عبر الخط الساخن (16528) الذي أعلنت عنه الوزارة للإبلاغ عن أية ملاحظات أو شكاوى، مما كان له بالغ الأثر في توجيه أنشطة التفتيش والفحص.
وتؤكد وزارة البترول والثروة المعدنية التزامها الكامل بضمان جودة المنتجات المقدمة للسادة المواطنين، مع تعزيز منظومة الفحص وفق الإجراءات المستحدثة السابق الإشارة إليها. مع استمرار أنشطة التفتيش والرصد وموافاة الرأي العام بأية مستجدات تتعلق بجودة المنتجات، كما تؤكد الوزارة التزامها بالتعاون مع الجهات المعنية لمسائلة من يثبت تقصيره في ضمان جودة المنتجات البترولية، وذلك في إطار الحرص الدائم على إعلاء المصلحة العامة.