يعود تاريخ شركة "إيرباص" إلى منتصف القرن العشرين، حيث كانت صناعة الطيران العالمية خاضعة لسيطرة الشركات الأميركية، وخاصة شركة "بوينغ". حينها أدركت الدول الأوروبية الحاجة إلى تجميع الموارد والخبرات للتنافس بفعالية في سوق الطيران. وسرعان ما تضافرت الجهود لتشكيل اتحاد لشركات الطيران الأوروبية، وبرزت "إيرباص" منافسا رئيسيا لـ"بوينغ" في سوق الطائرات التجارية العالمية، مما أدى إلى منافسة طويلة الأمد بين عملاقي الطيران.

النشأة والتأسيس

عام 1965 تأسست شركة "إيرباص"، الواقع مقرها في مدينة تولوز جنوب غرب فرنسا، على شكل اتحاد لشركات الطيران الأوروبية بهدف التنافس مع شركات الطيران الأميركية.

فقد بدأت حكومتا فرنسا وألمانيا الغربية مناقشات غير رسمية حول تشكيل اتحاد أوروبي لبناء طائرة نقل نفاثة ذات محركين، وجسم عريض وقدرة عالية على قطع المسافات القصيرة بين العواصم.

كانت هناك مخاوف بين شركات الطيران الأوروبية حول فشل هذا الاتحاد، وقال روجيه بيتيل، أحد المؤسسين للشركة إنه لم يكن هناك مصنع أوروبي لديه تصميمات أو تصنيع طائرات يمكنها التنافس بفعالية مع المنتجات الأميركية في جميع أنحاء العالم، لا سيما أن البنية التحتية لصناعة الطيران في أوروبا كانت مدمرة جزئيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وقعت شركات الطيران الأوروبية أمام خيارين، فإما أن تلجأ مرة أخرى إلى الصناعات الأميركية، أو أن تناصر إنشاء شركة منافسة محلية. اتفقت معظم الشركات على الخيار الأخير وبدأت بتجميع دراسات مشروع الطائرات ذات الهيكل العريض.

وفي عام 1967، وقّعت حكومات فرنسا وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة مذكرة تفاهم لإنشاء برنامج تعاوني لتطوير طائرة نفاثة جديدة بسعة 250 إلى 300 مقعد أطلق عليها اسم "إيه-300″، وكان هذا البرنامج بمثابة بداية لمشروع "إيرباص".

نصت مذكرة التفاهم على عدم إطلاق الطائرة ما لم تتفق شركات الطيران الوطنية الثلاث، وهي الخطوط الجوية الفرنسية والخطوط الجوية البريطانية "بي إيه إي" وشركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" معا على شراء 75 طائرة على الأقل.

العضوية

انسحبت المملكة المتحدة من البرنامج عام 1969، لكن فرنسا وألمانيا وقعتا على بنود رسمية للمضي قدما في مرحلة البناء، وظل تجمع هوكر سيدلي البريطاني، المسؤول عن بناء جناح طائرة "إيه-300″، مقاولا فرعيا.

في ذلك الوقت تأسست شركة "إيرباص" الصناعية رسميا عام 1970 نتيجة شراكة فرنسية-ألمانية بنسبة مناصفة، وباعتبارها مجموعة مصالح اقتصادية، وهو نوع من أنواع الشراكة الذي تم إقراره في القانون الفرنسي عام 1967.

انضمت إسبانيا إلى الاتحاد عام 1971 بحصة 4.2%، وخلال تلك المرحلة، تم تأميم تجمع هوكر سيدلي البريطاني وشركات بريطانية أخرى في تكتل حكومي واحد عام 1977 تحت اسم "نظم هندسة الفضاء والجو البريطانية" (بي إيه إي سيستم)، وانضم هذا التكتل إلى "إيرباص الصناعية" شريكا بحصة 20% عام 1979.

في بداية الألفية الثالثة تأسست الشركة الأوروبية للملاحة الجوية والدفاع والفضاء "إيه إيه دي إس" واستحوذت على 80% من شركة "إيرباص الصناعية"، وامتلكت نظم هندسة الفضاء والجو البريطانية الـ20% المتبقية حتى عام 2006، إذ استولت الشركة الأوروبية للملاحة على كامل أسهم الشركة وأصبحت ضمن قطاع المؤسسات الخاص، أي أنها تخلت عن تسميتها بمجموعة المصالح الاقتصادية.

على مر السنين خضعت شركة "إيرباص" للعديد من التغييرات التنظيمية. وفي عام 2014 تم إعادة تشكيل مجموعة "إيرباص" باعتبارها الشركة الأم التي تضم "إيرباص" و"إيرباص للدفاع والفضاء" و"إيرباص للمروحيات والطائرات النفاثة".

المقرات حول العالم

"إيرباص" شركة متعددة الجنسيات، ولها عشرات المقرات حول العالم، بما في ذلك ألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وكندا والصين. أما محورها المركزي ومكتب إدارتها فيقع في مدينة تولوز بفرنسا، وأما مقرها القانوني فتعمدت الشركة تسجيله بمدينة ليدن بهولندا، لأغراض ضريبية.

ويمكن أن يعزى الموقع الرسمي للمقر القانوني لشركة إيرباص في هولندا إلى مجموعة من العوامل الأخرى، منها:

وجود بيئة ضريبية ملائمة، إذ تُعرف هولندا بمعدلات منخفضة نسبيا للضرائب على الشركات مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، وخاصة فرنسا وألمانيا، حيث يتمركز معظم الإنتاج والقوى العاملة لشركة "إيرباص". طبيعة النظام القانوني والاستقرار في البلاد، حيث تتمتع هولندا بنظام قانوني متطور، مما يوفر الاستقرار لشركة متعددة الجنسيات مثل "إيرباص"، وإضافة إلى ذلك يعتبر قانون الشركات الهولندي مرنا وملائما لهياكل الشركات المعقدة. "إيرباص" اتحاد يتكون من عدة شركات أوروبية، وتحديد المقر القانوني في دولة محايدة مثل هولندا يجنب الشركة احتمالات التحيز السياسي أو الاقتصادي تجاه أي دولة عضوة. سهولة الوصول إلى أسواق رأس المال، حيث تعد العاصمة أمستردام مركزا ماليا رئيسيا في أوروبا، مما يتيح لشركة "إيرباص" الوصول إلى مجموعة واسعة من المستثمرين ومؤسسات الإقراض. التمويل

منذ تأسيس "إيرباص" عام 1970 واتحاد عدة شركات طيران أوروبية، ووصولا إلى إعادة تشكيل مجموعة "إيرباص" عام 2014، عملت الشركة على تنويع مصادر الدخل التي يمكن تصنيفها على نطاق واسع إلى 5 مجالات:

مبيعات الطائرات التجارية: وتعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات الشركة، وتولد هذه المبيعات دخلا كبيرا يغذي البحث وتطوير الطائرات الجديدة. الدعم الحكومي: فبينما تعمل شركة "إيرباص" بصفتها شركة خاصة، تلقت تاريخيا مساعدات الإطلاق ومنح تطوير الأبحاث من الحكومات الأوروبية، وخاصة فرنسا وألمانيا. التمويل بالدَّين: تستخدم شركة "إيرباص" وسيلة "التمويل بالدين" من خلال القروض المصرفية وإصدارات السندات لزيادة رأس المال للتوسع وإنجاز المشاريع الكبيرة. الدخل الاستثماري: نوعت شركة "إيرباص" محفظتها الاستثمارية، إذ تمتلك استثمارات في قطاعات مختلفة خارج قطاع الطيران التقليدي كتطوير القيادة الذاتية للمركبات والأقمار الصناعية. رأس المال الاستثماري: فمن خلال إنشاء قسم خاص بالشركات الناشئة، تستثمر "إيرباص" في الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة بصناعة الطيران والمجالات ذات الصلة. وعلى الرغم من أن هذه الاستثمارات لا تشكل مصدرا رئيسيا للإيرادات، فإنها تسهم في تعزيز الابتكار وتأمين الشراكات المستقبلية. العائدات والطلبيات

يبلغ مجموع العاملين في شركة إيرباص نحو 134 ألفا، وقد وصل صافي طلبيات الطائرات التجارية 1241 طائرة في الأشهر الـ9 الأولى لعام 2023، مقارنة بصافي طلبيات الأشهر الـ9 الأولى بعام 2022، التي وصلت إلى 647 طلبية.

ارتفعت الإيرادات الموحدة بنسبة 12% على أساس سنوي لتصل إلى 42.6 مليار يورو، في حين كانت 38.1 مليار يورو عام 2022، وتم تسليم إجمالي 488 طائرة تجارية في الأشهر الـ9 الأولى لعام 2023، منها 41 طائرة من طراز "إيه 220″، و391 من عائلة "إيه 320″، و20 طائرة من طراز "إيه 330″، و36 طائرة من طراز "إيه 350".

كما ارتفعت الأرباح المتعلقة بأنشطة الطائرات التجارية -قبل خصم الفوائد والضرائب- إلى 3.21 مليارات يورو في الأشهر الـ9 الأولى عام 2023، مقابل 2.87 مليار يورو للأشهر الـ9 الأولى لعام 2022.

المنافسة مع "بوينغ"

منذ البداية ركّزت "إيرباص" على صناعة طائرات ذات كفاءة في استهلاك الوقود، وآتت هذه الإستراتيجية ثمارها مع ارتفاع تكاليف الوقود، حيث قدمت أول طائرة من صناعة إيرباص "إيه 300" نموذجا اقتصاديا في استهلاك الوقود مقارنة مع نظيرتها "بوينغ 747".

إضافة إلى ذلك، بسّطت "إيرباص" عملية الإنتاج الخاصة بها، وذلك من خلال توزيع مصانعها في جميع أنحاء أوروبا لخفض تكاليف الإنتاج وزيادة الكفاءة مقارنة بنهج "بوينغ" الأكثر مركزية.

كما استفادت "إيرباص" من اتحاد الحكومات الأوروبية الذي قدم لها الدعم المالي والتكنولوجي، مما سمح لها بالتنافس بأريحية ضد هيمنة "بوينغ الراسخة". وقاد هذا الدعم الشركة الأوروبية إلى المحاكم الأميركية.

وقد وُضعت شركة "إيرباص" تحت مراقبة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ومكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي) بسبب قضية فساد اتُّهمت بالتورط فيها.

أبرز حوادث إيرباص

في الفترة بين 1970 و2023 تعرضت طائرات إيرباص لـ180 حادثا نتج عنها مقتل ما يقارب 1505 أشخاص.

لكن الجدير بالذكر أن عام 2023 كان خاليا من أي حوادث مميتة لطائرات إيرباص. وفيما يلي أبرز الحوادث التي شهدتها طائرات إيرباص:

اختطاف طائرة كاظمة (1984)

في يوم 4 ديسمبر/كانون الأول 1984 تعرضت طائرة من طراز إيرباص تابعة للخطوط الجوية الكويتية لعملية اختطاف من قبل أربعة مسلحين أثناء رحلتها من الكويت إلى كراتشي الباكستانية مرورا بدبي.

سيطر المسلحون على قمرة القيادة، وأجبروا الطيار على تحويل مسار الطائرة إلى مطار مهر آباد الدولي في طهران، حيث احتجز المسلحون 153 راكبا إضافة إلى طاقم الطائرة المكون من 8 أفراد.

طالب المسلحون السلطات الكويتية بالإفراج عن 17 سجينا مدانين في تفجيرات الكويت عام 1983، إلا أنها رفضت الاستجابة للمطالب، مما أدى إلى قتل رهينتين يحملان الجنسية الأميركية.

استمرت العملية حتى يوم 9 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه حيث تدخلت قوات الأمن الإيرانية وحررت جميع الرهائن.

الرحلة 655

في صباح يوم 3 يوليو/تموز 1988 أسقطت بارجة أميركية طائرة من طراز إيرباص تابعة للخطوط الجوية الإيرانية فوق مياه الخليج العربي، وقتلت 290 راكبا كانوا على متنها، بينهم 66 طفلا.

وقالت البحرية الأميركية إنها اعتقدت أن الطائرة مقاتلة إيرانية من طراز "إف 14″، بينما اتهمت إيران الولايات المتحدة بالقتل العمد.

معجزة نهر هدسون

في 15 يناير/كانون الثاني 2009 أقلعت طائرة من طراز إيرباص تابعة لشركة الخطوط الجوية الأميركية من مطار لاغوارديا في نيويورك متوجهة إلى مدينة شارلوت في ولاية كارولينا الشمالية.

وبعد دقائق من الإقلاع، هبطت الطائرة اضطراريا على سطح نهر هدسون بعد اصطدامها بسرب من الطيور، وتم إجلاء جميع من كانوا على متن الطائرة دون حدوث وفيات.

الرحلة 9525

انطلقت رحلة الطيران لطائرة من طراز إيرباص تابعة لشركة جيرمان وينغز الألمانية من مطار برشلونة الدولي متجهة إلى مطار دوسلدورف في ألمانيا، وعلى متنها 144 راكبا، إضافة إلى طاقم مكون من 6 أفراد.

مع اقترابها من منطقة جبال الألب الفرنسية، شهدت الرحلة تحولا مفاجئا، إذ انحرفت الطائرة عن مسارها وبدأت بالهبوط بشكل متسارع حتى اصطدمت بجبل في إقليم ألب دي هوت جنوبي فرنسا، مما أسفر عن مصرع جميع من كانوا على متنها.

وأظهرت التحقيقات أن مساعد الطيار، الذي كان يعاني من أمراض نفسية، تعمد خفض ارتفاع الطائرة بقصد الانتحار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الطائرات التجاریة فرنسا وألمانیا عام 2023

إقرأ أيضاً:

فرنسا تتوعّد بـرد أوروبي قوي إذا فشلت المفاوضات التجارية مع أميركا

توعدت فرنسا، اليوم السبت، برد قوي من الاتحاد الأوروبي إذا فشلت جهود التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
وأعرب وزير الاقتصاد الفرنسي، إريك لومبار، عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع أميركا "خلال نهاية الأسبوع" لتجنب تطبيق الرسوم الجمركية العقابية، معتقداً أنه في حال فشل المفاوضات سيتعين على الاتحاد الأوروبي الرد "بقوة أكبر".
وقال لومبار، خلال لقاءات "إيكس أون بروفانس" الاقتصادية: "في ما يتعلق بالرسوم الجمركية، من المرجح أن تُحسم الأمور خلال نهاية هذا الأسبوع، نظراً لوجود وفد من المفوضية (الأوروبية) في واشنطن".
وأضاف الوزير الفرنسي: "آمل أن نتوصل إلى اتفاق خلال نهاية الأسبوع. وإن لم يحدث ذلك، فسيتعين على أوروبا، بلا شك، أن تظهر قوة أكبر في ردها لاستعادة التوازن".
ورأى لومبار أنه "من الضروري" أن يقيم الاتحاد الأوروبي حواجز جمركية لحماية صناعته من الولايات المتحدة والصين.
وفي أبريل الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية تبدأ من 10% كحد أدنى، ويمكن أن ترتفع إلى 50% بالنسبة للدول التي تصدر إلى الولايات المتحدة أكثر مما تستورد منها.
ثم علّق ترامب هذه الرسوم من أجل إجراء مفاوضات تجارية مع كل من الشركاء، وحدد 9 يوليو الجاري موعداً نهائياً للتوصل إلى اتفاق.
وذكر الرئيس الأميركي، أمس الجمعة، أنه وقّع خطابات إلى 12 دولة تحدد معدلات الرسوم الجمركية المختلفة، على أن تُرسل على أساس "إما القبول أو الرفض" الاثنين القادم.
وقد تختلف هذه الرسوم الجمركية من دولة لأخرى، من الصين إلى الاتحاد الأوروبي، وتتراوح بين 10% و20%، وصولاً إلى نسبة أعلى بكثير تتراوح بين 60% و70%، وفقاً لترامب، الذي أوضح أن الدول المعنية ستبدأ بالدفع في الأول من أغسطس القادم.

أخبار ذات صلة نيوم يتعاقد مع مدرب فرنسي موسيالا.. «إصابة خطيرة»! المصدر: آ ف ب

مقالات مشابهة

  • صحيفة بريطانية: شركة أميركية خططت لتهجير فلسطينيي غزة
  • هواوي تستعد لمنافسة Java وSwift بلغة برمجة مفتوحة المصدر
  • فرنسا تتوعّد بـرد أوروبي قوي إذا فشلت المفاوضات التجارية مع أميركا
  • سوريا.. ضجة شعار شركة مشروبات روحية وقربه من الشعار الجديد للدولة بعد سؤال من البعثة الأوروبية
  • “حميدتي” يستقل طائرة شركة خاصة مقرها في دبي
  • إير آسيا توقع مذكرة تفاهم مع إيرباص لشراء 50 طائرة جديدة
  • تعزية من موظفي شركات مجموعة العالمية للأستاذ عمر محمد عمر في وفاة شقيقته
  • التوقيع على اتفاقية مع شركة ATR لاقتناء 16 طائرة جديدة
  • انسحاب مفاجئ لمهندسي آبل في الهند يربك خطط الشركة التصنيعية
  • “ذا ماركر”: معظم شركات الطيران لن تعود الى مطار بن غورويون