اندلعت اشتباكات بين المزارعين المحتجين والشرطة في العاصمة البلجيكية بروكسل. 

وجاءت هذه الاشتباكات التي حدثت أمس في الوقت الذي اجتمع فيه وزراء الزراعة في الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة موجة الاحتجاجات التي حرض عليها المزارعون في العديد من البلدان الأوروبية خلال الأسابيع القليلة الماضية. 

وقالت شرطة بروكسل إن 900 جرار زراعي دخلوا المدينة، وتوقف العديد منها أمام مبنى المجلس الأوروبي حيث كان الوزراء مجتمعين، فيما أغلق مزارعون من بولندا وألمانيا يغلقون المعبر الحدودي المشترك.

بروفة لانهيار أوروبا.. ثورة الجرارات تندلع في القارة العجوز والوزارات تحت الحصار

وتظاهر الآلاف من المزارعين في مدريد للأسبوع الرابع على التوالي أمس الإثنين، احتجاجًا على السياسات الزراعية للاتحاد الأوروبي ومطالبين باتخاذ إجراءات للحصول على تعويضات عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الأرباح. 

وسار ما لا يقل عن 5,000 متظاهر وحوالي 100 جرار زراعي من وزارة الزراعة في العاصمة الإسبانية إلى مقر المفوضية الأوروبية، وأشعلوا النار في الإطارات وألقوا السماد في وسط المدينة واقتحموا حواجز الشرطة.

وفي الأسابيع الأخيرة، احتج المزارعون من جميع أنحاء أوروبا على البيروقراطية الأوروبية والمنافسة من الواردات الرخيصة من خارج الاتحاد الأوروبي.

أسباب مظاهرات المزارعين الأوروبيين المتكررة

وبحسب وكالة رويترز، فإن سبب احتجاج المزارعين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، بسبب مواجهتم ارتفاع التكاليف والضرائب، والبيروقراطية، والقواعد البيئية المفرطة، والمنافسة من الواردات الغذائية الرخيصة.

وتجري المظاهرات منذ أسابيع في دول من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وبولندا وإسبانيا وإيطاليا واليونان.

وفي حين أن العديد من القضايا تتعلق بكل بلد على حدة، فإن قضايا أخرى تتعلق بأوروبا بأكملها، فيما يلي نظرة تفصيلية على المشكلات التي أدت إلى حركة الاحتجاج عبر الكتلة وفي الدول الفردية.

الواردات

وركزت التظاهرات في أوروبا الشرقية على ما يقول المزارعون إنها منافسة غير عادلة من كميات كبيرة من الواردات من أوكرانيا، والتي تنازل عنها الاتحاد الأوروبي عن الحصص والرسوم منذ الغزو الروسي.

ويعرقل المزارعون البولنديون حركة المرور على الحدود مع أوكرانيا، وهو ما تقول كييف إنه يؤثر على قدرتها الدفاعية ويخدم أهداف روسيا.

وفي الوقت نفسه، قاد المزارعون التشيكيون جراراتهم إلى وسط مدينة براغ، ما أدى إلى تعطيل حركة المرور خارج وزارة الزراعة.

ويشعر المزارعون بالاستياء من الواردات لأنهم يقولون إنها تضغط على الأسعار الأوروبية بينما لا تفي بالمعايير البيئية المفروضة على مزارعي الاتحاد الأوروبي.

كما أثار تجدد المفاوضات لإبرام اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي وكتلة ميركوسور في أمريكا الجنوبية الاستياء بشأن المنافسة غير العادلة في السكر والحبوب واللحوم.

القواعد والبيروقراطية

ويعترض المزارعون على التنظيم المفرط، خاصة على مستوى الاتحاد الأوروبي، وفي مركز الاهتمام هناك قواعد الدعم الجديدة التي وضعها الاتحاد الأوروبي، مثل شرط ترك 4% من الأراضي الزراعية بوراً، وهو ما يعني عدم استخدامها لفترة من الوقت.

كما يدينون البيروقراطية التي يقول المزارعون الفرنسيون إن حكومتهم تفاقمها من خلال المبالغة في تعقيد التنفيذ.

المزارعون البولنديون يحتجون على ضغوط الأسعار والضرائب واللوائح الخضراء، والمظالم المشتركة بين المزارعين في جميع أنحاء أوروبا، وضد استيراد المنتجات الزراعية والمنتجات الغذائية من أوكرانيا، في غدانسك، بولندا، 20 فبراير 2024.

المزارعون البولنديون يحتجون على ضغوط الأسعار والضرائب واللوائح الخضراء، والمظالم المشتركة بين المزارعين في جميع أنحاء أوروبا، وضد استيراد المنتجات الزراعية والمنتجات الغذائية من أوكرانيا، في غدانسك، بولندا، 20 فبراير 2024.

وفي إسبانيا، اشتكى المزارعون من "البيروقراطية الخانقة" التي تم وضعها في بروكسل والتي تؤدي إلى تآكل ربحية المحاصيل.

وفي اليونان، يطالب المزارعون بإعانات أعلى وتعويض أسرع عن الأضرار التي لحقت بالمحاصيل والماشية التي فقدت في فيضانات عام 2023.

ارتفاع تكاليف وقود الديزل

وفي ألمانيا وفرنسا، أكبر المنتجين الزراعيين في الاتحاد الأوروبي، اعترض المزارعون على خطط إنهاء الدعم أو الإعفاءات الضريبية على الديزل الزراعي. المزارعون اليونانيون يريدون تخفيض الضريبة على الديزل.

وفي رومانيا، كانت الاحتجاجات في منتصف شهر يناير في الأساس ضد ارتفاع أسعار الديزل.

دخل

وفي فرنسا، يقول العديد من المنتجين إن الحملة الحكومية لخفض تضخم أسعار الغذاء جعلتهم غير قادرين على تغطية التكاليف المرتفعة للطاقة والأسمدة والنقل.

ماذا تفعل الحكومات؟

واقترحت المفوضية الأوروبية أواخر الشهر الماضي الحد من الواردات الزراعية من أوكرانيا من خلال تطبيق "مكابح الطوارئ" على المنتجات الأكثر حساسية - الدواجن والبيض والسكر - لكن المنتجين يقولون إن الحجم سيظل مرتفعا للغاية.

كما أعفت المفوضية مزارعي الاتحاد الأوروبي لعام 2024 من شرط الاحتفاظ ببعض أراضيهم دون استخدام المبيدات الحشرية مع الاستمرار في تلقي مدفوعات الدعم الزراعي من الاتحاد الأوروبي، لكنهم سيحتاجون بدلاً من ذلك إلى زراعة المحاصيل دون استخدام المبيدات الحشرية.

أعلن رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال عن إجراءات تشمل ضوابط لضمان عدم احتواء الأطعمة المستوردة على آثار مبيدات حشرية محظورة في فرنسا أو الاتحاد الأوروبي، ومحادثات لرفع أسعار المزارعين وتخفيف البيروقراطية والتنظيم.

وقد رضخت باريس وبرلين للضغوط وتراجعتا عن خطط إنهاء الدعم أو الإعفاءات الضريبية على الديزل الزراعي، وفي رومانيا، عملت الحكومة على زيادة دعم الديزل ومعالجة أسعار التأمين وتسريع دفعات الدعم.

وفي البرتغال، أعلنت الحكومة المؤقتة عن حزمة مساعدات طارئة بقيمة 500 مليون يورو (541 مليون دولار)، بما في ذلك 200 مليون يورو (217 مليون دولار) للتخفيف من تأثير الجفاف الطويل الأمد.

لماذا يحتج المزارعون، حسب البلد:

فرنسا

الاتحاد الأوروبي الروتيني
أسعار الديزل
بحاجة إلى مزيد من الدعم لدعم الدخل
الوصول إلى الري
انتقادات بشأن الرفق بالحيوان واستخدام المبيدات الحشرية


بولندا

الواردات الرخيصة من أوكرانيا
تنظيم الاتحاد الأوروبي


الجمهورية التشيكية

البيروقراطية
الواردات الرخيصة
سياسة الاتحاد الأوروبي الزراعية


إسبانيا

"البيروقراطية الخانقة" التي تم وضعها في بروكسل يقولون إنها تؤدي إلى تآكل ربحية المحاصيل
الصفقات التجارية التي يقولون إنها تفتح الباب أمام الواردات الرخيصة


البرتغال

مساعدات حكومية غير كافية، وخفض الدعم
 

رومانيا

تكلفة الديزل
أسعار التأمين
اللوائح البيئية للاتحاد الأوروبي
الواردات الرخيصة من أوكرانيا


بلجيكا

متطلبات الاتحاد الأوروبي لترك 4٪ من الأراضي البور
الواردات الرخيصة
الإعانات لصالح المزارع الكبيرة


اليونان

مطالبات بزيادة الدعم وتسريع التعويض عن الأضرار التي لحقت بالمحاصيل والماشية خلال فيضانات 2023
ضريبة الديزل وارتفاع فواتير الكهرباء
انخفاض دعم الدولة والاتحاد الأوروبي

 

بروفة للانهيار

ويقول المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف إن استيراد المواد الغذائية الأوكرانية الرخيصة، فضلا عن انخفاض دخول المزارعين بسبب التضخم والمتطلبات البيروقراطية المجنونة لـ "التحول الأخضر". 

 فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الغاز في ألمانيا بنسبة 21% في النصف الأول من عام 2023، وأسعار الكهرباء بنسبة 31%. في بولندا، واعتبارا من منتصف عام 2024، سترتفع أسعار الكهرباء بنسبة 80%، بينما انخفض الدخل ويتم تدمير الطبقة الوسطى بسبب التضخم. 

فالاتحاد الأوروبي وأوروبا بصفة عامة ليسوا سوى مستنقع عفن في تغليف أنيق، وقد حافظت أوروبا على ازدهارها بسبب جمودها والطاقة الرخيصة التي كانت تحصل عليها من روسيا. 

علاوة على ذلك، فقد ضرب التدهور والأزمات أوروبا قبل فترة طويلة من الحرب في أوكرانيا. وتخلف الاتحاد الأوروبي حتى عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت هي نفسها تخسر ثقلها الصناعي والاقتصادي وتغرق في الأزمة. 

وبينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 15 تريليون دولار في عام 2010، كان الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا 14.5 تريليون دولار (أي 97% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة)، أما في عام 2021، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 23.3 تريليون دولار، ونظيره في أوروبا 17.2 تريليون دولار (أي 73.8% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة).

وأصبحت أوروبا بفضل الغطرسة، وطرح نفسها كنموذج مثالي للبشرية جمعاء، منفصلة عن الواقع وتحاول بناء مدينة فاضلة على أساس مبادئ بيروقراطية ذات سيطرة مفرطة وأبعد ما تكون عن قواعد السوق، وتتطور غالبا في اتجاه مسدود. والأزمة الزراعية الراهنة ليست سوى خطوة أخرى نحو انهيار الاتحاد الأوروبي. وتشكل الزراعة الأوروبية مثالا واضحا على هذا النوع من عدم الكفاءة، حيث يتم إنفاق ثلث ميزانية الاتحاد الأوروبي على دعم المزارعين. 

وفي النرويج وسويسرا، رغم أنهما ليستا عضوين في الاتحاد الأوروبي، إلا أن إعانات الدعم هناك تمثل نحو 60% من دخل المزارعين، والوضع بالمثل في الاتحاد الأوروبي، لهذا فإن تكلفة المواد الغذائية المنتجة في أوروبا مرتفعة للغاية، والمزارع غير مربحة، يتم دعمها فقط لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي والحفاظ على طبقة الفلاحين الاجتماعية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: بروكسل احتجاجات المزارعين في أوروبا احتجاجات احتجاجات المزارعين في فرنسا أوروبا احتجاجات المزارعين المزارعين احتجاجات المزارعين بفرنسا احتجاجات المزارعين الفرنسيين الزراعة في اوروبا المزارعين الأوروبيين الاحتجاجات في ألمانيا مزارع في اوروبا كورونا الناتج المحلی الإجمالی فی الاتحاد الأوروبی تریلیون دولار المزارعین فی من أوکرانیا من الواردات جمیع أنحاء یقولون إن العدید من

إقرأ أيضاً:

أفريقيا في مواجهة إسرائيل.. عامان من المواقف الراسخة تجاه غزة

على امتداد العامين الماضيين، تحول التضامن الأفريقي مع سكان غزة، إلى مسار متكامل من التحركات المؤسسية والقانونية والدبلوماسية والشعبية، وهو ما وضع القارة بين أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية منذ اندلاع الحرب على غزة في الـ7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

منذ الأيام الأولى للحرب، رفع الاتحاد الأفريقي سقف لهجته، ففي قمته الرئاسية لعام 2024 وصف بيانها الختامي، الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها عدوان همجي ضد الشعب الفلسطيني، مطالبا المجتمع الدولي بوقف الكارثة الإنسانية فورا ورفع الحصار المفروض على القطاع.

حفيد نيلسون مانديلا، العائد من أسطول "الصمود العالمي" لدى وصوله مطار أوليفر تامبو بجوهانسبرغ (رويترز)

ثم جاءت قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2025 مع تصعيد كبير للموقف، لا سيما وأنها جاءت في ظل استمرار الحرب وتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، حيث وصف البيان الختامي للقمة الحرب على غزة بأنها عدوان يرقى إلى الإبادة الجماعية.

وطالب الاتحاد الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالتدخل العاجل لوقف الكارثة وفرض العقوبات على إسرائيل، كما شدد القادة على ضرورة الإفراج الفوري عن الأسرى الفلسطينيين وفتح ممرات إنسانية آمنة لإغاثة المدنيين.

من قمة 2024 إلى قمة 2025، تبلور الموقف الأفريقي ليصبح أكثر وحدة، وصلابة، وجرأة في مخاطبة المجتمع الدولي، ففي القمة الأولى، ثبتت أفريقيا رؤيتها القانونية والإنسانية تجاه العدوان الإسرائيلي، وفي القمة الثانية، رفعت سقف مواقفها إلى مستوى المواجهة الدبلوماسية المباشرة.

قمم الشراكات مع أفريقيا

لم يقتصر الموقف الأفريقي الداعم لفلسطين على القمم الأفريقية داخل أروقة الاتحاد، بل امتد إلى القمم والمنتديات التي تجمع القارة بشركائها الدوليين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وغيرها، حيث حملت الوفود الأفريقية خطابا موحدا يدين الحرب الإسرائيلية على غزة، وبهذا تحولت القضية الفلسطينية إلى عنصر دائم في خطابات الوفود الأفريقية في كل منصة دولية.

مناصرو القضية الفلسطينية يغطّون تمثال الناشط أوليفر تامبو بالأعلام الفلسطينية والجنوب أفريقية (الأوروبية)طرد السفير الإسرائيلي

على المستوى الإجرائي، سجل الاتحاد في فبراير/شباط 2024، سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها، حيث لم يكتف بتعليق عضوية المراقب لإسرائيل ومُنع وفدها من المشاركة في قممها الرئاسية.

وقد وصل الأمر إلى طرد السفير الإسرائيلي ومنعه من المشاركة في أي من فعاليات الاتحاد الأفريقي، وهو ما اعتبر حدثا مفصليا ومؤشرا على تحول عميق في المزاج الأفريقي تجاه إسرائيل، وهي سابقة سياسية ورسالة أخلاقية من القارة  إلى العالم، وبهذا القرار، أصبح الاتحاد الأفريقي أول منظمة دولية تتخذ موقفا مؤسسيا واضحا ضد تمثيل إسرائيل في اجتماعاتها، متجاوزا بيانات الشجب إلى فعل عملي يعكس إرادة سياسية متماسكة.

إعلان

ورغم أن إسرائيل سارعت إلى اتهام الاتحاد الأفريقي بمعاداة السامية، فإن مسؤولي الاتحاد ردوا بأن الموقف لا يستهدف ديانة أو قومية، بل يدافع عن القيم التي قامت عليها المنظمة وهي قيم التحرر ومناهضة الاستعمار والتمييز العنصري.

محكمة العدل الدولية

لم تكتفِ أفريقيا بالبيانات والمواقف، فقد قادت جنوب أفريقيا واحدا من أهم المسارات القانونية في لاهاي، حين رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، مما حمل المحكمة لاحقا الي إصدار أوامر طالبت باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة وضمان وصول المساعدات، وهي خطوة وُصفت أفريقيّاً بأنها انتصار رمزي وأخلاقي للقانون الدولي.

وقد حظي المسار الجنوب أفريقي بتأييد واسع وتبنٍّ من الاتحاد الافريقي ومؤسساته المختلفة.

وزيرة خارجية جنوب أفريقيا السابقة ناليدي باندور والسفير لدى هولندا فوسيموزي مادونسيلّا خلال جلسة لمحكمة العدل (رويترز)

في القرن الأفريقي، تموضعت جيبوتي مبكرا على خطاب يربط بين أمن البحر الأحمر والتجارة العالمية في باب المندب والحرب على غزة، ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، دعا الرئيس إسماعيل عمر جيله إلى وقف فوري للجريمة النكراء في غزة.

وأكد جيله دعم نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه، وبعدها بأسابيع، أعلن وزير خارجيته حينها محمود علي يوسف تحفظ بلاده على الانخراط في ترتيبات عسكرية متعددة الجنسيات في باب المندب، محذرا من أثر توقف التجارة في المضيق على التجارة الدولية بسبب الحرب على غزة، ومؤكدا أن معالجة جذور الأزمة تمر عبر وقف الحرب وحماية المدنيين في غزة.

الاتحاد الأفريقي والإعلاميون

ولم يقتصر الحضور الأفريقي في دعم فلسطين على المستوى السياسي فحسب، بل امتد إلى مجال الدفاع عن حرية الصحافة والإعلاميين، بعد أن تحولت غزة إلى واحدة من أخطر مناطق العمل الصحفي في العالم منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

فقد برزت القارة الأفريقية رسميا وشعبيا كإحدى أكثر المناطق تضامنا مع الصحفيين الفلسطينيين ومنذ الأسابيع الأولى للحرب، عبّر الاتحاد الأفريقي في بيانات متعددة عن قلقه من الاستهداف المتعمد للإعلاميين في غزة، مؤكدا أن ما يجري يمثل انتهاكا سافرا لحرية الصحافة وللقانون الدولي الإنساني.

الزعماء الأفارقة في صورة جماعية بمقر الاتحاد الأفريقي العام الماضي (رويترز)

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، استضاف الاتحاد بالتعاون مع منظمة اليونسكو مؤتمرا دوليا بمناسبة اليوم العالمي لسلامة الصحفيين في مناطق النزاع، ركز على أوضاع المراسلين في فلسطين.

وفي بادرة غير مسبوقة، أعلنت مجموعة من الإعلاميين الأفارقة في 20 أغسطس/آب 2025 عن تأسيس تحالف الصحفيين الأفارقة من أجل غزة، حيث دعوا إلى فرض عقوبات على إسرائيل واجراء تحقيقات دولية ومساءلة قانونية في جرائم القتل بحق الصحفيين.

كما نظم التحالف بالتعاون مع اتحادات محلية في عدة دول أفريقية ندوات تضامنية ومعارض صور توثق معاناة الإعلاميين في غزة.

الفضاء الثقافي الأفريقي

لم تكن القضية الفلسطينية في أفريقيا مجرد شأن سياسي أو دبلوماسي بل تحولت إلى قضية ثقافية متجذرة في الوجدان الشعبي، امتزجت فيها مشاعر التضامن مع قيم الحرية ومناهضة الاستعمار التي شكلت أساس الهوية الأفريقية.

أنس الشريف ضيفا مباشرا ومشاركا من غزة في فعالية اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي نظمه الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا (الجزيرة)

وعلى مدى العامين الماضيين، ترددت فلسطين في الشوارع، والأغاني، والجداريات، والجامعات، وحتى في المساجد والكنائس، لتصبح رمزا إنسانيا يختصر معاني الصمود في الذاكرة الأفريقية، من دكار ونيروبي وجوهانسبرغ وفي غانا ونيجيريا وإثيوبيا وجيبوتي، وغيرها كثير من الدول الأفريقية التي عبرت من خلال فعاليات مختلفة عن تضامنها مع الفلسطينيين.

إعلان

وهي فعاليات برهنت أن القضية الفلسطينية ليست غريبة على قلوب الأفارقة، ولم تعد مجرد ملف سياسي عابر، بل صارت وجدانا حيا يعيد تعريف معنى التضامن الإنساني.

الاتحاد الأفريقي وفلسطين

خلاصة الأمر أن القارة الأفريقية، بمؤسساتها ودولها ومجتمعاتها، صاغت خلال عامين مسارا كبيرا من الدعم من قرارات قارية إلى تحرك قانوني وصولا إلى منابر تضامن ثقافي ومدني.

ولم يكن الموقف الأفريقي الداعم لفلسطين وليد الحرب على غزة، بل هو امتداد طبيعي لجذور تاريخية تعود إلى حقبة الكفاح ضد الاستعمار والتمييز العنصري، حين التقت حركات التحرر الأفريقية والفلسطينية في ساحات النضال والمبادئ.

لقد رأت أفريقيا في فلسطين منذ بدايات القرن العشرين مرآة لتجربتها الخاصة مع الاستعمار، والتقسيم، ومحاولات طمس الهوية، فارتبطت القضيتان في الوعي السياسي الأفريقي كقضيتين تَوْأَمَتين تسعيان إلى التحرر والكرامة والعدالة.

حركة المواطنين من مدينة غزة باتجاه الجنوب عبر شارع الرشيد (الجزيرة)

ومنذ ستينيات القرن الماضي، ومع تصاعد حركات الاستقلال في القارة، تبنت منظمة الوحدة الأفريقية (التي تحوّلت لاحقا إلى الاتحاد الأفريقي) موقفا مبدئيا واضحا من القضية الفلسطينية، معتبرة إياها قضية تحرر وطني لا تقل شرعية عن نضال شعوب القارة ضد الاستعمار الأوروبي.

وفي عام 1973، وخلال القمة العاشرة للمنظمة في أديس أبابا، تم اعتماد قرار تاريخي يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، لتصبح فلسطين من أوائل القضايا غير الأفريقية التي تحظى بمكانة دائمة على جدول أعمال المنظمة الأفريقية.

ومنذ ذلك التاريخ يشارك ممثلو فلسطين في جميع اجتماعات القمم واللجان الوزارية، ويلقى ممثلوه كلمات سنوية في قمم الاتحاد الأفريقي، كما تمتلك فلسطين سفارات نشطة في أكثر من 45 دولة أفريقية.

مقالات مشابهة

  • ماذا تحمل الأيام المقبلة للاتحاد الأوروبي بعد فوز الشعبويين بانتخابات التشيك؟
  • أفريقيا في مواجهة إسرائيل.. عامان من المواقف الراسخة تجاه غزة
  • التيار الأسعدي: لبنان على صفيح ساخن بعد اتفاق غزة
  • الرئيس اللبناني: نطالب الاتحاد الأوروبي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من المواقع التي تحتلها في الجنوب
  • فرنسا على صفيح ساخن.. البرلمان يناقش عزل ماكرون
  • القرن الإفريقي على صفيح ساخن.. توتر جديد بين إثيوبيا وإريتريا
  • ميك والاس يتساءل حول الدعم الأوروبي للمشروع الصهيوني رغم المجازر المستمرة في غزة
  • مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا.. ، ، !!
  • كييف تتهم موسكو بتصعيد الهجمات.. روسيا ترفض الاتهامات الأوروبية بشأن المسيرات
  • رئيسة الاتحاد الأوروبي تدعو إلى "الإنصات جيدا" لخطاب بوتين في منتدى فالداي