تصاعد الجدل في الأوساط السياسية السودانية، إثر إعلان رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال زيارته لقواته في ولاية القضارف بشرق البلاد، بأنه لن تكون هناك عملية سياسية إلا بعد انتهاء الحرب، والقضاء على تمرد قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وهو ما عدته قوى معارضة محاولةً لتعطيل العملية السياسية، وإبعاد القوى المدنية، واستمرار العسكر في السلطة والمشهد السياسي.

وفي موقف آخر، ذكر نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، في تصريح عقب لقائه الرئيس الرواندي بول كيغامي في العاصمة كيغالي، الاثنين، أن "الحكومة لا تمانع الانخراط في أي عملية سياسية، بشرط المحافظة على سيادة السودان وأمنه القومي، وأن تكون شاملة، بلا إقصاء لأي مكون من الشعب السوداني".

ومنذ اندلاع القتال في الخرطوم في منتصف أبريل/نيسان الماضي، انخرط وسطاء في جهود لوقف الحرب، وجرى توافق أميركي سعودي أن يكرس منبر جدة للمفاوضات بين طرفي القتال بشأن الأوضاع الإنسانية وحماية المدنيين والترتيبات العسكرية لوقف الحرب، وأن لا يشمل أي جوانب سياسية.

وبينما أقر الاتحاد الأفريقي خريطة طريق لحل الأزمة السودانية، تشمل وقفا فوريا شاملا للأعمال العدائية، والاستجابة الإنسانية الفعالة لتداعيات النزاع، واستكمال العملية السياسية الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف السودانية، وتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية، لكن وبسبب تعليق عضوية السودان في المنظمة الأفريقية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، لم تتعاطَ الخرطوم مع الخطة.

ويعتقد مراقبون أن الطريق الأقصر لحل الأزمة السودانية يستند على اتفاق أطراف النزاع على وقف العداء لفترة لا تقل عن 6 أشهر، لاستعادة الهدوء وعودة المواطنين النازحين وانسياب الخدمات، ثم عقد حوار سوداني-سوداني للتوصل إلى تسوية سياسية، ثم إقرار وقف شامل لإطلاق النار وترتيبات أمنية وعسكرية مستدامة.

أهداف البرهان

يرى القيادي في حزب التحالف السوداني وقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، ماهر أبو الجوخ، وجود ضرورة للتلازم بين العملية السياسية والوقف الدائم لإطلاق النار؛ بإعتبار أن الإجراءات والترتيبات المرتبطة بالاتفاق النهائي لوقف إطلاق النار فنيا هي مسألة عسكرية، أما تنفيذها فهو إجراء سياسي تقوم به الحكومة المدنية، لكونها تفضي للتأسيس الدستوري للبلاد.

ويقول أبو الجوخ للجزيرة نت إن "قائد الجيش يريد من موقفه تحقيق أمرين؛ أولهما ضمان إبعاد القوى المدنية غير المسلحة من أي وجود يتعلق بإجراءات إنهاء الحرب، وثانيهما تأخير العملية السياسية لأطول مدى ممكن، على أمل إقحام مشروعه الخاص باستمرار وجود الجيش في المشهد السياسي الدستوري، على عكس ما أعلنه في يوليو/تموز 2022 بخروج الجيش منه".

ويوضح أبو الجوخ أن "ما يرمي البرهان إليه لا مجال أو خيار لتحقيقه، إلا بجعل العملية السياسية لاحقة لإنهاء الحرب، حيث يسعى قائد الجيش لتمرير استمراره في السلطة الدستورية مجددا من خلال اتفاق إنهاء الحرب".

ويكشف القيادي أن قائد الجيش طلب من الرئيس الكيني وليام روتو خلال زيارته نيروبي مؤخرا، العودة للعمل بموجب أحكام الوثيقة الدستورية لعام 2019، والتي تأسست على الشراكة بين العسكريين والمدنيين في مجلس السيادة، ولكن هذا المقترح تعثر بسبب رفض القوى المدنية، وتمسكها بضرورة خروج العسكريين من السياسة بشكل كامل، وانصرافهم لأداء مهامهم الدستورية وخضوعهم لمؤسسات الحكم المدني الدستوري.

صراع على السلطة

ويعتبر المحلل السياسي رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن عبارة "العملية السياسية" يُنظر إليها من كل طرف بحساب مآلات السلطة بعد الحرب، وإمكانية تعظيم مكاسبه منها.

وفي حديثه للجزيرة نت يقول ميرغني إن "تحالف تنسيقية القوة الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة عبد الله حمدوك يسعى لعملية سياسية تعيده إلى السلطة بعد الحرب، ويرفض بصورة قاطعة تشكيل أي حكومة قبل ذلك؛ حتى لا تضعف فرصها".

وحسب ميرغني فإن الزاوية نفسها ينظر بها البرهان وقوى سياسية تسانده، ترى أن الحرب أعادت ترسيم المشهد السياسي السوداني على واقع جديد، يمنح ميزة تفضيلية للقوى السياسية التي ناصرت الجيش، بل قاسمته الدماء والخنادق.

ويعتقد المحلل أن "الحرب في الأساس عمل سياسي، ولا يمكن فصلها من الأطروحات السياسية لمختلف التيارات، وأنه من المهم أن تبدأ القوى السياسية نشاطها في اتجاه إنهاء الحرب، وتشكيل المستقبل السياسي منذ الآن، والأسلم أن تشكل حكومة تنفيذية للإشراف على المفاوضات بين الطرفين المتحاربين، مع إدارة الشأن المدني المتعلق بالدولة، وتقديم الخدمات للمواطن".

مرحلة تأسيسية

ويقول المتحدث باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) أسامة سعيد إن "خريطة الطريق التي طرحها التحالف لحل الأزمة حددت التوصل أولا إلى وقف العداء عبر تفاوض مباشر بين الجيش وقوات الدعم السريع، ثم انطلاق عملية سياسية في اتجاه وقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء الحرب بإنهاء أسبابها وجذورها".

ووفق حديث سعيد للجزيرة نت، فإن العملية السياسية الشاملة لا يستثنى منها حزب المؤتمر الوطني -الحاكم سابقا- وواجهاته، ويرى أن "الحرب الجارية لا يمكن حسمها عسكريا، ولا يمكن إنهاؤها دون عملية سياسية تخاطب جذور الأزمة في البلاد، وتقر مرحلة انتقالية تأسيسية لتجاوز كل الاختلالات البنيوية والهيكلية التي صاحبت بناء الدولة منذ استقلالها".

وفي المقابل، يرى القيادي في حزب التحالف الديمقراطي للعدالة وقوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية مبارك أردول أن "العملية السياسية لا يمكن تأخيرها إلى ما بعد الحرب، لأنها ستؤدي إلى إنهائها، لأن القتال تفجر لأسباب وأجندة سياسية".

ويعتقد أردول، في حديثه للجزيرة نت، أنه "لا ينبغي معاقبة القوى السياسية وتعطيل العملية السياسية ورهنها بنهاية الحرب، بسبب مواقف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، التي ارتبطت بالمليشيا المتمردة"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

ويدعو أردول إلى عملية سياسية شاملة لا تستثني أحدا، إلا من أبى، وموازية لاستمرار القتال، حتى تؤدي إلى إيقافه، وإذا تم إجراء حوار سوداني–سوداني فسيقود إلى إيجاد معالجة سياسية، تسرع من خطوات إنهاء الحرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العملیة السیاسیة عملیة سیاسیة إنهاء الحرب قائد الجیش للجزیرة نت لا یمکن

إقرأ أيضاً:

بارزاني يثير جدلاً في تركيا.. الحكومة تحقق!

أثار زعيم إقليم كردستان العراق السابق مسعود بارزاني جدلاً واسعاً في تركيا بعد زيارة منطقة حدودية بمرافقة حراس مسلحين، وذلك أثناء حضوره ندوة حول شاعر كردي في قضاء جيزرة بمحافظة شرناق جنوب شرق البلاد.

وطالب دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية المتحالف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المسؤولين الأكراد العراقيين بتوضيح أسباب هذه الزيارة، واصفاً وجود حراس مسلحين على الأراضي التركية بأنه “استعراض غير مقبول”، مضيفاً أن التواجد العسكري الأجنبي بهذه الطريقة يمثل خرقاً للأمن الوطني.

ورد مكتب بارزاني على الاتهامات، مؤكداً أن الإجراءات الأمنية اتبعت البروتوكولات المتفق عليها مع المسؤولين الأتراك، واعتبر تصريحات بهجلي “نتاج عقلية شوفينية”.

وأكد المكتب أن زيارة بارزاني كانت ثقافية وليست سياسية، وأن جميع الإجراءات تمت بالتنسيق مع الجانب التركي.

وأعلنت وزارة الداخلية التركية فتح تحقيق في صور الحرس المسلح أثناء زيارة بارزاني، فيما وصفت وزارة الخارجية تصريحات مكتبه بأنها “غير مقبولة واستفزازية ومهينة”، مطالبة بتوضيح واتخاذ الإجراءات اللازمة. واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن التصريحات “وقحة” وأكد ضرورة تصحيح الوضع.

في سياق متصل، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، خلال لقاء مع وفد حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب الكردي، إلى إصدار ما وصفه بـ”قانون الانتقال لقرن السلام” بهدف حماية العملية السياسية وضمان مشاركة الأكراد في الجمهورية التركية بطريقة قانونية، وإنهاء العنف السياسي والتدخلات غير القانونية.

وأشار أوجلان إلى أن الهدف من المبادرة هو خلق بيئة آمنة للعملية الديمقراطية وتشجيع الوحدة المجتمعية، مؤكداً أن العملية الانتقالية تهدف لتجاوز الصراعات السابقة وضمان مشاركة أوسع للفصائل السياسية والاجتماعية في حل القضية الكردية.

وفي سياق متصل، انتقد بهجلي زيارة البابا لتركيا واعتبر أن الطقوس الدينية والتاريخية التي رافقت الزيارة أثارت انزعاج الرأي العام، واصفاً الاحتفالات المرتبطة بالمجمع الكنسي في إزنيك قبل 1700 عام بأنها محاولة لإثارة الانقسامات الدينية والتاريخية.

وزيارة بارزاني الحدودية تأتي في ظل توتر العلاقات التركية-الكردية المتواصل منذ عقود، حيث تعتبر أنقرة أي نشاط أمني أو سياسي كردي قرب حدودها مسألة حساسة.

وطرح أوجلان قانون الانتقال لقرن السلام يعكس جهود بعض الأطراف الكردية للبحث عن حلول سياسية سلمية تضمن مشاركة أوسع وتحد من العنف السياسي، ما قد يؤثر على استقرار المنطقة وأمن الحدود.

وتعد قضية الأكراد في تركيا من أكثر الملفات السياسية تعقيداً منذ القرن العشرين، حيث طالبوا بحقوق ثقافية وسياسية ضمن الدولة التركية، فيما أقدمت الدولة على سلسلة من العمليات العسكرية والسياسية لضمان وحدة الأراضي.

كما يُعرف عن حزب العمال الكردستاني أنه يقود حركة كردية مسلحة منذ الثمانينات، ما جعل القضية محور توترات مستمرة بين أنقرة وأطراف كردية محلية وإقليمية.

مقالات مشابهة

  • صلاح يفجر أزمة في ليفربول.. وثلاثة أندية سعودية تتحرك لخطفه
  • أمريكا كانت تعرف، فلماذا سمحت بذبح السودانيين؟
  • قائد الجيش الأوكراني: بلادنا أصبحت درع أوروبا في مواجهة الحرب الروسية
  • بعد الاعتداء على دورية لليونيفيل جنوباً.. الجيش يوقف 6 متورطين
  • محللون وخبراء لـ«الاتحاد»: تغلغل «الإخوان» داخل الجيش يهدد وحدة السودان ويفاقم الحرب الأهلية
  • اسم مسيحي في وظائف الأوقاف يثير جدلاً .. و«الوزارة» تحسم الجدل
  • طارق صالح يطالب جميع القوى والمكونات السياسية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي لتوحيد الجهود وقيادة معركة التحرير وهزيمة جماعة الحوثي
  • خبير: تحرك مؤسسات الدولة يعكس نزاهة وشفافية العملية السياسية في مصر
  • بارزاني يثير جدلاً في تركيا.. الحكومة تحقق!
  • مشاورات موسعة بين القوى السياسية المعارضة بتونس.. محامون يصعدون