843 مليون دولار تكلفة إعادة محطة الفضاء الدولية إلى الأرض
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا عن خطتها الكبرى لإيقاف تشغيل محطة الفضاء الدولية (ISS)، وذلك من خلال التعاقد مع شركة سبيس إكس المملوكة لإيلون ماسك لبناء مركبة سحب بقيمة 843 مليون دولار. هذه المركبة، التي تعد واحدة من أكثر المشاريع طموحاً في تاريخ الفضاء الحديث، ستكون مسؤولة عن سحب المحطة الفضائية وإعادتها إلى الأرض بأمان.
يمثل هذا المشروع خطوة حاسمة في خطط ناسا لإيقاف تشغيل محطة الفضاء الدولية، التي كانت تدور حول الأرض منذ عام 1998 وتعتبر واحدة من أهم المشاريع الدولية في مجال استكشاف الفضاء. المحطة، التي شهدت تعاوناً دولياً من قبل وكالات الفضاء في الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا واليابان وكندا، أصبحت قديمة وبحاجة إلى خطة تفكيك آمنة ومنظمة.
تعتبر عملية سحب محطة الفضاء الدولية من مدارها وإعادتها إلى الأرض تحدياً تقنياً كبيراً، يتطلب تكنولوجيا متقدمة وإدارة دقيقة للمخاطر. لذلك، تم اختيار شركة سبيس إكس لهذه المهمة نظراً لخبرتها الواسعة في مجال إطلاق المركبات الفضائية وتطوير تكنولوجيا الفضاء الحديثة.
دور سبيس إكسشركة سبيس إكس، التي أسسها إيلون ماسك في عام 2002، حققت العديد من النجاحات في مجال الفضاء، منها إطلاق صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام وتطوير مركبات فضائية لنقل البشر والبضائع إلى الفضاء. وتمثل هذه المهمة تحدياً جديداً للشركة، حيث سيتعين عليها تطوير مركبة جديدة قادرة على الالتحام بمحطة الفضاء الدولية وسحبها من مدارها بطريقة آمنة.
الجدول الزمنيمن المتوقع أن تبدأ سبيس إكس العمل على هذا المشروع في الأشهر القادمة، مع خطط لإطلاق المركبة في منتصف العقد المقبل. وستتضمن العملية عدة مراحل، بدءاً من تصميم وبناء المركبة، وصولاً إلى اختبارها وإطلاقها في مهمة تجريبية قبل تنفيذ العملية الفعلية لسحب المحطة.
الأهمية والتحدياتتعتبر هذه المهمة خطوة حيوية لضمان سلامة الفضاء المحيط بالأرض، حيث أن ترك محطة الفضاء الدولية في مدارها دون خطة للتخلص منها يمكن أن يشكل خطراً كبيراً بسبب احتمالية تصادمها مع أقمار صناعية أخرى أو انفجارها بسبب الحطام الفضائي. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة المحطة إلى الأرض سيوفر فرصة لاستعادة بعض المكونات القيمة وإعادة استخدامها أو دراستها بشكل أعمق.
التعاون الدوليرغم أن سبيس إكس هي المقاول الرئيسي لهذا المشروع، إلا أن العملية ستتطلب تنسيقاً دولياً واسعاً. فمن المتوقع أن تتعاون ناسا مع وكالات الفضاء الأخرى لضمان تنفيذ الخطة بشكل سلس وآمن، خاصة في ما يتعلق بالتنسيق مع الشركاء الدوليين الذين ساهموا في بناء وتشغيل المحطة على مدى السنوات الماضية.
يمثل هذا المشروع خطوة تاريخية في مجال استكشاف الفضاء وإدارة المحطات الفضائية. ومع دخول محطة الفضاء الدولية مرحلة إنهاء خدمتها، تستعد سبيس إكس وناسا لكتابة فصل جديد في تاريخ الفضاء من خلال تنفيذ عملية سحب غير مسبوقة ستشكل علامة فارقة في التكنولوجيا الفضائية والتعاون الدولي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: وكالة الفضاء الأمريكية ناسا محطة الفضاء الدولية المحطة الفضائية ناسا محطة الفضاء الدولیة إلى الأرض سبیس إکس فی مجال
إقرأ أيضاً:
الطريق إلى المشروع الإسلامي الجامع.. والبحث عن الهوية
الحداثة هي المشروع الفكري والاجتماعي الذي انطلق في أوروبا منذ عصر النهضة والتنوير؛ قامت على الإيمان بقدرة العقل والعلم والتقدم التقني على تحرير الإنسان من الجهل والخرافة والقيود التقليدية، ووعدت بإنشاء مجتمع مثالي قائم على الحرية والعدالة والعقلانية. لكن هذا الوعد سرعان ما تحوّل إلى منظومة سيطرة جديدة؛ إذ لم تعد الحرية هدفا لذاتها، بل أداة في يد الدولة والسوق والإعلام.
هكذا انتقل الإنسان من هيمنة الخرافة إلى هيمنة التقنية، ومن سلطان الكاهن إلى سلطان الخبير. ومع مرور الوقت، واجهت الحداثة أزمة في وعودها، فبدل المجتمع المثالي ظهر الاستعمار والحروب العالمية والأنظمة الشمولية.
هنا برزت ما بعد الحداثة، وبحسب ليوتار فهي ليست مجرد مرحلة زمنية، بل تشكيك في "السرديات الكبرى" التي بشّرت بها الحداثة: التنوير، والعقلانية، والماركسية، بل وحتى الليبرالية.
جوهر ما بعد الحداثة هو سقوط الإيمان بالحقيقة الواحدة أو الحل الشمولي، والاعتراف بتعدّد الحقائق والمعاني. فإذا كانت الحداثة تعد باليقين والعقلانية، فإن ما بعد الحداثة تحتفي بالاختلاف واللامركزية والشك.
لكن هذا السقوط لم يحرّر الإنسان، بل عمّق اغترابه: أصبح أكثر هلامية، فقدَ مرجعيته الدينية، ثم البدائل الوضعية، فبات بلا جوهر ولا روح، وأسهل في التوجيه والضبط.
لم يكن المسار الديني سهل التفكيك أمام الحداثة، لأنه مرتبط بسبب وجود الإنسان ذاته: حياته وغايته ومعنى كينونته. لذلك جرى تفريغه وتشويهه تدريجيا؛ صار الدين مجرد طقوس جامدة بلا روح، ثم صُوّر كـ"أفيون" يخدّر الجماهير. وبذلك سُحب من الإنسان مصدر قوته الداخلية، ليُعاد تشكيل وعيه وفق متطلبات المنظومة الحديثة.
في زمن ما بعد الحداثة، لم يعد الدين مجرد عدو يجب هدمه، بل أصبح مادة يُعاد تدويرها وإعادة تعريفها لتنسجم مع السياق العالمي، لا كمصدر مقاومة، بل كأداة احتواء.
من هنا نفهم خطورة "علمنة المشروع الإسلامي"؛ فهي ليست انسلاخا صريحا عن الدين، بل عملية ناعمة لإعادة تشكيل الإسلام كمنتج وظيفي يخدم استقرار النظام الدولي بدل مقاومته.
هذه العملية يقودها خصوم من الخارج ونخب من الداخل في آن واحد؛ نخب تدّعي تمثيل الإسلام لكنها تعيد إنتاجه في قوالب مقبولة عالميا تحت شعارات "التحديث" و"العقلانية" و"التفاعل الحضاري"؛ في جوهرها تُفرغ المفاهيم التأسيسية من بعدها التحرّري، وتدمجها في خطاب عالمي ناعم لا يصطدم بالمنظومة الغربية ولا يعارض الهيمنة الصهيونية.
يقول عبد الوهاب المسيري: "الصهيونية ليست مجرد مشروع يهودي، بل هي وظيفة غربية استعمارية خُلقت لعرقلة أي مشروع حضاري بديل، خصوصا المشروع الإسلامي بما يحمله من طابع توحيدي وشمولي".
وقد أدرك حسن البنا هذه الحقيقة مبكرا، فطرح مشروعا إسلاميا شاملا يبدأ بتربية الفرد وينتهي بأستاذية العالم، جامعا بين التربية والسياسة والجهاد: "لسنا حزبا سياسيا ولا هيئة موضعية، بل نحن فكرة ورسالة ومنهج حياة".
أما محمد عمارة فحذّر من هذه العلمنة المقنّعة بقوله: "الذين يريدون إعادة قراءة الإسلام في ضوء المعايير الغربية لا يعيدون قراءته، بل يُفرغونه من مضمونه".
التعليم والإعلام والقمع: ثلاثية تفكيك المشروع الإسلامي
لم تكن المواجهة مع الإسلام محصورة في السلاح أو السياسة، بل مع وعي الناس جميعا، لذلك جرى الاعتماد على ثلاثية محكمة: التعليم، والإعلام، والقمع.
1. التعليم: صناعة العقل العلماني
بدأ ذلك مع محمد علي، الذي جرد الأزهر من استقلاله، وأخضعه للدولة، وأقام مدارس حديثة منفصلة عن المرجعية الدينية. النتيجة: نخبة جديدة تحمل عقل الدولة الحديثة لا عقل الأمة.
2. الإعلام: إعادة رسم صورة الإسلامي
صوّر الإعلام الإسلامي إما كطيّب ساذج أو كمتطرف إرهابي. هكذا صار أي مشروع إسلامي خطرا على الوطنية والتقدم، بينما السياسي القادر هو الليبرالي أو العسكري، حتى بعض الحركات الإسلامية وقعت في هذا الفخ.
3. القمع: قتل المعنى قبل قتل الأشخاص
لم يقتصر القمع على اغتيال الأفراد، بل استهدف المفاهيم ذاتها. فكل محاولة لإحياء الإسلام كمرجعية حاكمة صُوّرت كخطاب رجعي معادٍ للدولة.
مأزق الإخوان المسلمين: بين السردية والبيئة
هل نجح حسن البنا في تقديم تعريف مستقل للجماعة خارج التصنيفات الغربية؟ أم تحوّلت مع الزمن إلى كيان هجين: لا حزب سياسي كامل، ولا حركة إسلامية خالصة، ولا مشروع دولة قادر على الصمود؟
التجربة القصيرة في الحكم في مصر لم تكشف فشل الفكرة، بل أظهرت حجم التحديات. فالمشروع الإسلامي حين يعمل داخل دولة منهكة ببنية عسكرية-بيروقراطية مرتبطة بالمنظومة الغربية، يجد نفسه في بيئة معادية.
الأزمة هنا ليست أزمة تنظير بقدر ما هي أزمة بيئة ووعي:
بيئة: مؤسسات أُعيد تشكيلها لتعمل ضد المشروع من جيش وأجهزة أمنية وإعلام مهيمن، إلى مناهج تعليمية وفنون تصوغ الذائقة العامة.
وعي: وعي مُصطنع تشكّل داخل ما يُسمّى بالنخب من رجال سياسة وفن وإعلام وحتى الرياضة، ممن تبنوا رؤية الدولة الحديثة المعلمنة وأعادوا إنتاجها كمرجعية عامة.
وفي إطار ما بعد الحداثة، بدا المشروع الإسلامي نفسه "سردية كبرى" في زمن يسخر من السرديات الكبرى. وهكذا وُضع في خانة الاتهام المسبق لمجرد كونه مشروعا جامعا.
المعركة الكبرى: استعادة المعنى
الصراع لم يعد بين جيوش فقط، بل بين سرديات: مشروع تحرري إسلامي يستمد مرجعيته من الوحي والتاريخ، ومشاريع وظيفية تسعى لاحتوائه.
قال حسن البنا: "إن الإسلام إذا قَبِل أن يكون ذيلا لفكر آخر فقد معناه، وفقدنا معه كل شيء".
المعركة الكبرى اليوم هي معركة المعنى: إعادة تعريف المفاهيم، وبناء خطاب إسلامي توحيدي يستمد من الوحي مرجعيته، ومن الواقع أدواته، ومن التاريخ دروسه.
ليست المواجهة فقط مع الاحتلال العسكري، بل مع الاحتلال الرمزي للعقول واللغة والمفاهيم، ومع إرث الحداثة وما بعد الحداثة الذي برمج الوعي العالمي على رفض أي حقيقة كبرى.
الخاتمة
المشروع الإسلامي لم يُهزم لأنه فكرة قاصرة، بل لأنه واجه منظومة أعادت تشكيل العقل المسلم ضده: تعليم يصنع نخبة معلمنة، وإعلام يشيطن صورته، وقمع يغتال الأفكار.
لكن كما استغرق التفكيك عقودا، فإن إعادة البناء تحتاج إلى تراكم وصبر طويل، ومشروع جامع يعيد للأمة ثقتها بذاتها.
إن البيئة المقصودة هنا ليست مجرد فراغ اجتماعي، بل شبكة مؤسسات قوية من جيش وأجهزة أمنية، وإعلام مهيمن، ومناهج تعليمية مصممة لإنتاج عقل بديل، وفنون تعيد تشكيل الوعي العام.
أما الوعي فليس وعي الجماهير وحده، بل وعي النخب من رجال السياسة والفن والإعلام وحتى الرياضة، الذين تمت برمجتهم على إعادة إنتاج النموذج الغالب وتقديمه كقدر لا بديل له.
وهكذا يصبح السؤال الأهم ليس: لماذا فشلت الحركات الإسلامية؟ بل: كيف يمكن لمشروع أن ينجح في أمة بُرمجت مؤسساتها ونخبها وعقولها مسبقا على رفضه؟
كل مشروع عظيم بدأ بحلم، وكل أمة عظيمة وُلدت من فكرة آمن بها رجال ونساء لم يعرفوا الاستسلام. واليوم نحن أمام فرصة أن نحلم حلما يليق بأمتنا؛ مشروعا جامعا يستعيد المعنى في زمن سقطت فيه المعاني.