رئيس بلدية مدينة غزة في مقال بـNYT: الاحتلال يدمر البشر والحجر والثقافة والتاريخ
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للدكتور يحيى السراج، رئيس بلدية مدينة غزة، ورئيس الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية سابقا، أشار فيه إن حرب الاحتلال على غزة تدمر البشر والحجر والثقافة والتاريخ، ولكن غزة مثل طائر الفينيق تنبعث من الرماد.
وتاليا ترجمة "عربي21" لنص المقال كاملا:
"عندما كنت مراهقا في الثمانينيات، شاهدت بناء مركز رشاد الشوا الثقافي ذو التصميم الدقيق في مدينة غزة، والذي سمي على اسم أحد أعظم الشخصيات العامة في غزة.
و"كان الطلاب والباحثون والعلماء والفنانون يأتون لزيارته من جميع أنحاء قطاع غزة، وكذلك فعل الرئيس بيل كلينتون في عام 1998. وكان المركز جوهرة مدينة غزة. لقد ألهمتني مشاهدتي له أثناء بنائه لأن أصبح مهندسا، الأمر الذي أدى إلى مسيرتي المهنية كأستاذ جامعي، وعلى خطى الشوا، رئيسا لبلدية مدينة غزة".
والآن أصبحت تلك الجوهرة ركاما. وتم تدميره بالقصف الإسرائيلي.
وتسبب الغزو الإسرائيلي في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، بحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة، ودمر أو ألحق أضرارا بنحو نصف المباني في القطاع. لقد سحق الإسرائيليون أيضا شيئا آخر: ثروات مدينة غزة الثقافية ومؤسساتها البلدية.
وقال إن "التدمير المتواصل لغزة – رموزها المميزة، وواجهتها البحرية الجميلة، ومكتباتها وأرشيفاتها، وأي اقتصاد كانت تتمتع به – قد حطم قلبي.
"لقد دمرت حديقة حيوان غزة، وقتلت العديد من حيواناتها أو ماتت جوعا، بما في ذلك الذئاب والضباع والطيور والثعالب النادرة. ومن بين الضحايا الآخرين المكتبة العامة الرئيسية بالمدينة، ومركز سعادة الطفل، ومبنى البلدية وأرشيفها، والمسجد العمري الكبير الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع. كما ألحقت القوات الإسرائيلية أضرارا أو دمرت الشوارع والساحات والمساجد والكنائس والحدائق العامة".
وأضاف "كان أحد أهدافي الرئيسية بعد أن عينتني إدارة حماس رئيسا للبلدية في عام 2019 هو تحسين الواجهة البحرية للمدينة وتعزيز فتح المتاجر الصغيرة على طولها لخلق فرص العمل. استغرقنا أربع سنوات لإنهاء المشروع، الذي تضمن متنزها ومناطق ترفيهية ومساحات لتلك الشركات. ولم تستغرق إسرائيل سوى أسابيع قليلة لتدميرها. نيفين، وهي امرأة مطلقة أعرفها، كان من المفترض أن تفتتح مطعما صغيرا في تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن حلمها ضاع. محمد، فلسطيني معاق، فقد المقهى الصغير الذي كان يملكه".
لماذا دمرت الدبابات الإسرائيلية الكثير من الأشجار وأعمدة الكهرباء والسيارات وأنابيب المياه؟ لماذا تقصف إسرائيل مدرسة تابعة للأمم المتحدة؟.
إن طمس أسلوب حياتنا في غزة أمر لا يوصف. ما زلت أشعر أنني في كابوس لأنني لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن لأي شخص عاقل أن يشارك في مثل هذه الحملة المروعة من الدمار والموت.
تأسست بلدية غزة الحديثة عام 1893 وهي واحدة من أقدم البلديات في الشرق الأوسط. وتخدم حوالي 800 ألف نسمة، وهو من أكبر التجمعات الفلسطينية في العالم. وحتى بعد أن قامت إسرائيل بتهجير ما يزيد على مليون فلسطيني قسرا من شمال غزة بعد بدء الحرب، بقي معظم السكان في المدينة.
عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة ردا على الهجوم المميت الذي شنته حماس، كنت في الخارج. فقطعت جولتي لأعود لمساعدة شعبنا. أنا أرأس لجنة طوارئ مكونة من عمال ومتطوعين في البلدية، الذين يحاولون إصلاح أنابيب المياه وفتح الطرق وإزالة مياه الصرف الصحي والقمامة المسببة للأمراض. مات ما لا يقل عن 14 من موظفي بلديتنا. كما فقد كل فرد في اللجنة تقريبا منزلا أو قريبا.
وأنا أيضا فقدت شخصا عزيزا علي. فبدون سابق إنذار، تسببت ضربة مباشرة لمنزلي في 22 تشرين الأول /أكتوبر في مقتل ابني الأكبر رشدي، وهو مصور صحفي ومخرج سينمائي. كان يعتقد أنه سيكون أكثر أمانا في منزل والديه. لقد جعلني أتساءل عما إذا كان من الممكن أن أكون الهدف. لن نعرف ابدا. دفنت رشدي ورجعت بسرعة للعمل مع لجنة الطوارئ.
إن إسرائيل، التي بدأت حصارها لغزة منذ أكثر من 16عاما والتي استمرت فيما تسميه الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان احتلالا متواصلا لفترة أطول بكثير، تدمر الحياة هنا. ووعد مسؤول دفاعي إسرائيلي لم يذكر اسمه بتحويل غزة إلى مدينة من الخيام وقامت إسرائيل بتهجير سكانها قسرا. لمرة واحدة، تفي إسرائيل بالوعد الذي قطعه مسؤولوها للفلسطينيين.
إنني أدعو بلديات العالم، الجميع، إلى الضغط على زعماء العالم لوقف هذا التدمير الطائش.
لماذا لا يمكن معاملة الفلسطينيين على قدم المساواة، مثل الإسرائيليين وجميع الشعوب الأخرى في العالم؟ لماذا لا نستطيع أن نعيش في سلام ولدينا حدود مفتوحة وتجارة حرة؟ يستحق الفلسطينيون أن يكونوا أحرارا وأن يتمتعوا بحق تقرير المصير. شعار غزة هو طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد. ويصر على الحياة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة الاحتلال حماس فلسطيني فلسطين حماس غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مدینة غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا تصر إسرائيل على مهاجمة أساطيل كسر الحصار على غزة بالمياه الدولية؟
دفعت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على السفن المدنية التي تهدف إلى كسر الحصار الإنساني عن قطاع غزة إلى طرح تساؤلات متجددة بشأن جدوى القواعد الدولية المنظمة للنزاعات وحرية الملاحة، ومدى تطبيق هذه القوانين على إسرائيل، لا سيما مع الحصار التام الذي تفرضه على المدنيين الفلسطينيين منذ عامين.
وحسب المبدأ القانوني الدولي، فإنه يتوجب على جميع الأطراف احترام حرية الملاحة وعدم تعرض المدنيين للخطر، خاصة حين يتعلق الأمر بقوافل تحمل مساعدات إغاثية للضحايا المدنيين، حسب ما قاله خبيران في القانون الدولي للجزيرة نت.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بالصور.. العالم ينتفض في الذكرى الثانية للحرب على غزةlist 2 of 2“7 أكتوبر” تجدد الجدل بواشنطن حول دعم إسرائيلend of listغير أن الواقع يكشف عن هوة كبيرة بين النصوص القانونية والممارسات الفعلية، إذ تتكرر الحوادث التي يتعرض فيها نشطاء وصحفيون وأطباء للاعتقال أو الاعتداء لمجرد محاولتهم إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة المحاصرة.
وفجر اليوم الأربعاء كانت أحدث هذه الهجمات مع إعلان اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة أن "أسطول الحرية" تعرض لهجوم في المياه الدولية على بُعد أكثر من 120 ميلا بحريا من القطاع، وقامت البحرية الإسرائيلية باحتجاز سفنه ونشطائه، وهو حدث أعاد إلى الواجهة إشكالية الحصانة والمساءلة في النظام القانوني الدولي.
الهجوم الأخير على "أسطول الحرية" لا يمكن فهمه بمعزل عن سلسلة طويلة من الانتهاكات التي طالت المدنيين والمبادرات الإنسانية المتجهة إلى غزة. فعلى الرغم من وضوح قواعد القانون الدولي -وتحديدا اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 التي تلزم أطراف النزاع بعدم منع مرور الإغاثة الإنسانية للمدنيين، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي تحمي حرية الملاحة في المياه الدولية- فإن إسرائيل تواصل سياساتها التي تتجاهل هذه الالتزامات.
إعلانلذلك، يرى أستاذ القانون الدولي في جامعة محمد الخامس بالرباط تاج الدين الحسيني أن ما جرى يمثل "فصلا جديدا من الاعتداء الممنهج على أسس الشرعية الدولية"، موضحا أن اعتراض السفن المدنية التي ترفع أعلام دول معترف بها وتنقل مساعدات يعد انتهاكا واضحا لاتفاقيات جنيف، ويدخل ضمن تصنيف الجرائم ضد الإنسانية.
وفي تصريحات للجزيرة نت، يشدد الحسيني على أن "الفعل الإسرائيلي لا يندرج ضمن أي من الاستثناءات القانونية المسموح بها، مثل مكافحة الإرهاب أو القرصنة، بل هو استهداف متعمد لجهود الإغاثة ومبادرات المجتمع المدني الدولية".
ويؤكد أستاذ القانون الدولي في جامعة محمد الخامس أن هذه الانتهاكات تحرم الضحايا في غزة من أبسط حقوق الحماية والعيش، وتكرّس ممارسات الإبادة الجماعية في ظل غياب أي مساءلة فعلية، مضيفا أن "القانون الدولي يفرض مسؤولية مباشرة على الدولة المعتدية، ويمنح الدول المتضررة حق الاحتجاج والمطالبة بالمساءلة والتعويض".
وبينما تؤكد الحقائق على الأرض أن السفن المستهدفة كانت تنقل أطباء وصحفيين ومدنيين يسعون لمساعدة سكان غزة، تواصل إسرائيل تبرير الأفعال العدوانية بذريعة الأمن، رغم أن هذه الأعمال تُعد -وفق رأي الحسيني- "جرائم حرب مكتملة الأركان واستهدافا لحرية الملاحة، يجب أن تكون موضع تحقيق دولي عاجل".
وتتبدى أزمة أعمق حين يُنظر إلى آليات الحماية السياسية والقانونية التي تستفيد منها إسرائيل في مواجهة المساءلة الدولية. ويذهب أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية إلى تحليل أسباب استمرار هذا النمط من الانتهاكات من دون عقاب، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي فتح الباب لما يمكن تسميته "الحصانة السياسية" بدعم غربي، خاصة في مجلس الأمن حيث تجهض الولايات المتحدة مشاريع الإدانة والردع.
ويقول أبو بدوية -في تصريحاته للجزيرة نت- إن "المشهد القانوني ليس أزمة نصوص؛ فالقانون واضح في تحريم استهداف المدنيين والمبادرات الإنسانية، لكن غياب الإرادة الدولية جعل العدالة أداة انتقائية، تُطبق حين تخدم مصالح الكبار فقط".
ويرى المتحدث نفسه أن إسرائيل تعتبر كل محاولة لفك الحصار تهديدا لسيطرتها الرمزية والعسكرية على القطاع، فترد عليها بسياسة القوة المفرطة والردع، وتستهدف ليس فقط المساعدات الإنسانية، بل أيضا السردية الإنسانية نفسها، إذ تسعى إلى منع أي ذاكرة جماعية تدينها أخلاقيا وسياسيا.
ويضيف أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأميركية أن استدامة الحصانة الإسرائيلية حولت القانون الدولي إلى "نصوص بلا نفاذ"، وأفرغت أدوات الردع من مضمونها، وهو ما انعكس في التعامل مع "أسطول الحرية" وغيره من المبادرات المدنية التي انتهت باعتقالات تعسفية وترحيل قسري للنشطاء الدوليين. مؤكدا أن غياب المساءلة الفعلية يمنح إسرائيل شعورا بالاستثناء، ويؤسس لمنطق القوة بدل الحق، فيتكرر استهداف المدنيين والسفن الإنسانية دون خشية من العقاب.
وحسب الخبيرين، فإن الأزمة الراهنة تتجلى في تصاعد الجدل حول جدوى منظومة الحماية القانونية أمام استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، إذ يعيد الهجوم على "أسطول الحرية" السؤال نفسه حول قدرة المؤسسات الدولية على حماية المدنيين وردع القوات المعتدية، في حين تبقى الجهود الإنسانية رهينة المساومات السياسية والصراع على النفوذ داخل مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
إعلانوأمام هذا التحدي الإسرائيلي، يجد المجتمع الدولي نفسه أمام اختبار جدّي لمدى التزامه بتطبيق قانون البحار واتفاقيات جنيف. ومن ثم يشير الدكتور الحسيني إلى أن الدول التي ترفع سفنها أعلاما وطنية وتتعرض للاعتداء تملك حق تقديم احتجاجات رسمية، والمطالبة بتعويضات أو اللجوء إلى المحكمة الدولية المختصة، إلى جانب رفع قضايا عاجلة لمجلس الأمن الدولي بهدف فرض عقوبات أو قرارات ردع ضد إسرائيل.
لكن الدكتور أبو بدوية يرى أن هذه الخيارات تبقى معلقة بين النصوص والواقع، إذ يواجه الفلسطينيون ونشطاء التضامن مع غزة منظومة قانونية تتسم بازدواجية المعايير؛ فبينما تشتد الحماية في حالات أخرى، يتحول القانون الدولي في الحالة الفلسطينية إلى بيانات ومناشدات عاجزة عن وقف الانتهاكات.
ويضيف أن إرادة المجتمع الدولي في تطبيق القانون ما زالت غائبة، مما يجعل الفلسطينيين في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية بمفردهم، ويحول العدالة الدولية إلى خيار نظري لا يترجم فعليا، رغم وضوح الانتهاكات وجسامة الجرائم.
يذكر أن الهجوم على "أسطول الحرية" اليوم الأربعاء ليس الأول من نوعه؛ فقد اعترضت البحرية الإسرائيلية قبل نحو أسبوعين "أسطول الصمود العالمي" المتجه إلى غزة، وكان يضم نحو ألف ناشط و50 سفينة، حيث قامت قوات الاحتلال باعتقال المتضامنين بشكل تعسفي قبل أن تفرج عن معظمهم لاحقا.
وأفادت شهادات النشطاء الذين احتجزتهم إسرائيل بسوء المعاملة والانتهاكات الحقوقية داخل أماكن الاحتجاز والتحقيق الإسرائيلية، وتؤكد هذه الوقائع أن إسرائيل ماضية في سياسة استهداف السفن الإنسانية كجزء من مسار طويل من تحدي القانون الدولي، وسط استمرار الغضب الدولي وتكرار المطالبات بإنهاء الحصار وحماية المدنيين في قطاع غزة.