حمدان بن محمد: عبر فهم التاريخ.. نفهم الحاضر ونبني حضارتنا ومستقبلنا
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
أكد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، الثلاثاء، أنه من خلال فهم التاريخ، نفهم الحاضر، ونبني حضارتنا ومستقبلنا.
وقال سموه عبر «إنستغرام»: من أمام قصر الشيخ راشد بن سعيد في زعبيل حضرت اليوم مع مجموعةٍ من أهل دبي ورواد العمل الخيري جلسة مثرية لبروفيسور التاريخ روي كازاغراندا الذي أخذنا في نقاشٍ عميق حول تاريخ العالم والمنطقة.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم
إقرأ أيضاً:
رسالة وفاء إلى صديقنا الغائب الحاضر
من الناس من يشكل حضوراً أنيقاً حتى في أزمنة الغياب، ومنهم صديقنا هذا. فأين ما حللت وحيث ما كنت يظلَّ سؤال الأصدقاء عنه معقوداً في ألسنتهم، بل يُلحون في الاستفسار عن ذيالك الوليف البشوش وضاح المحيا، وذلك على إثر تطاول غيبته عنهم. وهو من كان طوال حياته عقد واسطتهم. وتجده مُبادراً على صعيد الأنشطة السياسية والاجتماعية كافة، ظلَّ خلالها شعلة نشاط مُتقد. يُكنيه أُولئك الأصدقاء بــلقب (أبو خالد) وسماه أهله حين ميلاده عبد العزيز خالد عثمان العمدة، ولا هؤلاء ولا أولئك يزيدون بإلحاق رتبته العسكرية (العميد) بالتعريف، ذلك لأنه هو نفسه كان قد تركها وراءه ظهرياً، وتحديداً منذ أن وطأت العصبة ذوو البأس تراب ذلك البلد الأمين ودنسته، ثمَّ تركته هشيماً تذروه الرياح.
أجيب السائلين دوماً بأنه يخضع لغسيل الكُلى، الذي يحتاج للصبر والمثابرة، ومن حسن تصاريف الأقدار فإن تلك صفات ظلَّ (أبو خالد) يتمتع بها أصلاً مع كثرة ما يتميز به من خصال حميدة. والحق يُقال سوف ترهق تلك الصفات راصدها إن غامر يوماً وأحصاها. وبالطبع كما نعلم ويعلمون فإن أصعب ما يمكن أن يُمتحن فيه مُصاب هذا الداء الوبيل، حرمانه من التواصل الطبيعي مع من يحبهم ويحبوه، لا سيَّما لرجل مثله ملأ الدنيا وشغل الناس. وكأني به هو من عناه خليل فرح في قوله: كان مع الأحباب نجمه شارق/ ماله والأفلاك في الظلام.
التقيت (أبو خالد) للمرة الأولى في القاهرة قبل أكثر من ثلاثين عاماً. جاءها مُتخفياً على ظهر جمل بعد رحلة طوافٍ على سجون ومعتقلات نظام الأبالسة. وبالوسيلة نفسها عبر الصحراء ثمانية رهط آخرين من الرفاق المدنيين والعسكريين. كانت أرض الوطن قد ضاقت بهم بما رحبت، أما أنا فقد جئت نازحاً من الكويت بعد الغزو العراقي. فتوطدت بيننا علائق المودة والإخاء والهم الوطني. وعلى الرغم من أن (أبو خالد) يحيط نفسه دوماً بهدوءٍ معهودٍ لا تخطئه العين، إلا أن دواخله كانت تمور غضباً على نظام سدر في غيه تقتيلاً وتعذيباً وتشريداً لمعارضيه، ذلك ما حدا به أن يتوجه ورفاق آخرون صوب العاصمة الإريترية أسمرا، التي وصلتها قبلاً لتصبح مقراً يسع الحسنين عندي، الصحافة والسياسة.
كان (أبو خالد) ورفاقه قد أعلنوا انسلاخهم من (القيادة الشرعية) وكونوا (قوات التحالف السودانية) في ديسمبر 1994م ليظهر اسم عبد العزيز خالد للمرة الأولى إلى جانب الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحركة الشعبية لتحرير السودان وذلك فيما سُمي (اجتماع القوى الرئيسية) وكان ذلك بمثابة إشهار لتنظيم لم يشب عن الطوق بعد، وفتح ذلك الباب أمام حركة استقطاب مُكثف لطارقيه. كما تزامن ذلك مع توق الناشطين للخلاص من مخالب نظام الأبالسة والانعتاق عن ربقة الاستبداد.
موازاة مع هذا بدأ النشاط المُعارض في التوسع التدريجي، ثمَّ بدأت إرهاصات تدشين عمل مسلح تحوم في الأفق. وكذلك حينها شرع النظام في استخدام آلياته القمعية المعروفة، وزاد عليها طرقاً مختلفة وأساليب مُتعددة. وتبعاً لذلك مُنعت أسرتي الصغيرة (زوجة وثلاثة أطفال) من المغادرة عبر مطار الخرطوم، فأخذهم أحد أفراد الأسرة الكبيرة واتجه بهم صوت مدينة كسلا للخروج من المنفذ الحدودي، وطلب مني أن انتظرهم على الجانب الإريتري والمُسمى (13/ اللفة) وكانت المفاجأة منعهم من المغادرة أيضاً، فظلَّوا يتوسلونها على مدى أكثر من عشرة أيام، كنا خلالها نتواصل بقصاصات الورق بواسطة العابرين وأصحاب البكاسي والكاروهات والبؤساء الراجلين أرضاً (تماماً كما في فيلم الحدود للممثل السوري دريد لحام) بلا جدوى.
اتخذت من (بنسيون) صغير مقراً أتحرك منه صباحاً نحو الحدود حتى مغرب الشمس. ذات يوم من أيام الانتظار المملة تلك (لا أنيس ولا جليس، ولا ظل ولا شجر) وبينما كنت أحاول استكشاف المنطقة تبديداً للملل. فجأة رأيت (أبو خالد) مُستقلاً عربة قادمة من الاتجاه المعاكس. فتوقفنا في تلك الأرض الخلوية وتحدثنا قليلاً بعد انقطاع غاب فيه عن عيني في أسمرا. ساقني حب الاستطلاع أن أرى ماذا يحمل في تلك العربة فرأيت العجب العجاب أو بتعبيره عندما سألته، فقال لي (دي معينات الشغل) وتلك المعينات التي ذكرها كانت عبارة عن (أزيار ماء فخارية وجذوع أشجار وحصائر.. ألخ) ولما رأى الدهشة اتسعت في وجهي، أردف قائلاً: أغراض نحتاجها لمعسكر تحت التشييد. والمفارقة أن تلك كانت أيام ينعق فيها يونس محمود عبر الأثير في إذاعة أمدرمان، بما لا عين رأيت ولا خطر على قلب بشر، ويوصم به المعارضين. فافترقنا ومضى كل منَّا إلى حال سبيله.
لكن تلك تداعيات مع ملودراميتها أتاحت لي أن أكون شاهداً على حدث تاريخي وليد الصدفة. كانت تلك المدينة (تسني) تتوسد براءتها وتنام مبكراً كطفل رضيع. طرق أحدهم الباب في الهزيع الأخير من الليل وعرفني بنفسه، ثمَّ طلب مني أن أرافقه لملاقاة (المقاتل أبو خالد) وكانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها ذلك المصطلح، والحقيقة لم أعبأ به كثيراً، فقط انشغلت في استنكاه الأمر والعربة تنهب الأرض وتشق عين الظلام الدامس، متوغلة نحو العمق السوداني. وبعد طول مسير توقفنا أمام (قطية) رأيت في مدخلها قطع أسلحة متراكمة طبقاً عن طبق. وكان (أبو خالد) مستلقٍ على (عنقريب) وأمامه فانوس بالكاد يضيء عتمة المكان. وبعد السلام قال لي مُبتهجاً وهو يشير لقطع السلاح: اليوم بدأ النضال المسلح ضد نظام الحركة الإسلامية، ثمَّ ناولني ورقة بيضاء وطلب مني أن أصيغ البيان الأول لتلك العملية التي كانت بتاريخ 20/4/1996م. وأيضاً تلك أيام هرف فيها البشير ودعا معارضيه لحمل السلاح إن أرادوا السلطة. ومن المفارقات أن سميه في الديكتاتورية البرهان، يعيد نفس الموال الآن.
بعد أن فرغت من الصياغة بالمعلومات المُتاحة، طرحت عليه مقترحاً بتسميتها، وقال لي ماذا تقترح؟ فقلت له على الفور (عملية الشهيدة التاية أبو عاقلة) نسبة لأنها أول طالبة شهيدة في جامعة الخرطوم، وفي ذلك تكريم لقطاع الطلاب والمرأة، علاوة على وقعها على الشعب السوداني بصفة عامة وأهل منطقتها (بحر أبيض) بصفة خاصة. وهو ما حدث وأصبح بعدئذٍ تقليدا مُتبعً. وفي طريق العودة داهمتني مشاعر كثيرة متأججة. شابها قلق وليد الإمكانات المتواضعة مقارنة بأهداف عظام. وكلما استذكرت تلك الأيام الخوالي مع (أبو خالد) في حديث مؤانسة يقول لي عبارته الأثيرة (ما تنسى يا صحبي أن الكبار كانوا صغاراًً).
في واقع الأمر كانت تلك رؤيته للأشياء. وفي الحقيقة لم أعرف إنساناً أخلص لقضيته وتحمل أوزارها ولاقى فيها عنتاً كبيراً مثلما واجه في حياته. ومع ذلك لم أره يوماً غاضباً، بل يضع الأعذار دائماً لمخالفيه الرأى. ولم يكن نماماً ولا طعاناً ولا بذئ. رأيته زاهداً في أحلك الظروف لا تفارق الابتسامة وجهه. مخلصاً وصدوقاً وحمَّال أسية، كريماً وشجاعاً ومقداماً لا يخشى في قول الحق لومة لائم. نكتب عنه وسنظل نكتب عن أناس كثر، صدقوا ما عاهدوا الوطن عليه. وويح قلبي على ذات الوطن الذي استنسرت فيه بغاث الطير!
آخر الكلام لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!
faldaw@hotmail.com